الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وإذْ قالَ اللَّهُ ياعِيسى ابْنَ مَرْيَمَ أأنْتَ قُلْتَ لِلنّاسِ اتَّخِذُونِي وأُمِّيَ إلَهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ﴾ . وفِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: هَذا مَعْطُوفٌ عَلى قَوْلِهِ: ﴿إذْ قالَ اللَّهُ ياعِيسى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ﴾ وعَلى هَذا القَوْلِ فَهَذا الكَلامُ إنَّما يَذْكُرُهُ لِعِيسى يَوْمَ القِيامَةِ، ومِنهم مَن قالَ: إنَّهُ تَعالى قالَ هَذا الكَلامَ لِعِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ حِينَ رَفَعَهُ إلَيْهِ، وتَعَلَّقَ بِظاهِرِ قَوْلِهِ: ﴿وإذْ قالَ اللَّهُ﴾ و(إذْ) تُسْتَعْمَلُ لِلْماضِي، والقَوْلُ الأوَّلُ أصَحُّ؛ لِأنَّ اللَّهَ تَعالى عَقَّبَ هَذِهِ القِصَّةَ بِقَوْلِهِ: ﴿هَذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصّادِقِينَ صِدْقُهُمْ﴾ [المائِدَةِ: ١١٩] والمُرادُ بِهِ يَوْمَ القِيامَةِ، وأمّا التَّمَسُّكُ بِكَلِمَةِ (إذْ) فَقَدَ سَبَقَ الجَوابُ عَنْهُ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: في قَوْلِهِ: ﴿أأنْتَ قُلْتَ لِلنّاسِ اتَّخِذُونِي وأُمِّيَ إلَهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ﴾ سُؤالانِ، أحَدُهُما: أنَّ الِاسْتِفْهامَ كَيْفَ يَلِيقُ بِعَلّامِ الغُيُوبِ ؟ وثانِيهِما: أنَّهُ كانَ عالِمًا بِأنَّ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ فَلِمَ خاطَبَهُ بِهِ ؟ فَإنْ قُلْتُمُ: الغَرَضُ مِنهُ تَوْبِيخُ النَّصارى وتَقْرِيعُهم، فَنَقُولُ: إنَّ أحَدًا مِنَ النَّصارى لَمْ يَذْهَبْ إلى القَوْلِ بِإلَهِيَّةِ عِيسى ومَرْيَمَ مَعَ القَوْلِ بِنَفْيِ إلَهِيَّةِ اللَّهِ تَعالى، فَكَيْفَ يَجُوزُ أنْ يُنْسَبَ هَذا القَوْلُ إلَيْهِمْ مَعَ أنَّ أحَدًا مِنهم لَمْ يَقُلْ بِهِ.
والجَوابُ عَنِ السُّؤالِ الأوَّلِ أنَّهُ اسْتِفْهامٌ عَلى سَبِيلِ الإنْكارِ.
والجَوابُ عَنِ السُّؤالِ الثّانِي: أنَّ الإلَهَ هو الخالِقُ، والنَّصارى يَعْتَقِدُونَ أنَّ خالِقَ المُعْجِزاتِ الَّتِي ظَهَرَتْ عَلى يَدِ عِيسى ومَرْيَمَ هو عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ ومَرْيَمُ، واللَّهُ تَعالى ما خَلَقَها البَتَّةَ، وإذا كانَ كَذَلِكَ فالنَّصارى قَدْ قالُوا: إنَّ خالِقَ تِلْكَ المُعْجِزاتِ هو عِيسى ومَرْيَمُ، واللَّهُ تَعالى لَيْسَ خالِقَها، فَصَحَّ أنَّهم أثْبَتُوا في حَقِّ بَعْضِ (p-١١٢)الأشْياءِ كَوْنَ عِيسى ومَرْيَمَ إلَهَيْنِ لَهُ مَعَ أنَّ اللَّهَ تَعالى لَيْسَ إلَهًا لَهُ، فَصَحَّ بِهَذا التَّأْوِيلِ هَذِهِ الحِكايَةُ والرِّوايَةُ.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أنْ أقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ﴾ أمّا قَوْلُهُ: (سُبْحانَكَ) فَقَدْ فَسَّرْناهُ في قَوْلِهِ: ﴿سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا﴾ [البَقَرَةِ: ٣٢] .
واعْلَمْ أنَّ اللَّهَ تَعالى لَمّا سَألَ عِيسى أنَّكَ هَلْ قُلْتَ كَذا ؟ لَمْ يَقُلْ عِيسى بِأنِّي قُلْتُ أوْ ما قُلْتُ، بَلْ قالَ: ما يَكُونُ لِي أنْ أقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ، وهَذا لَيْسَ بِحَقٍّ؛ يُنْتِجُ أنَّهُ ما يَكُونُ لِي أنْ أقُولَ هَذا الكَلامَ، ولَمّا بَيَّنَ أنَّهُ لَيْسَ لَهُ أنْ يَقُولَ هَذا الكَلامَ شَرَعَ في بَيانِ أنَّهُ هَلْ وقَعَ هَذا القَوْلُ مِنهُ أمْ لا ؟ فَلَمْ يَقُلْ بِأنِّي ما قُلْتُ هَذا الكَلامَ؛ لِأنَّ هَذا يَجْرِي مَجْرى دَعْوى الطَّهارَةِ والنَّزاهَةِ، والمَقامُ مَقامُ الخُضُوعِ والتَّواضُعِ، ولَمْ يَقُلْ بِأنِّي قُلْتُهُ، بَلْ فَوَّضَ ذَلِكَ إلى عِلْمِهِ المُحِيطِ بِالكُلِّ.
فَقالَ: ﴿إنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ﴾ وهَذا مُبالَغَةٌ في الأدَبِ وفي إظْهارِ الذُّلِّ والمَسْكَنَةِ في حَضْرَةِ الجَلالِ، وتَفْوِيضِ الأُمُورِ بِالكُلِّيَّةِ إلى الحَقِّ سُبْحانَهُ.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿تَعْلَمُ ما في نَفْسِي ولا أعْلَمُ ما في نَفْسِكَ﴾ وفِيهِ مَسْألَتانِ:
المَسْألَةُ الأُولى: المُفَسِّرُونَ ذَكَرُوا فِيهِ عِباراتِ: تَعْلَمُ ما أُخْفِي ولا أعْلَمُ ما تُخْفِي، وقِيلَ: تَعْلَمُ ما عِنْدِي ولا أعْلَمُ ما عِنْدَكَ، وقِيلَ: تَعْلَمُ ما في غَيْبِي ولا أعْلَمُ ما في غَيْبِكَ، وقِيلَ: تَعْلَمُ ما كانَ مِنِّي في الدُّنْيا ولا أعْلَمُ ما كانَ مِنكَ في الآخِرَةِ، وقِيلَ: تَعْلَمُ ما أقُولُ وأفْعَلُ، ولا أعْلَمُ ما تَقُولُ وتَفْعَلُ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: تَمَسَّكَتِ المُجَسِّمَةُ بِهَذِهِ الآيَةِ وقالُوا: النَّفْسُ هو الشَّخْصُ، وذَلِكَ يَقْتَضِي كَوْنَهُ تَعالى جِسْمًا.
والجَوابُ مِن وجْهَيْنِ:
الأوَّلُ: أنَّ النَّفْسَ عِبارَةٌ عَنِ الذّاتِ، يُقالُ: نَفْسُ الشَّيْءِ وذاتُهُ، بِمَعْنًى واحِدٍ.
والثّانِي: أنَّ المُرادَ تَعْلَمُ مَعْلُومِي ولا أعْلَمُ مَعْلُومَكَ، ولَكِنَّهُ ذَكَرَ هَذا الكَلامَ عَلى طَرِيقِ المُطابَقَةِ والمُشاكَلَةِ وهو مِن فَصِيحِ الكَلامِ.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿إنَّكَ أنْتَ عَلّامُ الغُيُوبِ﴾ وهَذا تَأْكِيدٌ لِلْجُمْلَتَيْنِ المُتَقَدِّمَتَيْنِ، أعْنِي قَوْلَهُ: ﴿إنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ﴾ وقَوْلَهُ: ﴿تَعْلَمُ ما في نَفْسِي ولا أعْلَمُ ما في نَفْسِكَ﴾ .
{"ayah":"وَإِذۡ قَالَ ٱللَّهُ یَـٰعِیسَى ٱبۡنَ مَرۡیَمَ ءَأَنتَ قُلۡتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِی وَأُمِّیَ إِلَـٰهَیۡنِ مِن دُونِ ٱللَّهِۖ قَالَ سُبۡحَـٰنَكَ مَا یَكُونُ لِیۤ أَنۡ أَقُولَ مَا لَیۡسَ لِی بِحَقٍّۚ إِن كُنتُ قُلۡتُهُۥ فَقَدۡ عَلِمۡتَهُۥۚ تَعۡلَمُ مَا فِی نَفۡسِی وَلَاۤ أَعۡلَمُ مَا فِی نَفۡسِكَۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّـٰمُ ٱلۡغُیُوبِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق