الباحث القرآني
ولَمّا انْقَضَتْ هَذِهِ المُحاوَرَةُ وما أنْتَجَتْهُ مِن بَغِيضِ المُوالاةِ والمُجاوَرَةِ وكانَ حاصِلُها أنَّها مُوالاةُ مَن ضَرَّتْ مُوالاتُهُ، أتْبَعَها - سُبْحانَهُ - بِمُحاوَرَةٍ أُخْرى حاصِلُها مُعاداةُ مَن ضَرَّتْ مُعاداتُهُ - فَقالَ مُبْدِلًا مِنَ الأُولى إتْمامًا لِلتَّقْرِيعِ والتَّوْبِيخِ والتَّشْنِيعِ: ﴿يا مَعْشَرَ الجِنِّ﴾ قَدَّمَهم لِأنَّ السِّياقَ لِبَيانِ غَلَبَتِهِمْ ﴿والإنْسِ﴾ وبَكَّتَهم بِقَوْلِهِ مُحَذِّرًا لِلسّامِعِينَ الآنَ ومُسْتَعْطِفًا لَهم (p-٢٧٢)إلى التَّوْبَةِ: ﴿ألَمْ يَأْتِكم رُسُلٌ﴾ ولَمّا صارَ القَبِيلانِ بِتَوْجِيهِ الخِطابِ نَحْوَهم دُفْعَةً كالشَّيْءِ الواحِدِ قالَ: ﴿مِنكُمْ﴾ وإنْ كانَ الرُّسُلُ مِنَ الإنْسِ خاصَّةً.
ولَمّا كانَ النَّظَرُ في هَذِهِ السُّورَةِ إلى العِلْمِ غالِبًا لِإثْباتِ تَمامِ القُدْرَةِ الَّذِي هو مِن لَوازِمِهِ بِدَلِيلِ ﴿يَعْلَمُ سِرَّكم وجَهْرَكُمْ﴾ [الأنعام: ٣] ﴿ألَيْسَ اللَّهُ بِأعْلَمَ بِالشّاكِرِينَ﴾ [الأنعام: ٥٣] ﴿وعِنْدَهُ مَفاتِحُ الغَيْبِ﴾ [الأنعام: ٥٩] وغَيْرِها، ولِذَلِكَ أكْثَرَ فِيها مِن ذِكْرِ التَّفْصِيلِ الَّذِي لا يَكُونُ إلّا لِلْعالِمِ، كانَ القَصُّ - الَّذِي هو تَتَبُّعُ الأثَرِ - أنْسَبَ لِذَلِكَ فَقالَ ﴿يَقُصُّونَ﴾ بِالتِّلاوَةِ والبَيانِ لِمَواضِعَ الدَّلائِلِ ﴿عَلَيْكم آياتِي﴾ أيْ: يَتَّبِعُونَ بِالعَلاماتِ الَّتِي يَحِقُّ لَها بِما لَها مِنَ الجَلالِ والعَظَمَةِ أنْ تُنْسَبَ إلى مَواضِعِ شُبَهِكم، فَيُحِلُّونَها حَلًّا مَقْطُوعًا بِهِ ﴿ويُنْذِرُونَكُمْ﴾ أيْ: يُخَوِّفُونَكم ﴿لِقاءَ يَوْمِكم هَذا﴾ أيْ: بِما قالُوا لَكم إنَّهُ يَطْلُبُكم طَلَبًا حَثِيثًا وأنْتُمْ صائِرُونَ إلَيْهِ في سُفُنِ الأيّامِ ومَراكِبِ الآثامِ وأنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ سَيْرًا سَرِيعًا ﴿قالُوا﴾ مُعْذِرِينَ مِن أنْفُسِهِمْ بِالذُّلِّ والخُضُوعِ ﴿شَهِدْنا﴾ بِما فَعَلْتَ بِنا أنْتَ – سُبْحانَكَ - مِنَ المَحاسِنِ وما فَعَلْنا نَحْنُ مِنَ القَبائِحِ ﴿عَلى أنْفُسِنا﴾ أيْ: بِإتْيانِ الرُّسُلِ إلَيْنا ونَصِيحَتِهِمْ لَنا بِدَلِيلِ الآيَةِ الأُخْرى
﴿قالُوا بَلى ولَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ العَذابِ عَلى الكافِرِينَ﴾ [الزمر: ٧١] وبَيَّنَ أنَّ ضَلالَهم كانَ بِأرْدَإ الوُجُوهِ وأسْخَفِها الدُّنْيا، بِحَيْثُ إنَّهم اغْتَرُّوا بِها مَعَ دَناءَتِها لِحُصُورِها عَنِ الآخِرَةِ مَعَ شَرَفِها لِغِيابِها، فَقالَ: ﴿وغَرَّتْهُمُ﴾ (p-٢٧٣)أيْ: شَهِدُوا هَذِهِ الشَّهادَةَ والحالُ أنَّهم قَدْ غَرَّتْهم ﴿الحَياةُ الدُّنْيا﴾ أيْ: الحاضِرَةُ عِنْدَهم إذْ ذاكَ الدَّنِيَّةُ في نَفْسِها لِفَنائِها، عَنْ اتِّباعِ الرُّسُلِ دَأْبَ الجاهِلِ في الرِّضى بِالدُّونِ والدّابَّةِ في القَناعَةِ بِالحاضِرِ، فَشَهادَتُهم ضارَّةٌ بِهِمْ، ولَكِنْ لَمْ يَسْتَطِيعُوا كِتْمانَها، بَلْ ﴿وشَهِدُوا﴾ أيْ: في هَذا المَوْطِنِ مِن مَواطِنِ القِيامَةِ الطِّوالِ ﴿عَلى أنْفُسِهِمْ﴾ أيْضًا بِما هو أصْرَحُ في الضَّرَرِ عَلَيْهِمْ مِن هَذا، وهو ﴿أنَّهم كانُوا﴾ جِبِلَّةً وطَبْعًا ﴿كافِرِينَ﴾ أيْ: غَرِيقِينَ في الكُفْرِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ الغُرُورُ بِأنَّهم ظَنُّوا أحْوالَ الآخِرَةِ تَمْشِي عَلى ما كانُوا يَأْلَفُونَهُ في الدُّنْيا مِن أنَّ الِاعْتِرافَ بِالذَّنْبِ والتَّكَلُّمَ بِالصِّدْقِ قَدْ يَنْفَعُ المُذْنِبَ ويَكُفُّ مِن سورة المُغْضَبِ حَتّى يَتْرُكَ العِقابَ ويَصْفَحَ عَنِ الجَرِيمَةِ، فَلِذَلِكَ شَهِدُوا بِإتْيانِ الرُّسُلِ إلَيْهِمْ وإقامَةِ الحُجَّةِ عَلَيْهِمْ، وشَهِدُوا عَلى أنْفُسِهِمْ بِالكُفْرِ، فَما زادَهم ذَلِكَ إلّا وبالًا وحُزْنًا ونَكالًا.
{"ayah":"یَـٰمَعۡشَرَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ أَلَمۡ یَأۡتِكُمۡ رُسُلࣱ مِّنكُمۡ یَقُصُّونَ عَلَیۡكُمۡ ءَایَـٰتِی وَیُنذِرُونَكُمۡ لِقَاۤءَ یَوۡمِكُمۡ هَـٰذَاۚ قَالُوا۟ شَهِدۡنَا عَلَىٰۤ أَنفُسِنَاۖ وَغَرَّتۡهُمُ ٱلۡحَیَوٰةُ ٱلدُّنۡیَا وَشَهِدُوا۟ عَلَىٰۤ أَنفُسِهِمۡ أَنَّهُمۡ كَانُوا۟ كَـٰفِرِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق