﴿هَلْ أتى عَلى الإنسان﴾: قد أتى على جنس بني آدم، ﴿حِينٌ منَ الدَّهْرِ﴾: طائفة من الزمن الممتد، ﴿لَمْ يَكُنَ شَيْئًا مَّذكُورًا﴾: لم يعرف، ولم يذكر، وعن بعض المراد آدم، فإنه ملقى أربعين سنة قبل نفخ الروح فيه، والجملة حال من الإنسان، أو وصف لحين بحذف الراجع أي: لم يكن فيه شيئًا، ﴿إنّا خَلَقْنا الإنسانَ﴾: بني آدم، ﴿مِن نُطْفَةٍ أمْشاجٍ﴾، جمع مشج أي: أخلاط أي: من نطفة قد اختلط، وامتزج فيها ماء الرجل والمرأة، أو ألوان فما للرجل لون وللمرأة لون ﴿نَبْتَلِيهِ﴾: مريدين اختباره، ﴿فَجَعَلْناهُ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾: فإنه بالسمع والبصر يتمكن من الطاعة والمعصية، ﴿إنّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ﴾: بيَّنّا له طريق الحق، ﴿إمّا شاكِرًا وإمّا كَفُورًا﴾، حالان من أول مفعولي هدينا أي: هديناه في حاليه جميعًا، أو مقسومًا إلى الحالين بعضهم شاكر بأن سلكوا طريقًا هديناهم، وبعضهم كفور بالإعراض عنه، ﴿إنّا أعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَلاسِلَ وأغْلالًا وسَعِيرًا إنَّ الأبْرارَ﴾، جمع بر أو بارَّ، ﴿يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ﴾: من خمر، ﴿كانَ مِزاجُها كافُورًا﴾: تخلق منها رائحة الكافور، وبياضه وبرده، فكأنها مزجت بالكافور، أو تمزج لهم بالكافور، وتختم لهم بالمسك، ﴿عَيْنًا﴾، بدل من محل من كأس بحذف مضاف أي: خمر عين، أو نصب على الاختصاص، أو الكافور اسم عين فى الجنة، فيكون عينًا بدلًا منه، ﴿يَشْرَبُ بِها﴾ أي: ملتذًّا بها، أو يشرب بمعنى يروى، فلذلك عدي بالباء، أو الباء زائدة، أو بمعنى من، ﴿عِبادُ اللهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيرًا﴾: يجرونها حيث أرادوا من منازلهم، ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ﴾، مستأنفة كأنه قيل: لأي سبب رزقوا ذلك؟ وعن بعض المراد بالنذر الواجب أي: يوفون بما يجب عليهم من الصلاة، والزكاة، وغيرهما، ﴿ويَخافُونَ يَوْمًا كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا﴾: منتشرًا غاية الانتشار فيجتنبون عن المعاصي، ﴿ويُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ﴾ الأولى أن يكون الضمير للطعام ليكون موافقًا لقوله تعالى ”لن تنالوا البر“ الآية [آل عمران: ٩٢]، ولأن فيما بعده، وهو لوجه الله فَنِيَّة أن يكون تقديره على حب الله، ﴿مِسْكِينًا ويَتِيمًا وأسِيرًا﴾: وإن كان من أهل الشرك أمر - عليه السلام - يوم بدر بإكرام الأسراء أو المراد المسجون من المسلمين، أو المراد الأرقاء نزلت حين نذر علي وفاطمة صوم ثلاث في مرض ولديهما إن بريا فلما صاما وأرادا الإفطار وقف عليهما مسكين فآثراه فباتا بلا عشاء، ثم وقف عليهما في الليلة الثانية يتيم، فآثراه فباتا جائعين ثم في الثالثة أسير من المشركين فآثراه فلم يفطرا في صوم ثلاث إلا بالماء [[السورة مكية وعليٌّ - رضي الله عنه - بنى بفاطمة - رضي الله عنه - في المدينة؟! وهذه الرواية ذكرها القرطبي في تفسيره، وقال الترمذي: الحكيم أبو عبد الله في نوادر ْالأصول: فهذا حديث مزوّق مزيف قد تطرف فيه صاحبه حتى تشبه على المستمعين، فالجاهل بهذا الحديث يعض شفتيه تلهفًا ألا يكون بهذه الصفة، ولا يعلم أن صاحب هذا الفعل مذموم. وذلك لأنه بفعله هذا ضيع من يعول، حيث قال ﷺ: ”كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يقوت“ [وذكره الواحدي في: ”أسباب النزول“ (١/ ٣٣١)].]]، ﴿إنَّما نُطْعِمُكُمْ﴾: قائلين ذلك بلسان الحال، أو المقال ليعرف الفقير أنها صدقة ليست للمجازاة، ﴿لِوَجْهِ اللهِ﴾: خالصًا غير مشوب بحظ النفس، ﴿لا نُرِيدُ مِنكم جَزاءً ولا شُكُورًا﴾، مصدر كالقعود، ﴿إنّا نَخافُ مِن رَبِّنا﴾، مستأنفة للتعليل، ﴿يَوْمًا﴾ أي: عذابه، ﴿عَبُوسًا﴾، مجاز أي: عبوسًا فيه أهله، أو كالأسد العبوس في الضرر والشدة، ﴿قَمْطَرِيرًا﴾: شديد العبوس، عن عكرمة وغيره، يعبس الكافر حتى يسيل من بين عينيه عرق كالقطران، وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - العبوس الضيق، والقمطرير الطويل، ﴿فَوَقاهُمُ اللهُ شَرَّ ذَلِكَ اليَوْمِ ولَقّاهم نَضْرَةً﴾، بدل عبوس الكفار، ﴿وسُرُورًا﴾، بدل حزنهم، ﴿وجزاهُم بِما صَبَرُوا﴾: على ترك الشهوات، وأداء الواجبات، ﴿جَنَّةً وحَرِيرًا﴾: يلبسونه، ﴿مُتَّكِئِينَ فِيها﴾، حال من أول مفعولي جزاء، أو صفة لثاني مفعوليه على مذهب الكوفيين، ﴿عَلى الأرائِكِ﴾: السرر في الحجال، ﴿لاَ يَرَوْنَ فِيها شَمْسًا ولاَ زَمْهَرِيرًا﴾: لا حرٌّ مزعجٌ، ولا بردٌّ مؤلم، بل هواء معتدل، ﴿ودانِيةً﴾: قريبة، ﴿عَلَيْهِمْ ظِلالُها﴾، الواو للعطف على متكئين، ”ولا يرون“ يحتمل أن يكون حالًا من ضمير متكئين، ﴿وذُلِّلَتْ﴾: سهلت، ﴿قُطُوفُها﴾ ثمارها، ﴿تَذْلِيلًا﴾: لا يمتنع على قطافها في أى حال يكونون من القيام، والرقود يحتمل أن يكون الواو حالًا من ضمير عليهم بحذف العائد أي: وذلك لهم، ﴿ويُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ﴾، الباء للتعدية، ﴿مِن فِضَّةٍ وأكْوابٍ﴾: أباريق بلا عروة، ﴿كانَتْ قَوارِيرا قَوارِيرَ مِن فِضَّةٍ﴾ أي: جامعة بين صفاء الزجاجة، وبياض الفضة، ولينها ونصب قوارير على البدل، أو بتقدير أعني، ﴿قَدَّرُوها تَقْدِيرًا﴾، الضمير للطائفين بها الدال عليه ”يطاف عليهم“ أي: قدرَ الخدمُ الآنيةَ على قدر ريهم وحاجتهم لا يزيد فيها الشراب، ولا ينقص، وهو ألذ للشارب، وقيل: مرجع هذا الضمير مرجع سائر الضمائر في الآية أي قدروها في أنفسهم، فجاءت مقاديرها، وأشكالها كما تمنوه، ﴿ويُسْقَوْنَ فِيها كَأْسًا﴾ خمرًا ﴿كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلًا عَيْنًا فِيها﴾، المعنى والإعراب كما مر في كان مزاجها كافورًا عينًا، والعرب تستطيب طعم الزنجبيل جدًا، وعن قتادة وغيره: الأبرار يمزج لهم من هذا تارة ومن ذاك أخرى، وأما المقربون فيشربون من كل منهما صرفًا، ﴿تُسَمّى سَلْسَبِيلًا﴾، لسلاسة في الحلق ليس فيها إحراق الزنجبيل، ولدغه مع أن فيها طعمه، أو سميت به، لأنها تسيل عليهم في السبل، والطرق، والمنازل، ﴿ويَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ﴾: لا يموتون، ﴿إذا رَأيْتَهم حَسِبْتَهم لُؤْلُؤًا مَنثُورًا﴾: من صفاء ألوانهم، وطراوتهم، وانبثاثهم فى منازلهم، ﴿وإذا رَأيْتَ ثَمَّ﴾ أي: إذا وجدت الرؤية في الجنة، ترك مفعوله ليعم، ﴿رَأيْتَ نَعِيمًا ومُلْكًا كَبِيرًا﴾: واسعًا، ﴿عالِيَهُمْ﴾، بالنصب حال من عليهم وبسكون الياء مبتدأ، وقوله: ﴿ثِيابُ سُنْدُسٍ﴾، خبره، وهو ما رقَّ من الثياب، ﴿خُضْرٌ﴾، بالجر صفة سُنْدُسٍ، وبالرفع صفة ثياب، ﴿وإسْتَبْرَقٌ﴾: هو ما غلظ من الثياب، وله بريق، ولمعان بالرفع عطف على ثياب، وبالجر على سندس، ﴿وحُلُّوا﴾، عطف على ويطوف، ﴿أساوِرَ﴾، جمع سوار، ﴿مِن فِضَّةٍ﴾، وهذا للأبرار، وأما المقربون فيحلون من أساور من ذهب، أو للأبرار أساور من ذهب، وفضة، ﴿وسَقاهم رَبُّهم شَرابًا طَهُورًا﴾، عين على باب الجنة من شرب منها نزع ما كان في قلبه من الأخلاق الرديئة، أو طاهرًا من الأقذار لم تدنسه الأيدي، والأرجل كخمر الدنيا، أو لأنه يرشح عرقًا له ريح كالمسك، ﴿إنَّ هَذا كانَ لَكُمْ﴾ أي: يقال لهم ذلك، ﴿جَزاءً وكانَ سَعْيُكم مَشْكُورًا﴾: غير مضيَّع.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["هَلۡ أَتَىٰ عَلَى ٱلۡإِنسَـٰنِ حِینࣱ مِّنَ ٱلدَّهۡرِ لَمۡ یَكُن شَیۡـࣰٔا مَّذۡكُورًا","إِنَّا خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَـٰنَ مِن نُّطۡفَةٍ أَمۡشَاجࣲ نَّبۡتَلِیهِ فَجَعَلۡنَـٰهُ سَمِیعَۢا بَصِیرًا","إِنَّا هَدَیۡنَـٰهُ ٱلسَّبِیلَ إِمَّا شَاكِرࣰا وَإِمَّا كَفُورًا","إِنَّاۤ أَعۡتَدۡنَا لِلۡكَـٰفِرِینَ سَلَـٰسِلَا۟ وَأَغۡلَـٰلࣰا وَسَعِیرًا","إِنَّ ٱلۡأَبۡرَارَ یَشۡرَبُونَ مِن كَأۡسࣲ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا","عَیۡنࣰا یَشۡرَبُ بِهَا عِبَادُ ٱللَّهِ یُفَجِّرُونَهَا تَفۡجِیرࣰا","یُوفُونَ بِٱلنَّذۡرِ وَیَخَافُونَ یَوۡمࣰا كَانَ شَرُّهُۥ مُسۡتَطِیرࣰا","وَیُطۡعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ مِسۡكِینࣰا وَیَتِیمࣰا وَأَسِیرًا","إِنَّمَا نُطۡعِمُكُمۡ لِوَجۡهِ ٱللَّهِ لَا نُرِیدُ مِنكُمۡ جَزَاۤءࣰ وَلَا شُكُورًا","إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا یَوۡمًا عَبُوسࣰا قَمۡطَرِیرࣰا","فَوَقَىٰهُمُ ٱللَّهُ شَرَّ ذَ ٰلِكَ ٱلۡیَوۡمِ وَلَقَّىٰهُمۡ نَضۡرَةࣰ وَسُرُورࣰا","وَجَزَىٰهُم بِمَا صَبَرُوا۟ جَنَّةࣰ وَحَرِیرࣰا","مُّتَّكِـِٔینَ فِیهَا عَلَى ٱلۡأَرَاۤىِٕكِۖ لَا یَرَوۡنَ فِیهَا شَمۡسࣰا وَلَا زَمۡهَرِیرࣰا","وَدَانِیَةً عَلَیۡهِمۡ ظِلَـٰلُهَا وَذُلِّلَتۡ قُطُوفُهَا تَذۡلِیلࣰا","وَیُطَافُ عَلَیۡهِم بِـَٔانِیَةࣲ مِّن فِضَّةࣲ وَأَكۡوَابࣲ كَانَتۡ قَوَارِیرَا۠","قَوَارِیرَا۟ مِن فِضَّةࣲ قَدَّرُوهَا تَقۡدِیرࣰا","وَیُسۡقَوۡنَ فِیهَا كَأۡسࣰا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِیلًا","عَیۡنࣰا فِیهَا تُسَمَّىٰ سَلۡسَبِیلࣰا","۞ وَیَطُوفُ عَلَیۡهِمۡ وِلۡدَ ٰنࣱ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَیۡتَهُمۡ حَسِبۡتَهُمۡ لُؤۡلُؤࣰا مَّنثُورࣰا","وَإِذَا رَأَیۡتَ ثَمَّ رَأَیۡتَ نَعِیمࣰا وَمُلۡكࣰا كَبِیرًا","عَـٰلِیَهُمۡ ثِیَابُ سُندُسٍ خُضۡرࣱ وَإِسۡتَبۡرَقࣱۖ وَحُلُّوۤا۟ أَسَاوِرَ مِن فِضَّةࣲ وَسَقَىٰهُمۡ رَبُّهُمۡ شَرَابࣰا طَهُورًا","إِنَّ هَـٰذَا كَانَ لَكُمۡ جَزَاۤءࣰ وَكَانَ سَعۡیُكُم مَّشۡكُورًا"],"ayah":"هَلۡ أَتَىٰ عَلَى ٱلۡإِنسَـٰنِ حِینࣱ مِّنَ ٱلدَّهۡرِ لَمۡ یَكُن شَیۡـࣰٔا مَّذۡكُورًا"}