الباحث القرآني
قال الكلبي: نزل هذا كله في أبي جهل والكفار الذين ذكروا تلك الشبهات.
قوله تعالى: ﴿أذلك خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الخلد﴾ الآية. لما وصف العقاب المعد للمكذبين بالساعة أتبعه بما يؤكد الحسرة والندامة فقال: «أَذَلِكَ خَيْرٌ» .
فإن قيل: كيف يقال: العذاب خير أم جنة الخلد؟ وهل يجوز أن يقول العاقل: السكر أحلى أم الصبر؟ فالجواب: هذا يحسن في معرض التقريع كما إذا أعطى السيد عبده مالاً فتمرد وأبى واستكبر فضربه ويقول له: أهذا خير أم ذلك؟
فصل
قال أبو مسلم: جنة الخلد: هي التي لا ينقطع نعيمها، والخلد والخلود سواء كالشكر والشكور، قال تعالى: ﴿لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُوراً﴾ [الإنسان: 9] . فإن قيل: الجنة اسم لدار مخلدة، فأي فائدة في قوله: «جَنَّةُ الخُلْدِ» ؟ فالجواب: الإضافة قد تكون للتبيين، وقد تكون لبيان صفات الكمال، كقوله تعالى: «الخَالِقُ البَارِئ» وهذا من هذا الباب.
فصل
احتج المعتزلة بهذه الآية على إثبات الاستحقاق من وجهين:
الأول: اسم الجزاء لا يتناول إلا المستحق، فأما الموعود بمحض التفضيل فلا يسمى جزاء.
والثاني: لو كان المراد بالجزاء ما صرتُم إليه بمجرد الوعد فلا يبقى بين قوله: «جَزَاءً» وبين قوله: «مَصِيراً» تفاوت، فيصير ذلك تكريراً من غير فائدة.
والجواب: أنه لا نزاع في كونه جزاء إنما النزاع في أن كونه جزاء ثبت بالوعد أو بالاستحقاق، وليس في الآية ما يدل على التعيين.
فإن قيل: إن الجنة ستصير للمتقين جزاء ومصيراً لكنها بعد ما صارت كذلك، فلم قال الله ﴿كَانَتْ لَهُمْ جَزَآءً وَمَصِيراً﴾ ؟
فالجواب من وجهين: الأول: أن ما وعده فهو في تحققه كأنه قد كان؛ ولأنه قد كان مكتوباً في اللوح المحفوظ قبل أن يخلقهم الله بأزمنة متطاولة أن الجنة جزاؤهم (ومصيراً) .
قوله: ﴿لَّهُمْ فِيهَا مَا يَشَآءُونَ﴾ هو نظير قوله: ﴿وَلَكُمْ فِيهَا مَا تشتهي أَنفُسُكُمْ﴾ [فصلت: 31] ، ﴿وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأنفس﴾ [الزخرف: 71] . فإن قيل: أهل الدرجات النازلة إذا شاهدوا الدرجات العالية لا بد وأن يريدوها، فإذا سألوها ربهم، فإن أعطاها لم يبق بين الناقص والكامل تفاوت في الدرجة، وإن لم يعطها قدح ذلك في قوله ﴿لَّهُمْ فِيهَا مَا يَشَآءُونَ﴾ ، وأيضاً فالأب إذا كان ولده في دركات النيران وأشد العذاب فلو اشتهى أن يخلصه الله تعالى من ذلك العذاب، (فلا بد وأن يسأل ربه أن يخلصه منه) ، فإن فعل قدح ذلك في أن عذاب الكافر مخلد، وإن لم يفعل قدح ذلك في قوله: ﴿وَلَكُمْ فِيهَا مَا تشتهي أَنفُسُكُمْ﴾ [فصلت: 31] ، وفي قوله: ( ﴿لَّهُمْ فِيهَا مَا يَشَآءُونَ خَالِدِينَ﴾ ) .
والجواب أن الله تعالى يزيل هذا الخاطر عن قلوب أهل الجنة ويشتغلون بما هم فيه من اللذات عن الالتفات إلى حال غيرهم.
قوله: «خَالِدينَ» منصوب على الحال، إما من فاعل «يَشَاءونَ» وإما من فاعل «لَهُمْ» ، لوقوعه خبراً، والعائد على «ما» محذوف، أي: لهم فيها الذي يشاءونه حال كونهم خالدين.
قوله: ﴿كَانَ على رَبِّكَ﴾ في اسم «كَانَ» وجهان:
أحدهما: أنه ضمير «ما يشاءون» ذكره أبو البقاء.
والثاني: أن يعود على الوعد المفهوم من قوله «وُعِدَ المُتَّقُونَ» . و «مَسْؤولاً» على المجاز، يسأل هل وفى لك أم لا، أو يسأله من وعد به.
فصل
قوله: ﴿كَانَ على رَبِّكَ وَعْداً مَّسْئُولاً﴾ يدل على أن الجنة حصلت بحكم الوعد لا بحكم الاستحقاق كما تقدم. وقوله: «مَسْؤولاً» أي: مطلوباً، قيل: إن المتقين سألوا ربهم في الدنيا فقالوا: ﴿رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا على رُسُلِكَ﴾ [آل عمران: 194] وقال محمد بن كعب القرظي: الملائكة سألوا ربهم للمؤمنين بقولهم: ﴿رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ التي وَعَدْتَّهُمْ﴾ [غافر: 8] .
وقيل: إن المكلفين سألوه بلسان الحال؛ لأنهم لما تحملوا المشقة الشديدة في طاعة الله كان ذلك قائماً مقام السؤال، قال المتنبي:
3867 - وَفِي النَّفْسِ حَاجَاتٌ وَفِيكَ فَطَانَةٌ ... سُكُوتِي كَلاَمٌ عَنْدَهَا وَخِطَابُ
وقيل: «وَعْداً مَسؤولاً» أي: واجباً وإن لم يسأل. قاله الفراء وقيل: «مَسْؤولاً» أي: من حقه أن يكون مسؤولاً، لأنه حق واجب إما بحكم الاستحقاق على قول المعتزلة، أو بحكم الوعد على قول أهل السنة.
{"ayahs_start":15,"ayahs":["قُلۡ أَذَ ٰلِكَ خَیۡرٌ أَمۡ جَنَّةُ ٱلۡخُلۡدِ ٱلَّتِی وُعِدَ ٱلۡمُتَّقُونَۚ كَانَتۡ لَهُمۡ جَزَاۤءࣰ وَمَصِیرࣰا","لَّهُمۡ فِیهَا مَا یَشَاۤءُونَ خَـٰلِدِینَۚ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ وَعۡدࣰا مَّسۡـُٔولࣰا"],"ayah":"لَّهُمۡ فِیهَا مَا یَشَاۤءُونَ خَـٰلِدِینَۚ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ وَعۡدࣰا مَّسۡـُٔولࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











