﴿یَـٰمَعۡشَرَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ أَلَمۡ یَأۡتِكُمۡ رُسُلࣱ مِّنكُمۡ یَقُصُّونَ عَلَیۡكُمۡ ءَایَـٰتِی وَیُنذِرُونَكُمۡ لِقَاۤءَ یَوۡمِكُمۡ هَـٰذَاۚ قَالُوا۟ شَهِدۡنَا عَلَىٰۤ أَنفُسِنَاۖ وَغَرَّتۡهُمُ ٱلۡحَیَوٰةُ ٱلدُّنۡیَا وَشَهِدُوا۟ عَلَىٰۤ أَنفُسِهِمۡ أَنَّهُمۡ كَانُوا۟ كَـٰفِرِینَ﴾ [الأنعام ١٣٠]
﴿یَـٰمَعۡشَرَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ أَلَمۡ یَأۡتِكُمۡ رُسُلࣱ مِّنكُمۡ یَقُصُّونَ عَلَیۡكُمۡ ءَایَـٰتِی وَیُنذِرُونَكُمۡ لِقَاۤءَ یَوۡمِكُمۡ هَـٰذَاۚ﴾ - تفسير
٢٦٢٢٧- عن مجاهد بن جبر -من طريق ابن أبي نجيح- في قوله: ﴿يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم﴾، قال: ليس في الجنِّ رُسُل، إنّما الرسل في الإنس، والنِّذارةُ في الجن. وقرأ: ﴿فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين﴾ [الأحقاف:٢٩](١). (٦/٢٠٥)
٢٦٢٢٨- عن الضحاك بن مزاحم -من طريق عُبيد بن سليمان- أنّه سُئل عن الجن، هل كان فيهم نبي قبلَ أن يُبْعثَ النبي ﷺ؟ قال: ألم تسمعْ إلى قول الله: ﴿يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم﴾. يعني بذلك: رسلًا من الإنس، ورسلًا من الجن؟ قالوا: بلى(٢). (٦/٢٠٦)
ابنُ عطية، وابن كثير على قولِ الضحاك هذا، واستدلاله بتلك الآية، فقال ابنُ عطية (٣/٤٦٣): «هذا ضعيف».
وقال ابنُ كثير (٦/١٧٥-١٧٦): «وفي الاستدلال بها على ذلك نظر؛ لأنها محتملة، وليست بصريحة، وهي -والله أعلم-كقوله: ﴿مرج البحرين يلتقيان * بينهما برزخ لا يبغيان﴾ إلى أن قال: ﴿يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان﴾ [الرحمن:١٩-٢٢]، ومعلوم أنّ اللؤلؤ والمرجان إنما يستخرجان من الملح لا من الحلو، وهذا واضح».
٢٦٢٢٩- قال محمد بن السائب الكلبي: كانت الرسل من قبل أن يُبْعَث محمد ﷺ يُبْعَثون إلى الجن وإلى الإنس جميعًا(٣). (ز)
٢٦٢٣٠- قال مقاتل بن سليمان: قال لهم عند ذلك: ﴿يا معشر الجن والإنس﴾ يعني: كفار الجن وكفار الإنس، ولا يعني به: الشياطين؛ لأنّ الشياطين هم أغَرُّوا كفار الجن وكفار الإنس، وبعث الله رسولا من الجن إلى الجن، ومن الإنس [إلى] الإنس، ﴿يقصون﴾، فذلك قوله: ﴿ألم يأتكم رسل منكم﴾، يعني: من أنفسكم؛ الجن إلى الجن، والإنس إلى الإنس، ﴿يقصون عليكم آياتي﴾ يعني: آيات القرآن، ﴿وينذرونكم لقاء يومكم هذا﴾ يعني: يوم القيامة(٤). (ز)
٢٦٢٣١- عن عبد الملك ابن جُرَيْج، في قوله: ﴿رسل منكم﴾، قال: رُسُل الرُّسُل. وقرأ: ﴿ولوا إلى قومهم منذرين﴾ [الأحقاف:٢٩](٥). (٦/٢٠٥)
٢٦٢٣٢- عن عبد الملك ابن جُرَيج -من طريق حجّاج- قوله: ﴿يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم﴾، قال: جمعهم كما جمع قوله: ﴿ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها﴾ [فاطر:١٢]، ولا يخرج من الأنهار حلية.= (ز)
٢٦٢٣٣- قال ابن جريج، قال عبد الله بن عباس: هم الجنُّ الذين لقوا قومهم، وهم رسل إلى قومهم(٦). (ز)
أفادت الآثار الاختلاف في إرسال رسل من الجنّ إليهم أكان أم لم يكن؟ على قولين: أحدهما: أرسل إلى الجن رسل منهم، كما أرسل إلى الإنس رسل من الإنس. وهو قول الضحاك. الآخر: ليس في الجنِّ رسل، إنما الرسل في الإنس، والنِّذارةُ في الجن. وهو قول مجاهد، وابن جريج، وغيرهما.
و ابن جرير (٩/٥٦١) على تأويل ابن عباس هذا قائلًا: «تأويل الآية على هذا التأويل الذي تأوَّله ابن عباس: ألم يأتكم أيها الجن والإنس رسل منكم؟ فأمّا رسل الإنس فرسل من الله إليهم، وأما رسل الجن فرسُل رُسُلِ الله من بني آدم، وهم الذين إذا سَمِعوا القرآنَ ولّوا إلى قومهم منذرين. وأما الذين قالوا بقول الضحاك، فإنهم قالوا: إنّ الله -تعالى ذكره- أخبرَ أنّ من الجن رسلًا أرسلوا إليهم، كما أخبر أنّ من الإنس رسلًا أرسلوا إليهم، قالوا: ولو جاز أن يكون خبرُه عن رسل الجن بمعنى أنهم رسل الإنس جاز أن يكون خبره عن رسل الإنس بمعنى أنهم رُسُل الجنّ. قالوا: وفي فساد هذا المعنى ما يدلُّ على أنّ الخبرين جميعًا بمعنى الخبر عنهم أنهم رُسُل الله؛ لأنّ ذلك هو المعروف في الخطاب دون غيره».
و ابنُ كثير (٦/١٧٦) القولَ الثاني استنادًا إلى القرآن، ودلالة العقل، فقال: «الدليل على أنّ الرسل إنما هم من الإنس قوله تعالى: ﴿إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده﴾ إلى قوله: ﴿رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل﴾ [النساء:١٦٣-١٦٥]، وقال تعالى عن إبراهيم: ﴿وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب﴾ [العنكبوت:٢٧]، فحصر النبوة والكتاب بعد إبراهيم في ذريته، ولم يقل أحد من الناس: إنّ النبوة كانت في الجن قبل إبراهيم الخليل، ثم انقطعت عنهم ببعثته. وقال تعالى: ﴿وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق﴾ [الفرقان:٢٠]، وقال: ﴿وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى﴾ [يوسف:١٠٩]، ومعلوم أنّ الجن تَبَع للإنس في هذا الباب، ولهذا قال تعالى إخبارًا عنهم: ﴿وإذ صرفنا إليك نفرًا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين * قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقًا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم * يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم * ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض وليس له من دونه أولياء أولئك في ضلال مبين﴾ [الأحقاف:٢٩-٣٢]. وقد جاء في الحديث الذي رواه الترمذي وغيره: أنّ رسول الله ﷺ تلا عليهم سورة الرحمن، وفيها قوله تعالى: ﴿سنفرغ لكم أيها الثقلان * فبأي آلاء ربكما تكذبان﴾».
و ابنُ عطية (٣/٤٦٣) أنّ قوله: ﴿غرتهم الحياة الدنيا﴾ التفاتة فصيحة، تضمَّنت أنّ كفرهم كان بأذمِّ الوجوه لهم؛ وهو الاغترار الذي لا يُواقِعه عاقل، ثم قال: «ويحتمل ﴿غرتهم﴾ أن يكون بمعنى: أشبعتهم وأطعمتهم بحلوائها، كما يقال: غرَّ الطائرُ فرخَه».
﴿قَالُوا۟ شَهِدۡنَا عَلَىٰۤ أَنفُسِنَاۖ وَغَرَّتۡهُمُ ٱلۡحَیَوٰةُ ٱلدُّنۡیَا وَشَهِدُوا۟ عَلَىٰۤ أَنفُسِهِمۡ أَنَّهُمۡ كَانُوا۟ كَـٰفِرِینَ ١٣٠﴾ - تفسير
٢٦٢٣٤- قال مقاتل بن سليمان: ﴿قالوا﴾ يعني: قالت الإنس والجن: ﴿شهدنا على أنفسنا﴾ بذلك أنّا كفرنا بما قالت الرسل في الدنيا، قال الله للنبي ﷺ: ﴿وغرتهم الحياة الدنيا﴾ عن دينهم الإسلام، ويقول الله للنبي ﷺ: ﴿وشهدوا على أنفسهم﴾ في الآخرة ﴿أنهم كانوا كافرين﴾ في الدنيا، وذلك حين شهدت عليهم الجوارح بالشرك والكفر في الدنيا، ثم قال الخازن في التقديم: ﴿النار مثواكم﴾ يعني: مأواكم ﴿خالدين فيها﴾ لا يموتون، ثم استثنى فقال: ﴿إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم﴾ [الأنعام:١٢٨] حكم عليهم حقًّا بذلك الهلاك، كفعله بالأمم الخالية في سورة أخرى(٧). (ز)
ابنُ عطية (٣/٤٦٣) على قوله تعالى: ﴿وشَهِدُوا عَلى أنْفُسِهِمْ أنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ﴾ قائلًا: «تظهر بينه وبين ما في القرآن من الآيات التي تقتضي إنكارَ المشركين الإشراكَ مناقضةٌ، والجمع بينهما هو إما طوائف، وإما طائفة واحدة في مواطن شتى، وإما أن يريد سبحانه بقوله هنا: ﴿وشهدوا على أنفسهم﴾ شهادة الأيدي والأرجل والجلود بعد إنكارهم بالألسنة. قال القاضي أبو محمد: واللفظ ها هنا يبعد من هذا».
(١) أخرجه ابن أبي حاتم ٤/١٣٨٩. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد، وابن المنذر.
(٢) أخرجه ابن جرير ٩/٥٦٠.
(٣) تفسير الثعلبي ٤/١٩١، وتفسير البغوي ٣/١٩٠.
(٤) تفسير مقاتل بن سليمان ١/٥٨٩.
(٥) عزاه السيوطي إلى ابن المنذر.
(٦) أخرجه ابن جرير ٩/٥٦١.
(٧) تفسير مقاتل بن سليمان ١/٥٨٩.