الباحث القرآني
قال الله عز وجل: ﴿وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ مقول القول هو قوله: ﴿أَأَنْتَ قُلْتَ﴾، إذن فالجملة في محل نصب. واعلم أن مقول القول لا يكون إلا جملة، إلا إذا أُجري مَجرى الظن، إذا أجري مجرى الظن فإنه قد يُسلَّط على المفرد، وإلا فلا يكون إلا جملة، فأين الجملة هنا؟
﴿أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ في ﴿أَأَنْتَ﴾ قراءتان: ﴿آانْتَ﴾ بمد الهمزة الثانية، وبالقصر ﴿أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ﴾ فيها قراءتان: ﴿أُمِّي﴾ و﴿أُمِّيَ﴾. و(اتخذ) تنصب مفعولين، الأول فيها -في هذه الآية- هو الياء، في قوله: ﴿اتَّخِذُونِي﴾، والثاني قوله: ﴿إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾.
﴿قَالَ سُبْحَانَكَ﴾ أي تنزيهًا لك، فهو منصوب على أنه مفعول مطلق لفعل واجب الحذف، ولهذا لا تجد الفعل مع (سبحان) أبدًا، وإنما قلنا: إنه مفعول مطلق لأن المصدر (تسبيح)، وكل لفظ يكون بمعنى المصدر ولكنه لا يشتمل على حروفه يسمى مفعولًا مطلقًا، ويسمى اسم مصدر.
﴿سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ﴾ الباء في قوله: ﴿بِحَقٍّ﴾ الباء حرف جر زائد، ومعنى زائد أي: إعرابًا؛ إذ لا شيء في القرآن زائد معنًى أبدًا، ولكنها زائدة إعرابًا، وأما معنى فإن لها معنًى عظيمًا، وهو التوكيد. كيف نعرب ﴿بِحَقٍّ﴾؟
* الطالب: ﴿بِحَقٍّ﴾ خبر (ليس) منصوب، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد.
* الشيخ: فتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، أين اسم (ليس)؟
* طالب: مستتر.
* الشيخ: مستتر، يعود علام؟
* طالب: (...).
* الشيخ: أحسنت ﴿إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ﴾ هذه جملة شرطية، فعل الشرط ﴿كُنْتُ﴾، والتاء اسم كان، و﴿فَقَدْ عَلِمْتَهُ﴾ جواب الشرط، واقترنت بالفاء لأن الجزاء صُدر بـ(قد).
ثم قال: ﴿تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ﴾ الإعراب واضح.
﴿إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ﴾ الجملة استئنافية تفيد عموم علم الله عز وجل.
قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ﴾ يعني: اذكر يا محمد لهؤلاء القوم هذا الذي صدر من الله إلى عيسى، ﴿يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ﴾ وهذا القول يكون يوم القيامة ﴿أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ الاستفهام هنا لا شك أنه لا يراد به الاستعلام؛ لأن الله تعالى يعلم، ولكن المراد به التوبيخ، توبيخ من؟ توبيخ من قالوا: إن عيسى وأمه إلهان، وهو نظير قول الله تعالى: ﴿وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (٨) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ﴾ [التكوير ٨، ٩]، هي لم تفعل شيئًا، ولكنها تسأل توبيخًا لمن فعلوا، فهنا ﴿أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ﴾ الاستفهام هنا للتوبيخ، توبيخ من؟ من جعلوا عيسى وأمه إلهين من دون الله.
و﴿أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ﴾ يقول علماء البلاغة: هناك فرق بين أن تقول: أأنت قلت، وبين أن تقول: أقلت، قالوا: إنه إذا وقع المستفهم عنه بعد همزة الاستفهام مُصدَّرًا باسم فالمطلوب به التعيين، تعيين الفاعل، وإذا جاء الفعل بعد الهمزة فالمقصود به تعيين الفعل الحادث، إذا قلت: أقام زيد، تستفهم عن أيش؟ عن الفعل الحادث، يعني هل قام أو هو قاعد، وقلت: أزيد القائم؟ تعيين الفاعل. فهنا ﴿أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ﴾ تعيين أيش؟ الفاعل، ﴿أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي﴾ أي: اجعلوني ﴿وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ أي معبودين.
وقوله: ﴿مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ أي من سوى الله عز وجل. كان جواب عيسى عليه الصلاة والسلام: ﴿سُبْحَانَكَ﴾ أي: تنزيهًا لك، أنزهك عما لا يليق بك ولا يليق بالله أن يكون له شريك في العبادة، كما أنه ليس له شريك في الملك.
واعلم أن تنزيه الله عز وجل يكون عن شيئين: الأول: النقص، والثاني: مشابهة المخلوقين، ومشابهة المخلوقين وإن كانت نقصًا لكن ينبغي أن ينص عليها بعينها.
﴿مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ﴾: ﴿مَا يَكُونُ لِي﴾ يعني لا يمكن، فنفي الكون في مثل هذا يعني أنه مستحيل، ﴿أَنْ أَقُولَ﴾ يعني للناس ﴿مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ﴾؛ لأنه ليس من حق عيسى أن يقول للناس: اتخذوني وأمي إلهين من دون الله، بل إن رسالته إنما كانت من أجل النهي عن الشرك وإخلاص العبادة لله وحده ﴿إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ﴾، وهذه الجملة تدل على أن عيسى عليه الصلاة والسلام يعلم أنه لو صدر منه ذلك لعلمه الله، وهو حق. وسيأتي إن شاء الله في الفوائد أن هذا تنديد بالذين يعبدون عيسى بأنه لو قال للناس: اتخذوني وأمي إلهين من دون الله لعلمه الله ولم يمكنه من هذه الدعوة.
وقوله: ﴿تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ﴾ النفس هنا بمعنى الذات، يعني أن ما في نفسي تعلمه وما في نفسك لا أعلمه، والفرق ظاهر؛ لأن الله هو الخالق، وعيسى مخلوق، والخالق يعلم مخلوقه، والمخلوق لا يعلم عن خالقه إلا ما أخبره به، وإلى هذا يشير قول الله تعالى: ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الملك ١٤].
﴿إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ﴾ هذه الجملة استئنافية توكيد لمضمون ما سبق.
* طالب: في قوله تعالى: ﴿فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ ألا يجوز أن يقال بمثل هذا عالمي زمانهم؟
* الشيخ: إذا دل دليل على هذا لا بأس، مثل قوله تعالى: ﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ [البقرة ٤٧] أما إذا لم يدل عليه دليل فالأصل العموم.
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: أعندك شك في رسالة محمد؟
* الطالب: لا.
* الشيخ: ما عندك شك، لكن إذا جئت فقل: اللهم ارزقني مائدة يكفيك مائدة الأرض.
* طالب: أحسن الله إليك، لو أن داعية سأل الله سبحانه أن يري الناس كرامة له يري الناس صدق دعوته؟
* الشيخ: هذه لا ينبغي إلا في مقام التحدي، في مقام التحدي لا بأس؛ كما يذكر عن خالد بن الوليد رضي الله عنه أنه أكل السم[[أخرجه الطبراني في الكبير (٣٨٠٩).]]. لكن بغير تحدٍّ لا، واصبر لا تستعجل الآيات حتى تتم دعوتك، قد يكون الله عز وجل أخر عنك الآيات الدالة على صدقك، وهي الكرامات؛ لأن الآيات للأولياء من الكرامات، قد يكون لرفعة درجاتك وصبرك، أما في مقام التحدي فنعم.
* طالب: تنزيه الله عن النقائص والعيوب، وتنزيه الله عن مشابهة خلقه، قلنا: إن مشابهة خلقه ينبغي أن ينص عليها بعينها، كيف يكون هذا؟
* الشيخ: لئلا يظن ظان أن الكمال الذي في الخالق يكون مثل الكمال اللي في المخلوق، والمخلوق مهما كان ناقص، فلا بد من أن نقول عن (...) المخلوق.
* الطالب: سياق الآية يا شيخ في قول الله تبارك وتعالى: ﴿إِنِّي مُنَزِّلُهَا﴾ أليس يا شيخ للتأكيد، والعذاب توعدهم على المخالفة؟
* الشيخ: نعم هذا مما يرجح أنها نزلت، لكن كونها لم تذكر في كتب النصارى ولم يعرفوها، وعيسى سأل الله تعالى أن تكون عيدًا لأولهم وآخرهم يشكل على هذا، وليس ذاك الإشكال البعيد؛ لأنه قد يقال: إن الله تعالى لم يجب عيسى على كل ما سأل أن تكون عيدًا لأولهم وآخرهم.
* طالب: الآثار التي وردت ذكرها ابن كثير أنها نزلت وعليها سمكة عظيمة عن كعب الأحبار..
* الشيخ: لا، هذه إسرائيليات، هذه من الإسرائيليات التي لو أن ابن كثير رحمه الله تركها لكان أحسن.
* طالب: أليست تكون هذه من كتبهم دلت عليها أن هذه الأشياء؟
* الشيخ: ما أدري الأناجيل اللي موجودة في أيديهم ليس بها ذكر المائدة.
* طالب: الاعتداء في الدعاء أن يكون المسؤول مستحيلًا كونًا، فما مثال المستحيل كونًا؟
* الشيخ: المستحيل كونا أن يسأل الله تعالى أن يجعله مغيرًا للخلق؛ لأن هذا مستحيل؛ لأن لا يملك التغيير إلا الله عز وجل.
* طالب: وإن يمكنه نفخ الروح في الأشياء كذا.
* الشيخ: إي نعم، هذا كذلك إذا نظرنا إلى قدرة الإنسان، أما إذا كان بيد الله، فالله على كل شيء قدير.
* طالب: فلا يجوز أن يسأل الله أن يقدره على هذا الشيء.
* الشيخ: لا، ما يجوز، أو شرعًا مثل أن يقول: اللهم اجعلني نبيًّا، هذا لا يجوز.
* طالب: إذا وردت النفس في القرآن هل يحمل على الذات؟
* الشيخ: النفس إي نعم هذا الداخل؛ كقوله تعالى: ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ﴾ [المائدة ٣٢] وقال: ﴿النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾ [المائدة ٤٥] فالنفس بمعنى الذات.
* طالب: بالنسبة لعيسى عليه السلام كان عنده آيات كإحياء الميت وإبراء الأكمه ولكن النصارى عندهم أن أم عيسى مريم يقولون: إنها بغية زانية، كيف قالوها إلهًا مع عيسى؟
* الشيخ: أيش؟
* الطالب: هؤلاء النصارى بعضهم يقول: إن مريم أم عيسى بغية يعني كانت تزني، كيف قالوها إلهًا مع عيسى؟
* الشيخ: لأنهم من أضل الناس دينًا وأسفههم عقولًا النصارى.
* طالب: الآن يا شيخ بعض النصارى عندهم أن مريم زنت بـ..
* الشيخ: أيش؟
* الطالب: النصارى فيه عندهم أقسام.
* الشيخ: أقسام ما فيه شك.
* الطالب: والبعض منهم يقول: إن مريم بغية؛ لأن مريم يعني الزانية، يقول هذا بعض النصارى.
* الشيخ: لا، هذا اليهود، لا، النصارى ما يقولون هذا، الذين قالوا ذاك اليهود.
* طالب: بارك الله فيكم يا شيخنا، هل اليهود هم الذين حرفوا دين النصارى.
* الشيخ: لا، حتى الأحبار من النصارى، حتى النصارى حرفوا، الآن الأناجيل أنا ما قرأتها، لكن الأناجيل يقولون: فيها اختلاف كثير، كل يدعي أن هذا الإنجيل الذي نزل على عيسى.
* طالب: (...).
* الشيخ: ما يستبعد، أقول: لا يستبعد هذا.
* * *
* طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم ﴿وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (١١٦) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (١١٧) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [المائدة ١١٦ - ١١٨].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ نأخذ الفوائد:
* في هذه الآية الكريمة: إثبات القول لله ﴿إِذْ قَالَ اللَّهُ﴾، وفي القرآن إثبات القول وإثبات الكلام وإثبات النداء وإثبات المناجاة، وكل هذا يدل على أن الله يتكلم بكلام حقيقة بحرف وصوت، وهذا مذهب أهل السنة والجماعة، وهو الذي نعتقده وندين الله به، وهو الواجب على كل مؤمن.
* وفي هذه الآية من الفوائد: أن قول الله بحرف وصوت، أما كونه بحرف فلأن الكلمات التي جاءت بعد القول حروف، وأما كونه بصوت فلأن الله تعالى يخاطب به عيسى، وعيسى يرد عليه، مما يدل على أنه كلام مسموع، فهو بصوت. هاتان فائدتان عظيمتان.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: توبيخ الذين اتخذوا عيسى إلهًا وأمه؛ لقوله: ﴿أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ﴾؛ لأنه سبق أن المراد من هذا الاستفهام هو توبيخ الذين اتخذوا عيسى وأمه إلهين.
* ومن فوائد الآية الكريمة: بُعد الرسل عليهم الصلاة والسلام عن الشرك، لقوله: ﴿سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ﴾، وهذا أمر مسلم؛ لأن أصل بعثة الرسل من أجل تحقيق التوحيد.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: تنزيه الله تبارك وتعالى أن يكون له شريك؛ لقوله: ﴿سُبْحَانَكَ﴾؛ لأننا قلنا: (سبحانك) بمعنى: تنزيهًا لك عن كل ما لا يليق بك، والمقام الآن باتخاذ شريك، فيكون معناه تنزيه الله عن كل شريك.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: اعتراف عيسى عليه الصلاة والسلام بما لا يستحق؛ لقوله: ﴿مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ﴾ وهكذا إخوانه من الرسل، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم «لما قال له رجل: مَا شَاءَ اللهُ وَشِئْتَ. قال له:» «أَجَعَلْتَنِي لِلَّهِ نِدًّا؟ بَلْ مَا شَاءَ اللهُ وَحْدَهُ»[[أخرجه أحمد (١٨٣٩) من حديث ابن عباس ولفظه: «أَجَعَلْتَنِي وَاللهَ عَدْلًا».]]، فكل الرسل يعرفون قدر أنفسهم، فلا يمكن أن يقروا ما لا يستحقونه.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الألوهية حق خاص لله؛ لقوله: ﴿مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ﴾، وإذا كان الرسل، بل خلاصة الرسل، ليس لهم في الألوهية، فمن دونهم من باب أولى، فلا أحد يستحق أن يكون إلهًا، ولا أحد يستحق أن نعبده من دون الله عز وجل.
* من فوائد هذه الآية الكريمة: أن الله سبحانه وتعالى يعلم ما يصدر من الإنسان من قول؛ لقوله: ﴿إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ﴾.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: تأدب الرسل عليهم الصلاة والسلام مع ربهم جل وعلا؛ لقوله: ﴿إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ﴾، وإذا كنت علمته فإنه صادر عن علم من عندك يا رب، وعن قضاء وقدر، ولا يخفى عليك.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: إطلاق النفس على الذات، بل إن بعض العلماء يقول: إن إطلاق الذات على النفس غلط، وإن أصل ذات بمعنى صاحبة، فلا تقال إلا مضافة، كما قال عز وجل: ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ﴾ [البروج ١] أي صاحبة البروج، وإن إطلاق الذات على النفس من الكلمات المحدثة، وقد صرح بهذا شيخ الإسلام رحمه الله وقال: إنها ليست من كلام العرب العرباء -أي إطلاق الذات على النفس- وإنما يعبر عن الذات بالنفس، يعني بمعنى أن ذات الرجل هي نفسه، ولكن الاصطلاح شيء آخر واللغة العربية الفصحى شيء آخر.
فإذن معنى قوله: ﴿مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ﴾ يعني ما في ذاتي ولا أعلم ما في ذاتك، وليست النفس شيئًا زائدًا على الذات، يعني ليست كالعلم والقدرة والسمع والبصر وما أشبه ذلك، وقول بعض أهل العلم: أثبت الله لنفسه نفسًا فقال: ﴿تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ﴾ من باب التسامح والتجاوز، وإلا فإن نفس الله هو ذات الله عز وجل.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: إثبات علم الله بما في نفس الإنسان؛ لقوله: ﴿تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي﴾ وهذا كقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ﴾ [ق ١٦]، فالله عز وجل يعلم ما في قلبك، احذر أن يكون في قلبك ما يخالف أمر الله عز وجل.
* ومن هنا نأخذ فائدة ثانية وهي: وجوب الخشوع في الصلاة؛ لأنك إذا غفلت وفكرت في غير ما يتعلق بالصلاة فقد أعرضت عن الله عز وجل، هكذا قرره بعض أهل العلم، ولكن في مسألة وجوب الخشوع في الصلاة فيها نظر؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبر أنه «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ وَلَّى الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ، فَإِذَا انْتَهَتِ الْإِقَامَةُ جَاءَ إِلَى الْمُصَلِّي وَجَعَلَ يُحَدِّثُهُ حَتَّى يَقُولَ: اذْكُرْ كَذَا فِي يَوْمِ كَذَا، فَلَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٢٨٥) ومسلم (٣٨٩ / ٨٣) من حديث أبي هريرة.]].
وقد يقال: إن النبي ﷺ أخبر عن الواقع، ولا يلزم من الإخبار عن الواقع أن يكون الواقع جائزًا، كما أخبر أننا نركب سنن من كان قبلنا اليهود والنصارى[[أخرجه الترمذي (٢١٨٠)، وأحمد في المسند (٢١٨٩٧) واللفظ له من حديث أبي واقد الليثي.]]، ومع ذلك لا يحل لنا هذا، وكما أخبر أن الظعينة تذهب من كذا إلى كذا وحدها[[ أخرجه البخاري (٣٥٩٥) من حديث عدي بن حاتم.]]، ومع ذلك لا يحل للظعينة أن تسافر بلا محرم، لكن الذي يظهر لي أن إيجاب الخشوع في الصلاة فيه مشقة، يعني كون الإنسان ما يهوجس بشيء ولا يوسوس بشيء فيه مشقة شديدة.
* من فوائد هذه الآية الكريمة: أننا لا نعلم ما عند الله عز وجل، فلا نعلم ما في نفسه مما يقدره جل وعلا ويريده، ولا نعلم عن إرادة الله إلا بوقوع المراد. يعني نحن لا نعلم أن الله أراد أن تمطر حتى ينزل المطر، ولا نعلم أن الله تعالى قضى بحروب تقع بين الناس إلا إذا وقعت هذه الحروب، فإذا وقعت علمنا أن الله أرادها؛ إذ لا يكون في ملكه ما لا يريد.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: إثبات علم الله تبارك وتعالى بالغيب؛ لقوله: ﴿إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ﴾، ومعنى ﴿عَلَّامُ الْغُيُوبِ﴾ أي أنك موصوف بهذا، وليس المراد الكثرة، بل المراد المبالغة في هذا الوصف بقطع النظر عن أفراده؛ لأنها لا تحصى، وقد ذكر بعض العلماء أن كل ما جاء بصيغة المبالغة في حق الله فليس معناه الكثرة، وإنما معناه الكمال، لكن من تأمل وجد أنه يأتي لهذا وهذا.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن من ادعى علم الغيب فقد ادعى أنه شريك لله، وجه الدلالة أنه أتى بضمير الفصل ﴿إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ﴾، وضمير الفصل يدل على أيش؟ على الحصر، يعني أنت لا غيرك علام الغيوب، وليعلم أن الغيب نوعان: غيب نسبي وغيب مطلق، فما هو الغيب الذي اختص الله به؟ هو الغيب المطلق، وأما الغيب النسبي الذي يعلمه فلان دون فلان فهذا يشترك.
فقد ادَّعى أنه شريك لله؛ وجه الدلالة أنه أتى بضمير الفصل: ﴿إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ﴾ [المائدة ١١٦]، وضمير الفصل يدل على أيش؟
على الحصر؛ يعني: أنت لا غير علام الغيوب، وليُعلَم أن الغيب نوعان؛ غيب نسبيٌّ، وغيب مطلق، فما هو الغيب الذي اختص الله به؟
هو الغيب المطلق، وأما الغيب النسبيّ الذي يعلمه فلان دون فلان فهذا يشترك في علمه من قَدَّره -وهو الله عز وجل- ومن وقع منه.
{"ayah":"وَإِذۡ قَالَ ٱللَّهُ یَـٰعِیسَى ٱبۡنَ مَرۡیَمَ ءَأَنتَ قُلۡتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِی وَأُمِّیَ إِلَـٰهَیۡنِ مِن دُونِ ٱللَّهِۖ قَالَ سُبۡحَـٰنَكَ مَا یَكُونُ لِیۤ أَنۡ أَقُولَ مَا لَیۡسَ لِی بِحَقٍّۚ إِن كُنتُ قُلۡتُهُۥ فَقَدۡ عَلِمۡتَهُۥۚ تَعۡلَمُ مَا فِی نَفۡسِی وَلَاۤ أَعۡلَمُ مَا فِی نَفۡسِكَۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّـٰمُ ٱلۡغُیُوبِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق