الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿قالُوا يَا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا﴾ أَيْ كُنَّا نَرْجُو أَنْ تَكُونَ فِينَا سَيِّدًا قَبْلَ هَذَا، أَيْ قَبْلَ دَعْوَتِكَ النُّبُوَّةَ. وَقِيلَ: كَانَ صَالِحٌ يَعِيبُ آلِهَتَهُمْ وَيَشْنَؤُهَا، وَكَانُوا يَرْجُونَ رُجُوعَهُ إِلَى دِينِهِمْ، فَلَمَّا دَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ قَالُوا: انْقَطَعَ رَجَاؤُنَا مِنْكَ. (أَتَنْهانا) اسْتِفْهَامٌ مَعْنَاهُ الْإِنْكَارُ. (أَنْ نَعْبُدَ) أَيْ عَنْ أَنْ نَعْبُدَ. (مَا يَعْبُدُ آباؤُنا) فَأَنْ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ بِإِسْقَاطِ حَرْفِ الْجَرِّ. (وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ) وفى سورة "إبراهيم" "وَإِنَّا" وَالْأَصْلُ وَإِنَّنَا، فَاسْتُثْقِلَ ثَلَاثُ نُونَاتٍ فَأُسْقِطَ الثَّالِثَةُ. (مِمَّا تَدْعُونا) الْخِطَابُ لِصَالِحٍ، وَفِي سُورَةِ "إِبْرَاهِيمَ" "تَدْعُونَنا" [[راجع ص ٣٤٤ من هذا الجزء.]] لِأَنَّ الْخِطَابَ لِلرُّسُلِ [صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ [[من ع.]]] (إِلَيْهِ مُرِيبٍ) مِنْ أَرَبْتُهُ فَأَنَا أُرِيبُهُ إِذَا فَعَلْتُ بِهِ فِعْلًا يُوجِبُ لَدَيْهِ الرِّيبَةَ. قَالَ الْهُذَلِيُّ» : كُنْتُ إِذَا أَتَوْتُهُ مِنْ غَيْبٍ ... يَشُمُّ عِطْفِي وَيَبُزُّ ثَوْبِي [[. (يبز ثوبي): يجذبه إليه.]] كَأَنَّمَا أَرَبْتُهُ بِرَيْبٍ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿قالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي مِنْهُ رَحْمَةً﴾ تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ فِي قَوْلِ نُوحٍ. (فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ) اسْتِفْهَامٌ معنا هـ النَّفْيُ، أَيْ لَا يَنْصُرُنِي مِنْهُ إِنْ عَصَيْتُهُ أَحَدٌ. (فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ) أَيْ تَضْلِيلٍ وأبعاد من الخير، قاله الفراء. وَالتَّخْسِيرُ لَهُمْ لَا لَهُ ﷺ. كَأَنَّهُ قَالَ: غَيْرَ تَخْسِيرٍ لَكُمْ لَا لِي. وَقِيلَ: الْمَعْنَى مَا تَزِيدُونَنِي بِاحْتِجَاجِكُمْ بِدِينِ آبَائِكُمْ غَيْرَ بَصِيرَةٍ بِخَسَارَتِكُمْ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَيا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ﴾ ابْتِدَاءٌ وَخَبَرٌ. (لَكُمْ آيَةً) نُصِبَ عَلَى الْحَالِ، وَالْعَامِلُ مَعْنَى الْإِشَارَةِ أَوِ التَّنْبِيهِ فِي" هَذِهِ ١١. وإنما قيل: ناقة الله، لأنه أخرجها مِنْ جَبَلٍ- عَلَى مَا طَلَبُوا- عَلَى أَنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ. وَقِيلَ: أَخْرَجَهَا مِنْ صَخْرَةٍ صَمَّاءَ مُنْفَرِدَةٍ فِي نَاحِيَةِ الْحِجْرِ يُقَالُ لَهَا الْكَاثِبَةُ [[كذا في والطبري، وفى تاج: كتابة: كرمانة. وفى ك: الكاثية.]]، فَلَمَّا خَرَجَتِ النَّاقَةُ- عَلَى مَا طَلَبُوا- قَالَ لَهُمْ [نَبِيُّ اللَّهِ [[من ع.]]] صَالِحٌ: "هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً". (فَذَرُوها تَأْكُلْ) "أَمْرٌ وَجَوَابُهُ، وَحُذِفَتِ النُّونُ مِنْ" فَذَرُوها". لِأَنَّهُ أَمْرٌ. وَلَا يُقَالُ: وَذَرَ وَلَا وَاذِرَ إِلَّا شَاذًّا. وَلِلنَّحْوِيِّينَ فِيهِ قَوْلَانِ، قال سيبويه: استغنوا عنه بترك. وَقَالَ غَيْرُهُ: لَمَّا كَانَتِ الْوَاوُ ثَقِيلَةً وَكَانَ فِي الْكَلَامِ فِعْلٌ بِمَعْنَاهُ لَا وَاوَ فِيهِ أَلْغَوْهُ، قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ: وَيَجُوزُ رَفْعُ "تَأْكُلْ" عَلَى الْحَالِ وَالِاسْتِئْنَافُ. (وَلا تَمَسُّوها) جَزْمٌ بِالنَّهْيِ. (بِسُوءٍ) قَالَ الْفَرَّاءُ: بِعَقْرٍ. (فَيَأْخُذَكُمْ) جَوَابُ النَّهْيِ. (عَذابٌ قَرِيبٌ) أَيْ قَرِيبٌ مِنْ عَقْرِهَا. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ﴾ فِيهِ مَسْأَلَتَانِ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَعَقَرُوها﴾ إِنَّمَا عَقَرَهَا بَعْضُهُمْ، وَأُضِيفَ إِلَى الْكُلِّ لِأَنَّهُ كَانَ بِرِضَا الْبَاقِينَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي عَقْرِهَا فِي "الْأَعْرَافِ" [[راجع ج ٧ ص ٢٤٠ فما بعدها.]]. وَيَأْتِي أَيْضًا. (فَقالَ تَمَتَّعُوا) أَيْ قَالَ لَهُمْ صَالِحٌ تَمَتَّعُوا، أَيْ بِنِعَمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَبْلَ الْعَذَابِ. (فِي دارِكُمْ) أَيْ فِي بَلَدِكُمْ، وَلَوْ أَرَادَ الْمَنْزِلَ لَقَالَ فِي دُورِكُمْ. وَقِيلَ: أَيْ يَتَمَتَّعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ فِي دَارِهِ وَمَسْكَنِهِ، كَقَوْلِهِ: "يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا" [[راجع ج ١٢ ص ١١ وص ٣٣٠ ج ١٥.]] أَيْ كُلَّ وَاحِدٍ طِفْلًا. وَعَبَّرَ عَنِ التَّمَتُّعِ بِالْحَيَاةِ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَتَلَذَّذُ وَلَا يَتَمَتَّعُ بِشَيْءٍ، فَعُقِرَتْ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ، فَأَقَامُوا يَوْمَ الْخَمِيسِ وَالْجُمْعَةِ وَالسَّبْتِ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْأَحَدِ. وَإِنَّمَا أَقَامُوا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، لِأَنَّ الْفَصِيلَ رَغَا ثَلَاثًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي "الْأَعْرَافِ" فَاصْفَرَّتْ أَلْوَانُهُمْ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ احْمَرَّتْ فِي اليوم الثاني، ثم اسودت في اليوم الثَّالِثِ، وَهَلَكُوا فِي الرَّابِعِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي "الأعراف". الثانية- استدل علماؤنا بإرجاء الْعَذَابَ عَنْ قَوْمِ صَالِحٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ عَلَى أَنَّ الْمُسَافِرَ إِذَا لَمْ يُجْمِعْ عَلَى إِقَامَةِ أَرْبَعِ لَيَالٍ قَصَرَ، لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ الْأَيَّامَ خَارِجَةٌ عَنْ حُكْمِ الْإِقَامَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي "النِّسَاءِ" [[راجع ج ٥ ص ٣٥٧.]] مَا لِلْعُلَمَاءِ فِي هَذَا. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ﴾ أَيْ غَيْرُ كَذِبٍ. وَقِيلَ: غَيْرُ مَكْذُوبٍ فِيهِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا﴾ أَيْ عَذَابُنَا. (نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا) تَقَدَّمَ. (وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ) أَيْ وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ، أَيْ مِنْ فَضِيحَتِهِ وَذِلَّتِهِ. وَقِيلَ الْوَاوُ زَائِدَةٌ، أَيْ نَجَّيْنَاهُمْ مِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ. وَلَا يَجُوزُ زِيَادَتُهَا عِنْدَ سِيبَوَيْهِ وَأَهْلِ الْبَصْرَةِ، وَعِنْدَ الْكُوفِيِّينَ يَجُوزُ زِيَادَتُهَا مع "لما" "وحتى" لَا غَيْرَ. وَقَرَأَ نَافِعٌ وَالْكِسَائِيُّ "يَوْمَئِذٍ" بِالنَّصْبِ. الْبَاقُونَ بِالْكَسْرِ عَلَى إِضَافَةِ "يَوْمٍ" إِلَى "إِذْ". وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو زَيْدٍ عَنْ أبى عمر أَنَّهُ قَرَأَ "وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ" أَدْغَمَ الْيَاءَ فِي الْيَاءِ، وَأَضَافَ، وَكَسَرَ الْمِيمَ فِي "يَوْمِئِذٍ". قَالَ النَّحَّاسُ: الَّذِي يَرْوِيهِ النَّحْوِيُّونَ- مِثْلُ سِيبَوَيْهِ وَمَنْ قَارَبَهُ عَنْ أَبِي عَمْرٍو فِي مِثْلِ هَذَا- الْإِخْفَاءُ، فَأَمَّا الْإِدْغَامُ فَلَا يَجُوزُ، لِأَنَّهُ يَلْتَقِي سَاكِنَانِ، وَلَا يَجُوزُ كَسْرُ الزَّايِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ﴾ أَيْ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ صِيحَ بِهِمْ فَمَاتُوا، وَذُكِرَ لِأَنَّ الصَّيْحَةَ وَالصِّيَاحَ وَاحِدٌ. قِيلَ: صَيْحَةُ جِبْرِيلَ. وَقِيلَ: صَيْحَةٌ مِنَ السَّمَاءِ فِيهَا صَوْتُ كُلِّ صَاعِقَةٍ، وصوت كل شي فِي الْأَرْضِ، فَتَقَطَّعَتْ قُلُوبُهُمْ وَمَاتُوا. وَقَالَ هُنَا: "وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ" وَقَالَ فِي "الْأَعْرَافِ" "فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ" وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ هُنَاكَ [[راجع ج ٧ ص ٢٤٢.]] وَفِي التَّفْسِيرِ: أَنَّهُمْ لَمَّا أَيْقَنُوا بِالْعَذَابِ قَالَ بَعْضُهمْ لِبَعْضٍ مَا مَقَامُكُمْ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْأَمْرُ بَغْتَةً؟! قَالُوا: فَمَا نَصْنَعُ؟ فَأَخَذُوا سُيُوفَهُمْ وَرِمَاحَهُمْ وَعِدَدَهُمْ، وَكَانُوا فِيمَا يُقَالُ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ قَبِيلَةٍ، فِي كُلِّ قَبِيلَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مُقَاتِلٍ، فَوَقَفُوا عَلَى الطُّرُقِ وَالْفِجَاجِ، زَعَمُوا يُلَاقُونَ الْعَذَابَ، فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى الْمَلَكِ الْمُوَكَّلِ بِالشَّمْسِ أن يعذبهم بحرها، فأدناها من رؤوسهم فَاشْتَوَتْ أَيْدِيهِمْ، وَتَدَلَّتْ أَلْسِنَتُهُمْ عَلَى صُدُورِهِمْ مِنَ الْعَطَشِ، وَمَاتَ كُلُّ مَا كَانَ مَعَهُمْ مِنَ الْبَهَائِمِ. وَجَعَلَ الْمَاءُ يَتَفَوَّرُ [[في ع: يفور.]] مِنْ تِلْكَ الْعُيُونِ مِنْ غَلَيَانِهِ حَتَّى يَبْلُغَ السَّمَاءَ، لَا يَسْقُطُ على شي إِلَّا أَهْلَكَهُ مِنْ شِدَّةِ حَرِّهِ، فَمَا زَالُوا كَذَلِكَ، وَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى مَلَكِ الْمَوْتِ أَلَّا يَقْبِضَ أَرْوَاحَهُمْ تَعْذِيبًا لَهُمْ إِلَى أَنْ غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَصِيحَ بِهِمْ فَأُهْلِكُوا. (فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ) أَيْ سَاقِطِينَ عَلَى وُجُوهِهِمْ، قَدْ لَصِقُوا بالتراب كالطير إذ جَثَمَتْ. (أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ) تقدم معناه.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب