الباحث القرآني

* اللغة: (فَظًّا) : جافيا والفظاظة: الجفوة في المعاشرة قولا وفعلا. قال الراغب: «الفظّ: كريه الخلق، وذلك مستعار من الفظّ، وهو ماء الكرش، وذلك مكروه شربه إلا في ضرورة. والغلظة: ضد الرقة. ويقال: غلظ وغلظ بالكسر والضم، وعن الغلظة تنشأ الفظاظة وقدمت الفظاظة لسرّ وهو تقديم ما هو ظاهر للحسّ على ما هو خاف في القلب. * الإعراب: (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ) كلام مستأنف مسوق لتقرير ما يجب سلوكه لتأليف الناس وترغيبهم في الخير، والفاء استئنافية وبما رحمة جار ومجرور متعلقان بلنت وما زائدة للتوكيد ومن الله: جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لرحمة ولنت فعل ماض مبني على السكون والتاء فاعل ولهم: جار ومجرور متعلقان بلنت (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) الواو عاطفة على محذوف مقدر، أي: لنت ولو لم تكن لينا. ولو شرطية وكنت كان الناقصة واسمها، وفظا خبرها ولانفضوا: اللام واقعة في جواب لو وانفضّوا فعل وفاعل والجملة لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم ومن حولك: جار ومجرور متعلقان بانفضوا (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ) الفاء هي الفصيحة أي: إذا شئت سلوك الطريق المثلى فاعف عنهم فيما يختص بك، واعف فعل أمر مبني على حذف حرف العلة وفاعله أنت وعنهم: جار ومجرور متعلقان بأعف واستغفر عطف على اعف، اي: فيما يختص بغيرك، ولهم: جار ومجرور متعلقان باستغفر (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) عطف أيضا وفي الأمر جار ومجرور متعلقان بشاورهم (فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ) الفاء عاطفة ولك أن تجعلها استئنافية فتكون الجملة مستأنفة مسوقة لتقرير ما يجب عمله بعد المشاورة، وقدم المشاورة للإشارة إلى أن التوكل ليس يعني إهمال التدبير، وبيان أن الشورى من أفضل الأمور، وإلا لكان الأمر بالمشاورة منافيا للأمر بالتوكل وتفويض الأمور لله تعالى. وإذا ظرف لما يستقبل من الزمن وجملة عزمت في محل جر بالاضافة وفتوكل: الفاء رابطة لجواب إذا وتوكل فعل أمر والجملة لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم وعلى الله جار ومجرور متعلقان بتوكل (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) الجملة تعليلية لا محل لها وإن واسمها، وجملة يحب المتوكلين خبرها. * الفوائد: زيادة (ما) بين الباء وعن ومن والكاف ومجروراتها أمر معروف في اللسان العربي مقرر في علم العربية. وذهب بعض المعربين إلى أن «ما» ليست زائدة بل هي نكرة تامة بمعنى شيء ورحمة بدل منها. وكأن قائلي هذا يفرّون من أنها زائدة. وقيل: «ما» هنا استفهامية، قال الفخر الرازي ما نصه: «قال المحققون: دخول اللفظ المهمل الوضع في كلام أحكم الحاكمين غير جائز، وهنا يجوز أن تكون «ما» استفهاما للتعجب تقديره: فبأي رحمة من الله لنت لهم! وذلك بأن جنايتهم لمّا كانت عظيمة، ثم إنه ما أظهر البتة تغليظا في القول ولا خشونة في الكلام علموا أن هذا لا يتأتى إلا بتأييد رباني قيل ذلك» . وما قاله هؤلاء المحققون صحيح ولكن زيادة «ما» للتوكيد لا ينكره في مواطنه المقررة من له أدنى مسكة في الذوق والتعلق بالعربية، فضلا عمن يتعاطى تفسير كلام الله. وليس «ما» في هذا المكان ما يتوهمه أحد مهملا فلا يحتاج ذلك إلى تأويلها بأن تكون استفهاما للتعجب، ثم إن تقديره ذلك: «فبأي رحمة» دليل على أنه جعل «ما» مضافة للرحمة، وما ذهب اليه خطأ من وجهين، أحدهما: أنه لا تضاف ما الاستفهامية ولا أسماء الاستفهام غير «أيّ» بلا خلاف، و «كم» على خلاف. والثاني أنه إذا لم تصح الاضافة فيكون إعرابه بدلا، وإذا كان بدلا من اسم الاستفهام فلا بد من إعادة همزة الاستفهام في البدل كما هو مقرر، وكان يغنيه عن هذا الارتباك والتسور عليه قول الزجاج في «ما» هذه: إنها صلة فيها معنى التوكيد بإجماع النحويين والبيانيين. مناقشة طريفة بين الغزالي وابن الأثير: وقد جرت مناقشة طريفة بين الغزالي وابن الأثير فقال الغزالي في حديثه عن أقسام المجاز: القسم الثاني عشر الزيادة في الكلام لغير فائدة كقوله تعالى: «فبما رحمة من الله لنت لهم» ف «ما» هنا زائدة لا معنى لها، أي فبرحمة من الله لنت لهم. ورد عليه ابن الأثير فقال وهذا القول لا أراه صوابا وفيه نظر من وجهين: أحدهما: أن هذا القسم ليس من المجاز، لأن المجاز هو دلالة اللفظ على غير ما وضع له في أصل اللغة، وهذا غير موجود في الآية، وانما هي دالة على الوضع اللغوي المنطوق به في أصل اللغة. والوجه الآخر: إني لو سلمت أن ذلك من المجاز لأنكرت أن لفظة «ما» زائدة لا معنى لها، ولكنها وردت تضخيما لأمر النعمة التي لان بها رسول الله- صلى الله عليه وسلم لهم، وهي محض الفصاحة، ولو عري الكلام منها لم تكن له تلك الفخامة إلى أن يقول: «وأما الغزالي رحمه الله فانه عندي معذور في أن لا يعرف ذلك لأنه ليس فنه ومن ذهب إلى أن في القرآن لفظا زائدا لا معنى فإما أن يكون جاهلا بهذا القول وإما أن يكون متسمحا في دينه واعتقاده، وقول النحاة: إن «ما» في هذه الآية زائدة، إنما يعنون به أنها لا تمنع ما قبلها عن العمل، كما يسمونها في موضع آخر كافة، أي أنها تكف الحرف العامل عن عمله كقولك: إنما زيد قائم ف «ما» قد كفت «إن» عن العمل في «زيد» ، وفي الآية لم تمنع عن العمل، ألا ترى أنها لم تمنع الباء عن العمل في خفض الرحمة» ! فتأمل هذه المناقشة فانها من الحسن بمكان؟.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب