الباحث القرآني
القول في تأويل قوله: ﴿وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره:"يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم"،"إذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمِّيَ إلهين من دون الله".
* * *
وقيل: إن الله قال هذا القولَ لعيسى حين رفعه إليه في الدنيا.
* ذكر من قال ذلك:
١٣٠٢٨ - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله"، قال: لما رفع الله عيسى ابن مريم إليه، قالت النصارى ما قالت، وزعموا أنّ عيسى أمرَهم بذلك، فسأله عن قوله فقال:"سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب" إلى قوله:"وأنت على كل شيء شهيد".
* * *
وقال آخرون: بل هذا خبر من الله تعالى ذكره عن أنه يقول لعيسى ذلك في القيامة.
* ذكر من قال ذلك:
١٣٠٢٩ - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج:"وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله"، قال: والناس يسمعون، فراجعه بما قد رأيت، وأقرَّ له بالعبودية على نفسه، فعلم من كان يقول في عيسى ما يقول: أنه إنما كان يقول باطلا.
١٣٠٣٠ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن عطاء، عن ميسرة قال: قال الله: يا عيسى، أأنت قلت للناس اتخذوني وأمّي إلهين من دون الله؟ فأُرْعِدت مفاصله، وخشي أن يكون قد قال، فقال: سبحانك، إن كنت قلته فقد علمته = الآية.
١٣٠٣١ - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله:"يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله"، متى يكون ذلك؟ قال: يوم القيامة، ألا ترى أنه يقول:"هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم"؟
= فعلى هذا التأويل الذي تأوَّله ابن جريج، يجب أن يكون"وإذ" بمعنى: و"إذا"، كما قال في موضع آخر: وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا، [سورة سبأ: ٥١] ، بمعنى: يفزعون، وكما قال أبو النجم:
ثُمَّ جَزَاهُ اللهُ عَنَّا إذْ جَزَى ... جَنَّاتِ عَدْنٍ فِي العَلالِيِّ العُلا [[الأضداد لابن الأنباري: ١٠٢، والصاحبي: ١١٢، واللسان (طها) وسيأتي بعد قليل في هذا الجزء ص: ٣١٧، بزيادة بيت. وقوله: "العلالي"، جمع"علية" (بكسر العين، وتشديد اللام المكسورة، والياء المشدودة) : وهي الغرفة العالية من البيت. وأرد بذلك: "في عليين"، المذكورة في القرآن. وقد قال هدبة من خشرم أيضًا، فتصرف: كأنَّ حَوْطًا، جزاهُ اللهُ مَغْفِرَةً ... وَجَنَّةً ذاتَ عِلِّيٍّ وأشْرَاعِ
و"الأشراع"، السقائف.]]
والمعنى: إذا جزى، وكما قال الأسود: [[هو الأسود بن يعفر النهشلي، أعشى بني نهشل.]]
فَالآنَ، إذْ هَازَلْتُهُنَّ، فإنَّمَا ... يَقُلْنَ: ألا لَمْ يَذْهَبِ الشَّيْخُ مَذْهَبَا!! ٌٌ [[ديوان الأعشين: ٢٩٣، والأضداد لابن الأنباري: ١٠١، من قصيدة له، ذهب أكثرها فلم يوجد منها في الكتب المطبوعة، غير هذا البيت، وخمسة أبيات أخرى، في ديوانه، وفي العيني (هامش خزانة الأدب ٤: ١٠٣) ، وهي أبيات جياد: صَحَا سَكَرٌ مِنْه طَوِيلٌ بِزَيْنَيَا ... تَعَاقَبَهُ لَمَّا اسْتَبَانَ وجَرَّبَا
وَأَحْكَمَهُ شَيْبُ القَذَالِ عَنِ الصِّبَا ... فَكَيْفَ تَصَابِيه وَقَدْ صَار أَشْيَبَا؟
وَكَان لَهُ، فِيمَا أَفَادَ، خَلاَئِلٌ ... عَجِلْنَ، إذَا لاقَيْنَهُ، قُلْنَ: مَرْحَبَاٌ!!
فأَصْبَحْنَ لا يَسْأَلْنَهُ عَنْ بِمَا بهِ ... أصَعَّدَ فَي عُلْوِ الهَوَى أم تَصَوَّبَا؟
طَوَامِحُ بالأَبْصَارِ عَنْه، كَأَنَّمَا ... يَرَيْنَ عَلَيْهِ جُلَّ أَدْهَمَ أجْرَبَا]]
بمعنى: إذا هازلتهن.
وكأنّ من قال في ذلك بقول ابن جريج هذا، وجَّه تأويل الآية إلى:"فمن يكفر بعدُ منكم فإنّي أعذبه عذابًا لا أعذبه أحدًا من العالمين" في الدنيا = وأعذبه أيضًا في الآخرة:"إذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله".
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القولين عندنا بالصواب في ذلك، قولُ من قال بقول السدي، وهو أن الله تعالى ذكره قال ذلك لعيسى حين رفعه إليه، وأن الخبرَ خبرٌ عما مضى، لعلَّتين:
إحداهما: أن"إذْ" إنما تصاحب = في الأغلب من كلام العرب المستعمل بينها = الماضيَ من الفعل، وإن كانت قد تدخلها أحيانًا في موضع الخبر عما يحدث، إذا عرف السامعون معناها. وذلك غير فاشٍ، ولا فصيح في كلامهم، [[انظر ما سلف من القول في"إذ" و"إذا" ١: ٣٤٩ - ٤٤٤، ٤٩٣/٣: ٩٢، ٩٨/٦: ٤٠٧، ٥٥٠/٧: ٣٣٣/٩: ٦٢٧. وانظر ما سيأتي ص: ٣١٧.]] وتوجيه معاني كلام الله تعالى إلى الأشهر الأعرف ما وجد إليه السبيل، [[في المطبوعة والمخطوطة: "فتوجيه" بالفاء، والجيد ما أثبت.]] أولى من توجيهها إلى الأجهل الأنكر.
والأخرى: أن عيسى لم يشك هو ولا أحد من الأنبياء، أن الله لا يغفر لمشرك مات على شركه، فيجوز أن يُتَوهم على عيسى أن يقول في الآخرة مجيبًا لربه تعالى ذكره: إن تعذّب من اتخذني وأمي إلهين من دونك فإنهم عبادك، وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم.
* * *
فإن قال قائل: وما كان وجه سؤال الله عيسى: أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله"، وهو العالم بأن عيسى لم يقل ذلك؟
قيل: يحتمل ذلك وجهين من التأويل: أحدهما: تحذير عيسى عن قيل ذلك ونهيُه، كما يقول القائل لآخر:"أفعلت كذا وكذا"؟ مما يعلم المقولُ له ذلك أن القائل يستعظم فعل ما قال له:"أفعلته"، على وجه النهي عن فعله، والتهديد له فيه.
والآخر: إعلامه أنّ قومه الذين فارقهم قد خالفوا عهده، وبدّلوا دينهم بعده. فيكون بذلك جامعًا إعلامَه حالَهم بعده، وتحذيرًا له قيله. [[في المطبوعة: "وتحذيره"، غير ما كان في المخطوطة لغير طائل.]]
* * *
قال أبو جعفر: وأما تأويل الكلام، فإنه: أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين"، أي: معبودين تعبدونهما من دون الله. قال عيسى: تنزيهًا لك يا رب وتعظيمًا أن أفعل ذلك أو أتكلم به [[انظر تفسير"سبحان" فيما سلف ١: ٤٧٤ - ٤٧٦، ٤٩٥/٢: ٥٣٧/٦: ٤٢٣.]] = ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق"، يقول: ليس لي أن أقول ذلك، لأني عبد مخلوق، وأمي أمَةٌ لك، وكيف يكون للعبد والأمة ادّعاء ربوبية؟ = [[في المطبوعة: "فهل يكون للعبد"، وفي المخطوطة: "فيكون يكون للعبد"، هكذا ورجحت قراءتها كما أثبتها.]] "إن كنت قلته فقد علمته"، يقول: إنك لا يخفى عليك شيء، وأنت عالم أني لم أقل ذلك ولم آمُرهم به.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ (١١٦) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره، مخبرًا عن نبيه عيسى ﷺ: أنه يبرأ إليه مما قالت فيه وفي أمه الكفرةُ من النصارى، أن يكون دعاهم إليه أو أمرهم به، فقال:"سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته". ثم قال:"تعلم ما في نفسي"، يقول: إنك، يا رب، لا يخفى عليك ما أضمرته نفسي مما لم أنطق به ولم أظهره بجوارحي، فكيف بما قد نطقتُ به وأظهرته بجوارحي؟ يقول: لو كنت قد قلت للناس: ا"تخذوني وأمي إلهين من دون الله"، كنت قد علمته، لأنك تعلم ضمائر النفوس مما لم تنطق به، فكيف بما قد نطقت به؟ ="ولا أعلم ما في نفسك"، يقول: ولا أعلم أنا ما أخفيته عني فلم تطلعني عليه، لأني إنما أعلم من الأشياء ما أعلمتنيه ="إنك أنت عَلام الغيوب"، يقول: إنك أنت العالم بخفيّات الأمور التي لا يطلع عليها سواك، ولا يعلمها غيرك. [[انظر تفسير"علام الغيوب" فيما سلف قريبًا: ٢١١ = وتفسير"الغيب" ١: ٢٣٦، ٢٣٧/٦: ٤٠٥/١٠: ٥٨٥.]]
{"ayah":"وَإِذۡ قَالَ ٱللَّهُ یَـٰعِیسَى ٱبۡنَ مَرۡیَمَ ءَأَنتَ قُلۡتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِی وَأُمِّیَ إِلَـٰهَیۡنِ مِن دُونِ ٱللَّهِۖ قَالَ سُبۡحَـٰنَكَ مَا یَكُونُ لِیۤ أَنۡ أَقُولَ مَا لَیۡسَ لِی بِحَقٍّۚ إِن كُنتُ قُلۡتُهُۥ فَقَدۡ عَلِمۡتَهُۥۚ تَعۡلَمُ مَا فِی نَفۡسِی وَلَاۤ أَعۡلَمُ مَا فِی نَفۡسِكَۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّـٰمُ ٱلۡغُیُوبِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق