الباحث القرآني

مدنية، وآياتها 18 [نزلت بعد المجادلة] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قدّمه وأقدمه: منقولان بتثقيل الحشو والهمزة، من قدمه إذا تقدّمه [[قوله «إذا تقدمه في قوله تعالى» لعله كما في قوله تعالى. (ع)]] في قوله تعالى يَقْدُمُ قَوْمَهُ ونظيرهما معنى ونقلا: سلفه وأسلفه. وفي قوله تعالى لا تُقَدِّمُوا من غير ذكر مفعول: وجهان، أحدهما: أن يحذف ليتناول كل ما يقع في النفس مما يقدّم. والثاني: أن لا يقصد قصد [[قوله «أن لا يقصد قصد ... الخ» عبارة النسفي: أن لا يقصد مفعول. والتهجي متوجه إلى نفس التقدمة. (ع)]] مفعول ولا حذفه، ويتوجه بالنهى إلى نفس التقدمة، كأنه قيل: لا تقدموا على التلبس بهذا الفعل، ولا تجعلوه منكم بسبيل [[ذكر الزمخشري من النكت: «أنه تعالى ابتدأ السورة بإيجاب أن يكون الأمر الذي ينتهى إلى الله ورسوله متقدما على الأمور كلها من غير تقييد ولا تخصيص» قال أحمد: يريد أنه لم يذكر المفعول الذي يتقاضاه تقدموا، باطراح ذلك المفعول كقوله يُحْيِي وَيُمِيتُ وحلى الكلام بمجاز التمثيل في قوله بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ بفائدة ليست في الكلام العريان، وهو تصور الهجنة والشناعة فيما نهوا عنه من الاقدام على أمر دون الاحتذاء على أمثلة الكتاب والسنة، وجعل صورة ذلك المنهي عنه مثل أن يجلس العبد في الجهتين المسامتتين ليمين سيده ويساره ويوليه دبره، ومعناه: أن لا تقدموا على أمر حتى يأذن الله ورسوله فيه فتكونوا مقتدين فيما تأتون وتذرون بكتاب الله وسنة نبيه.]] ، كقوله تعالى هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ ويجوز أن يكون من قدّم بمعنى تقدّم، كوجه وبين. ومنه مقدّمة الجيش خلاف ساقته، وهي الجماعة المتقدّمة منه. وتعضده قراءة من قرأ: لا تقدموا، بحذف إحدى تاءى تتقدموا، إلا أن الأوّل أملأ بالحسن وأوجه، وأشدّ ملاءمة لبلاغة القرآن، والعلماء له أقبل. وقرئ: لا تقدموا من القدوم، أى لا تقدموا إلى أمر من أمور الدين قبل قدومها، ولا تعجلوا عليهما. وحقيقة قولهم: جلست بين يدي فلان، أن يجلس بين الجهتين المسامتتين ليمينه وشماله قريبا منه، فسميت الجهتان يدين لكونهما على سمت اليدين مع للقرب منهما توسعا، كما يسمى الشيء باسم غيره إذا جاوره وداناه في غير موضع، وقد جرت هذه العبارة هاهنا على سنن ضرب من المجاز، وهو الذي يسميه أهل البيان تمثيلا. ولجريها هكذا فائدة جليلة ليست في الكلام العريان: وهي تصوير الهجنة والشناعة فيما نهوا عنه من الإقدام على أمر من الأمور دون الاحتذاء على أمثلة الكتاب والسنة: والمعنى: أن لا تقطعوا أمرا إلا بعد ما يحكمان به ويأذنان فيه، فتكونوا إما عاملين بالوحي المنزل، وإما مقتدين برسول الله ﷺ. وعليه يدور تفسير ابن عباس رضى الله عنه. وعن مجاهد: لا تفتاتوا على الله شيئا حتى يقصه [[قوله «حتى يقصه على لسان رسوله» لعله: يقضيه. (ع)]] على لسان رسوله. ويجوز أن يجرى مجرى قولك: سرني زيد وحسن حاله، وأعجبت بعمرو وكرمه. وفائدة هذا الأسلوب: الدلالة على قوّة الاختصاص، ولما كان رسول الله ﷺ من الله بالمكان الذي لا يخفى: سلك به ذلك المسلك. وفي هذا تمهيد وتوطئة لما نقم منهم فيما يتلوه من رفع أصواتهم فوق صوته: لأنّ من أحظاه الله بهذه الأثرة واختصه هذا الاختصاص القوى: كان أدنى ما يجب له من التهيب والإجلال أن يخفض بين يديه الصوت، ويخافت لديه بالكلام. وقيل: بعث رسول الله ﷺ إلى تهامة سرية سبعة وعشرين رجلا وعليهم المنذر بن عمرو الساعدي، فقتلهم بنو عامر وعليهم عامر بن الطفيل، إلا ثلاثة نفر نجوا فلقوا رجلين من بنى سليم قرب المدينة، فاعتزيا لهم إلى بنى عامر، لأنهم أعز من بنى سليم، فقتلوهما وسلبوهما، ثم أتوا رسول الله ﷺ فقال: «بئسما صنعتم كانا من سليم، والسلب ما كسوتهما» فوداهما رسول الله ﷺ [[أخرجه البيهقي في الشعب في الخامس عشر من طريق مقاتل بن حيان قال «بلغنا أن رسول الله ﷺ بعث سرية واستعمل عليهم المنذر بن عمرو- فذكر قصة بئر معونة مطولا. وفيه هذا اللفظ. ورو: الدلائل من طريق ابن إسحاق، ومن طريق موسى بن عقبة: هذه القصة على غير هذا السياق وأن المقتولين بنى كلاب، وأن الثلاثة قتل منهم واحد. وهو المحفوظ والمشهور في المغازي]] ونزلت، أى: لا تعملوا شيئا من ذات أنفسكم حتى تستأمروا رسول الله ﷺ. وعن مسروق: دخلت على عائشة في اليوم الذي يشك فيه، فقالت للجارية: اسقه عسلا، فقلت: إنى صائم، فقالت: قد نهى الله عن صوم هذا اليوم [[هكذا ذكره الثعلبي بغير سند. وذكره الدارقطني من رواية مالك بن حمزة بضم المهملة والراء. عن مسروق قال «دخلت على عائشة رضى الله عنها في اليوم الذي يشك فيه أنه يوم عرفة» ... الحديث]] . وفيه نزلت. وعن الحسن أنّ أناسا ذبحوا يوم الأضحى قبل الصلاة فنزلت، وأمرهم رسول الله ﷺ أن يعيدوا ذبحا [[أخرجه عبد الرزاق. حدثنا معمر عن الحسن في قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ قال: هم قوم ذبحوا قبل أن يصلى النبي ﷺ. فأمرهم أن يعيدوا الذبح» وأخرجه الطبري من رواية سعيد عن قتادة. قال «ذكر لنا أن ناسا كانوا يقولون: لو أنزل كذا، لو صنع كذا، لو قبل كذا» قال: وقال الحسن هم أناس، فذكره.]] آخر. وهذا مذهب أبى حنيفة رحمه الله، إلا أن تزول الشمس. وعند الشافعي: يجوز الذبح إذا مضى من الوقت مقدار الصلاة. وعن الحسن أيضا: لما استقرّ رسول الله ﷺ بالمدينة أتته الوفود من الآفاق فأكثروا عليه بالمسائل، فنهوا أن يبتدؤه بالمسئلة حتى يكون هو المبتدئ [[لم أجده.]] . وعن قتادة: ذكر لنا أنّ ناسا كانوا يقولون: لو أنزل فيه كذا لكان كذا، فكره الله ذلك منهم وأنزلها. وقيل: هي عامة في كل قول وفعل: ويدخل فيه أنه إذا جرت مسألة في مجلس رسول الله ﷺ لم يسبقوه بالجواب، وأن لا يمشى بين يديه إلا لحاجة، وأن يستأنى [[قوله «وأن يستأنى في الافتتاح» أى: ينتظر. أفاده الصحاح. (ع)]] في الافتتاح بالطعام وَاتَّقُوا اللَّهَ فإنكم إن اتقيتموه عاقتكم التقوى عن التقدمة المنهي عنها وعن جميع ما تقتضي مراقبة الله تجنبه، فإن التقىّ حذر لا يشافه أمرا [[قوله «لا يشافه أمرا» أى: لا يتشاغل بأمر، وفي الصحاح: «الشفه» : الشغل، يقال: شفهنى عن كذا، أى: شغلني. (ع)]] إلا عن ارتفاع الريب وانجلاء الشك في أن لا تبعة عليه فيه، وهذا كما تقول لمن يقارف بعض الرذائل: لا تفعل هذا وتحفظ مما يلصق بك العار، فتنهاه أوّلا عن عين ما قارفه، ثم تعم وتشيع وتأمره بما لو امتثل فيه أمرك لم يرتكب تلك الفعلة وكل ما يضرب في طريقها ويتعلق بسببها إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ لما تقولون عَلِيمٌ بما تعملون، وحق مثله أن يتقى ويراقب.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب