الباحث القرآني

﴿قالُوا يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا﴾ أيْ فِيما بَيْنَنا ﴿مَرْجُوًّا﴾ فاضِلًا خَيْرًا نُقَدِّمُكَ عَلى جَمِيعِنا عَلى ما رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ مَشُورًا نَأْمُلُ مِنكَ أنْ تَكُونَ سَيِّدًا سادًّا مَسَدَّ الأكابِرِ، وقالَ كَعْبٌ: كانُوا يَرْجُونَهُ لِلْمُلْكِ بَعْدَ مَلِكِهِمْ لِأنَّهُ كانَ ذا حَسَبٍ وثَرْوَةٍ. وقالَ مُقاتِلٌ: كانُوا يَرْجُونَ رُجُوعَهُ إلى دِينِهِمْ إذْ كانَ يُبْغِضُ أصْنامَهم ويَعْدِلُ عَنْ دِينِهِمْ ﴿قَبْلَ هَذا﴾ أيِ الَّذِي باشَرْتُهُ مِنَ الدَّعْوَةِ إلى التَّوْحِيدِ وتَرْكِ عِبادَةِ الآلِهَةِ، فَلَمّا سَمِعْنا مِنكَ ما سَمِعْناهُ انْقَطَعَ عَنْكَ رَجاؤُنا، وقِيلَ: كانُوا يَرْجُونَ دُخُولَهُ في دِينِهِمْ بَعْدَ دَعْواهُ إلى الحَقِّ ثُمَّ انْقَطَعَ رَجاؤُهم -فَقَبْلَ هَذا- قَبْلَ هَذا الوَقْتِ لا قَبْلَ الَّذِي باشَرَهُ مِنَ الدَّعْوَةِ، وحَكى النَّقّاشُ عَنْ بَعْضِهِمْ أنَّ (مَرْجُوًّا) بِمَعْنى حَقِيرًا وكَأنَّهُ فَسَّرَهُ أوَّلًا بِمُؤَخَّرًا غَيْرَ مُعْتَنًى بِهِ ولا مُهْتَمٍّ بِشَأْنِهِ، ثُمَّ أرادَ مِنهُ ذَلِكَ وإلّا –فَمَرْجُوًّا- بِمَعْنى حَقِيرٍ لَمْ يَأْتِ في كَلامِ العَرَبِ، وجاءَ قَوْلُهُمْ: ﴿أتَنْهانا أنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا﴾ عَلى جِهَةِ التَّوَعُّدِ والِاسْتِبْشاعِ لِتِلْكَ المَقالَةِ مِنهُ، والتَّعْبِيرُ –بِيَعْبُدُ- لِحِكايَةِ الحالِ الماضِيَةِ، وقَرَأ طَلْحَةُ (مَرْجُؤًا) بِالمَدِّ والهَمْزِ ﴿وإنَّنا لَفي شَكٍّ مِمّا تَدْعُونا إلَيْهِ﴾ مِنَ التَّوْحِيدِ وتَرْكِ عِبادَةِ الآلِهَةِ وغَيْرِ ذَلِكَ مِن الِاسْتِغْفارِ والتَّوْبَةِ ﴿مُرِيبٍ﴾ اسْمُ فاعِلٍ مِن أرابَهُ المُتَعَدِّي بِنَفْسِهِ إذا أوْقَعَهُ في الرِّيبَةِ وهي قَلَقُ النَّفْسِ وانْتِفاءُ الطُّمَأْنِينَةِ بِاليَقِينِ، أوْ مِن أرابَ الرَّجُلُ اللّازِمِ إذا كانَ ذا رِيبَةٍ، والإسْنادُ عَلى الوَجْهَيْنِ مَجازِيٌّ إلّا أنَّ بَيْنَهُما -كَما قالَ بَعْضُ المُحَقِّقِينَ- فَرْقًا، وهو أنَّ الأوَّلَ مَنقُولٌ مِنَ الأعْيانِ إلى المَعْنى، والثّانِي مَنقُولٌ مِن صاحِبِ الشَّكِّ إلى الشَّكِّ كَما تَقُولُ: شِعْرُ شاعِرٍ، فَعَلى الأوَّلِ هو مِن بابِ الإسْنادِ إلى السَّبَبِ لِأنَّ وُجُودَ الشَّكِّ سَبَبٌ لِتَشْكِيكِ المُشَكِّكِ ولَوْلاهُ لَما قَدَرَ عَلى التَّشْكِيكِ، والتَّنْوِينُ في (مُرِيبٍ) وفي (شَكٍّ) لِلتَّفْخِيمِ، (وإنَّنا) بِثَلاثِ نُوناتٍ، ويُقالُ: إنّا بِنُونَيْنِ وهُما لُغَتانِ لِقُرَيْشٍ. قالَ الفَرّاءُ: مَن قالَ: إنَّنا أخْرَجَ الحَرْفَ عَلى أصْلِهِ لِأنَّ كِنايَةَ المُتَكَلِّمِينَ –نا- فاجْتَمَعَتْ ثَلاثُ نُوناتٍ، ومَن قالَ: إنّا اسْتَثْقَلَ اجْتِماعَها فَأسْقَطَ الثّالِثَةَ وأبْقى الأُولَيَيْنِ. واخْتارَ أبُو حَيّانَ أنَّ المَحْذُوفَ النُّونُ الثّانِيَةُ لا الثّالِثَةُ لِأنَّ في حَذْفِها إجْحافًا بِالكَلِمَةِ إذْ لا يَبْقى مِنها إلّا حَرْفٌ واحِدٌ ساكِنٌ دُونَ حَذْفِ الثّانِيَةِ لِظُهُورِ بَقاءِ حَرْفَيْنِ بَعْدَهُ عَلى أنَّهُ قَدْ عَهِدَ حَذْفَ النُّونِ الثّانِيَةِ مِن إنَّ مَعَ غَيْرِ ضَمِيرِ المُتَكَلِّمِينَ، ولَمْ يُعْهَدْ حَذْفُ نُونِ -نا- ولا رَيْبَ في أنَّ ارْتِكابَ المَعْهُودِ أوْلى مِنِ ارْتِكابِ غَيْرِ المَعْهُودِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب