الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ﴾ قالَ الفَرّاءُ وابْنُ قُتَيْبَةَ، والزَّجّاجُ "ما" هاهُنا صِلَةٌ، ومِثْلُهُ: ﴿فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ﴾ قالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: دُخُولُ "ما" هاهُنا يُحْدِثُ تَوْكِيدًا. قالَ النّابِغَةُ: ؎ المَرْءُ يَهْوى أنْ يَعِي شَ وطُولُ عَيْشٍ ما يَضُرُّهُ فَأكَّدَ بِذِكْرِ "ما" وفِيمَن تَتَعَلَّقُ بِهِ هَذِهِ الرَّحْمَةُ قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّها تَتَعَلَّقُ بِالنَّبِيِّ ﷺ . والثّانِي: بِالمُؤْمِنِينَ. (p-٤٨٦)قالَ قَتادَةُ: ومَعْنى ﴿لِنْتَ لَهُمْ﴾ لِأنَّ جانِبَكَ، وحُسْنُ خُلُقِكَ، وكَثُرَ احْتِمالِكَ. قالَ الزَّجّاجُ: والفَظُّ: الغَلِيظُ الجانِبِ، السَّيِّئُ الخُلُقِ، يُقالُ: فَظَظْتُ تَفَظُّ فَظاظَةً وفَظَظًا، والفَظُّ: ماءُ الكَرِشِ والفَرْثِ، وإنَّما سُمِّيَ فَظًّا لِغِلَظِ مَشْرَبِهِ. فَأمّا الغَلِيظُ القَلْبِ، فَقِيلَ: هو القاسِي القَلْبِ، فَيَكُونُ ذِكْرُ الفَظاظَةِ والغِلَظِ - وإنْ كانا بِمَعْنًى واحِدٍ تَوْكِيدًا. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: الفَظُّ: في القَوْلِ، والغَلِيظُ القَلْبِ: في الفِعْلِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لانْفَضُّوا﴾ أيْ: تَفَرَّقُوا، وتَقُولُ فَضَضْتُ عَنِ الكِتابِ خَتْمَهُ: إذا فَرَّقْتُهُ عَنْهُ. ﴿فاعْفُ عَنْهُمْ﴾ أيْ: تَجاوَزْ عَنْ هَفَواتِهِمْ، وسَلِ اللَّهَ المَغْفِرَةَ لِذُنُوبِهِمْ ﴿وَشاوِرْهم في الأمْرِ﴾ مَعْناهُ: اسْتَخْرِجْ آَراءَهم، واعْلَمْ ما عِنْدَهم. ويُقالُ: إنَّهُ مِن: شُرْتُ العَسَلَ. (p-٤٨٧)وَأنْشَدُوا: ؎ وقاسَمَها بِاللَّهِ حَقًّا لَأنْتُمْ ∗∗∗ ألَذُّ مِنَ السَّلْوى إذا ما نَشُورُها قالَ الزَّجّاجُ: يُقالُ: شاوَرْتُ الرَّجُلَ مُشاوَرَةً وشُورًا، وما يَكُونُ عَنْ ذَلِكَ اسْمُهُ المَشُورَةُ. وبَعْضُهم يَقُولُ: المَشُورَةُ. ويُقالُ: فُلانٌ حَسَنُ الصُّورَةِ والشُّورَةُ، أيْ: حَسَنُ الهَيْئَةِ واللِّباسِ. ومَعْنى قَوْلِهِمْ: شاوَرْتُ فُلانًا، أظْهَرْتَ ما عِنْدَهُ وما عِنْدِي. وشُرْتُ الدّابَّةَ: إذا امْتَحَنْتَها، فَعَرَفْتَ هَيْئَتَها في سَيْرِها. وشُرْتُ العَسَلَ: إذا أخَذْتَهُ مِن مَواضِعِ النَّحْلِ. وعَسَلٌ مُشارٌ. قالَ الأعْشى: ؎ كَأنَّ القَرَنْفُلَ والزَّنَجَبِي ∗∗∗ لَ باتا بِفِيها وأرَيا مُشارًا (p-٤٨٨)والأرْيُ: العَسَلُ. واخْتَلَفَ العُلَماءُ لِأيِّ مَعْنًى أمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ بِمُشاوَرَةِ أصْحابِهِ مَعَ كَوْنِهِ كامِلَ الرَّأْيِ، تامَّ التَّدْبِيرِ، عَلى ثَلاثَةِ أقْوالٍ. أحَدُها: لِيَسْتَنَّ بِهِ مَن بَعْدَهُ، وهَذا قَوْلُ الحَسَنِ، وسُفْيانَ بْنِ عُيَيْنَةَ. والثّانِي: لِتَطِيبَ قُلُوبُهم، وهو قَوْلُ قَتادَةَ، والرَّبِيعُ، وابْنُ إسْحاقَ. ومُقاتِلٍ. قالَ الشّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: نَظِيرُ هَذا قَوْلُهُ ﷺ: « "البِكْرُ تُسْتَأْمَرُ في نَفْسِها"،» إنَّما أرادَ اسْتِطابَةَ نَفْسِها، فَإنَّها لَوْ كَرِهَتْ، كانَ لِلْأبِ أنْ يُزَوِّجَها، وكَذَلِكَ مُشاوَرَةُ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ لِابْنِهِ حِينَ أمَرَ بِذَبْحِهِ. والثّالِثُ: لِلْإعْلامِ بِبَرَكَةِ المُشاوَرَةِ، وهو قَوْلُ الضَّحّاكُ. ومِن فَوائِدِ المُشاوَرَةِ أنَّ المُشاوِرَ إذا لَمْ يَنْجَحْ أمْرُهُ، عَلِمَ أنَّ امْتِناعَ النَّجاحِ مَحْضُ قَدْرٍ، فَلَمْ يُلِمْ نَفْسَهُ، ومِنها أنَّهُ قَدْ يَعْزِمُ عَلى أمْرٍ، فَيَبِينُ لَهُ الصَّوابُ في قَوْلِ غَيْرِهِ، فَيَعْلَمُ عَجْزَ نَفْسِهِ عَنِ الإحاطَةِ بِفُنُونِ المَصالِحِ.قالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الِاسْتِشارَةُ عَيْنُ الهِدايَةَ، وقَدْ خاطَرَ مَنِ اسْتَغْنى بِرَأْيِهِ، والتَّدْبِيرُ قَبْلَ العَمَلِ يُؤَمِّنُكَ مِنَ النَّدَمِ. وقالَ بَعْضُ الحُكَماءِ: ما اسْتُنْبِطَ الصَّوابُ بِمِثْلِ المُشاوَرَةِ، ولا حُصِّنَتِ النِّعَمُ بِمِثْلِ المُواساةِ، ولا اكْتُسِبَتِ البَغْضاءُ بِمِثْلِ الكِبْرِ. واعْلَمْ أنَّهُ إنَّما أمَرَ (p-٤٨٩)النَّبِيَّ ﷺ بِمُشاوَرَةِ أصْحابِهِ فِيما لَمْ يَأْتِهِ فِيهِ وحْيٌ، وعَمَّهم بِالذِّكْرِ، والمَقْصُودُ أرْبابُ الفَضْلِ والتَّجارِبِ مِنهم. وفي الَّذِي أمَرَ بِمُشاوَرَتِهِمْ فِيهِ قَوْلانِ. حَكاهُما القاضِي أبُو يَعْلى. أحَدُهُما: أنَّهُ أمْرُ الدُّنْيا خاصَّةً. والثّانِي: أمْرُ الدِّينِ والدُّنْيا، وهو أصَحُّ. وَقَدْ قَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ، وابْنُ عَبّاسٍ "وَشاوَرَهم في بَعْضِ الأمْرِ" . قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَإذا عَزَمْتَ﴾ قالَ ابْنُ فارِسٍ: العَزْمُ: عَقْدُ القَلْبِ عَلى الشَّيْءِ ويُرِيدُ أنْ يَفْعَلَهُ. وقَدْ قَرَأ أبُو رَزِينٍ، وأبُو مِجْلَزٍ، وأبُو العالِيَةِ، وعِكْرِمَةُ، والجَحْدَرِيُّ: (فَإذا عَزَمْتَ) بِضَمِّ التّاءِ. فَأمّا التَّوَكُّلُ، فَقَدْ سَبَقَ شَرْحُهُ. وَمَعْنى الكَلامِ: فَإذا عَزَمْتَ عَلى فِعْلِ شَيْءٍ، فَتَوَكَّلَ عَلى اللَّهِ، لا عَلى المُشاوَرَةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب