الباحث القرآني
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فإننا في هذا اليوم الخميس الأول من شهر رجب عام (١٤١٦هـ) نلتقي مع إخواننا اللقاء المسمى: لقاء الباب المفتوح، وهذا هو اللقاء التاسع بعد المئة.
وقد أكملنا في آخر لقاء تفسير جزء عم سورة النبأ، ورأينا أن نعود فنبدأ بتفسير سور المفصل التي تبتدئ من سورة (ق) عند بعض العلماء أو من سورة الحجرات عند آخرين.
وسنتكلم على سورة الحجرات لما فيها من الآداب العظيمة النافعة، التي ابتدأها الله بقوله تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [الحجرات ١].
واعلم أن الله تعالى إذا ابتدأ الخطاب بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ فإنه كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «إما خيرٌ تُؤمَر به، وإما شَرٌّ تُنْهَى عنه، فأرعِه سمعَك واستمع إلَيْه لما فيه من الخير»[[أخرجه سعيد بن منصور في التفسير (٥٠) موقوفًا من حديث ابن مسعود.]]، وإذا صَدَّر الله الخطاب: بـ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ دلَّ ذلك على أن التزام ما خوطب به من مقتضيات الإيمان، وأن مخالفته نقص في الإيمان.
يقول عزَّ وجلَّ: ﴿لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ قيل: معنى ﴿لَا تُقَدِّمُوا﴾ أي: لا تتقدموا بين يدي الله ورسوله، والمراد: لا تسبقوا الله ورسوله بقول أو بفعل، وقيل: المعنى: لا تقدموا شيئًا بين يدي الله ورسوله، وكلاهما يَصُبَّان في مَصَبٍّ واحد، والمعنى: لا تسبقوا الله ورسوله بقولٍ ولا فعل، وقد وقع لذلك أمثلة، فمن ذلك قول النبي ﷺ: «لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمٍ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ»[[متفق عليه؛ البخاري (١٩١٤)، ومسلم (١٠٨٢ / ٢١) من حديث أبي هريرة.]]؛ لأن الذي يتقدم رمضان بصوم يوم أو يومين كأنه تقدم بين يدي الله ورسوله، فبدأ بالصوم قبل أن يحين وقته؛ ولهذا قال عمار بن ياسر: «من صام اليوم الذي يُشَكُّ فيه فقد عصى أبا القاسم ﷺ »[[أخرجه أبو داود (٢٣٣٤)، والترمذي (٦٨٦) واللفظ له، من حديث عمار بن ياسر.]].
ومن ذلك -أي: من التَّقَدُّمِ بين يدي الله ورسوله- البدعُ بجميع أنواعها، فإنها تقدُّمٌ بين يدي الله ورسوله، بل هي أشد التقدم؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ»، وأخبر «أَنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ»[[أخرجه أبو داود (٤٦٠٧)، والترمذي (٢٦٧٦)، من حديث العرباض بن سارية.]]، وصدق عليه الصلاة والسلام، فإن حقيقة حال المبتدع أنه يستدرِك على الله ورسوله ما فات مما يدعي أنه شر، كأنه يقول: إن الشريعة لم تكمل، وأنه كملها بما أتى به من البدعة، وهذا معارض تمامًا؛ لقول الله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [المائدة ٣] فيقال لهذا الرجل الذي ابتدع: أهذا الذي فعلته كمال في الدين؟
إن قال: "نعم" فإن قوله هذا يستلزم تكذيب قول الله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾، وإن قال: "ليس كمالًا في الدين" قلنا: إذن هو نقص؛ لأن الله يقول: ﴿فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ﴾ [يونس ٣٢] فالبدعة كما أنها ضلالة في نفسها فهي في الحقيقة تتضمن الطعن في دين الله، وأنه ناقص، وأن هذا المبتدع كمله بما ادعى أنه من شريعة الله عز وجل.
فالمبتدعون كلهم تقدموا بين يدي الله ورسوله ولم يبالوا بهذا النهي، حتى وإن حَسُن قصدُهم فإن فعلهم ضلالة، قد يُثاب على حُسْنِ قصده، ولكنه يوزر على سوء فعله؛ ولهذا يجب على كل مبتدع عَلِمَ أنَّه على بدعة أن يتوب منها، ويرجع إلى الله عز وجل، ويلتزم سنة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده.
والبدعة أنواع كثيرة: بدع في العقيدة، بدع في الأقوال، بدع في الأفعال.
أما البدع في العقيدة فإنها تدور على شيئين: إما تمثيل، وإما تعطيل.
إما تمثيل: بأن يثبت لله الصفات لكن على وجه المماثلة، فإن هذا بدعة؛ لأنه لم يكن من طريق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وخلفائه الراشدين فيكون بدعة، فمثلًا يثبت أن للهِ وجهًا، ويجعله مماثلًا لأوجه المخلوقين، أو أن لله يدًا ويجعلها مماثلة لأيدي المخلوقين، وهلُمَّ جَرًّا هؤلاء المبتدعة بلا شك، وبدعتهم تكذيب لقوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى ١١]، ولقوله تعالى: ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ [الإخلاص ٤]، ولقوله تعالى: ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾ [مريم ٦٥].
أما التعطيل فهو على العكس من هذا؛ التعطيل: أن ينكر ما وصف الله به نفسه، فإن كان إنكار جحد وتكذيب فهو كفر، وإن كان إنكار تأويل فهو تحريف، وليس بكفر إذا كان اللفظ يحتمله، فإن كان لا يحتمله فلا فرق بينه وبين إنكار التكذيب، فمثلًا: إذا قال إنسان: إن الله سبحانه وتعالى قال: ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾ [المائدة ٦٤] والمراد باليدين النعمة؛ نعمة الدين ونعمة الدنيا، أو نعمة الدنيا ونعمة الآخرة، فهذا تحريف؛ لأن النعمة ليست واحدة ولا ألف ولا ملايين؛ ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾ [النحل ١٨] فليست النعمة اثنتين لا بالجنس ولا بالنوع، فيكون هذا تحريفًا وبدعة؛ لأنه على خلاف ما تلقاه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه وأئمة الهدى من بعدهم، هذا بدعة في العقيدة.
البدعة في الأقوال: مثل أولئك الذين يبتدعون تسبيحات، أو تهليلات، أو تكبيرات لم تَرِدْ بها السنة، أو يبتدعون أدعية لم ترد بها السنة، وليست من الأدعية المباحة.
وأما الأفعال فكذلك أيضًا مثل: الذين يصفقون عند الذكر، أو يهزون رؤوسهم عند التلاوة، أو ما أشبه ذلك من أنواع البدع، وكذلك الذين يتمسحون بالكعبة في غير الحجر الأسود والركن اليماني، وكذلك الذين يتمسحون بحجرة النبي ﷺ؛ حجرة قبره الشريف، وكذلك الذين يتمسَّحون بالمنبر الذي يقال: إنه منبر النبي ﷺ في المسجد النبوي، وكذلك الذين يتمسَّحون بجدران مقبرة البقيع أو بغير ذلك.
المهم: أن البدع كثيرة: العقدية، والقولية، والفعلية، وكلها من التقدم بين يدي الله ورسوله، وكلها معصية لله ورسوله، فإن الله يقول: ﴿لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول:« «إِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ».»
ومن البدع ما يُصنَع في رجب كصلاة الرغائب التي تصلى ليلة أول جمعة من شهر رجب وهي ألف ركعة يتعبَّدون لله بذلك، وهذه بدعة لا تزيدهم من الله إلا بُعْدًا؛ لأن كل من تقرَّب إلى الله بما لم يَشرَعْه فإنه مبتدع ضال، لا يقبل الله منه تعبده؛ لما ثبت في الصحيحين وغيرهما عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٦٩٧)، ومسلم (١٧١٨ / ١٨) واللفظ له، من حديث عائشة.]].
ومن التقدم بين يدي الله ورسوله: أن يقول الإنسان قولًا يحكم به بين عباد الله أو في عباد الله وليس من شريعة الله؛ مثل أن يقول: هذا حرام، هذا حلال، هذا واجب، هذا مستحب بدون دليل، فإن هذا من التقدم بين يدي الله ورسوله، وعلى مَنْ قال قولًا وتبيَّن له أنه أخطأ فيه عليه أن يرجع إلى الحق، حتى لو شاع القول بين الناس وذاع وانتشر وعمل به مَنْ عمل من الناس؛ فالواجب عليه أن يرجع، وأن يُعلِن رجوعه أيضًا، كما أعلن مخالفته التي قد يكون معذورًا فيها إذا كانت صادرة عن اجتهاد، فالواجب الرجوع إلى الحق، فإنْ تمادى الإنسان في مخالفة الحق فقد تقدَّم بين يدي الله ورسوله.
ثم قال عز وجل: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ وهذا تعميم بعد تخصيص؛ لأن التقدُّم بين يدي الله ورسوله مخالف للتقوى، لكن نصَّ عليه وقدَّمه لأهميته، ثم قال: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ أي: اتخذوا وقاية من عذاب الله عز وجل، وهذا لا يتحقق إلا إذا قام الإنسان بفعل الأوامر وترك النواهي؛ بفعل الأوامر تقرُّبًا إلى الله تعالى ومحبة لثوابه، وترك النواهي خوفًا من عقاب الله عز وجل.
ومن الناس مَنْ إذا قيل له: اتَّقِ الله أخذته العزة بالإثم فتصاعد في نفسه، وعزَّ في نفسه وأوغل في الإثم، وانتفخت أوداجه، وقال: أمثْلِي يقال له: اتق الله؟! وما عَلِم المسكين أن الله خاطب مَنْ هو أشرف منه، ومن هو أتقى عباد الله لله فأمره بالتقوى، قال الله تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ﴾ [الأحزاب ١]، وفي نفس السورة قال الله تعالى: ﴿وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ﴾ [الأحزاب ٣٧]، ومن الذي لا يستحق أن يؤمر بتقوى الله؟ كل واحد منا يستحق أن يؤمر بتقوى الله عز وجل، والواجب أنه إذا قيل له: اتق الله أن يزداد خوفًا من الله وأن يراجع نفسه، وأن ينظر ماذا أُمِرَ به؛ إنه لم يُؤْمَر أن يتقي فلانًا وفلانًا، وإنما أُمِرَ أن يتقي الله عز وجل، وإذا فسَّرنا التقوى بذلك أي: بما قلنا من أنها اتخاذ وقاية من عذاب الله بفعل أوامره تقرُّبًا إليه ومحبة لثوابه، وتركِ نواهيه خوفًا من عقابه، فإن أيَّ إنسان يترك واجبًا فإنه لم يتق الله، وقد نقص من تقواه بقدر ما حصل منه من المخالفة، فتركُ الصلاة مثلًا ترتفع به التقوى نهائيًّا؛ لأن تارك الصلاة كافر، كما دل على ذلك كتاب الله وسنة رسوله ﷺ وأقوال الصحابة، حتى إن بعض العلماء حكى إجماع الصحابة على أن تارك الصلاة كافر كفرًا مخرجًا عن الملة، ومنهم التابعي المشهور عبد الله بن شقيق رحمه الله؛ حيث قال: «كان أصحابُ النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يرون شيئًا من الأعمال تركُه كفرٌ غيرَ الصلاة»[[أخرجه الترمذي (٢٦٢٢) عن عبد الله بن شقيق قال: كان أصحاب محمد.]]، وكذلك نقَلَ إجماعهم إسحاق بن راهويه، ولم يصح عن أي صحابي أنه قال: إن تارك الصلاة في الجنة، أو إنه مؤمن، أو ما أشبه ذلك، فالتقوى مخالفتها تختلف، قد تكون مخالفتها كفر، وقد تكون دون ذلك، الزاني لم يتقِ الله؛ لأنه زنى فخالف أمر الله وعصاه، السارق لم يتقِ الله، شارب الخمر لم يتقِ الله، العاق لوالديه لم يتقِ الله، القاطع لرحمه لم يتقِ الله، والأمثلة على هذا كثيرة، إذن فقوله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ كلمة عامة شاملة تشمل كل الشريعة.
﴿إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ هذه الجملة تحذير لنا أن نقع فيما نهانا عنه من التَّقَدُّم بين يدي الله ورسوله أو أن نخالف ما أمر به من تقواه، ﴿سَمِيعٌ﴾ أي: سميع لما تقولون، ﴿عَلِيمٌ﴾ أي: عليم بما تقولون وما تفعلون؛ لأن العلم أشمل وأعم؛ إذ إن السمع يتعلق بالمسموعات، والعلم يتعلق بالمعلومات، والله تعالى محيط بكل شيء علمًا ﴿لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ﴾ [آل عمران ٥].
يقول العلماء رحمهم الله: إن السمع الذي اتصف به ربنا عز وجل ينقسم إلى قسمين: إلى سمع إدراك، وسمع إجابة.
فسمع الإدراك معناه: أن الله يسمع كل صوت؛ خَفِيَ أو ظهر، حتى إنه عز وجل يقول لنبيه ﷺ: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ [المجادلة ١] قالت عائشة رضي الله عنها:« الحَمدُ للَّهِ الَّذي وسِع سمعُه الأصواتَ، لقد كنت في الحجرة » -أي حجرة النبي ﷺ- «والمرأة تجادله وهو يحاورها وإنه ليخفى عليَّ بعضُ حديثها»[[أخرجه النسائي (٣٤٦٠)، وابن ماجه (١٨٨) من حديث عائشة.]]، والله عز وجل أخبر بأنَّه سمع، ويسمع كل ما جرى بين هذه المرأة وبين رسول الله ﷺ، هذا نقول له: إنه سمع إدراك.
ثم إن سمع الإدراك قد يُرادُ به بيان الإحاطة والشمول، وقد يراد به التَّهديدُ، وقد يراد به التأييد، فهذه ثلاثة أنواع: قد يراد به بيان الإحاطة والشمول مثل هذه الآية.
وقد يراد به التهديدُ مثل قوله تعالى: ﴿لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾ [آل عمران ١٨١]، وانظر كيف قال: ﴿سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا﴾ حين وصفوا الله تعالى بالنقص قبل أن يقول: ﴿وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ﴾ مما يدل على أن وصف الله بالنقص أعظم من قتل الأنبياء، هذا سمع يراد به أيش؟ التهديد.
الثالث: سمع يراد به التأييد ومنه قوله تبارك وتعالى لموسى وهارون: ﴿لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾ [طه ٤٦]، فالمراد بالسمع هنا التأييد؛ يعني: أسمع فأؤيدك أسمع ما تقولان وما يقال لكما.
أما سمع الإجابة فمعناه: أن الله يستجيب لمن دعاه، ومنه قول إبراهيم: ﴿إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾ [إبراهيم ٣٩] أي: مجيب الدعاء، ومنه قول المصلي: سمع الله لمن حمده، يعني: استجاب له، استجاب لمن حمده فأثابه، ولا أدري أنحن ندرك معنى ما نقوله بصلاتنا؟ أو أننا نقوله تعبدًا ولا ندري ما المعنى، عندما تقول: الله أكبر في تكبيرة الإحرام يعني: أكبر من كل شيء عز وجل ولا نحيط بذلك؛ لأنه أعظم من أن تحيط به عقولنا، وعندما نقول: سمع الله لمن حمده؛ يعني: استجاب الله لمن حمده، ليس المعنى أنه يسمعه فقط؛ لأن الله يسمع مَنْ حمده ومن لا يحمده إذا تكلم، لكن المراد أنه يستجيب لمن حمده بالثواب، فهذا السمع يقتضي الاستجابة لمن دعاه.
أما قوله تعالى: ﴿عَلِيمٌ﴾ فالمراد أنه ذو علم واسع قال الله تعالى: ﴿لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ [الطلاق ١٢].
عندما تؤمن -أيها الأخ- بأن الله سميع وأن الله عليم، هل يمكن وأنت في عقلك الراشد أن تقول ما لا يرضيه؟! لا؛ لأنه يسمع، فلا ينبغي لك أن تُسمِع الله ما لا يرضاه منك، أسمعْه ما يحبه ويرضاه، إذا كنت مؤمنًا حقًّا بأن الله سميع، أعتقد لو أن أباك نهاك عن قول من الأقوال، فهل تتجرَّأ أن تسمعَه ما نهاك عنه؟ لا.
فالله أعظم وأجل، فاحذرْ أن تُسمِع الله ما لا يرضاه منك، إذا آمنت بأنه بكل شيء عليم، وهذا أعم من السمع؛ لأنه يشمل القول والفعل وحديث النفس، حتى ما توسوس به نفسك يعلمه عز وجل، إذا علمت ذلك هل يمكن أن تفعل شيئًا لا يرضيه؟ لا.
لأنه ليس المقصود من إخبار الله عنا بأنه عليم بكل شيء أن نعلم هذا ونعتقده.
المقصود هذا والمقصود شيء آخر وهو الثمرة والنتيجة التي تترتب على علمنا بأنه بكل شيء عليم، إذا علمنا بأنه بكل شيء عليم هل نقول ما لا يرضاه؟ لا؛ لأنه سوف يعلمه، إذا علمنا بأنه بكل شيء عليم هل نعتقد ما لا يرضى؟ لا؛ لأننا نعلم أنه يعلم ما في قلوبنا، قال تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ﴾ [البقرة ٢٣٥]، بل قال تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾ [الأنفال ٢٤] يَحُول بينك وبين قلبك.
فعلى كل حال: يجب علينا -يا أيها الإخوة- أنه إذا مرَّ بنا اسم من أسماء الله أو صفةٌ من صفات الله، أن نؤمن بهذا الاسم وهذه الصفة، وأن نقومَ بما هو الثمرة من الإيمانِ بهذا الاسم أو الصفة.
أسأل الله تعالى أن يرزقَنا وإياكم الاستقامة في ديننا ودنيانا، وأن يهب لنا منه رحمة إنه هو الوهاب.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تُقَدِّمُوا۟ بَیۡنَ یَدَیِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۖ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِیعٌ عَلِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق