الباحث القرآني

﴿وإلى ثَمُودَ أخاهم صالِحًا قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكم مِن إلَهٍ غَيْرُهُ هو أنْشَأكم مِنَ الأرْضِ واسْتَعْمَرَكم فِيها فاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إلَيْهِ إنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ﴾ ﴿قالُوا يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذا أتَنْهانا أنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا وإنَّنا لَفي شَكٍّ مِمّا تَدْعُونا إلَيْهِ مُرِيبٍ﴾ ﴿قالَ يا قَوْمِ أرَأيْتُمْ إنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِن رَبِّي وآتانِي مِنهُ رَحْمَةً فَمَن يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إنْ عَصَيْتُهُ فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ﴾ ﴿ويا قَوْمِ هَذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكم آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ في أرْضِ اللَّهِ ولا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكم عَذابٌ قَرِيبٌ﴾ ﴿فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا في دارِكم ثَلاثَةَ أيّامٍ ذَلِكَ وعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ﴾ ﴿فَلَمّا جاءَ أمْرُنا نَجَّيْنا صالِحًا والَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنّا ومِن خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إنَّ رَبَّكَ هو القَوِيُّ العَزِيزُ﴾ ﴿وأخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأصْبَحُوا في دِيارِهِمْ جاثِمِينَ﴾ ﴿كَأنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها ألا إنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهم ألا بُعْدًا لِثَمُودَ﴾ ﴿ولَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إبْراهِيمَ بِالبُشْرى قالُوا سَلامًا قالَ سَلامٌ فَما لَبِثَ أنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ﴾ [هود: ٦٩] ﴿فَلَمّا رَأى أيْدِيَهم لا تَصِلُ إلَيْهِ نَكِرَهم وأوْجَسَ مِنهم خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ إنّا أُرْسِلْنا إلى قَوْمِ لُوطٍ﴾ [هود: ٧٠] ﴿وامْرَأتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإسْحاقَ ومِن وراءِ إسْحاقَ يَعْقُوبَ﴾ [هود: ٧١] ﴿قالَتْ يا ويْلَتا أألِدُ وأنا عَجُوزٌ وهَذا بَعْلِي شَيْخًا إنَّ هَذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ﴾ [هود: ٧٢] ﴿قالُوا أتَعْجَبِينَ مِن أمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وبَرَكاتُهُ عَلَيْكم أهْلَ البَيْتِ إنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ﴾ [هود: ٧٣] ﴿فَلَمّا ذَهَبَ عَنْ إبْراهِيمَ الرَّوْعُ وجاءَتْهُ البُشْرى يُجادِلُنا في قَوْمِ لُوطٍ﴾ [هود: ٧٤] ﴿إنَّ إبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أوّاهٌ مُنِيبٌ﴾ [هود: ٧٥] ﴿يا إبْراهِيمُ أعْرِضْ عَنْ هَذا إنَّهُ قَدْ جاءَ أمْرُ رَبِّكَ وإنَّهم آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ﴾ [هود: ٧٦] ﴿ولَمّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وضاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وقالَ هَذا يَوْمٌ عَصِيبٌ﴾ [هود: ٧٧] ﴿وجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إلَيْهِ ومِن قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ قالَ يا قَوْمِ هَؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أطْهَرُ لَكم فاتَّقُوا اللَّهَ ولا تُخْزُونِي في ضَيْفِي ألَيْسَ مِنكم رَجُلٌ رَشِيدٌ﴾ [هود: ٧٨] ﴿قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا في بَناتِكَ مِن حَقٍّ وإنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ﴾ [هود: ٧٩] ﴿قالَ لَوْ أنَّ لِي بِكم قُوَّةً أوْ آوِي إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ﴾ [هود: ٨٠] ﴿قالُوا يا لُوطُ إنّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إلَيْكَ فَأسْرِ بِأهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ ولا يَلْتَفِتْ مِنكم أحَدٌ إلّا امْرَأتَكَ إنَّهُ مُصِيبُها ما أصابَهم إنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ ألَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ﴾ [هود: ٨١] ﴿فَلَمّا جاءَ أمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وأمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِن سِجِّيلٍ مَنضُودٍ﴾ [هود: ٨٢] ﴿مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وما هي مِنَ الظّالِمِينَ بِبَعِيدٍ﴾ [هود: ٨٣] الصَّيْحَةُ: فَعْلَةٌ لِلْمَرَّةِ الواحِدَةِ مِنَ الصِّياحِ، يُقالُ: صاحَ يَصِيحُ إذا صَوَّتَ بِقُوَّةٍ. حَنَذْتُ الشّاةَ أحْنِذُها حَنْذًا شَوَيْتُها وجَعَلْتُ فَوْقَها حِجارَةً لِتُنْضِجَها فَهي حَنِيذٌ، وحَنَذْتُ الفَرَسَ أحْضَرْتُهُ شَوْطًا أوْ شَوْطَيْنِ ثُمَّ ظاهَرْتُ عَلَيْهِ الجِلالَ في الشَّمْسِ لِيَعْرَقَ. أوْجَسَ الرَّجُلُ قالَ الأخْفَشُ: خامَرَ قَلْبُهُ، وقالَ الفَرّاءُ: اسْتَشْعَرَ، وقِيلَ: أحَسَّ. والوَجِيسُ: ما يَعْتَرِي النَّفْسَ عِنْدَ أوائِلِ الفَزَعِ، ووَجَسَ في نَفْسِهِ كَذا: خَطَرَ بِها، يَجِسُ وجْسًا ووُجُوسًا وتَوَجَّسَ: تَسَمَّعَ وتَحَسَّسَ. قالَ: ؎وصادِقَتا سَمْعِ التَّوَجُّسَ لِلسُّرى لِهَجْسٍ خَفِيٍ أوْ لِصَوْتٍ مُنَدَّدِ الضَّحِكُ مَعْرُوفٌ، وكانَ يَنْبَغِي أنْ يُذْكَرَ في سُورَةِ التَّوْبَةِ في قَوْلِهِ: ﴿فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا﴾ [التوبة: ٨٢] ويُقالُ: ضَحَكَ بِفَتْحِ الحاءِ، والضُّحَكَةُ: الكَثِيرُ الضَّحِكُ، والضُّحْكَةُ: المَضْحُوكُ مِنهُ، ويُقالُ: ضَحِكَتِ الأرْنَبُ، أيْ: حاضَتْ، وأنْكَرَ أبُو عُبَيْدَةَ والفَرّاءُ وأبُو عُبَيْدٍ: ضَحِكَ بِمَعْنى حاضَ، وعَرَفَ ذَلِكَ غَيْرُهم. وقالَ الشّاعِرُ أنْشَدَهُ اللُّغَوِيُّونَ: ؎وضِحْكُ الأرانِبِ فَوْقَ الصَّفا ∗∗∗ كَمِثْلِ دَمِ الجَوْفِ يَوْمَ اللِّقا (p-٢٣٧)وقالَ الآخَرُ: ؎وعَهْدِي بِسَلْمى ضاحِكًا في لُبانَةٍ ∗∗∗ ولَمْ يَعُدْ حُقّا ثَدْيِها أنْ يَحْلُما أيْ: حائِضًا في لُبانَةِ، واللُّبانَةُ والعَلاقَةُ والشَّوْذَرُ واحِدٌ. ومِنهُ ضَحِكَتِ الكافُورَةُ إذا انْشَقَّتْ، وضَحِكَتِ الشَّجَرَةُ: سالَ مِنها صَمْغُها وهو شِبْهُ الدَّمِ، وضَحِكَ الحَوْضُ: امْتَلَأ وفاضَ. الشَّيْخُ: مَعْرُوفٌ، والفِعْلُ شاخَ يَشِيخُ، وقَدْ يُقالُ لِلْأُنْثى: شَيْخَةٌ. قالَ: ؎وتَضْحَكُ مِنِّي شَيْخَةٌ عَبْشَمِيَّةٌ ويُجْمَعُ عَلى أشْياخٍ وشُيُوخٍ وشَيْخانِ، ومِن أسْماءِ الجُمُوعِ مَشْيَخَةٌ ومَشْيُوخًا. المَجِيدُ: قالَ ابْنُ الأعْرابِيِّ: الرَّفِيعُ. يُقالُ: مَجَدَ يَمْجُدُ مَجْدًا ومَجادَةً ومَجُدَ لُغَتانِ، أيْ: كَرُمَ وشَرُفُ، وأصْلُهُ مِن قَوْلِهِمْ: مَجَدَتِ الإبِلُ تَمْجُدُ مَجْدًا: شَبِعَتْ. وقالَ: أمْجَدْتُ الدّابَّةَ: أكْثَرْتُ عَلَفَها، وقالَ أبُو حَيَّةَ النُّمَيْرِيُّ: ؎تَزِيدُ عَلى صَواحِبِها ولَيْسَتْ ∗∗∗ بِماجِدَةِ الطَّعامِ ولا الشَّرابِ أيْ: لَيْسَتْ بِكَثِيرَةِ الطَّعامِ ولا الشَّرابِ. وقالَ اللَّيْثُ: أمْجَدَ فُلانٌ عَطاءَهُ ومَجَّدَهُ إذا كَثَّرَهُ، ومِن أمْثالِهِمْ ”في كُلِّ شَجَرٍ نارٌ“ واسْتَمْجَدَ المَرْخُ والعِفارُ، أيِ: اسْتَكْثَرَ مِنَ النّارِ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: مَجَدَ الشَّيْءُ إذا حَسُنَتْ أوْصافُهُ. الرَّوْعُ: الفَزَعُ قالَ الشّاعِرُ: ؎إذا أخَذَتْها هِزَّةُ الرَّوْعِ أمْسَكَتْ ∗∗∗ بِمَنكِبِ مِقْدامٍ عَلى الهَوْلِ أرْوَعا والفِعْلُ راعَ يَرُوعُ قالَ: ؎ما راعَنِي إلّا حَمُولَةُ أهْلِها ∗∗∗ وسْطَ الدِّيارِ تَسَفُّ حَبَّ الخِمْخِمِ وقالَ النّابِغَةُ: ؎فارْتاعَ مِن صَوْتِ كِلابٍ فَباتَ لَهُ ∗∗∗ طَوْعَ الشَّوامِتِ مِن خَوْفٍ ومِن صَرَدِ والرُّوعُ بِضَمِّ الرّاءِ: النَّفْسُ، لِأنَّها مَوْضِعُ الرَّوْعِ. الذَّرْعُ: مَصْدَرُ ذَرَعَ البَعِيرُ بِيَدَيْهِ في سَيْرِهِ: إذا سارَ عَلى قَدْرِ خَطْوِهِ، مَأْخُوذٌ مِنَ الذِّراعِ، ثُمَّ وُضِعَ مَوْضِعَ الطّاقَةِ فَقِيلَ: ضاقَ بِهِ ذَرْعًا. وقَدْ يَجْعَلُونَ الذِّراعَ مَوْضِعَ الذَّرْعِ قالَ: ؎إلَيْكَ إلَيْكَ ضاقَ بِها ذَرْعًا وقِيلَ: كَنّى بِذَلِكَ عَنْ ضِيقِ الصَّدْرِ. العَصِيبُ والعَصَبْصَبُ والعَصَوْصَبُ: الشَّدِيدُ اللّازِمُ الشَّرِّ المُلْتَفُّ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ قالَ: ؎وكُنْتُ لِزازَ خَصْمِكَ لَمْ أُعَدِّدْ ∗∗∗ وقَدْ سَلَكُوكَ في يَوْمٍ عَصِيبِ قالَ أبُو عُبَيْدَةَ: سُمِّيَ عَصِيبًا لِأنَّهُ يَعْصِبُ النّاسَ بِالشَّرِّ، والعُصْبَةُ والعِصابَةُ الجَماعَةُ المُجْتَمِعَةُ كَلَّمْتُهم، أوِ المُجْتَمِعُونَ في النَّسَبِ. وتَعَصَّبْتُ لِفُلانٍ وفُلانٌ مَعْصُوبٌ، أيْ: مُجْتَمِعُ الخَلْقِ. الإهْراعُ: قالَ شِمْرٌ: مَشْيٌ بَيْنَ الهَرْوَلَةِ والجَمْزِ. وقالَ الهَرَوِيُّ: هَرَعَ الرَّجُلُ وأهْرَعَ اسْتَحَثَّ. الضَّيْفُ: مَصْدَرٌ، وإذا أُخْبِرَ بِهِ أوْ وُصِفَ لَمْ يُطابِقْ في تَثْنِيَةٍ ولا جَمْعٍ، هَذا المَشْهُورُ. وسُمِعَ فِيهِ ضُيُوفٌ وأضْيافٌ وضِيفانٌ. الرُّكْنُ: مَعْرُوفٌ وهو النّاحِيَةُ مِنَ البَيْتِ أوِ الجَبَلِ. ويُقالُ: رَكُنٌ بِضَمِّ الكافِ، ويُجْمَعُ عَلى أرْكانٍ وأرْكُنٍ. ورَكَنْتُ إلى فُلانٍ: انْضَوَيْتُ إلَيْهِ. سَرى وأسْرى بِمَعْنًى واحِدٍ، قالَهُ أبُو عُبَيْدَةَ والأزْهَرِيُّ، وعَنِ اللَّيْثِ أسْرى: سارَ أوَّلَ اللَّيْلِ، وسَرى: سارَ آخِرَهُ، ولا يُقالُ في النَّهارِ إلّا سارَ. السِّجِّيلُ والسِّجِّينُ: الشَّدِيدُ مِنَ الحَجَرِ، قالَهُ أبُو عُبَيْدَةَ. وقالَ الفَرّاءُ: طِينٌ طُبِخَ حَتّى صارَ بِمَنزِلَةِ الآجُرِّ. وقِيلَ: هو فارِسِيٌّ. وسَنْكٌ: الحَجَرُ وكُلُّ الطِّينِ يُعَرَّبُ فَقِيلَ: سِجَّينٌ. المَنضُودُ: المَجْعُولُ بَعْضُهُ فَوْقَ بَعْضٍ. ﴿وإلى ثَمُودَ أخاهم صالِحًا قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكم مِن إلَهٍ غَيْرُهُ هو أنْشَأكم مِنَ الأرْضِ واسْتَعْمَرَكم فِيها فاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إلَيْهِ إنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ﴾ ﴿قالُوا ياصالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذا أتَنْهانا أنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا وإنَّنا لَفي شَكٍّ مِمّا تَدْعُونا إلَيْهِ مُرِيبٍ﴾ (p-٢٣٨)قَرَأ ابْنُ وثّابٍ والأعْمَشُ: ﴿وإلى ثَمُودَ﴾ بِالصَّرْفِ عَلى إرادَةِ الحَيِّ، والجُمْهُورِ عَلى مَنعِ الصَّرْفِ ذَهابًا إلى القَبِيلَةِ. (أنْشَأكم): اخْتَرَعَكم وأوْجَدَكم، وذَلِكَ بِاخْتِراعِ آدَمَ أصْلِهِمْ، فَكانَ إنْشاءُ الأصْلِ إنْشاءً لِلْفَرْعِ. وقِيلَ: ﴿مِنَ الأرْضِ﴾ بِاعْتِبارِ الأصْلِ المُتَوَلَّدُ مِنهُ النَّباتُ المُتَوَلَّدُ مِنهُ الغِذاءُ المُتَوَلَّدُ مِنهُ المَنِيُّ ودَمُ الطَّمْثِ المُتَوَلَّدُ مِنهُما الإنْسانُ. وقِيلَ: (مِن) بِمَعْنى في و(اسْتَعْمَرَكم): جَعَلَكم عُمّارًا. وقِيلَ: (اسْتَعْمَرَكم) مِنَ العُمُرِ، أيِ: اسْتَبَقاكم فِيها قالَهُ الضَّحّاكُ، أيْ: أطالَ أعْمارَكم. وقِيلَ: مِنَ العُمْرى، قالَهُ مُجاهِدٌ: فَيَكُونُ اسْتَعْمَرَ في مَعْنى أعْمَرَ، كاسْتَهْلَكَهُ في مَعْنى أهْلَكَهُ. والمَعْنى: أعْمَرَكم فِيها دِيارَكم، ثُمَّ هو وارِثُها مِنكم. أوْ بِمَعْنى: جَعَلَكم مُعَمِّرِينَ دِيارَكم فِيها، لِأنَّ مَن ورِثَ دارَهُ مِن بَعْدِهِ فَإنَّهُ أعْمَرَهُ إيّاها، لِأنَّهُ يَسْكُنُها عُمُرَهُ ثُمَّ يَتْرُكُها لِغَيْرِهِ. وقالَ زَيْدُ بْنُ أسْلَمَ: (اسْتَعْمَرَكم): أمَرَكم بِعِمارَةِ ما تَحْتاجُونَ إلَيْهِ مِن بِناءِ مَساكِنَ وغَرْسِ أشْجارٍ. وقِيلَ: ألْهَمَكم عِمارَتَها مِنَ الحَرْثِ والغَرْسِ وحَفْرِ الأنْهارِ وغَيْرِها، ﴿إنَّ رَبِّي قَرِيبٌ﴾ أيْ: دانِي الرَّحْمَةِ، (مُجِيبٌ) لِمَن دَعاهُ. ﴿قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا﴾ . قالَ كَعْبٌ: كانُوا يَرْجُوهُ لِلْمَمْلِكَةِ بَعْدَ مُلْكِهِمْ، لِأنَّهُ كانَ ذا حَسَبٍ وثَرْوَةٍ. وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: فاضِلًا خَيِّرًا نُقَدِّمُكَ عَلى جَمِيعِنا. وقالَ مُقاتِلٌ: كانُوا يَرْجُونَ رُجُوعَهُ إلى دِينِهِمْ، إذْ كانَ يُبْغِضُ أصْنامَهم، ويَعْدِلُ عَنْ دِينِهِمْ، فَلَمّا أظْهَرَ إنْذارَهُمُ انْقَطَعَ رَجاؤُهم مِنهُ. وذَكَرَ الماوَرْدِيُّ: يَرْجُونَ خَيْرَهُ، فَلَمّا أنْذَرَهُمُ انْقَطَعَ رَجاؤُهم خَيْرَهُ. وبَسَطَ الزَّمَخْشَرِيُّ هَذا القَوْلَ فَقالَ: فِينا فِيما بَيْنَنا مَرْجُوًّا كانَتْ تَلُوحُ فِيكَ مَخايِلُ الخَيْرِ وأماراتُ الرُّشْدِ، فَكُنّا نَرْجُوكَ لِنَنْتَفِعَ بِكَ، وتَكُونَ مُشاوَرًا في الأُمُورِ مُسْتَرْشَدًا في التَّدابِيرِ، فَلَمّا نَطَقْتَ بِهَذا القَوْلِ انْقَطَعَ رَجاؤُنا عَنْكَ، وعَلِمْنا أنْ لا خَيْرَ فِيكَ، انْتَهى. وقِيلَ: لَمّا كانَ قَوِيَّ الخاطِرِ وكانَ مِن قَبِيلَتِهِمْ، قَوِيَ رَجاؤُهم في أنْ يَنْصُرَ دِينَهم ويُقَوِّيَ مَذْهَبَهم. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: والظّاهِرُ الَّذِي حَكاهُ الجُمْهُورُ أنَّ قَوْلَهُ: ﴿مَرْجُوًّا﴾: مَشُورًا نُؤَمِّلُ فِيكَ أنْ تَكُونَ سَيِّدًا سادًّا مَسَدَّ الأكابِرِ، ثُمَّ قَرَّرُوهُ عَلى التَّوْبِيخِ في زَعْمِهِمْ بِقَوْلِهِمْ: ﴿أتَنْهانا﴾ . وحَكى النَّقّاشُ عَنْ بَعْضِهِمْ أنَّهُ قالَ: مَعْناهُ حَقِيرًا، فَإمّا أنْ يَكُونَ لَفْظُ مَرْجُوًّا بِمَعْنى حَقِيرٍ، فَلَيْسَ ذَلِكَ في كَلامِ العَرَبِ، وإنَّما يَتَّجِهُ ذَلِكَ عَلى جِهَةِ التَّفْسِيرِ لِلْمَعْنى، وذَلِكَ أنَّ القَصْدَ بِقَوْلِهِمْ: مَرْجُوًّا بِقَوْلِ: لَقَدْ كُنْتَ فِينا سَهْلًا مَرامُكَ، قَرِيبًا رَدُّ أمْرِكَ مِمَّنْ لا يُظَنُّ أنْ يُسْتَعْجَلَ مِن أمْرِهِ مِثْلُ هَذا. فَمَعْنى مَرْجُوًّا، أيْ: مُؤَخَرًّا اطِّراحُهُ وغَلَبَتُهُ ونَحْوَ هَذا فَيَكُونُ ذَلِكَ عَلى جِهَةِ الِاحْتِقارِ، ولِذَلِكَ فُسِّرَ بِحَقِيرٍ، ثُمَّ يَجِيءُ قَوْلُهم: ﴿أتَنْهانا﴾، عَلى جِهَةِ التَّوَعُّدِ والِاسْتِبْشاعِ لِهَذِهِ المَقالَةِ مِنهُ، انْتَهى. و﴿ما يَعْبُدُ آباؤُنا﴾ حِكايَةُ حالٍ ماضِيَةٍ، وإنّا وإنَّنا لُغَتانِ لِـ قُرَيْشٍ. قالَ الفَرّاءُ: مَن قالَ إنَّنا أخْرَجَ الحَرْفَ عَلى أصْلِهِ، لِأنَّ كِنايَةَ المُتَكَلِّمِينَ (نا)، فاجْتَمَعَتْ ثَلاثُ نُوناتٍ. ومَن قالَ: إنّا: اسْتَثْقَلَ اجْتِماعَها فَأسْقَطَ الثّالِثَةَ وأبْقى الأُولَتَيْنِ، انْتَهى. والَّذِي أخْتارُهُ أنَّ (نا) ضَمِيرُ المُتَكَلِّمِينَ لا تَكُونُ المَحْذُوفَةَ، لِأنَّ في حَذْفِها حَذْفَ بَعْضِ اسْمٍ وبَقِيَ مِنهُ حَرْفٌ ساكِنٌ، وإنَّما المَحْذُوفَةُ النُّونُ الثّانِيَةُ مِن إنَّ فَحُذِفَتْ لِاجْتِماعِ الأمْثالِ، وبَقِيَ مِنَ الحَرْفِ الهَمْزَةُ والنُّونُ السّاكِنَةُ، وهَذا أوْلى مِن حَذْفِ ما بَقِيَ مِنهُ حَرْفٌ. وأيْضًا فَقَدْ عُهِدَ حَذْفُ هَذِهِ النُّونِ مَعَ غَيْرِ ضَمِيرِ المُتَكَلِّمِينَ، ولَمْ يُعْهَدْ حَذْفُ نُونِ (نا)، فَكانَ حَذْفُها مِن إنَّ أوْلى. و(مُرِيبٍ): اسْمُ فاعِلٍ مِن مُتَعَدِّ أرابَهُ: أوْقَعَهُ في الرِّيبَةِ، وهي قَلَقُ النَّفْسِ وانْتِفاءُ الطُّمَأْنِينَةِ. أوْ مِن لازِمِ أرابَ الرَّجُلُ إذا كانَ ذا رِيبَةٍ، وأُسْنِدَ ذَلِكَ إلى الشَّكِّ إسْنادًا مَجازِيًّا، ووُجُودُ مِثْلِ هَذا الشَّكِّ كَوُجُودِ التَّصْمِيمِ عَلى الكُفْرِ. ﴿قالَ يا قَوْمِ أرَأيْتُمْ إنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِن رَبِّي وآتانِي مِنهُ رَحْمَةً فَمَن يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إنْ عَصَيْتُهُ فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِير﴾ ﴿ويا قَوْمِ هَذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكم آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ في أرْضِ اللَّهِ ولا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكم عَذابٌ قَرِيبٌ﴾ ﴿فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا في دارِكم ثَلاثَةَ أيّامٍ ذَلِكَ وعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ﴾ (p-٢٣٩)تَقَدَّمَ الكَلامُ في (أرَأيْتُمْ) في قِصَّةِ نُوحٍ، والمَفْعُولُ الثّانِي هُنا لِأرَأيْتُمْ مَحْذُوفٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: ﴿فَمَن يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إنْ عَصَيْتُهُ﴾، والتَّقْدِيرُ: أعْصِيهِ في تَرْكِ ما أنا عَلَيْهِ مِنَ البَيِّنَةِ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: (أرَأيْتُمْ) هو مِن رُؤْيَةِ القَلْبِ، والشَّرْطُ الَّذِي بَعْدَهُ وجَوابُهُ يَسُدُّ مَسَدَّ مَفْعُولَيْ عَلِمْتُ وأخَواتِها، وإدْخالُ أداةِ الشَّرْطِ الَّتِي هي إنْ عَلى جُمْلَةٍ مُحَقَّقَةٍ، وهي كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِن رَبِّهِ، لَكِنَّهُ خاطَبَ الجاحِدِينَ لِلْبَيِّنَةِ فَكَأنَّهُ قالَ: قَدِّرُوا أنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِن رَبِّي وانْظُرُوا إنْ تابَعْتُكم وعَصَيْتُ رَبِّي في أوامِرِهِ، فَمَن يَمْنَعُنِي مِن عَذابِهِ ؟ قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وفي الكَلامِ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: أيَضُرُّنِي شَكُّكم ؟ أوْ أيُمْكِنُنِي طاعَتُكم ؟ ونَحْوَ هَذا مِمّا يَلِيقُ بِمَعْنى الآيَةِ، انْتَهى. وهَذا التَّقْدِيرُ الَّذِي قَدَّرَهُ اسْتِشْعارٌ مِنهُ بِالمَفْعُولِ الثّانِي الَّذِي يَقْتَضِيهِ أرَأيْتُمْ، وأنَّ الشَّرْطَ وجَوابَهُ لا يَقَعانِ ولا يَسُدّانِ مَسَدَّ مَفْعُولَيْ (أرَأيْتُمْ)، والَّذِي قَدَّرْناهُ نَحْنُ هو الظّاهِرُ لِدَلالَةِ قَوْلِهِ: ﴿فَمَن يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إنْ عَصَيْتُهُ فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ﴾ قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: غَيْرَ أنْ أُخَسِّرَكم، أيْ: أنْسُبَكم إلى الخُسْرانِ، وأقُولُ أنَّكم خاسِرُونَ، انْتَهى. يُفْعَلُ هَذا لِلنِّسْبَةِ كَفَسَّقْتُهُ وفَجَّرْتُهُ، أيْ: نَسَبْتُهُ، أيِ: الفِسْقُ والفُجُورُ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: مَعْناهُ: ما تَزِيدُونَنِي بِعِبادَتِكم إلّا بَصارَةً في خُسْرانِكم، انْتَهى. فَهو عَلى حَذْفِ مُضافٍ، أيْ: غَيْرَ بَصارَةِ تَخْسِيرِكم. وقالَ مُجاهِدٌ: ما تَزْدادُونَ أنْتُمْ بِاحْتِجاجِكم بِعِبادَةِ آبائِكم إلّا خَسارًا، وأضافَ الزِّيادَةَ إلى نَفْسِهِ لِأنَّهم أعْطَوْهُ ذَلِكَ وكانَ سَألَهُمُ الإيمانَ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: فَما تُعْطُونِي فِيما اقْتَضَيْتُهُ مِنكم مِنَ الإيمانِ غَيْرَ تَخْسِيرٍ لِأنْفُسِكم، وهو مِنَ الخَسارَةِ ولَيْسَ التَّخْسِيرُ إلّا لَهم وفي حَيِّزِهِمْ، وأضافَ الزِّيادَةَ إلَيْهِ مِن حَيْثُ هو مُقْتَضٍ لِأقْوالِهِمْ مُوَكَّلٌ بِإيمانِهِمْ كَما تَقُولُ لِمَن تُوصِيهِ: أنا أُرِيدُكَ خَيْرًا وأنْتَ تُرِيدُنِي سُوءًا، وكانَ الوَجْهُ البَيِّنُ أنْ يَقُولَ: وأنْتَ تُرِيدُ شَرًّا، لَكِنْ مِن حَيْثُ كَنْتَ مُرِيدَ خَيْرٍ، ومُقْتَضى ذَلِكَ حَسُنَ أنْ يُضِيفَ الزِّيادَةَ إلى نَفْسِكَ، انْتَهى. وقِيلَ: التَّقْدِيرُ: فَما تَحْمِلُونَنِي عَلَيْهِ غَيْرَ أنِّي أُخْسِرُكم، أيْ: أرى مِنكُمُ الخُسْرانَ. وقِيلَ: التَّقْدِيرُ: تُخْسِرُونِي أعْمالَكم وتُبْطِلُونَها. قِيلَ: وهَذا أقْرَبُ، لِأنَّ قَوْلَهُ: ﴿فَمَن يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إنْ عَصَيْتُهُ﴾ كالدَّلالَةِ عَلى أنَّهُ أرادَ: إنِ اتَّبَعْتُكم فِيما أنْتُمْ عَلَيْهِ ودَعَوْتُمُونِي إلَيْهِ لَمْ أزْدَدْ إلّا خُسْرانًا في الدِّينِ، فَأصِيرُ مِنَ الهالِكِينَ الخاسِرِينَ. وانْتَصَبَ (آيَةً) عَلى الحالِ، والخِلافُ في النّاصِبِ في نَحْوِ هَذا زَيْدٌ مُنْطَلِقًا، أهْوَ حَرْفُ التَّنْبِيهِ أوِ اسْمُ الإشارَةِ أوْ فِعْلٌ مَحْذُوفٌ ؟ جازَ في نَصْبِ (آيَةً) و(لَكم) في مَوْضِعِ الحالِ، لِأنَّهُ لَوْ تَأخَّرَ لَكانَ نَعْتًا لِـ (آيَةً)، فَلَمّا تَقَدَّمَ عَلى النَّكِرَةِ كانَ حالًا، والعامِلُ فِيها مَحْذُوفٌ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: (فَإنْ قُلْتَ): فَبِمَ يَتَعَلَّقُ لَكم ؟ (قُلْتُ): بِـ (آيَةً) حالًا مِنها مُتَقَدِّمَةً، لِأنَّها لَوْ تَأخَّرَتْ لَكانَ صِفَةً لَها، فَلَمّا تَقَدَّمَتِ انْتَصَبَ عَلى الحالِ، انْتَهى. وهَذا مُتَناقِضٌ، لِأنَّهُ مِن حَيْثُ تَعَلَّقَ (لَكم) بِـ (آيَةً) كانَ (لَكم) مَعْمُولًا لِـ (آيَةً)، وإذا كانَ مَعْمُولًا لَها امْتَنَعَ أنْ يَكُونَ حالًا مِنها، لِأنَّ الحالَ تَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ، فَتَناقَضَ هَذا الكَلامُ، لِأنَّهُ مِن حَيْثُ كَوْنُهُ مَعْمُولًا لَها كانَتْ هي العامِلَةَ، ومِن حَيْثُ كَوْنُهُ حالًا مِنها كانَ العامِلُ غَيْرَها، وتَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى الجُمَلِ الَّتِي بَعْدَ (آيَةً) . وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: (تَأْكُلُ) بِالرَّفْعِ عَلى الِاسْتِئْنافِ، أوْ عَلى الحالِ. و(قَرِيبٌ): عاجِلٌ لا يَسْتَأْخِرُ عَنْ مَسِّكُمُوها بِسُوءٍ إلّا يَسِيرًا، وذَلِكَ ثَلاثَةُ أيّامٍ ثُمَّ يَقَعُ عَلَيْكم، وهَذا الإخْبارُ بِوَحْيٍ مِنَ اللَّهِ تَعالى، (فَعَقَرُوها): نُسِبَ إلى جَمِيعِهِمْ وإنْ كانَ العاقِرُ واحِدًا لِأنَّهُ كانَ بِرِضًى مِنهم وتَمالَئُوا. ومَعْنى (تَمَتَّعُوا): اسْتَمْتِعُوا بِالعَيْشِ في دارِكم في بَلَدِكم، وتُسَمّى البِلادُ: الدِّيارُ لِأنَّها يُدارُ فِيها، أيْ: يُتَصَرَّفُ، يُقالُ: دِيارُ بَكْرٍ لِبِلادِهِمْ قالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ﴿فِي دارِكُمْ﴾: جَمْعُ دارَةٍ، كَساحَةٍ وساحٍ وسُوحٍ، ومِنهُ قَوْلُ أُمَيَّةَ بْنِ أبِي الصَّلْتِ:(p-٢٤٠) ؎لَهُ داعٍ بِـ مَكَّةَ مُشْمَعِلٌّ ∗∗∗ وآخَرُ فَوْقَ دارَتِهِ يُنادِي ويُمْكِنُ أنْ يُسَمّىَ جَمِيعُ مَسْكَنِ الحَيِّ دارًا، انْتَهى. (ذَلِكَ) أيِ: الوَعْدُ بِالعَذابِ غَيْرُ مَكْذُوبٍ، أيْ: صِدْقٌ حَقٌّ. والأصْلُ: غَيْرُهُ مَكْذُوبٌ فِيهِ، فاتَّسَعَ فَحُذِفَ الحَرْفُ وأُجْرِيَ الضَّمِيرُ مَجْرى المَفْعُولِ بِهِ، أوْ جُعِلَ ﴿غَيْرُ مَكْذُوبٍ﴾ لِأنَّهُ وفّى بِهِ فَقَدْ صَدَقَ، أوْ عَلى أنَّ المَكْذُوبَ هُنا مَصْدَرٌ عِنْدَ مَن يُثْبِتُ أنَّ المَصْدَرَ يَجِيءُ عَلى زِنَةِ مَفْعُولٍ. ﴿فَلَمّا جاءَ أمْرُنا نَجَّيْنا صالِحًا والَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنّا ومِن خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إنَّ رَبَّكَ هو القَوِيُّ العَزِيزُ﴾ ﴿وأخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأصْبَحُوا في دِيارِهِمْ جاثِمِينَ﴾ ﴿كَأنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها ألا إنَّ ثَمُودًا كَفَرُوا رَبَّهم ألا بُعْدًا لِثَمُودَ﴾ والكَلامُ في ﴿جاءَ أمْرُنا﴾ [هود: ٤٠] كالكَلامِ السّابِقِ في قِصَّةِ قَوْمِ هُودٍ. قِيلَ: الواوُ زائِدَةٌ في (ومِن) أيْ: مِن خِزْيِ يَوْمِئِذٍ فَيَتَعَلَّقُ (مِن) بِـ (نَجَّيْنا)، وهَذا لا يَجُوزُ عِنْدَ البَصْرِيِّينَ، لِأنَّ الواوَ لا تُزادُ عِنْدَهم بَلْ تَتَعَلَّقُ مِن بِمَحْذُوفٍ، أيْ: ونَجَّيْناهم مِن خِزْيِ، أيْ: وكانَتِ التَّنْجِيَةُ مِن خِزْيِ يَوْمِئِذٍ. وقَرَأ طَلْحَةُ وأبانُ بْنُ تَغْلِبَ: ﴿ومِن خِزْيِ﴾ بِالتَّنْوِينِ، ونَصْبِ (يَوْمَئِذٍ) عَلى الظَّرْفِ مَعْمُولًا لِخِزْيٍ. وقَرَأ الجُمْهُورُ بِالإضافَةِ، وفَتْحِ المِيمِ نافِعٌ والكِسائِيُّ، وهي فَتْحَةُ بِناءٍ لِإضافَتِهِ إلى إذْ، وهو غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ. وقَرَأ باقِي السَّبْعَةِ بِكَسْرِ المِيمِ وهي حَرَكَةُ إعْرابٍ، والتَّنْوِينُ في إذْ تَنْوِينُ عِوَضٍ مِنَ الجُمْلَةِ المَحْذُوفَةِ المُتَقَدِّمَةِ الذِّكْرِ، أيْ: ومِن فَضِيحَةِ يَوْمِ إذْ جاءَ الأمْرُ وحَلَّ بِهِمْ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ويَجُوزُ أنْ يُرِيدَ بِـ (يَوْمِئِذٍ): يَوْمَ القِيامَةِ، كَما فَسَّرَ العَذابَ الغَلِيظَ بِعَذابِ الآخِرَةِ، انْتَهى. وهَذا لَيْسَ بِجَيِّدٍ، لِأنَّ التَّنْوِينَ في إذْ تَنْوِينُ العِوَضِ ولَمْ يَتَقَدَّمْ إلّا قَوْلُهُ، ﴿فَلَمّا جاءَ أمْرُنا﴾ ولَمْ تَتَقَدَّمْ جُمْلَةٌ فِيها ذِكْرُ يَوْمِ القِيامَةِ ولا ما يَكُونُ فِيها، فَيَكُونُ هَذا التَّنْوِينُ عِوَضًا مِنَ الجُمْلَةِ الَّتِي تَكُونُ في يَوْمِ القِيامَةِ. وناسَبَ مَجِيءُ الأمْرِ وصْفَهُ تَعالى بِالقَوِيِّ العَزِيزِ، فَإنِّهُما مِن صِفاتِ الغَلَبَةِ والقَهْرِ والِانْتِقامِ، والجُمْلَةُ الَّتِي بَعْدَ هَذا تَقَدَّمَ الكَلامُ عَلَيْها في الأعْرافِ. ﴿ألا إنَّ ثَمُودَ﴾: مَنَعَ حَمْزَةُ وحَفْصٌ صَرْفَهُ وصَرَفَهُ الباقُونَ ﴿لِثَمُودَ﴾ صَرَفَهُ الكِسائِيُّ ومَنَعَهُ باقِي السَّبْعَةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب