الباحث القرآني

(مسألة) قال تعالى عن عيسى عليه الصلاة والسلام: ﴿إنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ﴾ فهذا شرط دخل على ماضي اللفظ وهو ماضي المعنى قطعا لأن المسيح إما أن يكون هذا الكلام قد صدر منه بعد رفعه إلى السماء أو يكون حكاية ما يقوله يوم القيامة وعلى التقديرين فإنما تعلق الشرط وجزاؤه بالماضي وغلط على الله من قال إن هذا القول وقع منه في الدنيا قبل رفعه والتقدير إن أكن أقول هذا فإنك تعلمه وهذا تحريف للآية لأن هذا الجواب إنما صدر منه بعد سؤال الله له عن ذلك والله لم يسأله وهو بين أظهر قومه ولا اتخذوه وأمه إلهين إلا بعد رفعه بمئين من السنين فلا يجوز تحريف كلام الله انتصارا لقاعدة نحوية هدم مائة أمثالها أسهل من تحريف معنى الآية وقال ابن السراج: في أصوله يجب تأويلهما بفعلين مستقبلين تقديرهما إن ثبت في المستقبل أني قلته في الماضي يثبت أنك علمته وكل شيء تقرر في الماضي كان ثبوته في المستقبل فيحسن التعليق عليه وهذا الجواب أيضا ضعيف جدا ولا ينبئ عنه اللفظ وليت شعري ما يصنعون بقول النبي ﷺ " إن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه" رواه البخاري ومسلم. هل يقول عاقل إن الشرط هنا مستقبل؟ أما التأويل الأول فمنتف هنا قطعا وأما الثاني فلا يخفي وجه التعسف فيه وأنه لم يقصد أنه يثبت في المستقبل أنك أذنبت في الماضي فتوبي ولا قصد هذا المعنى وإنما المقصود المراد ما دل عليه الكلام إن كان صدر منك ذنب فيما مضى فاستقبليه بالتوبة لم يرد إلا هذا الكلام وإذا ظهر فساد الجوابين فالصواب أن يقال جملة الشرط والجزاء تارة تكون تعليقا محضا غير متضمن جوابا لسائل هل كان كذا ولا يتضمن لنفي قول من قال قد كان كذا فهذا يقتضي الاستقبال وتارة يكون مقصودة ومضمنة جواب سائل هل وقع كذا أو رد قوله قد وقع كذا فإذا علق الجواب هنا على شرط لم يلزم أن يكون مستقبلا لا لفظا ولا معنى بل لا يصح فيه الاستقبال بحال كمن يقول لرجل هل أعتقت عبدك فيقول إن كنت قد أعتقته فقد أعتقه الله فما للاستقبال هنا معنى قط وكذلك إذا قلته لمن قال صحبت فلانا فيقول إن كنت صحبته فقد أصبت بصحبته خيرا وكذلك إذا قلت له هل أذنبت فيقول إن كنت قد أذنبت فإني قد تبت إلى الله واستغفرته وكذلك إذا قال هل قلت لفلان كذا وهو يعلم أنه علم بقوله له فيقول إن قلته فقد علمته فقد عرفت أن هذه المواضع كلها مواضع ماض لفظا ومعنى ليطابق السؤال الجواب ويصح التعليق الخبري لا الوعدي فالتعليق الوعدي يستلزم الاستقبال وأما التعليق الخبري فلا يستلزمه ومن هذا الباب قوله تعالى: ﴿إنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وهو مِنَ الكاذِبِينَ وإنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وهو مِنَ الصّادِقِينَ﴾ وتقول إن كانت البينة شهدت بكذا وكذا فقد صدقت وهذه دقيقة خلت منها كتب النحاة والفضلاء وهي كما ترى وضوحا وبرهانا ولله الحمد.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب