الباحث القرآني
لَمّا فَرَغَ مِن وعْظِ الصَّحابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ (تَعالى) عَنْهم - أتْبَعَهُ تَحْبِيبَ النَّبِيِّ ﷺ فِيما فَعَلَ بِهِمْ مِنَ الرِّفْقِ؛ واللِّينِ؛ مَعَ ما سَبَّبَ الغَضَبَ المُوجِبَ لِلْعُنْفِ؛ والسَّطْوَةِ؛ مِنَ اعْتِراضِ مَنِ اعْتَرَضَ عَلى ما أشارَ بِهِ؛ ثُمَّ مُخالَفَتِهِمْ لِأمْرِهِ في حِفْظِ المَرْكَزِ؛ والصَّبْرِ؛ والتَّقْوى؛ ثُمَّ خِذْلانِهِمْ لَهُ؛ وتَقْدِيمِ أنْفُسِهِمْ عَلى نَفْسِهِ الشَّرِيفَةِ؛ ثُمَّ عَدَمِ العَطْفِ عَلَيْهِ؛ وهو يَدْعُوهم إلَيْهِ؛ ويَأْمُرُ بِإقْبالِهِمْ عَلَيْهِ؛ ثُمَّ اتِّهامِ مَنِ اتَّهَمَهُ؛ إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأُمُورِ الَّتِي تُوجِبُ لِرُؤَساءِ الجُيُوشِ؛ وقادَةِ الجُنُودِ؛ اتِّهامَ أتْباعِهِمْ؛ وسُوءَ الظَّنِّ بِهِمُ؛ المُوجِبَ لِلْغَضَبِ والإيقاعِ بِبَعْضِهِمْ؛ لِيَكُونَ ذَلِكَ زاجِرًا لَهم عَنِ العَوْدِ إلى مِثْلِهِ؛ فَقالَ (تَعالى): ﴿فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ﴾؛ أيْ: الَّذِي لَهُ الكَمالُ كُلُّهُ؛ ﴿لِنْتَ لَهُمْ﴾؛ أيْ: ما لِنْتَ لَهم هَذا اللِّينَ الخارِقَ لِلْعادَةِ؛ ورَفَقْتَ بِهِمْ هَذا الرِّفْقَ؛ بَعْدَ ما فَعَلُوا بِكَ؛ إلّا بِسَبَبِ رَحْمَةٍ عَظِيمَةٍ مِنَ اللَّهِ (p-١٠٧)الحائِزِ لِجَمِيعِ الكَمالِ؛ فَقابَلْتَهم بِالجَمِيلِ؛ ولَمْ تُعَنِّفْهم بِانْهِزامِهِمْ عَنْكَ بَعْدَ إذْ خالَفُوا رَأْيَكَ؛ وهم كانُوا سَبَبًا لِاسْتِخْراجِكَ؛ والَّذِي اقْتَضى هَذا الحَصْرَ هو ”ما“؛ لِأنَّها نافِيَةٌ في سِياقِ الإثْباتِ؛ فَلَمْ يُمْكِنْ أنْ تُوَجَّهَ إلّا إلى ضِدِّ ما أثْبَتَهُ السِّياقُ؛ ودَلَّتْ زِيادَتُها عَلى أنَّ تَنْوِينَ ”رَحْمَةً“؛ لِلتَّعْظِيمِ؛ أيْ: فَبِالرَّحْمَةِ العَظِيمَةِ؛ لا بِغَيْرِها؛ لِنْتَ.
ولَمّا بَيَّنَ - سُبْحانَهُ وتَعالى - سَبَبَ هَذا اللِّينِ المَتِينِ بَيَّنَ ثَمَرَتَهُ بِبَيانِ ما في ضِدِّهِ مِنَ الضَّرَرِ؛ فَقالَ: ﴿ولَوْ كُنْتَ فَظًّا﴾؛ أيْ: سَيِّئَ الخُلُقِ؛ جافِيًا في القَوْلِ؛ ﴿غَلِيظَ القَلْبِ﴾؛ أيْ: قاسِيَهُ؛ لا تَتَأثَّرُ بِشَيْءٍ؛ تُعامِلُهم بِالعُنْفِ؛ والجَفاءِ؛ ﴿لانْفَضُّوا﴾؛ أيْ: تَفَرَّقُوا تَفَرُّقًا قَبِيحًا؛ لا اجْتِماعَ مَعَهُ؛ ﴿مِن حَوْلِكَ﴾؛ أيْ: فَفاتَ المَقْصُودُ مِنَ البِعْثَةِ.
ولَمّا أخْبَرَهُ - سُبْحانَهُ وتَعالى - أنَّهُ هو عَفا عَنْهم ما فَرَّطُوا في حَقِّهِ؛ أمَرَهُ بِالعَفْوِ عَنْهُمْ؛ فِيما يَتَعَلَّقُ بِهِ ﷺ؛ وبِالِاسْتِمْرارِ عَلى مُشاوَرَتِهِمْ عِنْدَ النَّوائِبِ؛ لِئَلّا يَكُونَ خَطَؤُهم في الرَّأْيِ - أوَّلًا في الخُرُوجِ مِنَ المَدِينَةِ؛ وثانِيًا في تَضْيِيعِ المَرْكَزِ؛ وثالِثًا في إعْراضِهِمْ عَنِ الإثْخانِ في العَدُوِّ؛ بَعْدَ الهَزِيمَةِ؛ الَّذِي ما شُرِعَ القِتالُ إلّا لِأجْلِهِ؛ بِإقْبالِهِمْ عَلى النَّهْبِ؛ ورابِعًا (p-١٠٨)فِي وهْنِهِمْ عِنْدَ كَرِّ العَدُوِّ؛ إلى غَيْرِ ذَلِكَ - مُوجِبًا لِتَرْكِ مُشاوَرَتِهِمْ؛ فَيَفُوتَ ما فِيها مِنَ المَنافِعِ في نَفْسِها؛ وفِيما تُثْمِرُهُ مِنَ التَّآلُفِ؛ والتَّسَنُّنِ؛ وغَيْرِ ذَلِكَ؛ فَقالَ - سُبْحانَهُ وتَعالى -: ﴿فاعْفُ عَنْهُمْ﴾؛ أيْ: ما فَرَّطُوا في هَذِهِ الكَرَّةِ في حَقِّكَ؛ ﴿واسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾؛ أيْ: اللَّهَ - سُبْحانَهُ وتَعالى - لِما فَرَّطُوا في حَقِّهِ؛ ﴿وشاوِرْهُمْ﴾؛ أيْ: اسْتَخْرِجْ آراءَهُمْ؛ ﴿فِي الأمْرِ﴾؛ أيْ: الَّذِي تُرِيدُهُ مِن أُمُورِ الحَرْبِ؛ تَألُّفًا لَهُمْ؛ وتَطْيِيبًا لِنُفُوسِهِمْ؛ لِيَسْتَنَّ بِكَ مَن بَعْدَكَ؛ ﴿فَإذا عَزَمْتَ﴾؛ أيْ: بَعْدَ ذَلِكَ عَلى أمْرٍ؛ فَمَضَيْتَ فِيهِ؛ وقِراءَةُ مَن ضَمَّ التّاءَ لِلْمُتَكَلِّمِ؛ بِمَعْناها؛ أيْ: فَإذا فَعَلْتَ أنْتَ أمْرًا بَعْدَ المُشاوَرَةِ؛ لِأنِّي فَعَلْتُ فِيهِ - بِأنْ أرَدْتُهُ - فِعْلَ العازِمِ.
ولَمّا أمَرَ بِالمُشاوَرَةِ؛ الَّتِي هي النَّظَرُ في الأسْبابِ؛ أمَرَ بِالِاعْتِصامِ بِمُسَبِّبِها؛ مِن غَيْرِ التِفاتِ إلَيْها؛ لِيَكْمُلَ جِهادُ الإنْسانِ بِالمُلابَسَةِ؛ ثُمَّ التَّجَرُّدِ؛ فَقالَ: ﴿فَتَوَكَّلْ﴾؛ أيْ: فِيهِ؛ ﴿عَلى اللَّهِ﴾؛ أيْ: الَّذِي لَهُ الأمْرُ كُلُّهُ؛ ولا يَرُدَّكَ عَنْهُ خَوْفُ عاقِبَةٍ - كَما فَعَلْتَ؛ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ؛ في هَذِهِ الغَزْوَةِ -؛ ثُمَّ عَلَّلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿إنَّ اللَّهَ﴾؛ أيْ: الَّذِي لا كُفُؤَ لَهُ ﴿يُحِبُّ المُتَوَكِّلِينَ﴾؛ أيْ: فَلا يَفْعَلُ بِهِمْ إلّا ما فِيهِ إكْرامُهُمْ؛ (p-١٠٩)وإنْ رُئِيَ غَيْرُ ذَلِكَ.
{"ayah":"فَبِمَا رَحۡمَةࣲ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمۡۖ وَلَوۡ كُنتَ فَظًّا غَلِیظَ ٱلۡقَلۡبِ لَٱنفَضُّوا۟ مِنۡ حَوۡلِكَۖ فَٱعۡفُ عَنۡهُمۡ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ وَشَاوِرۡهُمۡ فِی ٱلۡأَمۡرِۖ فَإِذَا عَزَمۡتَ فَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ یُحِبُّ ٱلۡمُتَوَكِّلِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











