الباحث القرآني

ولَمّا ذَكَرَ تَعالى نَعِيمَهم بِها ذَكَرَ تَنَعُّمَهم فِيها فَقالَ: ﴿لَهم فِيها﴾ أيِ الجَنَّةِ خاصَّةً لا في غَيْرِها ﴿ما يَشاءُونَ﴾ مِن كُلِّ ما تَشْتَهِيهِ أنْفُسُهم ﴿خالِدِينَ﴾ لا يَبْغُونَ عَنْهُ حِوَلًا ﴿كانَ﴾ أيْ ذَلِكَ كُلُّهُ ﴿عَلى رَبِّكَ﴾ أيِ المُحْسِنِ إلَيْكَ بِالإحْسانِ إلى أتْباعِكَ ﴿وعْدًا﴾ ولَمّا أشارَ سُبْحانَهُ إلى إيجابِ ذَلِكَ عَلى نَفْسِهِ العَظِيمَةِ بِالتَّعْبِيرِ بِ ”عَلى“ والوَعْدِ، وكانَ الإنْسانُ لا سِيَّما مَجْبُولًا عَلى عِزَّةِ النَّفْسِ، لا يَكادُ يَسْمَحُ بِأنْ يَسْألَ فِيما لا يُحَقِّقُ حُصُولَهُ، قالَ: ﴿مَسْؤُولا﴾ أيْ حَقِيقًا بِأنْ يَسْألَ إنْجازَهُ، لِأنَّ سائِلَهُ خَلِيقٌ بِأنْ يُجابَ سُؤالُهُ، وتُحَقَّقَ ظُنُونُهُ وآمالُهُ، فالمَعْنى أنَّهُ إذا انْضافَ إلى تَحْتِيمِهِ الشَّيْءَ عَلى نَفْسِهِ (p-٣٥٧)سُؤالُ المَوْعُودِ بِهِ إيّاهُ، أُنْجِزَ لا مَحالَةَ، وهو مِن وادِي ﴿أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إذا دَعانِ﴾ [البقرة: ١٨٦] وفِيهِ حَثٌّ عَظِيمٌ عَلى الدُّعاءِ، وتَرْجِيَةٌ كَبِيرَةٌ لِلْإجابَةِ، كَما وعَدَ بِذَلِكَ سُبْحانَهُ في ﴿أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ﴾ [البقرة: ١٨٦] و﴿ادْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: ٦٠] وإنْ لَمْ يَرَ الدّاعِي الإنْجازَ فَإنَّ الأمْرَ عَلى ما رَواهُ الإمامُ أحْمَدُ والبَزّارُ وأبُو يَعْلى المُنْذِرِيُّ: بِأسانِيدَ جَيِّدَةٍ - والحاكِمُ وقالَ: صَحِيحُ الإسْنادِ عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «ما مِن مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيها إثْمٌ ولا قَطِيعَةُ رَحِمٍ إلّا أعْطاهُ اللَّهُ بِها إحْدى ثَلاثٍ: إمّا أنْ يَجْعَلَ لَهُ دَعْوَتَهُ، وإمّا أنْ يَدَّخِرَها لَهُ في الآخِرَةِ، وإمّا أنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَها، قالُوا: إذَنْ نُكْثِرُ؟ قالَ: اللَّهُ أكْثَرُ» . ولِلْحاكِمِ عَنْ جابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «يَدْعُو اللَّهُ بِالمُؤْمِنِ يَوْمَ القِيامَةِ حَتّى يُوقِفَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَيَقُولُ: عَبْدِي! إنِّي أمَرْتُكَ أنْ تَدْعُوَنِي، ووَعَدْتُكَ أنْ أسْتَجِيبَ لَكَ فَهَلْ كُنْتَ تَدْعُونِي؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ! يا رَبِّ فَيَقُولُ: أما إنَّكَ لَمْ تَدْعُنِي بِدَعْوَةٍ إلّا اسْتُجِيبَ لَكَ؟ ألَيْسَ دَعَوْتَنِي يَوْمَ كَذا وكَذا لِغَمٍّ نَزَلَ بِكَ أنْ أُفَرِّجَ عَنْكَ فَفَرَّجْتُ عَنْكَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ! يا رَبِّ! فَيَقُولُ: إنِّي عَجَّلْتُها لَكَ في الدُّنْيا، ودَعَوْتَنِي يَوْمَ كَذا وكَذا لِغَمٍّ نَزَلَ بِكَ أنْ أُفَرِّجَ عَنْكَ فَلَمْ تَرَ فَرَجًا؟ قالَ: نَعَمْ! يا رَبِّ فَيَقُولُ: إنِّي ادَّخَرْتُ لَكَ بِها في الجَنَّةِ كَذا وكَذا، ودَعَوْتَنِي في حاجَةٍ أقْضِيها لَكَ في يَوْمٍ كَذا وكَذا فَقَضَيْتُها؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ! يا رَبِّ! فَيَقُولُ: إنِّي عَجَّلْتُها (p-٣٥٨)لَكَ في الدُّنْيا، ودَعَوْتَنِي يَوْمَ كَذا وكَذا في حاجَةٍ أقْضِيها لَكَ فَلَمْ تَرَ قَضاءَها؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ! يا رَبِّ! فَيَقُولُ إنِّي ادَّخَرْتُ لَكَ بِها في الجَنَّةِ كَذا وكَذا، قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: فَلا يَدَعُ اللَّهُ دَعْوَةً دَعا بِها عَبْدَهُ المُؤْمِنَ إلّا بَيَّنَ لَهُ إمّا أنْ يَكُونَ عَجَّلَ لَهُ في الدُّنْيا، وإمّا أنْ يَكُونَ ادَّخَرَ لَهُ في الآخِرَةِ، فَيَقُولُ المُؤْمِنُ في ذَلِكَ المَقامِ: يا لَيْتَهُ لَمْ يَكُنْ عُجِّلَ لَهُ شَيْءٌ مِن دُعائِهِ» . ولِابْنِ حِبّانَ في صَحِيحِهِ والحاكِمِ وقالَ: صَحِيحُ الإسْنادِ - عَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لا تَعْجِزُوا في الدُّعاءِ فَإنَّهُ لَنْ يَهْلِكَ مَعَ الدُّعاءِ أحَدٌ» . ولِلتِّرْمِذِيِّ والحاكِمِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «ادْعُوا اللَّهَ وأنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإجابَةِ» . ولِلْبُخارِيِّ ومُسْلِمٍ (p-٣٥٩)وأبِي داوُدَ والتِّرْمِذِيِّ وابْنِ ماجَةَ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: «يُسْتَجابُ لِأحَدِكم ما لَمْ يُعَجِّلْ، يَقُولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي» وفي رِوايَةٍ لِمُسْلِمٍ والتِّرْمِذِيِّ: «لا يَزالُ يُسْتَجابُ لِلْعَبْدِ ما لَمْ يَدْعُ بِإثْمٍ أوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ ما لَمْ يَسْتَعْجِلْ، قِيلَ: يا رَسُولَ اللَّهِ! ما الِاسْتِعْجالُ؟ قالَ: يَقُولُ: قَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ ويَدَعُ الدُّعاءَ» قالَ المُنْذِرِيُّ: يَسْتَحْسِرُ أيْ يَمَلُّ ويَعْيا فَيَتْرُكُ الدُّعاءَ - انْتَهى. وقَدْ فُهِمَ مِنَ الآيَةِ ومِنَ الحَدِيثِ في اسْتِثْناءِ الإثْمِ وقَطِيعَةِ الرَّحِمِ أنَّ ما لا مانِعَ مِن سُؤالِهِ مَوْعُودٌ بِإجابَتِهِ ونَوالِهِ، فَلْيَدْعُ الإنْسانُ بِهِ مُوقِنًا بِالإجابَةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب