الباحث القرآني

﴿وَإِذۡ قَالَ ٱللَّهُ یَـٰعِیسَى ٱبۡنَ مَرۡیَمَ ءَأَنتَ قُلۡتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِی وَأُمِّیَ إِلَـٰهَیۡنِ مِن دُونِ ٱللَّهِۖ قَالَ سُبۡحَـٰنَكَ مَا یَكُونُ لِیۤ أَنۡ أَقُولَ مَا لَیۡسَ لِی بِحَقٍّۚ إِن كُنتُ قُلۡتُهُۥ فَقَدۡ عَلِمۡتَهُۥۚ تَعۡلَمُ مَا فِی نَفۡسِی وَلَاۤ أَعۡلَمُ مَا فِی نَفۡسِكَۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّـٰمُ ٱلۡغُیُوبِ ۝١١٦﴾ - تفسير

٢٤٣٦٣- عن أبي موسى الأشعري، قال: قال رسول الله ﷺ: «إذا كان يومُ القيامةِ دُعِيَ بالأنبياء وأممِها، ثم يُدعى بعيسى، فيُذَكِّرُه الله نعمتَه عليه، فيُقِرُّ بها، فيقولُ: ﴿يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك﴾ الآية، ثم يقولُ: ﴿أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله﴾. فيُنكِرُ أن يكونَ قال ذلك، فيُؤتى بالنصارى فيُسألون، فيقولون: نعم، هو أمَرَنا بذلك. فيَطُولُ شعرُ عيسى، حتى يأخُذَ كلُّ مَلَكٍ من الملائكة بشعرةٍ من شعرِ رأسِه وجسدِه، فيُجاثيهم بينَ يَدَي الله مقدارَ ألفِ عامٍ، حتى يُوقِعَ عليهم الحُجَّة، ويُرفَعُ لهم الصليبُ، ويُنطَلَقُ بهم إلى النار»[[أخرجه ابن بشران في أماليه ص٣١-٣٢ (١٨)، ص٣٧٢ (٨٥٤)، وابن عساكر في تاريخه ٦٧/٣٩-٤٠ (٨٦٥٠) ترجمة أبي عبد الله مولى عمر بن عبد العزيز، وابن أبي حاتم ٤/١٢٣٦-١٢٣٧ (٦٩٧٦)، من طريق ابن أبي السري العسقلاني، ثنا الوليد بن مسلم، حدثني مروان بن جناح، قال: سمعت أبا عبد الله مولى لعمر بن عبد العزيز وكان ثقة، قال: سمعت أبا بردة بن أبي موسى يحدث عمر بن عبد العزيز، عن أبيه به. قال ابن كثير في تفسيره ٣/٢٣٣: «وهذا حديث غريب عزيز». قلنا: إسناده ضعيف؛ فيه ابن أبي السري العسقلاني، وهو محمد بن المتوكل بن عبد الرحمن الهاشمي مولاهم، قال عنه ابن حجر في التقريب (٦٢٦٣): «صدوق عارف، له أوهام كثيرة».]]. (٥/٥٩١)

٢٤٣٦٤- عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ، قال: «إنّ عيسى حاجَّه ربُّه، فحاجَّ عيسى ربَّه، واللهُ لَقّاه حُجَّتَه بقولِه: ﴿أأنت قلت للناس﴾» الآية[[عزاه السيوطي إلى أبي الشيخ.]]. (٥/٦٠٦)

٢٤٣٦٥- عن جابر بن عبد الله، سمع النبي ﷺ يقول: «إذا كان يومُ القيامة جُمِعَتِ الأُمَمُ، ودُعِي كلُّ أُناسٍ بإمامِهم». قال: «ويُدعى عيسى، فيقولُ لعيسى: يا عيسى، ﴿أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله﴾؟ فيقولُ: ﴿سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق﴾ إلى قوله: ﴿يوم ينفع الصادقين صدقهم﴾»[[أخرجه الدارقطني في كتاب رؤية الله ص١٦٨-١٦٩ (٥٤)، وأبو حمة محمد بن يوسف -كما في فتح الباري لابن رجب ٤/٤١٣-٤١٤- وليس فيهما محل الشاهد. وعزاه السيوطي إلى ابن مردويه.]]. (٥/٦٠٦)

٢٤٣٦٦- عن أبي هريرة، قال: يُلَقّى عيسى حُجَّتَه، واللهُ لَقّاه في قوله: ﴿وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله﴾. قال أبو هريرة عن النبي ﷺ: «فلَقّاه اللهُ: ﴿سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق﴾» الآية كلَّها[[أخرجه الترمذي ٥/٣٠٣ (٣٣١٥)، والنسائي في الكبرى ١٠/٩٠ (١١٠٩٧)، وابن أبي حاتم ٤/١٢٥٣ (٧٠٥٢). قال الترمذي: «هذا حديث حسن صحيح».]]. (٥/٦٠٥)

٢٤٣٦٧- عن طاووس بن كيسان -من طريق ابنه- في هذه الآية، قال: احْتَجَّ عيسى وربُّه، واللهُ وفَّقَه، فقال: ﴿سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق﴾[[أخرجه ابن جرير ٩/١٣٨، وابن أبي حاتم ٤/١٢٥٣. وعزاه السيوطي إلى عبد الرزاق، والفريابي، وابن أبي شيبة، وعَبد بن حُمَيد، وابن المنذر.]]. (٥/٦٠٦)

٢٤٣٦٨- عن قتادة بن دعامة -من طريق مَعْمَر- في قوله: ﴿أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله﴾ متى يكونُ ذلك؟ قال: يوم القيامة، ألا تَرى أنه يقول: ﴿هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم﴾[[أخرجه عبد الرزاق ١/٢٠١، وابن جرير ٩/١٣٤، وابن أبي حاتم ٤/١٢٥٣.]]. (٥/٦٠٥)

٢٤٣٦٩- عن مَيسَرةَ -من طريق عطاء- قال: قال الله: ﴿وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله﴾. فأرعدت مفاصله، وخشي أن يكون قد قال، فـ﴿قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته﴾[[أخرجه ابن جرير ٩/١٣٤، ١٣٨، وابن أبي حاتم ٤/١٢٥٢، ١٢٥٣. وعزاه السيوطي إلى ابن المنذر، وأبي الشيخ.]]. (٥/٦٠٥)

٢٤٣٧٠- عن إسماعيل السُّدِّيّ -من طريق أسباط- في قوله: ﴿وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله﴾، قال: لما رفَع اللهُ عيسى ابنَ مريمَ إليه قالت النصارى ما قالت، وزَعَموا أنّ عيسى أمَرَهم بذلك، فسَأَلَه عن قوله. فقال: ﴿سبحانك ما يكون لي أن أقول﴾ إلى قوله: ﴿وأنت على كل شيء شهيد﴾[[أخرجه ابن جرير ٩/١٣٣، وابن أبي حاتم ٤/١٢٥٣.]]٢٢١٥. (٥/٦٠٦)

٢٢١٥ اختلف المفسرون في وقت وقوع هذا القول؛ فقال السدي: لما رفع الله عيسى إليه قالت النصارى ما قالت، وزعموا أن عيسى أمرهم بذلك، فسأله تعالى حينئذ عن قولهم، فقال: ﴿سُبْحانَكَ﴾ الآية. وقال قتادة وغيره: هذا القول من الله إنما هو في يوم القيامة. وعلَّق ابنُ عطية (٣/٣٠٤) على قول السدي بقوله: «فتجيء ﴿قالَ﴾ على هذا متمكنة في المضي، ويجيء قوله آخرًا: ﴿وإنْ تَغْفِرْ لَهُمْ﴾ أي: بالتوبة من الكفر؛ لأنّ هذا ما قاله عيسى ﵇ وهم أحياء في الدنيا». ورجَّحه ابنُ جرير (٩/١٣٥-١٣٧) مستندًا إلى الأغلب في اللغة، والدلالات العقلية، وذلك أن (إذ) إنما تصاحب في الأغلب من كلام العرب الماضي من الفعل، وتوجيه معاني كلام الله تعالى إلى الأشهر أولى، كما أنّ عيسى ﵇ لا يجوز أن يتوهم عليه طلب المغفرة لِمَن مات مشركًا، وفي قول عيسى: ﴿ما قلت لهم إلا ما أمرتني به... وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب﴾ بيان أن الله تعالى إنما عرَّفه مقالة قومه بعدما قبضه إليه وتوفاه. وانتقد ابنُ عطية (٣/٣٠٤ بتصرف) الاستناد إلى كون عيسى ﵇ يمتنع عليه طلب المغفرة للمشركين ببيان أنّ معنى قوله: ﴿وإنْ تَغْفِرْ لَهُمْ﴾: إن عذبت العالم كله فبحقك، وإن غفرت وسبق ذلك في علمك فلأنك أهل لذلك لا معقب لحكمك ولا منازع لك. وليس المعنى أنه لا بد من أن تفعل أحد هذين الأمرين، بل قال هذا القول مع علمه بأنّ الله لا يغفر أن يشرك به. وانتقد ابنُ كثير (٥/٤٢٥-٤٢٦ بتصرف) المستند الأول والثاني لابن جرير فقال: «وهذان الدليلان فيهما نظر؛ لأن كثيرًا من أمور يوم القيامة ذكر بلفظ المضي ليدل على الوقوع والثبوت. ومعنى قوله: ﴿إن تعذبهم فإنهم عبادك﴾ الآية: التبري منهم، ورد المشيئة فيهم إلى الله، وتعليق ذلك على الشرط لا يقتضي وقوعه، كما في نظائر ذلك من الآيات». ورجَّح ابنُ عطية (٣/٣٠٥-٣٠٦) القول الثاني مستندًا إلى السياق، فقال: «وهذا هو عندي القول الأرجح، ويتقوى بما بعده، وذلك أن عيسى ﵇ لَمّا قرر أن الله تعالى له أن يفعل في عباده ما يشاء من تعذيب ومغفرة أظهر الله لعباده ما كانت الأنبياء تخبرهم به، كأنه يقول: هذا أمر قد فرغ منه، وقد خلص للرحمة من خلص، وللعذاب من خلص. فقال تبارك وتعالى: ﴿هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصّادِقِينَ صِدْقُهُمْ﴾. ثم جاءت هذه العبارة مشيرة إلى عيسى في حاله تلك، وصدقه فيما قال، فحصل له بذلك في الموقف شرف عظيم، وإن كان اللفظ يعمه وسواه». وكذا رجَّحه ابنُ كثير (٥/٤٢٦) مستندًا إلى السنة، والدلالات العقلية، فقال: «والذي قاله قتادة وغيره هو الأظهر؛ ليدل على تهديد النصارى وتقريعهم وتوبيخهم على رؤوس الأشهاد يوم القيامة، وقد روي بذلك حديث مرفوع». ثم أورد حديث أبي موسى الأشعري. وعلَّق ابنُ عطية (٣/٣٠٤) على هذا القول بقوله: «و﴿قال﴾ على هذا التأويل بمعنى: يقول. ونزول الماضي موضع المستقبل دلالة على كون الأمر وثبوته». وأفاد أن توقيف الله لعيسى وسؤاله فائدته على هذا القول: ظهور الذنب على الكفرة في عبادة عيسى وبيان ظلالهم. ثم ذكر (٣/٣٠٧) أن قوله تعالى في خاتمة السورة ﴿لله ملك السموات..﴾ يحتمل أن يكون مما يقال يوم القيامة، ويحتمل أنه مقطوع من ذلك مخاطب به محمد ﷺ وأمته، وأنه على الوجهين فيه تعضيد لهذا القول.

٢٤٣٧١- قال مقاتل بن سليمان: ﴿وإذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ أأَنْتَ قُلْتَ لِلنّاسِ﴾ يعني: بني إسرائيل في الدنيا: ﴿اتَّخِذُونِي وأُمِّي﴾ مريم ﴿إلهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ قالَ سُبْحانَكَ﴾ فنَزَّه الرب ﷿ أن يكون أمرهم بذلك، فقال: ﴿ما يَكُونُ لِي﴾ يعني: ما ينبغي لي ﴿أنْ أقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ﴾ يعني: بعدل أن يعبدوا غيرك، ﴿إنْ كُنْتُ قُلْتُهُ﴾ لهم ﴿فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي﴾ يعني: ما كان مني وما يكون، ﴿ولا أعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ﴾ يقول: ولا أطلع على غيبك. وقال أيضًا: ﴿ولا أعْلَمُ﴾ ما في علمك، ما كان منك وما يكون، ﴿إنَّكَ أنْتَ عَلّامُ الغُيُوبِ﴾ يعني: غيب ما كان، وغيب ما يكون، ... وإنما قال الله ﷿: ﴿وإذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ﴾ ولم يقل: وإذ يقول يا عيسى ابن مريم. لأنّه قال سبحانه قبل ذكر عيسى: ﴿يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ماذا أُجِبْتُمْ﴾. قالوا يومئذ -وهو يوم القيامة- حين يفرغ من مخاصمة الرسل، فينادي: أين عيسى ابن مريم؟ فيقوم عيسى ﷺ شَفِقٌ فَرِقٌ، يَرْعُد[[يَرْعُد: يرجُف ويضطرب من الخوف. النهاية (رعد).]] رِعْدةً حتى يقف بين يدي الله ﷿: يا عيسى ﴿أأَنْتَ قُلْتَ لِلنّاسِ اتَّخِذُونِي وأُمِّي إلهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ﴾. وكما قال سبحانه: ﴿ونُودُوا أنْ تِلْكُمُ الجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف:٤٣]، فلما دخلوا الجنة قال: ﴿ونادى أصحابُ النّارِ﴾ [الأعراف:٤٤]، فنسق بالماضي على الماضي والمعنى مستقبل، ولو لم يذكر الجنة قبل بدئهم بالكلام الأول لقال في الكلام الأول: وينادي أصحاب الجنة أصحاب النّار. وكل شيء في القرآن على هذا النحو. ثم قال عيسى ﷺ لربه ﷿ في الآخرة: يا ربِّ، غبتُ عنهم، وتركتهم على الحق الذي أمرتني به، فلم أدرِ ما أحدثوا بعدي[[تفسير مقاتل بن سليمان ١/٥١٩.]]. (ز)

٢٤٣٧٢- عن عبد الملك ابن جُرَيْج -من طريق حجاج- ﴿وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله﴾، قال: والناسُ يَسمَعون، فراجَعَه بما قد رأيتَ، فأقَرَّ له بالعُبوديَّة على نفسِه، فعَلِم مَن كان يقولُ في عيسى ما كان يقول أنّه إنما كان يقولُ باطلًا[[أخرجه ابن جرير ٩/١٣٣. وعزاه السيوطي إلي أبي الشيخ.]]٢٢١٦. (٥/٦٠٧)

٢٢١٦ وجَّه ابنُ جرير (٩/١٣٤) هذا القول الذي قاله ابن جريج وقتادة وميسرة بأن ﴿وإذ﴾ في قوله: ﴿وإذ قال الله﴾ بمعنى: وإذا، كقوله تعالى: ﴿ولو ترى إذ فزعوا﴾ [سبأ:٥١]، بمعنى: يفزعون. ثم قال (٩/١٣٥): «وكأن مَن قال بقول ابن جريج هذا فقد وجَّه تأويل الآية إلى: فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابًا لا أعذبه أحدًا من العالمين في الدنيا، وأعذبه أيضًا في الآخرة إذ قال الله: يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله».

٢٤٣٧٣- عن حسن بن صالح -من طريق يحيى بن آدم- قال: لما قال: ﴿أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله﴾ زال كلُّ مَفصِلٍ له عن مكانِه خِيفَةً[[أخرجه ابن أبي حاتم ٤/١٢٥٢.]]. (٥/٦٠٥)

    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب