الباحث القرآني
﴿يا مَعْشَرَ الجِنِّ والإنْسِ ألَمْ يَأْتِكم رُسُلٌ مِنكم يَقُصُّونَ عَلَيْكم آياتِي ويُنْذِرُونَكم لِقاءَ يَوْمِكم هَذا﴾ هَذا النِّداءُ أيْضًا يَوْمَ القِيامَةِ، والِاسْتِفْهامُ لِلتَّوْبِيخِ والتَّقْرِيعِ، حَيْثُ أعْذَرَ اللَّهُ إلَيْهِمْ بِإرْسالِ الرُّسُلِ فَلَمْ يَقْبَلُوا مِنهم، والظّاهِرُ أنَّ مِنَ الجِنِّ رُسُلًا إلَيْهِمْ كَما أنَّ مِنَ الإنْسِ رُسُلًا لَهم، فَقِيلَ: بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا واحِدًا مِنَ الجِنِّ إلَيْهِمُ اسْمُهُ يُوسُفُ. وقِيلَ: رُسُلُ الجِنِّ هم رُسُلُ الإنْسِ، فَهم رُسُلُ اللَّهِ بِواسِطَةٍ، إذْ هم رُسُلُ رُسُلِهِ، ويُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ: ﴿ولَّوْا إلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ﴾ [الأحقاف: ٢٩]، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ والضَّحّاكُ. ورُوِيَ أنْ قَوْمًا مِنَ الجِنِّ اسْتَمَعُوا إلى الأنْبِياءِ ثُمَّ عادُوا إلى قَوْمِهِمْ فَأخْبَرُوهم كَما جَرى لَهم مَعَ الرَّسُولِ، فَيُقالُ لَهم رُسُلُ اللَّهِ وإنْ لَمْ يَكُونُوا رُسُلَهُ حَقِيقَةً، وعَلى هَذَيْنِ القَوْلَيْنِ يَكُونُ الضَّمِيرُ عائِدًا عَلى ﴿الجِنِّ والإنْسِ﴾، وقَدْ تَعَلَّقَ قَوْمٌ بِهَذا الظّاهِرِ فَزَعَمُوا أنَّ اللَّهَ - تَعالى - بَعَثَ إلى الجِنِّ رُسُلًا مِنهم، ولَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ مُكَلَّفِينَ ومُكَلَّفِينَ أنْ يُبْعَثَ إلَيْهِمْ رَسُولٌ مِن جِنْسِهِمْ لِأنَّهم بِهِ آنَسُ وآلَفُ. وقالَ مُجاهِدٌ والضَّحّاكُ وابْنُ جُرَيْجٍ والجُمْهُورُ: والرُّسُلُ مِنَ الإنْسِ دُونَ الجِنِّ، ولَكِنْ لَمّا كانَ النِّداءُ لَهُما والتَّوْبِيخُ مَعًا جَرى الخِطابُ عَلَيْهِما عَلى سَبِيلِ التَّجَوُّزِ، المَعْهُودُ في كَلامِ العَرَبِ تَغْلِيبًا لِلْإنْسِ لِشَرَفِهِمْ، وتَأوَّلَهُ الفَرّاءُ عَلى حَذْفِ مُضافٍ، أيْ: مِن أحَدِكم، كَقَوْلِهِ: ﴿يَخْرُجُ مِنهُما اللُّؤْلُؤُ والمَرْجانُ﴾ [الرحمن: ٢٢]، أيْ: مِن أحَدِهِما وهو المِلْحُ، وكَقَوْلِهِ: ﴿وجَعَلَ القَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا﴾ [نوح: ١٦] أيْ: في إحْداهُنَّ (p-٢٢٣)وهِيَ سَماءُ الدُّنْيا، ﴿ويَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ في أيّامٍ مَعْلُوماتٍ﴾ [الحج: ٢٨] أرادَ بِالذِّكْرِ التَّكْبِيرَ، وبِالأيّامِ المَعْلُوماتِ العَشْرَ، أيْ: في أحَدِ أيّامٍ وهو يَوْمُ النَّحْرِ. وقالَ الكَلْبِيُّ: كانَ الرُّسُلُ يُبْعَثُونَ إلى الإنْسِ، وبُعِثَ مُحَمَّدٌ ﷺ إلى الجِنِّ والإنْسِ. ورُوِيَ هَذا أيْضًا عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، ومَعْنى قَصَصِ الآياتِ الإخْبارُ بِما أُوحِيَ إلَيْهِمْ مِنَ التَّنْبِيهِ عَلى مَواضِعِ الحَجِّ، والتَّعْرِيفِ بِأدِلَّةِ التَّوْحِيدِ، والِامْتِثالِ لِأوامِرِهِ والِاجْتِنابِ بِمَناهِيهِ. والإنْذارُ الإعْلامُ بِالمَخُوفِ، و﴿لِقاءَ يَوْمِكم هَذا﴾ أيْ: يَوْمَ القِيامَةِ، والإنْذارُ بِما يَكُونُ فِيهِ مِنَ الأهْوالِ والمَخاوِفِ وصَيْرُورَةُ الكُفّارِ المُكَذِّبِينَ إلى العَذابِ الأبَدِيِّ. وقَرَأ الأعْرَجُ: ألَمْ تَأْتِكم، عَلى تَأْنِيثِ لَفْظِ الرُّسُلِ بِالتّاءِ.
﴿قالُوا شَهِدْنا عَلى أنْفُسِنا﴾ الظّاهِرُ أنَّ هَذِهِ حِكايَةٌ لِتَصْدِيقِهِمْ، وإلْجائِهِمْ قَوْلَهُ: ﴿ألَمْ يَأْتِكُمْ﴾ لِأنَّ الهَمْزَةَ الدّاخِلَةَ عَلى نَفْيِ إتْيانِ الرُّسُلِ لِلْإنْكارِ فَكانَ تَقْرِيرًا لَهم، والمَعْنى قالُوا: شَهِدْنا عَلى أنْفُسِنا بِإتْيانِ الرُّسُلِ إلَيْنا وإنْذارِهِمْ إيّانا هَذا اليَوْمَ، وهَذِهِ الجُمْلَةُ نابَتْ مَنابَ بَلى هُنا، وقَدْ صَرَّحَ بِها في قَوْلِهِ: ﴿ألَمْ يَأْتِكم رُسُلٌ مِنكم يَتْلُونَ عَلَيْكم آياتِ رَبِّكم ويُنْذِرُونَكم لِقاءَ يَوْمِكم هَذا قالُوا بَلى﴾ [الزمر: ٧١]، أقَرُّوا بِأنَّ حُجَّةَ اللَّهِ لازِمَةٌ لَهم وأنَّهم مَحْجُوجُونَ بِها. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وقَوْلُهُ: (شَهِدْنا) إقْرارٌ مِنهم بِالكُفْرِ واعْتِرافٌ، أيْ: ﴿شَهِدْنا عَلى أنْفُسِنا﴾ بِالتَّقْصِيرِ. انْتَهى. والظّاهِرُ في ﴿شَهِدْنا﴾ شَهادَةُ كُلِّ واحِدٍ عَلى نَفْسِهِ. وقِيلَ: شَهِدَ بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ بِإنْذارِ الرُّسُلِ.
﴿وغَرَّتْهُمُ الحَياةُ الدُّنْيا﴾ هَذا إخْبارٌ عَنْهم مِنَ اللَّهِ - تَعالى - وتَنْبِيهٌ عَلى السَّبَبِ المُوجِبِ لِكُفْرِهِمْ، وإفْصاحٌ لَهم بِأذَمِّ الوُجُوهِ الَّذِي هو الخِداعُ. وقِيلَ: يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مِن غَرَّ الطّائِرُ فَرْخَهُ، أيْ: أطْعَمَهم وأشْبَعَهم، والتَّوْسِيعُ في الرِّزْقِ والبَسْطُ سَبَبٌ لِلْبَغْيِ ”ولَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا في الأرْضِ“ .
﴿وشَهِدُوا عَلى أنْفُسِهِمْ أنَّهم كانُوا كافِرِينَ﴾ ظاهِرُهُ شَهادَةُ كُلِّ واحِدٍ عَلى نَفْسِهِ بِالكُفْرِ. وقِيلَ: شَهِدَ بَعْضُهم عَلى بَعْضٍ. وقِيلَ: شَهِدَتْ جَوارِحُهم عَلَيْهِمْ بَعْدَ إنْكارِهِمْ والخَتْمِ عَلى أفْواهِهِمْ، وهو بَعِيدٌ مِن سِياقِ الآيَةِ، وتَنافى بَيْنَ قَوْلِهِ: ﴿وشَهِدُوا عَلى أنْفُسِهِمْ﴾ وبَيْنَ الآياتِ الَّتِي تَدُلُّ عَلى الإنْكارِ لِاحْتِمالِ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِن طَوائِفَ، طائِفَةٍ تَشْهَدُ وطائِفَةٍ تُنْكِرُ، أوْ مِن طائِفَةٍ واحِدَةٍ لِاخْتِلافِ الأحْوالِ ومُواطِنِ القِيامَةِ في ذَلِكَ اليَوْمِ المُتَطاوِلِ، فَيُقِرُّونَ في بَعْضٍ ويَجْحَدُونَ في بَعْضٍ. وقالَ التِّبْرِيزِيُّ: ﴿وشَهِدُوا﴾ أقَرُّوا عَلى أنْفُسِهِمُ اضْطِرارًا لا اخْتِيارًا، ولَوْ أرادُوا أنْ يَقُولُوا غَيْرَهُ ما طاوَعَتْهم أنْفُسُهم. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: (فَإنْ قُلْتَ): لِمَ كَرَّرَ ذِكْرَ شَهادَتِهِمْ عَلى أنْفُسِهِمْ ؟ (قُلْتُ): الأُولى حِكايَةٌ لِقَوْلِهِمْ: كَيْفَ يَقُولُونَ ويَعْتَرِفُونَ، والثّانِيَةُ ذَمٌّ لَهم وتَخْطِئَةٌ لِرَأْيِهِمْ ووَصْفٌ لِقِلَّةِ نَظَرِهِمْ لِأنْفُسِهِمْ، وأنَّهم قَوْمٌ غَرَّتْهُمُ الحَياةُ الدُّنْيا واللَّذّاتُ الحاضِرَةُ، وكانَ عاقِبَةُ أمْرِهِمْ أنِ اضْطُرُّوا إلى الشَّهادَةِ عَلى أنْفُسِهِمْ بِالكُفْرِ والِاسْتِسْلامِ لِرَبِّهِمْ واسْتِنْجازِ عَذابِهِ، وإنَّما قالَ ذَلِكَ تَحْذِيرًا لِلسّامِعِينَ مِثْلَ حالِهِمْ. انْتَهى. ونَقُولُ: لَمْ تَتَكَرَّرِ الشَّهادَةُ لِاخْتِلافِ المُخْبِرِ ومُتَعَلَّقِها، فالأُولى إخْبارُهم عَنْ أنْفُسِهِمْ، (p-٢٢٤)والثّانِيَةُ إخْبارُهُ تَعالى عَنْهم أنَّهم شَهِدُوا عَلى أنْفُسِهِمْ بِالكُفْرِ، فَهَذِهِ الشَّهادَةُ غَيْرُ الأُولى.
{"ayah":"یَـٰمَعۡشَرَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ أَلَمۡ یَأۡتِكُمۡ رُسُلࣱ مِّنكُمۡ یَقُصُّونَ عَلَیۡكُمۡ ءَایَـٰتِی وَیُنذِرُونَكُمۡ لِقَاۤءَ یَوۡمِكُمۡ هَـٰذَاۚ قَالُوا۟ شَهِدۡنَا عَلَىٰۤ أَنفُسِنَاۖ وَغَرَّتۡهُمُ ٱلۡحَیَوٰةُ ٱلدُّنۡیَا وَشَهِدُوا۟ عَلَىٰۤ أَنفُسِهِمۡ أَنَّهُمۡ كَانُوا۟ كَـٰفِرِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق