الباحث القرآني

(p-٤٦٣)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ﴾ في زَمانِ هَذا القَوْلِ قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّهُ يَقُولُ لَهُ: يَوْمَ القِيامَةِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، وقَتادَةُ، وابْنُ جُرَيْجٍ. والثّانِي: أنَّهُ قالَهُ لَهُ حِينَ رَفَعَهُ إلَيْهِ، قالَهُ السُّدِّيُّ. والأوَّلُ أصَحُّ. وَفِي إذْ ثَلاثَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: أنَّها زائِدَةٌ، والمَعْنى: وقالَ اللَّهُ، قالَهُ أبُو عُبَيْدَةَ. والثّانِي: أنَّها عَلى أصْلِها، والمَعْنى: وإذْ يَقُولُهُ اللَّهُ لَهُ، قالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ. والثّالِثُ: أنَّها بِمَعْنى: "إذا"، كَقَوْلِهِ: ﴿وَلَوْ تَرى إذْ فَزِعُوا﴾ [سَبَأٍ: ٥١] والمَعْنى: إذا. قالَ أبُو النَّجْمِ: ؎ ثُمَّ جَزاكَ اللَّهُ عَنِّي إذْ جَزى جَنّاتِ عَدْنٍ في السَّمَواتِ العُلا وَلَفْظُ الآيَةِ لَفْظُ الِاسْتِفْهامِ، ومَعْناها التَّوْبِيخُ لِمَنِ ادَّعى ذَلِكَ عَلى عِيسى. قالَ أبُو عُبَيْدَةَ: وإنَّما قالَ: "إلَهَيْنِ"، لِأنَّهم إذْ أشْرَكُوا فِعْلَ ذَكَرٍ مَعَ فِعْلِ أُنْثى [غُلِّبَ فِعْلُ الذَّكَرِ] ذَكَّرُوهُما. فَإنْ قِيلَ: فالنَّصارى لَمْ يَتَّخِذُوا مَرْيَمَ إلَهًا، فَكَيْفَ (p-٤٦٤)قالَ اللَّهُ تَعالى ذَلِكَ فِيهِمْ؟ فالجَوابُ: أنَّهم لَمّا قالُوا: لَمْ تَلِدْ بَشَرًا، وإنَّما ولَّدَتْ إلَهًا، لَزِمَهم أنْ يَقُولُوا إنَّها مِن حَيْثُ البَعْضِيَّةُ بِمَثابَةِ مَن ولَدَتْهُ، فَصارُوا بِمَثابَةِ مَن قالَهُ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قالَ سُبْحانَكَ﴾ أيْ: بَراءَةٌ لَكَ مِنَ السُّوءِ ﴿ما يَكُونُ لِي أنْ أقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ﴾ أيْ: لَسْتُ أسْتَحِقُّ العِبادَةَ، فَأدْعُو النّاسَ إلَيْها. ورَوى عَطاءُ بْنُ السّائِبِ عَنْ مَيْسَرَةَ قالَ: لَمّا قالَ اللَّهُ تَعالى لِعِيسى: ﴿أأنْتَ قُلْتَ لِلنّاسِ اتَّخِذُونِي وأُمِّيَ إلَهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ﴾ رُعِدَ كُلُّ مَفْصِّلٍ مِنهُ حَتّى وقَعَ مَخافَةَ أنْ يَكُونَ قَدْ قالَهُ، وما قالَ: إنِّي لَمْ أقُلْ، ولَكِنَّهُ قالَ: (إنْ ﴿كُنْتُ قُلْتُهُ، فَقَدْ عَلِمْتَهُ)﴾ فَإنْ قِيلَ: ما الحِكْمَةُ في سُؤالِ اللَّهِ تَعالى لَهُ عَنْ ذَلِكَ وهو يَعْلَمُ أنَّهُ ما قالَهُ؟ فالجَوابُ: أنَّهُ تَثْبِيتٌ لِلْحُجَّةِ عَلى قَوْمِهِ، وإكْذابٌ لَهم في ادِّعائِهِمْ عَلَيْهِ أنَّهُ أمَرَهم بِذَلِكَ، ولِأنَّهُ إقْرارٌ مِن عِيسى بِالعَجْزِ في قَوْلِهِ: ﴿وَلا أعْلَمُ ما في نَفْسِكَ﴾ وبِالعُبُودِيَّةِ في قَوْلِهِ: ﴿أنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي ورَبَّكُمْ﴾ . قَوْلُهُ تَعالى: ﴿تَعْلَمُ ما في نَفْسِي ولا أعْلَمُ ما في نَفْسِكَ﴾ قالَ الزَّجّاجُ: تَعْلَمُ ما أُضْمِرُهُ، ولا أعْلَمُ ما عِنْدَكَ عِلْمُهُ، والتَّأْوِيلُ: تَعْلَمُ ما أعْلَمُ وأنا لا أعْلَمُ ما تَعْلَمُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب