الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهم ولَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ القَلْبِ لانْفَضُّوا مِن حَوْلِكَ فاعْفُ عَنْهم واسْتَغْفِرْ لَهم وشاوِرْهم في الأمْرِ فَإذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلى اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُتَوَكِّلِينَ﴾
واعْلَمْ أنَّ القَوْمَ لَمّا انْهَزَمُوا عَنِ النَّبِيِّ ﷺ يَوْمَ أُحُدٍ ثُمَّ عادُوا لَمْ يُخاطِبْهُمُ الرَّسُولُ ﷺ بِالتَّغْلِيظِ والتَّشْدِيدِ، وإنَّما خاطَبَهم بِالكَلامِ اللَّيِّنِ، ثُمَّ إنَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى لَمّا أرْشَدَهم في الآياتِ المُتَقَدِّمَةِ إلى ما يَنْفَعُهم في مَعاشِهِمْ ومَعادِهِمْ، وكانَ مِن جُمْلَةِ ذَلِكَ أنْ عَفا عَنْهم، زادَ في الفَضْلِ والَإحْسانِ بِأنْ مَدَحَ الرَّسُولَ ﷺ عَلى عَفْوِهِ عَنْهم، وتَرْكِهِ التَّغْلِيظَ عَلَيْهِمْ فَقالَ: ﴿فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ﴾ ومَن أنْصَفَ عَلِمَ أنَّ هَذا تَرْتِيبٌ حَسَنٌ في الكَلامِ. وفي الآيَةِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: اعْلَمْ أنَّ لِينَهُ ﷺ مَعَ القَوْمِ عِبارَةٌ عَنْ حُسْنِ خُلُقِهِ مَعَ القَوْمِ قالَ تَعالى: ﴿واخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤْمِنِينَ﴾ [الشُّعَراءِ: ٢١٥] وقالَ: ﴿خُذِ العَفْوَ وأْمُرْ بِالعُرْفِ وأعْرِضْ عَنِ الجاهِلِينَ﴾، وقالَ: ﴿وإنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القَلَمِ: ٤] وقالَ: ﴿لَقَدْ جاءَكم رَسُولٌ مِن أنْفُسِكم عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكم بِالمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [التَّوْبَةِ: ١٢٨] وقالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: ”«لا حِلْمَ أحَبُّ إلى اللَّهِ تَعالى مِن حِلْمِ إمامٍ ورِفْقِهِ ولا جَهْلَ أبْغَضُ إلى اللَّهِ مِن جَهْلِ إمامٍ وخَرَقِهِ» “ فَلَمّا كانَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ إمامَ العالَمِينَ، وجَبَ أنْ يَكُونَ أكْثَرَهم حِلْمًا وأحْسَنَهم خُلُقًا. ورُوِيَ «أنَّ امْرَأةَ عُثْمانَ دَخَلَتْ عَلَيْهِ ﷺ، وكانَ النَّبِيُّ وعَلِيٌّ يَغْسِلانِ السِّلاحَ، فَقالَتْ: ما فَعَلَ ابْنُ عَفّانَ ؟ أما واللَّهِ لا تَجِدُونَهُ أمامَ القَوْمِ، فَقالَ لَها عَلِيٌّ: ألا إنَّ عُثْمانَ فَضَحَ الزَّمانَ اليَوْمَ، فَقالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ ”مَهْ“» ورُوِيَ أنَّهُ قالَ حِينَئِذٍ: «أعْيانِي أزْواجُ الأخَواتِ أنْ يَتَحابُّوا»، ولَمّا دَخَلَ عَلَيْهِ عُثْمانُ مَعَ صاحِبَيْهِ ما زادَ عَلى أنْ قالَ: ”«لَقَدْ ذَهَبْتُمْ فِيها عَرِيضَةً» “ ورُوِيَ عَنْ بَعْضِ الصَّحابَةِ أنَّهُ قالَ: لَقَدْ أحْسَنَ اللَّهُ إلَيْنا كُلَّ الإحْسانِ، كُنّا مُشْرِكِينَ، فَلَوْ جاءَنا رَسُولُ اللَّهِ بِهَذا الدِّينِ جُمْلَةً، وبِالقُرْآنِ دُفْعَةً لَثَقُلَتْ هَذِهِ التَّكالِيفُ عَلَيْنا، فَما كُنّا نَدْخُلُ في الإسْلامِ، ولَكِنَّهُ دَعانا إلى كَلِمَةٍ واحِدَةٍ، فَلَمّا قَبِلْناها وعَرَفْنا حَلاوَةَ الإيمانِ، قَبِلْنا ما وراءَها كَلِمَةً بَعْدَ كَلِمَةٍ عَلى سَبِيلِ الرِّفْقِ إلى أنْ تَمَّ الدِّينُ وكَمُلَتِ الشَّرِيعَةُ. ورُوِيَ أنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ قالَ: ”«إنَّما أنا لَكم مِثْلُ الوالِدِ فَإذا ذَهَبَ أحَدُكم إلى الغائِطِ فَلا يَسْتَقْبِلِ القِبْلَةَ ولا يَسْتَدْبِرْها» “ واعْلَمْ أنَّ سِرَّ الأمْرِ في حُسْنِ الخُلُقِ أمْرانِ: اعْتِبارُ حالِ القائِلِ، واعْتِبارُ حالِ الفاعِلِ، أمّا اعْتِبارُ حالِ القائِلِ فَلِأنَّ جَواهِرَ النُّفُوسِ مُخْتَلِفَةٌ بِالماهِيَّةِ، كَما قالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: ”«الأرْواحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ» “ وقالَ: ”«النّاسُ مَعادِنُ كَمَعادِنِ الذَّهَبِ والفِضَّةِ» “ وكَما أنَّها في جانِبِ النُّقْصانِ تَنْتَهِي إلى غايَةِ البَلادَةِ والمَهانَةِ والنَّذالَةِ واسْتِيلاءِ الشَّهْوَةِ والغَضَبِ عَلَيْها واسْتِيلاءِ حُبِّ المالِ واللَّذّاتِ، فَكَذَلِكَ في جانِبِ الكَمالِ قَدْ تَنْتَهِي إلى غايَةِ القُوَّةِ والجَلالَةِ، أمّا في القُوَّةِ النَّظَرِيَّةِ فَيَكُونُ كَما وصَفَهُ اللَّهُ تَعالى بِقَوْلِهِ: ﴿نُورٌ عَلى نُورٍ﴾ [النُّورِ: ٣٥] وقَوْلِهِ: ﴿وعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا﴾ [النِّساءِ: (p-٥١)١١٣ ] وأمّا في القُوَّةِ العَمَلِيَّةِ، فَكَما وصَفَهُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وإنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ كَأنَّها مِن جِنْسِ أرْواحِ المَلائِكَةِ، فَلا تَنْقادُ لِلشَّهْوَةِ ولا تَمِيلُ لِدَواعِي الغَضَبِ، ولا تَتَأثَّرُ مِن حُبِّ المالِ والجاهِ، فَإنَّ مَن تَأثَّرَ عَنْ شَيْءٍ كانَ المُتَأثِّرُ أضْعَفَ مِنَ المُؤَثِّرِ، فالنَّفْسُ إذا مالَتْ إلى هَذِهِ المَحْسُوساتِ كانَتْ رُوحانِيّاتُها أضْعَفَ مِنَ الجُسْمانِيّاتِ، وإذا لَمْ تَمِلْ إلَيْها ولَمْ تَلْتَفِتْ إلَيْها كانَتْ رُوحانِيّاتُها مُسْتَعْلِيَةً عَلى الجُسْمانِيّاتِ، وهَذِهِ الخَواصُّ نَظَرِيَّةٌ، وكانَتْ نَفْسُهُ المُقَدَّسَةُ في غايَةِ الجَلالَةِ والكَمالِ في هَذِهِ الخِصالِ. وأمّا اعْتِبارُ حالِ الفاعِلِ فَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: ”«مَن عَرَفَ سِرَّ اللَّهِ في القَدَرِ هانَتْ عَلَيْهِ المَصائِبُ» “ فَإنَّهُ يَعْلَمُ أنَّ الحَوادِثَ الأرْضِيَّةَ مُسْتَنِدَةٌ إلى الأسْبابِ الإلَهِيَّةِ، فَيَعْلَمُ أنَّ الحَذَرَ لا يَدْفَعُ القَدَرَ، فَلا جَرَمَ إذا فاتَهُ مَطْلُوبٌ لَمْ يَغْضَبْ، وإذا حَصَلَ لَهُ مَحْبُوبٌ لَمْ يَأْنَسْ بِهِ؛ لِأنَّهُ مُطَّلِعٌ عَلى الرُّوحانِيّاتِ الَّتِي هي أشْرَفُ مِن هَذِهِ الجُسْمانِيّاتِ، فَلا يُنازِعُ أحَدًا مِن هَذا العالَمِ في طَلَبِ شَيْءٍ مِن لَذّاتِها وطَيِّباتِها، ولا يَغْضَبُ عَلى أحَدٍ بِسَبَبِ فَوْتِ شَيْءٍ مِن مَطالِبِها، ومَتى كانَ الإنْسانُ كَذَلِكَ كانَ حَسَنَ الخُلُقِ، طَيِّبَ العِشْرَةِ مَعَ الخَلْقِ، ولَمّا كانَ صَلَواتُ اللَّهِ وسَلامُهُ عَلَيْهِ أكْمَلَ البَشَرِ في هَذِهِ الصِّفاتِ المُوجِبَةِ لِحُسْنِ الخُلُقِ، لا جَرَمَ كانَ أكْمَلَ الخَلْقِ في حُسْنِ الخُلُقِ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: احْتَجَّ أصْحابُنا في مَسْألَةِ القَضاءِ والقَدَرِ بِقَوْلِهِ: ﴿فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ﴾ وجْهُ الِاسْتِدْلالِ أنَّهُ تَعالى بَيَّنَ أنَّ حُسْنَ خُلُقِهِ مَعَ الخَلْقِ، إنَّما كانَ بِسَبَبِ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعالى، فَنَقُولُ: رَحْمَةُ اللَّهِ عِنْدَ المُعْتَزِلَةِ عامَّةٌ في حَقِّ المُكَلَّفِينَ، فَكُلُّ ما فَعَلَهُ مَعَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ مِنَ الهِدايَةِ والدَّعْوَةِ والبَيانِ والإرْشادِ، فَقَدْ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ مَعَ إبْلِيسَ وفِرْعَوْنَ وهامانَ وأبِي جَهْلٍ وأبِي لَهَبٍ، فَإذا كانَ عَلى هَذا القَوْلِ كُلُّ ما فَعَلَهُ اللَّهُ تَعالى مَعَ المُكَلَّفِينَ في هَذا البابِ مُشْتَرِكًا فِيهِ بَيْنَ أصْفى الأصْفِياءِ، وبَيْنَ أشْقى الأشْقِياءِ لَمْ يَكُنِ اخْتِصاصُ بَعْضِهِمْ بِحُسْنِ الخُلُقِ وكَمالِ الطَّرِيقَةِ مُسْتَفادًا مِن رَحْمَةِ اللَّهِ، فَكانَ عَلى هَذا القَوْلِ تَعْلِيلُ حُسْنِ خُلُقِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بِرَحْمَةِ اللَّهِ باطِلًا، ولَمّا كانَ هَذا باطِلًا عَلِمْنا أنَّ جَمِيعَ أفْعالِ العِبادِ بِقَضاءِ اللَّهِ وبِقَدْرِهِ، والمُعْتَزِلَةُ يَحْمِلُونَ هَذا عَلى زِيادَةِ الألْطافِ وهَذا في غايَةِ البُعْدِ؛ لِأنَّ كُلَّ ما كانَ مُمْكِنًا مِنَ الألْطافِ، فَقَدْ فَعَلَهُ في حَقِّ المُكَلَّفِينَ، والَّذِي يَسْتَحِقُّهُ المُكَلَّفُ بِناءً عَلى طاعَتِهِ مِن مَزِيدِ الألْطافِ، فَذاكَ في الحَقِيقَةِ إنَّما اكْتَسَبَهُ مِن نَفْسِهِ لا مِنَ اللَّهِ؛ لِأنَّهُ مَتى فَعَلَ الطّاعَةَ اسْتَحَقَّ ذَلِكَ المَزِيدَ مِنَ اللُّطْفِ، ووَجَبَ إيصالُهُ إلَيْهِ، ومَتى لَمْ يَفْعَلِ امْتَنَعَ إيصالُهُ، فَكانَ ذَلِكَ لِلْعَبْدِ مِن نَفْسِهِ لا مِنَ اللَّهِ.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: ذَهَبَ الأكْثَرُونَ إلى أنَّ ”ما“ في قَوْلِهِ: ﴿فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ﴾ صِلَةٌ زائِدَةٌ ومِثْلُهُ في القُرْآنِ كَثِيرٌ، كَقَوْلِهِ: ﴿عَمّا قَلِيلٍ﴾ [المُؤْمِنُونَ: ٤٠] و﴿جُنْدٌ ما هُنالِكَ﴾ [ص: ١١] ﴿فَبِما نَقْضِهِمْ﴾ [النِّساءِ: ١٥٥] ﴿مِن خَطاياهُمْ﴾ [العَنْكَبُوتِ: ١٢] قالُوا: والعَرَبُ قَدْ تَزِيدُ في الكَلامِ لِلتَّأْكِيدِ عَلى ما يُسْتَغْنى عَنْهُ، قالَ تَعالى: ﴿فَلَمّا أنْ جاءَ البَشِيرُ﴾ [يُوسُفَ: ٩٦] أرادَ فَلَمّا جاءَ، فَأكَّدَ بِأنْ، وقالَ المُحَقِّقُونَ: دُخُولُ اللَّفْظِ المُهْمَلِ الضّائِعِ في كَلامِ أحْكَمِ الحاكِمِينَ غَيْرُ جائِرٍ، وهاهُنا يَجُوزُ أنْ تَكُونَ ”ما“ اسْتِفْهامًا لِلتَّعَجُّبِ تَقْدِيرُهُ: فَبِأيِّ رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهم، وذَلِكَ لِأنَّ جِنايَتَهم لَمّا كانَتْ عَظِيمَةً ثُمَّ إنَّهُ ما أظْهَرَ ألْبَتَّةَ، تَغْلِيظًا في القَوْلِ، ولا خُشُونَةً في الكَلامِ، عَلِمُوا أنَّ هَذا لا يَتَأتّى إلّا بِتَأْيِيدٍ رَبّانِيٍّ وتَسْدِيدٍ إلَهِيٍّ، فَكانَ ذَلِكَ مَوْضِعَ التَّعَجُّبِ مِن كَمالِ ذَلِكَ التَّأْيِيدِ والتَّسْدِيدِ، فَقِيلَ: فَبِأيِّ رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهم، وهَذا هو الأصْوَبُ عِنْدِي.
المَسْألَةُ الرّابِعَةُ: اعْلَمْ أنَّ هَذِهِ الآيَةَ دَلَّتْ عَلى أنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ هي المُؤَثِّرَةُ في صَيْرُورَةِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ (p-٥٢)الصَّلاةُ والسَّلامُ رَحِيمًا بِالأُمَّةِ، فَإذا تَأمَّلْتَ حَقِيقَةَ هَذِهِ الآيَةِ عَرَفْتَ دَلالَتَها عَلى أنَّهُ لا رَحْمَةَ إلّا لِلَّهِ سُبْحانَهُ، والَّذِي يُقَرِّرُ ذَلِكَ وُجُوهٌ:
أحَدُها: أنَّهُ لَوْلا أنَّ اللَّهَ ألْقى في قَلْبِ عَبْدِهِ داعِيَةَ الخَيْرِ والرَّحْمَةِ واللُّطْفِ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا مِن ذَلِكَ، وإذا ألْقى في قَلْبِهِ هَذِهِ الدّاعِيَةَ فَعَلَ هَذِهِ الأفْعالَ لا مَحالَةَ، وعَلى هَذا التَّقْدِيرِ فَلا رَحْمَةَ إلّا لِلَّهِ: إنَّ كُلَّ رَحِيمٍ سِوى اللَّهِ تَعالى فَإنَّهُ يَسْتَفِيدُ بِرَحْمَتِهِ عِوَضًا، إمّا هَرَبًا مِنَ العِقابِ، أوْ طَلَبًا لِلثَّوابِ، أوْ طَلَبًا لِلذِّكْرِ الجَمِيلِ، فَإذا فَرَضْنا صُورَةً خالِيَةً عَنْ هَذِهِ الأُمُورِ كانَ السَّبَبُ هو الرِّقَّةَ الجِنْسِيَّةَ، فَإنَّ مَن رَأى حَيَوانًا في الألَمِ رَقَّ قَلْبُهُ، وتَألَّمَ بِسَبَبِ مُشاهَدَتِهِ إيّاهُ في الألَمِ، فَيُخَلِّصُهُ عَنْ ذَلِكَ الألَمِ دَفْعًا لِتِلْكَ الرِّقَّةِ عَنْ قَلْبِهِ، فَلَوْ لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِن هَذِهِ الأعْراضِ لَمْ يَرْحَمْ ألْبَتَّةَ، أمّا الحَقُّ سُبْحانَهُ وتَعالى فَهو الَّذِي يَرْحَمُ لا لِغَرَضٍ مِنَ الأغْراضِ، فَلا رَحْمَةَ إلّا لِلَّهِ.
وثالِثُها: أنَّ كُلَّ مَن رَحِمَ غَيْرَهُ فَإنَّهُ إنَّما يَرْحَمُهُ بِأنْ يُعْطِيَهُ مالًا، أوْ يُبْعِدَ عَنْهُ سَبَبًا مِن أسْبابِ المَكْرُوهِ والبَلاءِ، إلّا أنَّ المَرْحُومَ لا يَنْتَفِعُ بِذَلِكَ المالِ إلّا مَعَ سَلامَةِ الأعْضاءِ، وهي لَيْسَتْ إلّا مِنَ اللَّهِ تَعالى، فَلا رَحْمَةَ في الحَقِيقَةِ إلّا لِلَّهِ، وأمّا في الظّاهِرِ فَكُلُّ مَن أعانَهُ اللَّهُ عَلى الرَّحْمَةِ سُمِّيَ رَحِيمًا، قالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: ”«الرّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ» “ وقالَ في صِفَةِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلامُ: ﴿بِالمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [التَّوْبَةِ: ١٢٨]
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿ولَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ القَلْبِ لانْفَضُّوا مِن حَوْلِكَ﴾ .
واعْلَمْ أنَّ كَمالَ رَحْمَةِ اللَّهِ في حَقِّ مُحَمَّدٍ ﷺ أنَّهُ عَرَّفَهُ مَفاسِدَ الفَظاظَةِ والغِلْظَةِ وفِيهِ مَسائِلُ.
المَسْألَةُ الأُولى: قالَ الواحِدِيُّ: رَحِمَهُ اللَّهُ تَعالى: الفَظُّ، الغَلِيظُ الجانِبِ السَّيِّءُ الخُلُقِ، يُقالُ: فَظِظْتَ تَفَظُّ فَظاظَةً فَأنْتَ فَظٌّ، وأصْلُهُ فَظِظَ، كَقَوْلِهِ: حَذِرَ مِن حَذِرْتُ، وفَرِقَ مِن فَرِقْتُ، إلّا أنَّ ما كانَ مِنَ المُضاعَفِ عَلى هَذا الوَزْنِ يُدْغَمُ نَحْوَ رَجُلٍ صَبٍّ، وأصْلُهُ صَبَبٌ، وأمّا ”الفَضُّ“ بِالضّادِ فَهو تَفْرِيقُ الشَّيْءِ، وانْفَضَّ القَوْمُ تَفَرَّقُوا، قالَ تَعالى: ﴿وإذا رَأوْا تِجارَةً أوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إلَيْها﴾ [الجُمُعَةِ: ١١] ومِنهُ: فَضَضَتُ الكِتابَ، ومِنهُ يُقالُ: لا يَفْضُضِ اللَّهُ فاكَ.
فَإنْ قِيلَ: ما الفَرْقُ بَيْنَ الفَظِّ وبَيْنَ غَلِيظِ القَلْبِ ؟
قُلْنا: الفَظُّ الَّذِي يَكُونُ سَيِّءَ الخُلُقِ، وغَلِيظُ القَلْبِ هو الَّذِي لا يَتَأثَّرُ قَلْبُهُ عَنْ شَيْءٍ، فَقَدْ لا يَكُونُ الإنْسانُ سَيِّءَ الخُلُقِ ولا يُؤْذِي أحَدًا ولَكِنَّهُ لا يَرِقُّ لَهم ولا يَرْحَمُهم، فَظَهَرَ الفَرْقُ مِن هَذا الوَجْهِ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: إنَّ المَقْصُودَ مِنَ البِعْثَةِ أنْ يُبَلِّغَ الرَّسُولُ تَكالِيفَ اللَّهِ إلى الخَلْقِ، وهَذا المَقْصُودُ لا يَتِمُّ إلّا إذا مالَتْ قُلُوبُهم إلَيْهِ وسَكَنَتْ نُفُوسُهم لَدَيْهِ، وهَذا المَقْصُودُ لا يَتِمُّ إلّا إذا كانَ رَحِيمًا كَرِيمًا، يَتَجاوَزُ عَنْ ذَنْبِهِمْ، ويَعْفُو عَنْ إساءَتِهِمْ، ويَخُصُّهم بِوُجُوهِ البِرِّ والمَكْرُمَةِ والشَّفَقَةِ، فَلِهَذِهِ الأسْبابِ وجَبَ أنْ يَكُونَ الرَّسُولُ مُبَرَّأً عَنْ سُوءِ الخُلُقِ، وكَما يَكُونُ كَذَلِكَ وجَبَ أنْ يَكُونَ غَيْرَ غَلِيظِ القَلْبِ، بَلْ يَكُونُ كَثِيرَ المَيْلِ إلى إعانَةِ الضُّعَفاءِ، كَثِيرَ القِيامِ بِإعانَةِ الفُقَراءِ، كَثِيرَ التَّجاوُزِ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ، كَثِيرَ الصَّفْحِ عَنْ زَلّاتِهِمْ، فَلِهَذا المَعْنى قالَ: ﴿ولَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ القَلْبِ لانْفَضُّوا مِن حَوْلِكَ﴾ ولَوِ انْفَضُّوا مِن حَوْلِكَ فاتَ المَقْصُودُ مِنَ البَعْثَةِ والرِّسالَةِ. وحَمَلَ القَفّالُ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذِهِ الآيَةَ عَلى واقِعَةِ أُحُدٍ قالَ: ﴿فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ﴾ يَوْمَ أُحُدٍ حِينَ عادُوا إلَيْكَ بَعْدَ الِانْهِزامِ ﴿ولَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ القَلْبِ﴾ وشافَهْتَهم بِالمَلامَةِ عَلى ذَلِكَ الِانْهِزامِ لانْفَضُّوا مِن حَوْلِكَ، هَيْبَةً مِنكَ وحَياءً بِسَبَبِ ما كانَ مِنهم مَنِ الِانْهِزامِ، فَكانَ ذَلِكَ مِمّا لا يُطْمِعُ العَدُوَّ فِيكَ وفِيهِمْ.
(p-٥٣)المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: اللِّينُ والرِّفْقُ إنَّما يَجُوزُ إذا لَمْ يُفْضِ إلى إهْمالِ حَقٍّ مِن حُقُوقِ اللَّهِ، فَأمّا إذا أدّى إلى ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ، قالَ تَعالى: ﴿ياأيُّها النَّبِيُّ جاهِدِ الكُفّارَ والمُنافِقِينَ واغْلُظْ عَلَيْهِمْ﴾ [التَّوْبَةِ: ٧٣] وقالَ لِلْمُؤْمِنِينَ في إقامَةِ حَدِّ الزِّنا: ﴿ولا تَأْخُذْكم بِهِما رَأْفَةٌ في دِينِ اللَّهِ﴾ [النُّورِ: ٢] .
وهاهُنا دَقِيقَةٌ أُخْرى: وهي أنَّهُ تَعالى مَنعَهُ مِنَ الغِلْظَةِ في هَذِهِ الآيَةِ، وأمَرَهُ بِالغِلْظَةِ في قَوْلِهِ: ﴿واغْلُظْ عَلَيْهِمْ﴾ فَهاهُنا نَهاهُ عَنِ الغِلْظَةِ عَلى المُؤْمِنِينَ، وهُناكَ أمَرَهُ بِالغِلْظَةِ مَعَ الكافِرِينَ، فَهو كَقَوْلِهِ: ﴿أذِلَّةٍ عَلى المُؤْمِنِينَ أعِزَّةٍ عَلى الكافِرِينَ﴾ [المائِدَةِ: ٥٤] وقَوْلِهِ: ﴿أشِدّاءُ عَلى الكُفّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ﴾ [الفَتْحِ: ٢٩] وتَحْقِيقُ القَوْلِ فِيهِ أنَّ طَرَفَيِ الإفْراطِ والتَّفْرِيطِ مَذْمُومانِ، والفَضِيلَةُ في الوَسَطِ، فَوُرُودُ الأمْرِ بِالتَّغْلِيظِ تارَةً، وأُخْرى بِالنَّهْيِ عَنْهُ، إنَّما كانَ لِأجْلِ أنْ يَتَباعَدَ عَنِ الإفْراطِ والتَّفْرِيطِ، فَيَبْقى عَلى الوَسَطِ الَّذِي هو الصِّراطُ المُسْتَقِيمُ، فَلِهَذا السِّرِّ مَدَحَ اللَّهُ الوَسَطَ فَقالَ: ﴿وكَذَلِكَ جَعَلْناكم أُمَّةً وسَطًا﴾ [البَقَرَةِ: ١٤٣] .
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿فاعْفُ عَنْهم واسْتَغْفِرْ لَهم وشاوِرْهم في الأمْرِ﴾ واعْلَمْ أنَّهُ تَعالى أمَرَهُ في هَذِهِ الآيَةِ بِثَلاثَةِ أشْياءَ:
أوَّلُها: بِالعَفْوِ عَنْهم وفِيهِ مَسائِلُ.
المَسْألَةُ الأُولى: أنَّ كَمالَ حالِ العَبْدِ لَيْسَ إلّا في أنْ يَتَخَلَّقَ بِأخْلاقِ اللَّهِ تَعالى، قالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: ”«تَخَلَّقُوا بِأخْلاقِ اللَّهِ» “ ثُمَّ إنَّهُ تَعالى لَمّا عَفا عَنْهم في الآيَةِ المُتَقَدِّمَةِ أمَرَ الرَّسُولَ أيْضًا أنْ يَعْفُوَ عَنْهم لِيَحْصُلَ لِلرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلامُ فَضِيلَةُ التَّخَلُّقِ بِأخْلاقِ اللَّهِ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: قالَ صاحِبُ ”الكَشّافِ“: ﴿فاعْفُ عَنْهُمْ﴾ فِيما يَتَعَلَّقُ بِحَقِّكَ ﴿واسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾ فِيما يَتَعَلَّقُ بِحَقِّ اللَّهِ تَعالى.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: ظاهِرُ الأمْرِ لِلْوُجُوبِ، والفاءُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فاعْفُ عَنْهُمْ﴾ يَدُلُّ عَلى التَّعْقِيبِ، فَهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّهُ تَعالى أوْجَبَ عَلَيْهِ أنْ يَعْفُوَ عَنْهم في الحالِ، وهَذا يَدُلُّ عَلى كَمالِ الرَّحْمَةِ الإلَهِيَّةِ حَيْثُ عَفا هو عَنْهم، ثُمَّ أوْجَبَ عَلى رَسُولِهِ أنْ يَعْفُوَ في الحالِ عَنْهم.
واعْلَمْ أنَّ قَوْلَهُ: ﴿فاعْفُ عَنْهُمْ﴾ إيجابٌ لِلْعَفْوِ عَلى الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلامُ، ولَمّا آلَ الأمْرُ إلى الأُمَّةِ لَمْ يُوجِبْهُ عَلَيْهِمْ، بَلْ نَدَبَهم إلَيْهِ فَقالَ تَعالى: ﴿والعافِينَ عَنِ النّاسِ﴾ لِيَعْلَمَ أنَّ حَسَناتِ الأبْرارِ سَيِّئاتُ المُقَرَّبِينَ.
وثانِيها: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿واسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾ وفي الآيَةِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: في هَذِهِ الآيَةِ دَلالَةٌ قَوِيَّةٌ عَلى أنَّهُ تَعالى يَعْفُو عَنْ أصْحابِ الكَبائِرِ، وذَلِكَ لِأنَّ الِانْهِزامَ في وقْتِ المُحارَبَةِ كَبِيرَةٌ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ومَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ﴾ [الأنْفالِ: ١٦] فَثَبَتَ أنَّ انْهِزامَ أهْلِ أُحُدٍ كانَ مِنَ الكَبائِرِ، ثُمَّ إنَّهُ تَعالى نَصَّ في الآيَةِ المُتَقَدِّمَةِ عَلى أنَّهُ عَفا عَنْهم وأمَرَ رَسُولَهُ ﷺ في هَذِهِ الآيَةِ بِالعَفْوِ عَنْهم، ثُمَّ أمَرَهُ بِالِاسْتِغْفارِ لَهم، وذَلِكَ مِن أدَلِّ الدَّلائِلِ عَلى ما ذَكَرْنا.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿واسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾ أمْرٌ لَهُ بِالِاسْتِغْفارِ لِأصْحابِ الكَبائِرِ، وإذا أمَرَهُ بِطَلَبِ المَغْفِرَةِ لا يَجُوزُ أنْ لا يُجِيبَهُ إلَيْهِ؛ لِأنَّ ذَلِكَ لا يَلِيقُ بِالكَرِيمِ، فَدَلَّتْ هَذِهِ الآيَةُ عَلى أنَّهُ تَعالى يُشَفِّعُ مُحَمَّدًا ﷺ في الدُّنْيا في حَقِّ أصْحابِ الكَبائِرِ، فَبِأنْ يُشَفِّعَهُ في حَقِّهِمْ في القِيامَةِ كانَ أوْلى.
(p-٥٤)المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: أنَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى عَفا عَنْهم أوَّلًا بِقَوْلِهِ: ﴿ولَقَدْ عَفا اللَّهُ عَنْهُمْ﴾ [آلِ عِمْرانَ: ١٥٥] ثُمَّ أمَرَ مُحَمَّدًا ﷺ في هَذِهِ الآيَةِ بِالِاسْتِغْفارِ لَهم ولِأجْلِهِمْ، كَأنَّهُ قِيلَ لَهُ: يا مُحَمَّدُ اسْتَغْفِرْ لَهم فَإنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهم قَبْلَ أنْ تَسْتَغْفِرَ لَهم، واعْفُ عَنْهم فَإنِّي قَدْ عَفَوْتُ عَنْهم قَبْلَ عَفْوِكَ عَنْهم، وهَذا يَدُلُّ عَلى كَمالِ رَحْمَةِ اللَّهِ لِهَذِهِ الأُمَّةِ.
وثالِثُها: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وشاوِرْهم في الأمْرِ﴾ وفِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: يُقالُ: شاوَرَهم مُشاوَرَةً وشِوارًا ومَشُورَةً، والقَوْمُ شُورى، وهي مَصْدَرٌ سُمِّي القَوْمُ بِها كَقَوْلِهِ: ﴿وإذْ هم نَجْوى﴾ [الإسْراءِ: ٤٧] قِيلَ: المُشاوَرَةُ مَأْخُوذَةٌ مِن قَوْلِهِمْ: شُرْتُ العَسَلَ أشُورُهُ إذا أخَذْتَهُ مِن مَوْضِعِهِ واسْتَخْرَجْتَهُ وقِيلَ مَأْخُوذَةٌ مِن قَوْلِهِمْ: شُرْتُ الدّابَّةَ شَوْرًا إذا عَرَضْتَها، والمَكانُ الَّذِي يُعْرَضُ فِيهِ الدَّوابُّ يُسَمّى مِشْوارًا، كَأنَّهُ بِالعَرْضِ يُعْلَمُ خَيْرُهُ وشَرُّهُ، فَكَذَلِكَ بِالمُشاوَرَةِ يُعْلَمُ خَيْرُ الأُمُورِ وشَرُّهًا.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: الفائِدَةُ في أنَّهُ تَعالى أمَرَ الرَّسُولَ بِمُشاوَرَتِهِمْ وُجُوهٌ:
الأوَّلُ: أنَّ مُشاوَرَةَ الرَّسُولِ ﷺ إيّاهم تُوجِبُ عُلُوَّ شَأْنِهِمْ ورِفْعَةَ دَرَجَتِهِمْ، وذَلِكَ يَقْتَضِي شِدَّةَ مَحَبَّتِهِمْ لَهُ وخُلُوصَهم في طاعَتِهِ، ولَوْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ لَكانَ ذَلِكَ إهانَةً بِهِمْ فَيَحْصُلُ سُوءُ الخُلُقِ والفَظاظَةُ.
الثّانِي: أنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ وإنْ كانَ أكْمَلَ النّاسِ عَقَلًا إلّا أنَّ عُلُومَ الخَلْقِ مُتَناهِيَةٌ، فَلا يَبْعُدُ أنْ يَخْطُرَ بِبالِ إنْسانٍ مِن وُجُوهِ المَصالِحِ ما لا يَخْطُرُ بِبالِهِ، لا سِيَّما فِيما يَفْعَلُ مِن أُمُورِ الدُّنْيا فَإنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ قالَ: ”«أنْتُمْ أعْرَفُ بِأُمُورِ دُنْياكم وأنا أعْرَفُ بِأُمُورِ دِينِكم» “ ولِهَذا السَّبَبِ قالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: ”«ما تَشاوَرَ قَوْمٌ قَطُّ إلّا هُدُوا لِأرْشَدِ أمْرِهِمْ» “ .
الثّالِثُ: قالَ الحَسَنُ وسُفْيانُ بْنُ عُيَيْنَةَ إنَّما أُمِرَ بِذَلِكَ لِيَقْتَدِيَ بِهِ غَيْرُهُ في المُشاوَرَةِ ويَصِيرَ سُنَّةً في أُمَّتِهِ.
الرّابِعُ: أنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ شاوَرَهم في واقِعَةِ أُحُدٍ فَأشارُوا عَلَيْهِ بِالخُرُوجِ، وكانَ مَيْلُهُ إلى أنْ يَخْرُجَ، فَلَمّا خَرَجَ وقَعَ ما وقَعَ، فَلَوْ تَرَكَ مُشاوَرَتَهم بَعْدَ ذَلِكَ لَكانَ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلى أنَّهُ بَقِيَ في قَلْبِهِ مِنهم بِسَبَبِ مُشاوَرَتِهِمْ بَقِيَّةُ أثَرٍ. فَأمَرَهُ اللَّهُ تَعالى بَعْدَ تِلْكَ الواقِعَةِ بِأنْ يُشاوِرَهم لِيَدُلَّ عَلى أنَّهُ لَمْ يَبْقَ في قَلْبِهِ أثَرٌ مِن تِلْكَ الواقِعَةِ.
الخامِسُ: وشاوِرْهم في الأمْرِ، لا لِتَسْتَفِيدَ مِنهم رَأْيًا وعِلْمًا، لَكِنْ لِكَيْ تَعْلَمَ مَقادِيرَ عُقُولِهِمْ وأفْهامِهِمْ ومَقادِيرَ حُبِّهِمْ لَكَ وإخْلاصِهِمْ في طاعَتِكَ فَحِينَئِذٍ يَتَمَيَّزُ عِنْدَكَ الفاضِلُ مِنَ المَفْضُولِ فَبَيِّنْ لَهم عَلى قَدْرِ مَنازِلِهِمْ.
السّادِسُ: وشاوِرْهم في الأمْرِ لا لِأنَّكَ مُحْتاجٌ إلَيْهِمْ، ولَكِنْ لِأجْلِ أنَّكَ إذا شاوَرْتَهم في الأمْرِ اجْتَهَدَ كُلُّ واحِدٍ مِنهم في اسْتِخْراجِ الوَجْهِ الأصْلَحِ في تِلْكَ الواقِعَةِ، فَتَصِيرُ الأرْواحُ مُتَطابِقَةً مُتَوافِقَةً عَلى تَحْصِيلِ أصْلَحِ الوُجُوهِ فِيها، وتَطابُقُ الأرْواحِ الطّاهِرَةِ عَلى الشَّيْءِ الواحِدِ مِمّا يُعِينُ عَلى حُصُولِهِ، وهَذا هو السِّرُّ عِنْدَ الِاجْتِماعِ في الصَّلَواتِ. وهو السِّرُّ في أنَّ صَلاةَ الجَماعَةِ أفْضَلُ مِن صَلاةِ المُنْفَرِدِ.
السّابِعُ: لَمّا أمَرَ اللَّهُ مُحَمَّدًا عَلَيْهِ السَّلامُ بِمُشاوَرَتِهِمْ دَلَّ ذَلِكَ عَلى أنَّ لَهم عِنْدَ اللَّهِ قَدْرًا وقِيمَةً، فَهَذا يُفِيدُ أنَّ لَهم قَدْرًا عِنْدَ اللَّهِ وقَدْرًا عِنْدَ الرَّسُولِ وقَدْرًا عِنْدَ الخَلْقِ.
الثّامِنُ: المَلِكُ العَظِيمُ لا يُشاوِرُ في المُهِمّاتِ العَظِيمَةِ إلّا خَواصَّهُ والمُقَرَّبِينَ عِنْدَهُ، فَهَؤُلاءِ لَمّا أذْنَبُوا عَفا اللَّهُ عَنْهم، فَرُبَّما خَطَرَ بِبالِهِمْ أنَّ اللَّهَ تَعالى وإنْ عَفا عَنّا بِفَضْلِهِ إلّا أنَّهُ ما بَقِيَتْ لَنا تِلْكَ الدَّرَجَةُ العَظِيمَةُ، فَبَيَّنَ اللَّهُ تَعالى أنَّ تِلْكَ الدَّرَجَةَ ما انْتُقِصَتْ بَعْدَ التَّوْبَةِ، بَلْ أنا أزِيدُ فِيها، وذَلِكَ أنَّ قَبْلَ هَذِهِ الواقِعَةِ ما أمَرْتُ رَسُولِي بِمُشاوَرَتِكم، وبَعْدَ هَذِهِ الواقِعَةِ أمَرْتُهُ بِمُشاوَرَتِكم، لِتَعْلَمُوا أنَّكُمُ الآنَ أعْظَمُ حالًا مِمّا كُنْتُمْ قَبْلَ ذَلِكَ، والسَّبَبُ فِيهِ أنَّكم قَبْلَ هَذِهِ الواقِعَةِ كُنْتُمْ تُعَوِّلُونَ عَلى أعْمالِكم وطاعَتِكم، والآنَ تُعَوِّلُونَ عَلى فَضْلِي وعَفْوِي، فَيَجِبُ أنْ تَصِيرَ دَرَجَتُكم ومَنزِلَتُكُمُ الآنَ أعْظُمَ مِمّا كانَ قَبْلَ ذَلِكَ، لِتَعْلَمُوا أنَّ عَفْوِي أعْظَمُ مِن عَمَلِكم، وكَرَمِي أكْثَرُ مِن طاعَتِكم.
والوُجُوهُ الثَّلاثَةُ الأُوَلُ مَذْكُورَةٌ، والبَقِيَّةُ مِمّا خَطَرَ بِبالِي عِنْدَ هَذا المَوْضِعِ واللَّهُ أعْلَمُ بِمُرادِهِ وأسْرارِ كِتابِهِ.(p-٥٥)
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: اتَّفَقُوا عَلى أنَّ كُلَّ ما نَزَلَ فِيهِ وحْيٌ مِن عِنْدِ اللَّهِ لَمْ يَجُزْ لِلرَّسُولِ أنْ يُشاوِرَ فِيهِ الأُمَّةَ؛ لِأنَّهُ إذا جاءَ النَّصُّ بَطَلَ الرَّأْيُ والقِياسُ، فَأمّا ما لا نَصَّ فِيهِ فَهَلْ تَجُوزُ المُشاوَرَةُ فِيهِ في جَمِيعِ الأشْياءِ أمْ لا ؟ قالَ الكَلْبِيُّ وكَثِيرٌ مِنَ العُلَماءِ: هَذا الأمْرُ مَخْصُوصٌ بِالمُشاوَرَةِ في الحُرُوبِ وحُجَّتُهُ أنَّ الألِفَ واللّامَ في لَفْظِ ”الأمْرِ“ لَيْسا لِلِاسْتِغْراقِ، لَمّا بَيَّنَ أنَّ الَّذِي نَزَلَ فِيهِ الوَحْيُ لا تَجُوزُ المُشاوَرَةُ فِيهِ، فَوَجَبَ حَمْلُ الألِفِ واللّامِ هاهُنا عَلى المَعْهُودِ السّابِقِ، والمَعْهُودُ السّابِقُ في هَذِهِ الآيَةِ إنَّما هو ما يَتَعَلَّقُ بِالحَرْبِ ولِقاءِ العَدُوِّ، فَكانَ قَوْلُهُ: ﴿وشاوِرْهم في الأمْرِ﴾ مُخْتَصًّا بِذَلِكَ، ثُمَّ قالَ القائِلُونَ بِهَذا القَوْلِ: قَدْ أشارَ الحُبابُ بْنُ المُنْذِرِ يَوْمَ بَدْرٍ عَلى النَّبِيِّ ﷺ بِالنُّزُولِ عَلى الماءِ فَقَبِلَ مِنهُ، فَأشارَ عَلَيْهِ السَّعْدانُ: سَعْدُ بْنُ مُعاذٍ وسَعْدُ بْنُ عُبادَةَ، يَوْمَ الخَنْدَقِ بِتَرْكِ مُصالَحَةِ غَطَفانَ عَلى بَعْضِ ثِمارِ المَدِينَةِ لِيَنْصَرِفُوا، فَقَبِلَ مِنهُما وخَرَّقَ الصَّحِيفَةَ، ومِنهم مَن قالَ: اللَّفْظُ عامٌّ خُصَّ عَنْهُ ما نَزَلَ فِيهِ وحْيٌ فَتَبْقى حُجَّتُهُ في الباقِي، والتَّحْقِيقُ في القَوْلِ أنَّهُ تَعالى أمَرَ أُولِي الأبْصارِ بِالِاعْتِبارِ فَقالَ: ﴿فاعْتَبِرُوا ياأُولِي الأبْصارِ﴾ [الحَشْرِ: ٢] وكانَ عَلَيْهِ السَّلامُ سَيِّدَ أُولِي الأبْصارِ، ومَدَحَ المُسْتَنْبِطِينَ فَقالَ: ﴿لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنهُمْ﴾ [النِّساءِ: ٨٣] وكانَ أكْثَرَ النّاسِ عَقْلًا وذَكاءً، وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّهُ كانَ مَأْمُورًا بِالِاجْتِهادِ إذا لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ الوَحْيُ، والِاجْتِهادُ يَتَقَوّى بِالمُناظَرَةِ والمُباحَثَةِ فَلِهَذا كانَ مَأْمُورًا بِالمُشاوَرَةِ. وقَدْ شاوَرَهم يَوْمَ بَدْرٍ في الأُسارى وكانَ مِن أُمُورِ الدِّينِ، والدَّلِيلُ عَلى أنَّهُ لا يَجُوزُ تَخْصِيصُ النَّصِّ بِالقِياسِ أنَّ النَّصَّ كانَ لِعامَّةِ المَلائِكَةِ في سُجُودِ آدَمَ، ثُمَّ إنَّ إبْلِيسَ خَصَّ نَفْسَهُ بِالقِياسِ وهو قَوْلُهُ: ﴿خَلَقْتَنِي مِن نارٍ وخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ﴾ [الأعْرافِ: ١٢] فَصارَ مَلْعُونًا، فَلَوْ كانَ تَخْصِيصُ النَّصِّ بِالقِياسِ جائِزًا لَما اسْتَحَقَّ اللَّعْنَ بِهَذا السَّبَبِ.
المَسْألَةُ الرّابِعَةُ: ظاهِرُ الأمْرِ لِلْوُجُوبِ فَقَوْلُهُ: ﴿وشاوِرْهُمْ﴾ يَقْتَضِي الوُجُوبَ، وحَمَلَ الشّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ ذَلِكَ عَلى النَّدْبِ فَقالَ هَذا كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: ”«البِكْرُ تُسْتَأْمَرُ في نَفْسِها» “ ولَوْ أكْرَهَها الأبُ عَلى النِّكاحِ جازَ، لَكِنَّ الأوْلى ذَلِكَ تَطْيِيبًا لِنَفْسِها فَكَذا هاهُنا.
المَسْألَةُ الخامِسَةُ: رَوى الواحِدِيُّ في الوَسِيطِ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينارٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ قالَ: الَّذِي أُمِرَ النَّبِيُّ ﷺ بِمُشاوَرَتِهِ في هَذِهِ الآيَةِ أبُو بَكْرٍ وعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما، وعِنْدِي فِيهِ إشْكالٌ؛ لِأنَّ الَّذِينَ أمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ بِمُشاوَرَتِهِمْ في هَذِهِ الآيَةِ هُمُ الَّذِينَ أمَرَهُ بِأنْ يَعْفُوَ عَنْهم ويَسْتَغْفِرَ لَهم وهُمُ المُنْهَزِمُونَ، فَهَبْ أنَّ عُمَرَ كانَ مِنَ المُنْهَزِمِينَ فَدَخَلَ تَحْتَ الآيَةِ، إلّا أنَّ أبا بَكْرٍ ما كانَ مِنهم فَكَيْفَ يَدْخُلُ تَحْتَ هَذِهِ الآيَةِ ؟ واللَّهُ أعْلَمُ.
* * *
ثُمَّ قالَ: ﴿فَإذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلى اللَّهِ﴾ وفِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: المَعْنى أنَّهُ إذا حَصَلَ الرَّأْيُ المُتَأكَّدُ بِالمَشُورَةِ فَلا يَجِبُ أنْ يَقَعَ الِاعْتِمادُ عَلَيْهِ بَلْ يَجِبُ أنْ يَكُونَ الِاعْتِمادُ عَلى إعانَةِ اللَّهِ وتَسْدِيدِهِ وعِصْمَتِهِ، والمَقْصُودُ أنْ لا يَكُونَ لِلْعَبْدِ اعْتِمادٌ عَلى شَيْءٍ إلّا عَلى اللَّهِ في جَمِيعِ الأُمُورِ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: دَلَّتِ الآيَةُ عَلى أنَّهُ لَيْسَ التَّوَكُّلُ أنْ يُهْمِلَ الإنْسانُ نَفْسَهُ، كَما يَقُولُهُ بَعْضُ الجُهّالِ، وإلّا لَكانَ الأمْرُ بِالمُشاوَرَةِ مُنافِيًا لِلْأمْرِ بِالتَّوَكُّلِ، بَلِ التَّوَكُّلُ هو أنْ يُراعِيَ الإنْسانُ الأسْبابَ الظّاهِرَةَ، ولَكِنْ لا يُعَوِّلُ بِقَلْبِهِ عَلَيْها، بَلْ يُعَوِّلُ عَلى عِصْمَةِ الحَقِّ.
(p-٥٦)المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: حُكِيَ عَنْ جابِرِ بْنِ زَيْدٍ أنَّهُ قَرَأ ﴿فَإذا عَزَمْتَ﴾ بِضَمِّ التّاءِ، كَأنَّ اللَّهَ تَعالى قالَ لِلرَّسُولِ إذا عَزَمْتُ أنا فَتَوَكَّلْ، وهَذا ضَعِيفٌ مِن وجْهَيْنِ:
الأوَّلُ: وصْفُ اللَّهِ بِالعَزْمِ غَيْرُ جائِزٍ، ويُمْكِنُ أنْ يُقالَ: هَذا العَزْمُ بِمَعْنى الإيجابِ والإلْزامِ، والمَعْنى وشاوِرْهم في الأمْرِ، فَإذا عَزَمْتُ لَكَ عَلى شَيْءٍ وأرْشَدْتُكَ إلَيْهِ. فَتَوَكَّلْ عَلَيَّ، ولا تُشاوِرْ بَعْدَ ذَلِكَ أحَدًا.
والثّانِي: أنَّ القِراءَةَ الَّتِي لَمْ يَقْرَأْ بِها أحَدٌ مِنَ الصَّحابَةِ لا يَجُوزُ إلْحاقُها بِالقُرْآنِ، واللَّهُ أعْلَمُ.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُتَوَكِّلِينَ﴾ والغَرَضُ مِنهُ تَرْغِيبُ المُكَلَّفِينَ في الرُّجُوعِ إلى اللَّهِ تَعالى والإعْراضِ عَنْ كُلِّ ما سِوى اللَّهِ.
{"ayah":"فَبِمَا رَحۡمَةࣲ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمۡۖ وَلَوۡ كُنتَ فَظًّا غَلِیظَ ٱلۡقَلۡبِ لَٱنفَضُّوا۟ مِنۡ حَوۡلِكَۖ فَٱعۡفُ عَنۡهُمۡ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ وَشَاوِرۡهُمۡ فِی ٱلۡأَمۡرِۖ فَإِذَا عَزَمۡتَ فَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ یُحِبُّ ٱلۡمُتَوَكِّلِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق