الباحث القرآني

قوله عزّ وجلّ: ﴿وَإلى ثَمُودَ أخاهم صالِحًا قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكم مِن إلَهٍ غَيْرُهُ هو أنْشَأكم مِن الأرْضِ واسْتَعْمَرَكم فِيها فاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إلَيْهِ إنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ﴾ ﴿قالُوا يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذا أتَنْهانا أنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا وإنَّنا لَفي شَكٍّ مِمّا تَدْعُونا إلَيْهِ مُرِيبٍ﴾ (p-٥٩٩)التَقْدِيرُ: وأرْسَلَنا إلى ثَمُودَ وقَدْ تَقَدَّمَ القَوْلُ في مِثْلِ هَذا وفي مَعْنى الأُخُوَّةِ في قِصَّةِ هُودٍ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: "وَإلى ثَمُودَ" بِغَيْرِ صَرْفٍ، وقَرَأ ابْنُ وثّابٍ، والأعْمَشُ: "وَإلى ثَمُودٍ" بِالصَرْفِ حَيْثُ وقَعَ، فالأُولى عَلى إرادَةِ القَبِيلَةِ، والثانِيَةُ عَلى إرادَةِ الحَيِّ، وفي هَذِهِ الألْفاظِ الدالَّةِ عَلى الجُمُوعِ ما يَكْثُرُ فِيهِ إرادَةُ الحَيِّ كَقُرَيْشٍ وثَقِيفٍ وما لا يُقالُ فِيهِ بَنُو فُلانٍ وفِيها ما يَكْثُرُ فِيهِ إرادَةُ القَبِيلَةِ كَتَمِيمَ وتَغَلِبَ، ألا تَرى أنَّهم يَقُولُونَ تَغْلِبُ ابْنَةُ وائِلٍ، وقالَ الطِرِّمّاحُ: ؎ .......................... ∗∗∗ إذا نَهَلَتْ مِنهُ تَمِيمٌ وعَلَّتِ وقَوْلُ الآخَرِ: تَمِيمُ بْنُ مَرٍّ وأشْياعُها وفِيها ما يَكْثُرُ فِيهِ الوَجْهانِ كَثَمُودَ وسَبَإٍ، فالقِراءَتانِ هُنا فَصِيحَتانِ مُسْتَعْمَلَتانِ. وقَرَأتْ فِرْقَةُ: "غَيْرُهُ" بِرَفْعِ الراءِ، وقَدْ تَقَدَّمَ آنِفًا. و﴿أنْشَأكم مِنَ الأرْضِ﴾ أيِ: اخْتَرَعَكم وأوجَدَكُمْ، وذَلِكَ بِاخْتِراعِ آدَمَ عَلَيْهِ السَلامُ: فَكَأنَّ إنْشاءَ آدَمَ إنْشاءٌ لِبَنِيهِ. و"اسْتَعْمَرَكُمْ": أيِ: اتَّخَذَكم عُمّارًا، كَما تَقُولُ: اسْتَكْتَبَ واسْتَعْمَلَ. وذَهَبَ قَوْمٌ إلى أنَّها مِنَ العُمْرِ أيْ عَمَّرَكُمْ، وقَدْ تَقَدَّمَ مِثْلُ قَوْلِهِ: (p-٦٠٠)﴿فاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إلَيْهِ.﴾. ﴿إنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ﴾، أيْ: إجابَتُهُ وغُفْرانُهُ قَرِيبٌ مِمَّنْ آمَنَ وأنابَ، و"مُجِيبٌ" مَعْناهُ: بِشَرْطِ المَشِيئَةِ. والظاهِرُ الَّذِي حَكاهُ جُمْهُورُ المُفَسِّرِينَ أنَّ قَوْلَهُ: "مَرْجُوًّا" مَعْناهُ: مُسَوَّدًا، نُؤَمِّلُ فِيكَ أنْ تَكُونَ سَيِّدًا سادًّا مَسَدَّ الأكابِرِ، ثُمَّ قَرَّرُوهُ -عَلى جِهَةِ التَوْبِيخِ في زَعْمِهِمْ- بِقَوْلِهِمْ: "أتَنْهانا"، وحَكى النَقّاشُ عن بَعْضِهِمْ أنَّهُ قالَ: مَعْناهُ: حَقِيرًا. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: فَأمّا أنْ يَكُونَ لَفْظُ "مَرْجُوًّا" بِمَعْنى حَقِيرٍ فَلَيْسَ ذَلِكَ في كَلامِ العَرَبِ، وإنَّما يَتَّجِهُ ذَلِكَ عَلى جِهَةِ التَفْسِيرِ لِلْمَعْنى، وذَلِكَ أنَّ القَصْدَ بِقَوْلِهِمْ: "مَرْجُوًّا" يَكُونُ: لَقَدْ كُنْتَ فِينا سَهْلًا مَرامُكَ قَرِيبًا رَدُّ أمْرِكَ، مِمَّنْ لا يُظَنُّ أنْ يَسْتَفْحِلَ مِن أمْرِهِ مِثْلُ هَذا فَمَعْنى "مَرْجُوٍّ" أيْ: مَرْجُوٌّ اطِّراحُهُ وغَلَبَتُهُ ونَحْوُ هَذا، فَيَكُونُ ذَلِكَ عَلى جِهَةِ الِاحْتِقارِ، فَلِذَلِكَ فُسِّرَ بِحَقِيرٍ، ويُشْبِهُ هَذا المَعْنى قَوْلُ أبِي سُفْيانَ بْنِ حَرْبٍ: "لَقَدْ أمِرَ أمْرُ ابْنِ أبِي كَبْشَةَ..." الحَدِيثُ، ثُمَّ يَجِيءُ قَوْلُهُمْ: "أتَنْهانا" عَلى جِهَةِ التَوَعُّدِ والِاسْتِشْناعِ لِهَذِهِ المَقالَةِ مِنهُ. و﴿ما يَعْبُدُ آباؤُنا﴾ يُرِيدُونَ بِهِ الأوثانَ والأصْنامَ، ثُمَّ أوجَبُوا أنَّهم في شَكٍّ مِن أمْرِهِ وأقاوِيلِهِ، وأنَّ ذَلِكَ الشَكَّ يَرْتابُونَ بِهِ زائِدًا إلى مَرْتَبَتِهِ مِنَ الشَكِّ. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: ولا فَرْقَ بَيْنَ هَذِهِ الحالِ وبَيْنَ حالَةِ التَصْمِيمِ عَلى الكُفْرِ، ومُرِيبٍ مَعْناهُ: مُلْبِسٌ مُتَّهَمٌ، ومِنهُ قَوْلُ الشاعِرِ: ؎ يا قَوْمِ ما بالُ أبِي ذُؤَيْبٍ ∗∗∗ ∗∗∗ كُنْتُ إذا أتَيْتُهُ مِن غَيْبِ ؎ يَشُمُّ عَطْفِي ويَمَسُّ ثَوْبِي ∗∗∗ ∗∗∗ كَأنَّنِي أرْبَتْهُ بِرَيْبِ (p-٦٠١)
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب