قوله تعالى: (قُلْ أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ). إِنْ قِيلَ: كَيْفَ قَالَ "أَذلِكَ خَيْرٌ" وَلَا خَيْرَ فِي النَّارِ، فَالْجَوَابُ أَنَّ سِيبَوَيْهِ حَكَى عَنِ الْعَرَبِ: الشَّقَاءُ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَمِ السَّعَادَةُ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ السَّعَادَةَ أَحَبُّ إِلَيْهِ. وَقِيلَ: لَيْسَ هُوَ مِنْ بَابِ أَفْعَلُ مِنْكَ، وَإِنَّمَا هُوَ كَقَوْلِكَ: عِنْدَهُ خَيْرٌ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَهَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ، كَمَا قَالَ [[هو حسان بن ثابت- رضى الله عنه- يمدح النبي ﷺ ويهجو أبا سفيان، وصدر البيت:
أتهجو ولست له بكف]]:
فشركما لخير كما الْفِدَاءُ
قِيلَ: إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ قَدْ دَخَلَتَا فِي بَابِ الْمَنَازِلِ، فَقَالَ ذَلِكَ لِتَفَاوُتِ مَا بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ. وَقِيلَ: هُوَ مَرْدُودٌ عَلَى قَوْلِهِ: "تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ" الْآيَةَ. وَقِيلَ: هُوَ مَرْدُودٌ عَلَى قَوْلِهِ: "أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها". وَقِيلَ: إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى عِلْمِكُمْ وَاعْتِقَادِكُمْ أَيُّهَا الْكُفَّارُ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ صَارُوا كَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّ فِي النَّارِ خَيْرًا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ﴾ أَيْ مِنَ النَّعِيمِ.
(خالِدِينَ كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلًا) قَالَ الْكَلْبِيُّ: وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْجَنَّةَ جَزَاءً عَلَى أَعْمَالِهِمْ فَسَأَلُوهُ ذَلِكَ الْوَعْدَ فَقَالُوا: "رَبَّنا وَآتِنا مَا وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ" [[راجع ج ٤ ص ٣١٧.]]. وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقِيلَ: إِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَسْأَلُ لهم الْجَنَّةَ، دَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ﴾ [[١٥ ص ٢٩٣.]] الْآيَةَ. وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدِ ابن كعب القرظي. وقيل: معنى "وَعْداً مَسْؤُلًا" أَيْ وَاجِبًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يُسْأَلُ كَالدَّيْنِ، حُكِيَ عَنِ الْعَرَبِ: لَأُعْطِيَنَّكَ أَلْفًا. وَقِيلَ: "وَعْداً مَسْؤُلًا" يَعْنِي أَنَّهُ وَاجِبٌ لَكَ فَتَسْأَلُهُ. وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: سَأَلُوا اللَّهَ الْجَنَّةَ فِي الدُّنْيَا وَرَغِبُوا إِلَيْهِ بِالدُّعَاءِ، فَأَجَابَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَى مَا سَأَلُوا وَأَعْطَاهُمْ مَا طَلَبُوا. وَهَذَا يَرْجِعُ إلى القول الأول.
{"ayahs_start":15,"ayahs":["قُلۡ أَذَ ٰلِكَ خَیۡرٌ أَمۡ جَنَّةُ ٱلۡخُلۡدِ ٱلَّتِی وُعِدَ ٱلۡمُتَّقُونَۚ كَانَتۡ لَهُمۡ جَزَاۤءࣰ وَمَصِیرࣰا","لَّهُمۡ فِیهَا مَا یَشَاۤءُونَ خَـٰلِدِینَۚ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ وَعۡدࣰا مَّسۡـُٔولࣰا"],"ayah":"لَّهُمۡ فِیهَا مَا یَشَاۤءُونَ خَـٰلِدِینَۚ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ وَعۡدࣰا مَّسۡـُٔولࣰا"}