الباحث القرآني
﴿فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهم ولَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ القَلْبِ لانْفَضُّوا مِن حَوْلِكَ فاعْفُ عَنْهم واسْتَغْفِرْ لَهم وشاوِرْهم في الأمْرِ فَإذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلى اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُتَوَكِّلِينَ﴾ .
الفاءُ لِلتَّفْرِيعِ عَلى ما اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الكَلامُ السّابِقُ الَّذِي حُكِيَ فِيهِ مُخالَفَةُ طَوائِفٍ لِأمْرِ الرَّسُولِ مِن مُؤْمِنِينَ ومُنافِقِينَ، وما حُكِيَ مِن عَفْوِ اللَّهِ عَنْهم فِيما صَنَعُوا. ولِأنَّ في تِلْكَ الواقِعَةِ المَحْكِيَّةِ بِالآياتِ السّابِقَةِ مَظاهِرَ كَثِيرَةً مِن لِينِ النَّبِيءِ ﷺ لِلْمُسْلِمِينَ، حَيْثُ اسْتَشارَهم في الخُرُوجِ، وحَيْثُ لَمْ يُثَرِّبْهم عَلى ما صَنَعُوا مِن مُغادَرَةِ مَراكِزِهِمْ، ولَمّا كانَ عَفْوُ اللَّهِ عَنْهم يُعْرَفُ في مُعامَلَةِ الرَّسُولِ إيّاهم، ألانَ اللَّهُ لَهُمُ الرَّسُولَ تَحْقِيقًا لِرَحْمَتِهِ وعَفْوِهِ، فَكانَ المَعْنى: ولَقَدْ عَفا اللَّهُ عَنْهم بِرَحْمَتِهِ فَلانَ لَهُمُ الرَّسُولُ بِإذْنِ اللَّهِ وتَكْوِينِهِ إيّاهُ راحِمًا، قالَ تَعالى وما أرْسَلْناكَ إلّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ.
والباءُ لِلْمُصاحَبَةِ، أيْ لِنْتَ مَعَ رَحْمَةِ اللَّهِ: إذْ كانَ لِينُهُ في ذَلِكَ كُلِّهِ لِينًا لا تَفْرِيطَ مَعَهُ لِشَيْءٍ مِن مَصالِحِهِمْ، ولا مُجاراةً لَهم في التَّساهُلِ في أمْرِ الدِّينِ، فَلِذَلِكَ كانَ حَقِيقًا بِاسْمِ الرَّحْمَةِ.
وتَقْدِيمُ المَجْرُورِ مُفِيدٌ لِلْحَصْرِ الإضافِيِّ، أيْ: بِرَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لا بِغَيْرِ ذَلِكَ مِن أحْوالِهِمْ، وهَذا القَصْرُ مُفِيدٌ التَّعْرِيضَ بِأنَّ أحْوالَهم كانَتْ مُسْتَوْجِبَةً الغِلَظَ عَلَيْهِمْ، ولَكِنَّ اللَّهَ ألانَ خُلُقَ رَسُولِهِ رَحْمَةً بِهِمْ، لِحِكْمَةٍ عَلِمَها اللَّهُ في سِياسَةِ هَذِهِ الأُمَّةِ.
وزِيدَتْ (ما) بَعْدَ باءِ الجَرِّ لِتَأْكِيدِ الجُمْلَةِ بِما فِيها مِنَ القَصْرِ، فَتَعَيَّنَ بِزِيادَةِ كَوْنِ التَّقْدِيمِ لِلْحَصْرِ، لا لِمُجَرَّدِ الِاهْتِمامِ، ونُبِّهَ عَلَيْهِ في الكَشّافِ.
(p-١٤٥)واللِّينُ هُنا مَجازٌ في سِعَةِ الخَلْقِ مَعَ أُمَّةِ الدَّعْوَةِ والمُسْلِمِينَ، وفي الصَّفْحِ عَنْ جَفاءِ المُشْرِكِينَ، وإقالَةِ العَثَراتِ. ودَلَّ فِعْلُ المُضِيِّ في قَوْلِهِ لِنْتَ عَلى أنَّ ذَلِكَ وصْفٌ تَقَرَّرَ وعُرِفَ مِن خُلُقِهِ، وأنَّ فِطْرَتَهُ عَلى ذَلِكَ بِرَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ إذْ خَلَقَهُ كَذَلِكَ و(﴿اللَّهُ أعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالاتِهِ﴾ [الأنعام: ١٢٤])، فَخُلُقُ الرَّسُولِ مُناسِبٌ لِتَحْقِيقِ حُصُولِ مُرادِ اللَّهِ تَعالى مِن إرْسالِهِ، لِأنَّ الرَّسُولَ يَجِيءُ بِشَرِيعَةٍ يُبَلِّغُها عَنِ اللَّهِ تَعالى، فالتَّبْلِيغُ مُتَعَيَّنٌ لا مُصانَعَةَ فِيهِ، ولا يَتَأثَّرُ بِخُلُقِ الرَّسُولِ، وهو أيْضًا مَأْمُورٌ بِسِياسَةِ أُمَّتِهِ بِتِلْكَ الشَّرِيعَةِ، وتَنْفِيذِها فِيهِمْ، وهَذا عَمَلٌ لَهُ ارْتِباطٌ قَوِيٌّ بِمُناسَبَةِ خُلُقِ الرَّسُولِ لِطِباعِ أُمَّتِهِ حَتّى يُلائِمَ خُلُقَهُ الوَسائِلُ المُتَوَسَّلُ بِها لِحَمْلِ أُمَّتِهِ عَلى الشَّرِيعَةِ النّاجِحَةِ في البُلُوغِ بِهِمْ إلى مُرادِ اللَّهِ تَعالى مِنهم.
أُرْسِلَ مُحَمَّدٌ ﷺ مَفْطُورًا عَلى الرَّحْمَةِ، فَكانَ رَحْمَةً مِنَ اللَّهِ بِالأُمَّةِ في تَنْفِيذِ شَرِيعَتِهِ بِدُونِ تَساهُلٍ، وبِرِفْقٍ وإعانَةٍ عَلى تَحْصِيلِها، فَلِذَلِكَ جُعِلَ لِينُهُ مُصاحِبًا لِرَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ أوْدَعَها اللَّهُ فِيهِ، إذْ هو بُعِثَ لِلنّاسِ كافَّةً، ولَكِنِ اخْتارَ اللَّهُ أنْ تَكُونَ دَعْوَتُهُ بَيْنَ العَرَبِ أوَّلَ شَيْءٍ لِحِكْمَةٍ أرادَها اللَّهُ تَعالى في أنْ يَكُونَ العَرَبُ هم مُبَلِّغِي الشَّرِيعَةِ لِلْعالَمِ.
والعَرَبُ أُمَّةٌ عُرِفَتْ بِالأنَفَةِ، وإباءِ الضَّيْمِ، وسَلامَةِ الفِطْرَةِ. وسُرْعَةِ الفَهْمِ، وهُمُ المُتَلَقُّونَ الأوَّلُونَ لِلدِّينِ فَلَمْ تَكُنْ تَلِيقُ بِهِمُ الشِّدَّةُ والغِلْظَةُ، ولَكِنَّهم مُحْتاجُونَ إلى اسْتِنْزالِ طائِرِهِمْ في تَبْلِيغِ الشَّرِيعَةِ لَهم، لِيَتَجَنَّبُوا بِذَلِكَ المُكابَرَةَ الَّتِي هي الحائِلُ الوَحِيدُ بَيْنَهم وبَيْنَ الإذْعانِ إلى الحَقِّ. ووَرَدَ أنَّ صَفْحَ النَّبِيءِ ﷺ وعَفْوَهُ ورَحْمَتَهُ كانَ سَبَبًا في دُخُولِ كَثِيرٍ في الإسْلامِ، كَما ذَكَرَ بَعْضُ ذَلِكَ عِياضٌ في كِتابِ الشِّفاءِ.
فَضَمِيرُ لَهم عائِدٌ عَلى جَمِيعِ الأُمَّةِ كَما هو مُقْتَضى مَقامِ التَّشْرِيعِ وسِياسَةِ الأُمَّةِ، ولَيْسَ عائِدًا عَلى المُسْلِمِينَ الَّذِينَ عَصَوْا أمْرَ الرَّسُولِ يَوْمَ أُحُدٍ، لِأنَّهُ لا يُناسِبُ قَوْلَهُ بَعْدَهُ لانْفَضُّوا مِن حَوْلِكَ إذْ لا يُظَنُّ ذَلِكَ بِالمُسْلِمِينَ، ولِأنَّهُ لا يُناسِبُ قَوْلَهُ بَعْدَهُ وشاوِرْهم في الأمْرِ إذا كانَ المُرادُ المُشاوَرَةَ (p-١٤٦)لِلِاسْتِعانَةِ بِآرائِهِمْ، بَلِ المَعْنى: لَوْ كُنْتَ فَظًّا لَنَفَرَكَ كَثِيرٌ مِمَّنِ اسْتَجابَ لَكَ فَهَلَكُوا، أوْ يَكُونُ الضَّمِيرُ عائِدًا عَلى المُنافِقِينَ المُعَبَّرِ عَنْهم بِقَوْلِهِ وطائِفَةٌ قَدْ أهَمَّتْهم أنْفُسُهم فالمَعْنى: ولَوْ كُنْتَ فَظًّا لَأعْلَنُوا الكُفْرَ وتَفَرَّقُوا عَنْكَ، ولَيْسَ المُرادُ أنَّكَ لِنْتَ لَهم في وقْعَةِ أُحُدٍ خاصَّةً، لِأنَّ قَوْلَهُ بَعْدَهُ ولَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ القَلْبِ لانْفَضُّوا مِن حَوْلِكَ إلَخْ يُنافِي ذَلِكَ المَحْمَلَ.
والفَظُّ: السَّيِّئُ الخُلُقِ، الجافِي الطَّبْعِ.
والغَلِيظُ القَلْبِ: القاسِيهِ، إذِ الغِلْظَةُ مَجازٌ عَنِ القَسْوَةِ وقِلَّةِ التَّسامُحِ، كَما كانَ اللِّينُ مَجازًا في عَكْسِ ذَلِكَ، وقالَتْ جَوارِي الأنْصارِ لِعُمَرَ - حِينَ انْتَهَرَهُنَّ - (أنْتَ أفَظُّ وأغْلَظُ مِن رَسُولِ اللَّهِ) يُرِدْنَ أنْتَ فَظٌّ وغَلِيظٌ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ.
والِانْفِضاضُ: التَّفَرُّقُ. و(مِن حَوْلِكَ) أيْ مِن جِهَتِكَ وإزائِكَ، يُقالُ: حَوْلَهُ وحَوالَيْهِ وحَوْلَيْهِ وحَوالِهِ وبِحِيالِهِ. والضَّمِيرُ لِلَّذِينَ حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ، أيِ الَّذِينَ دَخَلُوا في الدِّينِ لِأنَّهم لا يُطِيقُونَ الشِّدَّةَ، والكَلامُ تَمْثِيلٌ: شُبِّهَتْ هَيْئَةُ النُّفُورِ مِنهُ وكَراهِيَةُ الدُّخُولِ في دِينِهِ بِالِانْفِضاضِ مِن حَوْلِهِ أيِ الفِرارِ عَنْهُ مُتَفَرِّقِينَ، وهو يُؤْذِنُ بِأنَّهم حَوْلَهُ أيْ مُتَّبِعُونَ لَهُ.
والتَّفْرِيعُ في قَوْلِهِ فاعْفُ عَنْهم عَلى قَوْلِهِ لِنْتَ لَهم. الآيَةَ، لِأنَّ جَمِيعَ الأفْعالِ المَأْمُورِ بِها مُناسِبٌ لِلِّينِ، فَأمّا العَفْوُ والِاسْتِغْفارُ فَأمْرُهُما ظاهِرٌ، وأمّا عَطْفُ وشاوِرْهم فَلِأنَّ الخُرُوجَ إلى أُحُدٍ كانَ عَنْ تَشاوُرٍ مَعَهم وإشارَتِهِمْ، ويَشْمَلُ هَذا الضَّمِيرُ جَمِيعَ الَّذِينَ لانَ لَهم ﷺ وهم أصْحابُهُ الَّذِينَ حَوْلَهُ سَواءٌ مَن صَدَرَ مِنهم أمْرٌ يَوْمَ أُحُدٍ وغَيْرُهم.
والمُشاوَرَةُ مَصْدَرُ شاوَرَ، والِاسْمُ الشُّورى والمَشُورَةُ - بِفَتْحِ المِيمِ وضَمِّ الشِّينِ - أصْلُها مَفْعُلَةٌ - بِضَمِّ العَيْنِ، فَوَقَعَ فِيها نَقْلُ حَرَكَةِ الواوِ إلى السّاكِنِ - .
قِيلَ: المُشاوَرَةُ مُشْتَقَّةٌ مِن شارَ الدّابَّةَ إذا اخْتَبَرَ جَرْيَها عِنْدَ العَرْضِ عَلى المُشْتَرِي، وفِعْلُ شارَ الدّابَّةَ مُشْتَقٌّ مِنَ المِشْوارِ وهو المَكانُ الَّذِي تَرْكُضُ فِيهِ الدَّوابُّ. وأصْلُهُ (p-١٤٧)مُعَرَّبُ (نَشْخُوارْ) بِالفارِسِيَّةِ وهو ما تُبْقِيهِ الدّابَّةُ مِن عَلَفِها، وقِيلَ: مُشْتَقَّةٌ مِن شارَ العَسَلَ أيْ مِنَ الوَقْبَةِ لِأنَّ بِها يُسْتَخْرَجُ الحَقُّ والصَّوابُ، وإنَّما تَكُونُ في الأمْرِ المُهِمِّ المُشْكِلِ مِن شُئُونِ المَرْءِ في نَفْسِهِ أوْ شُئُونِ القَبِيلَةِ أوْ شُئُونِ الأُمَّةِ.
و(ال) في الأمْرِ لِلْجِنْسِ، والمُرادُ بِالأمْرِ المُهِمُّ الَّذِي يُؤْتَمَرُ لَهُ، ومِنهُ قَوْلُهم: أمْرٌ أمِرٌ، وقالَ أبُو سُفْيانَ لِأصْحابِهِ - في حَدِيثِ هِرَقْلَ - لَقَدْ أمِرَ أمْرُ ابْنُ أبِي كَبْشَةَ، إنَّهُ يَخافُهُ مَلِكُ بَنِي الأصْفَرِ. وقِيلَ: أُرِيدَ بِالأمْرِ أمْرُ الحَرْبِ فاللّامُ لِلْعَهْدِ.
وظاهِرُ الأمْرِ أنَّ المُرادَ المُشاوَرَةُ الحَقِيقِيَّةُ الَّتِي يُقْصَدُ مِنها الِاسْتِعانَةُ بِرَأْيِ المُسْتَشارِينَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ عَقِبَهُ فَإذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلى اللَّهِ فَضَمِيرُ الجَمْعِ في قَوْلِهِ وشاوِرْهم عائِدٌ عَلى المُسْلِمِينَ خاصَّةً: أيْ شاوِرِ الَّذِينَ أسْلَمُوا مِن بَيْنِ مَن لِنْتَ لَهم، أيْ لا يَصُدُّكَ خَطَلُ رَأْيِهِمْ فِيما بَدا مِنهم يَوْمَ أُحُدٍ عَنْ أنْ تَسْتَعِينَ بِرَأْيِهِمْ في مَواقِعَ أُخْرى، فَإنَّما كانَ ما حَصَلَ فَلْتَةً مِنهم، وعَثْرَةً قَدْ أقَلْتُهم مِنها.
ويُحْتَمَلُ أنْ يُرادَ اسْتِشارَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وأصْحابِهِ، فالمُرادُ الأخْذُ بِظاهِرِ أحْوالِهِمْ وتَأْلِيفِهِمْ، لَعَلَّهم أنْ يُخْلِصُوا الإسْلامَ أوْ لا يَزِيدُوا نِفاقًا، وقَطْعًا لِأعْذارِهِمْ فِيما يُسْتَقْبَلُ.
وقَدْ دَلَّتِ الآيَةُ عَلى أنَّ الشُّورى مَأْمُورٌ بِها الرَّسُولُ ﷺ فِيما عَبَّرَ عَنْهُ بِ (الأمْرِ) وهو مُهِمّاتُ الأُمَّةِ ومَصالِحُها في الحَرْبِ وغَيْرِهِ، وذَلِكَ في غَيْرِ أمْرِ التَّشْرِيعِ لِأنَّ الأمْرَ إنْ كانَ فِيهِ وحْيٌ فَلا مَحِيدَ عَنْهُ، وإنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ وحْيٌ وقُلْنا بِجَوازِ الِاجْتِهادِ لِلنَّبِيءِ ﷺ في التَّشْرِيعِ فَلا تَدْخُلُ فِيهِ الشُّورى لِأنَّ شَأْنَ الِاجْتِهادِ أنْ يَسْتَنِدَ إلى الأدِلَّةِ لا لِلْآراءِ، والمُجْتَهِدُ لا يَسْتَشِيرُ غَيْرَهُ إلّا عِنْدَ القَضاءِ بِاجْتِهادِهِ كَما فَعَلَ عُمَرُ وعُثْمانُ.
فَتَعَيَّنَ أنَّ المُشاوَرَةَ المَأْمُورَ بِها هُنا هي المُشاوَرَةُ في شُئُونِ الأُمَّةِ ومَصالِحِها، وقَدْ أمَرَ اللَّهُ بِها هُنا ومَدَحَها في ذِكْرِ الأنْصارِ في قَوْلِهِ تَعالى وأمْرُهم شُورى بَيْنَهم (p-١٤٨)واشْتَرَطَها في أمْرِ العائِلَةِ فَقالَ فَإنْ أرادا فِصالًا عَنْ تَراضٍ مِنهُما وتَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما. فَشَرَعَ بِهاتِهِ الآياتِ المُشاوَرَةَ في مَراتِبِ المَصالِحِ كُلِّها: وهي مَصالِحُ العائِلَةِ ومَصالِحِ القَبِيلَةِ أوِ البَلَدِ، ومَصالِحِ الأُمَّةِ.
واخْتَلَفَ العُلَماءُ في مَدْلُولِ قَوْلِهِ وشاوِرْهم هَلْ هو لِلْوُجُوبِ أوْ لِلنَّدْبِ، وهَلْ هو خاصٌّ بِالرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ -، أوْ عامٌّ لَهُ ولِوُلاةِ أُمُورِ الأُمَّةِ كُلِّهِمْ.
فَذَهَبَ المالِكِيَّةُ إلى الوُجُوبِ والعُمُومِ، قالَ ابْنُ خُوَيْزِ مَندادُ: واجِبٌ عَلى الوُلاةِ المُشاوَرَةُ، فَيُشاوِرُونَ العُلَماءَ فِيما يُشْكِلُ مِن أُمُورِ الدِّينِ، ويُشاوِرُونَ وُجُوهَ الجَيْشِ فِيما يَتَعَلَّقُ بِالحَرْبِ، ويُشاوِرُونَ وُجُوهَ النّاسِ فِيما يَتَعَلَّقُ بِمَصالِحِهِمْ، ويُشاوِرُونَ وُجُوهَ الكُتّابِ والعُمّالِ والوُزَراءِ فِيما يَتَعَلَّقُ بِمَصالِحِ البِلادِ وعِمارَتِها. وأشارَ ابْنُ العَرَبِيِّ إلى وُجُوبِها بِأنَّها سَبَبٌ لِلصَّوابِ فَقالَ: والشُّورى مِسْبارُ العَقْلِ وسَبَبُ الصَّوابِ. يُشِيرُ إلى أنَّنا مَأْمُورُونَ بِتَحَرِّي الصَّوابِ في مَصالِحِ الأُمَّةِ، وما يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الواجِبُ فَهو واجِبٌ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: الشُّورى مِن قَواعِدِ الشَّرِيعَةِ وعَزائِمِ الأحْكامِ، ومَن لا يَسْتَشِيرُ أهْلَ العِلْمِ والدِّينِ فَعَزْلُهُ واجِبٌ. وهَذا ما لا اخْتِلافَ فِيهِ. واعْتَرَضَ عَلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ قَوْلَهُ: فَعَزْلُهُ واجِبٌ، ولَمْ يَعْتَرِضْ كَوْنَها واجِبَةً، إلّا أنَّ ابْنَ عَطِيَّةَ ذَكَرَ ذَلِكَ جازِمًا بِهِ وابْنُ عَرَفَةَ اعْتَرَضَهُ بِالقِياسِ عَلى قَوْلِ عُلَماءِ الكَلامِ بِعَدَمِ عَزْلِ الأمِيرِ إذا ظَهَرَ فِسْقُهُ، يَعْنِي ولا يَزِيدُ تَرْكُ الشُّورى عَلى كَوْنِهِ تَرْكُ واجِبٍ فَهو فِسْقٌ. وقُلْتُ: مَن حَفِظَ حُجَّةٌ عَلى مَن لَمْ يَحْفَظْ، وإنَّ القِياسَ فِيهِ فارِقٌ مُعْتَبَرٌ فَإنَّ الفِسْقَ مَضَرَّتُهُ قاصِرَةٌ عَلى النَّفْسِ وتَرْكُ التَّشاوُرِ تَعْرِيضٌ بِمَصالِحِ المُسْلِمِينَ لِلْخَطَرِ والفَواتِ، ومَحْمَلُ الأمْرِ عِنْدَ المالِكِيَّةِ لِلْوُجُوبِ والأصْلُ عِنْدَهم عَدَمُ الخُصُوصِيَّةِ في التَّشْرِيعِ إلّا لِدَلِيلٍ.
وعَنِ الشّافِعِيِّ أنَّ هَذا لِلِاسْتِحْبابِ، ولِتَقْتَدِيَ بِهِ الأُمَّةُ، وهو عامٌّ لِلرَّسُولِ وغَيْرِهِ، تَطْيِيبًا لِنُفُوسِ أصْحابِهِ ورَفْعًا لِأقْدارِهِمْ، ورُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ قَتادَةَ، والرَّبِيعِ، وابْنِ إسْحاقَ. ورَدَّ هَذا أبُو بَكْرٍ أحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الرّازِيُّ الحَنَفِيُّ المَشْهُورُ بِالجَصّاصِ بِقَوْلِهِ: لَوْ كانَ مَعْلُومًا عِنْدَهم أنَّهم إذا اسْتَفْرَغُوا (p-١٤٩)جُهْدَهم في اسْتِنْباطِ الصَّوابِ عَمّا سُئِلُوا عَنْهُ، ثُمَّ لَمْ يَكُنْ مَعْمُولًا بِهِ، لَمْ يَكُنْ في ذَلِكَ تَطْيِيبٌ لِنُفُوسِهِمْ ولا رَفْعٌ لِأقْدارِهِمْ، بَلْ فِيهِ إيحاشُهم فالمُشاوَرَةُ لَمْ تُفِدْ شَيْئًا فَهَذا تَأْوِيلٌ ساقِطٌ. وقالَ النَّوَوِيُّ، في صَدْرِ كِتابِ الصَّلاةِ مِن شَرْحِ مُسْلِمٍ: الصَّحِيحُ عِنْدَهم وُجُوبُها وهو المُخْتارُ. وقالَ الفَخْرُ: ظاهِرُ الأمْرِ أنَّهُ لِلْوُجُوبِ. ولَمْ يَنْسِبِ العُلَماءُ لِلْحَنَفِيَّةِ قَوْلًا في هَذا الأمْرِ إلّا أنَّ الجَصّاصَ قالَ في كِتابِهِ أحْكامِ القُرْآنِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى وأمْرُهم شُورى بَيْنَهم: هَذا يَدُلُّ عَلى جَلالَةِ مَوْقِعِ المَشُورَةِ لِذِكْرِها مَعَ الإيمانِ وإقامَةِ الصَّلاةِ ويَدُلُّ عَلى أنَّنا مَأْمُورُونَ بِها. ومَجْمُوعُ كَلامَيِ الجَصّاصِ يَدُلُّ أنَّ مَذْهَبَ أبِي حَنِيفَةَ وُجُوبُها.
ومِنَ السَّلَفِ مَن ذَهَبَ إلى اخْتِصاصِ الوُجُوبِ بِالنَّبِيءِ ﷺ قالَهُ الحَسَنُ وسُفْيانُ، وإنَّما أُمِرَ بِها لِيَقْتَدِيَ بِهِ غَيْرُهُ وتَشِيعَ في أُمَّتِهِ وذَلِكَ فِيما لا وحْيَ فِيهِ. وقَدِ اسْتَشارَ النَّبِيءُ ﷺ أصْحابَهُ في الخُرُوجِ لِبَدْرٍ، وفي الخُرُوجِ إلى أُحُدٍ، وفي شَأْنِ الأسْرى يَوْمَ بَدْرٍ، واسْتَشارَ عُمُومَ الجَيْشِ في رَدِّ سَبْيِ هَوازِنَ.
والظّاهِرُ أنَّها لا تَكُونُ في الأحْكامِ الشَّرْعِيَّةِ لِأنَّ الأحْكامَ إنْ كانَتْ بِوَحْيٍ فَظاهِرٌ، وإنْ كانَتِ اجْتِهادِيَّةً، بِناءً عَلى جَوازِ الِاجْتِهادِ لِلنَّبِيءِ ﷺ في الأُمُورِ الشَّرْعِيَّةِ، فالِاجْتِهادُ إنَّما يَسْتَنِدُ لِلْأدِلَّةِ لا لِلْآراءِ وإذا كانَ المُجْتَهِدُ مِن أُمَّتِهِ لا يَسْتَشِيرُ في اجْتِهادِهِ، فَكَيْفَ تَجِبُ الِاسْتِشارَةُ عَلى النَّبِيءِ ﷺ مَعَ أنَّهُ لَوِ اجْتَهَدَ وقُلْنا بِجَوازِ الخَطَإ عَلَيْهِ فَإنَّهُ لا يُقَرُّ عَلى خَطَإٍ بِاتِّفاقِ العُلَماءِ. ولَمْ يَزَلْ مِن سُنَّةِ خُلَفاءِ العَدْلِ اسْتِشارَةُ أهْلِ الرَّأْيِ في مَصالِحِ المُسْلِمِينَ، قالَ البُخارِيُّ في كِتابِ الِاعْتِصامِ مِن صَحِيحِهِ وكانَتِ الأئِمَّةُ بَعْدَ النَّبِيءِ ﷺ يَسْتَشِيرُونَ الأُمَناءَ مِن أهْلِ العِلْمِ، وكانَ القُرّاءُ أصْحابَ مَشُورَةِ عُمَرَ: كُهُولًا كانُوا أوْ شُبّانًا، وكانَ وقّافًا عِنْدَ كِتابِ اللَّهِ. وأخْرَجَ الخَطِيبُ «عَنْ عَلِيٍّ قالَ: قُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ الأمْرُ يَنْزِلُ بَعْدَكَ لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ القُرْآنُ ولَمْ يُسْمَعْ مِنكَ فِيهِ شَيْءٌ قالَ: اجْمَعُوا لَهُ العابِدَ مِن أُمَّتِي واجْعَلُوهُ بَيْنَكم شُورى ولا تَقْضُوهُ بِرَأْيٍ واحِدٍ» . واسْتَشارَ أبُو (p-١٥٠)بَكْرٍ في قِتالِ أهْلِ الرِّدَّةِ، وتَشاوَرَ الصَّحابَةُ في أمْرِ الخَلِيفَةِ بَعْدَ وفاةِ النَّبِيءِ ﷺ، وجَعَلَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الأمْرَ شُورى بَعْدَهُ في سِتَّةٍ عَيَّنَهم، وجَعَلَ مُراقَبَةَ الشُّورى لِخَمْسِينَ مِنَ الأنْصارِ، وكانَ عُمَرُ يَكْتُبُ لِعُمّالِهِ يَأْمُرُهم بِالتَّشاوُرِ، ويَتَمَثَّلُ لَهم في كُتُبِهِ بِقَوْلِ الشّاعِرِ - لَمْ أقِفْ عَلى اسْمِهِ -:
؎خَلِيلَيَّ لَيْسَ الرَّأْيُ في صَدْرِ واحِدٍ أشِيرا عَلَيَّ بِالَّذِي تَرَيانِ
هَذا والشُّورى مِمّا جَبَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ الإنْسانَ في فِطْرَتِهِ السَّلِيمَةِ أيْ فَطَرَهُ عَلى مَحَبَّةِ الصَّلاحِ وتَطَلُّبِ النَّجاحِ في المَساعِي، ولِذَلِكَ قَرَنَ اللَّهُ تَعالى خَلْقَ أصْلِ البَشَرِ بِالتَّشاوُرِ في شَأْنِهِ إذْ قالَ لِلْمَلائِكَةِ إنِّي جاعِلٌ في الأرْضِ خَلِيفَةً، إذْ قَدْ غَنِيَ اللَّهُ عَنْ إعانَةِ المَخْلُوقاتِ في الرَّأْيِ ولَكِنَّهُ عَرَضَ عَلى المَلائِكَةِ مُرادَهُ لِيَكُونَ التَّشاوُرُ سُنَّةً في البَشَرِ ضَرُورَةَ أنَّهُ مُقْتَرِنٌ بِتَكْوِينِهِ، فَإنَّ مُقارَنَةَ الشَّيْءِ لِلشَّيْءِ في أصْلِ التَّكْوِينِ يُوجِبُ إلْفَهُ وتَعارُفَهُ. ولَمّا كانَتِ الشُّورى مَعْنًى مِنَ المَعانِي لا ذاتَ لَها في الوُجُودِ جَعَلَ اللَّهُ إلْفَها لِلْبَشَرِ بِطَرِيقَةِ المُقارَنَةِ في وقْتِ التَّكْوِينِ. ولَمْ تَزَلِ الشُّورى في أطْوارِ التّارِيخِ رائِجَةً في البَشَرِ فَقَدِ اسْتَشارَ فِرْعَوْنُ في شَأْنِ مُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - فِيما حَكى اللَّهُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ فَماذا تَأْمُرُونَ. واسْتَشارَتْ بِلْقِيسُ في شَأْنِ سُلَيْمانَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - فِيما حَكى اللَّهُ عَنْها بِقَوْلِهِ ﴿قالَتْ يا أيُّها المَلَأُ أفْتُونِي في أمْرِي ما كُنْتُ قاطِعَةً أمْرًا حَتّى تَشْهَدُونِ﴾ [النمل: ٣٢] وإنَّما يُلْهِي النّاسَ عَنْها حُبُّ الِاسْتِبْدادِ، وكَراهِيَةُ سَماعِ ما يُخالِفُ الهَوى، وذَلِكَ مِنَ انْحِرافِ الطَّبائِعِ ولَيْسَ مِن أصْلِ الفِطْرَةِ، ولِذَلِكَ يُهْرَعُ المُسْتَبِدُّ إلى الشُّورى عِنْدَ المَضائِقِ. قالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ في بَهْجَةِ المَجالِسِ: الشُّورى مَحْمُودَةٌ عِنْدَ عامَّةِ العُلَماءِ ولا أعْلَمُ أحَدًا رَضِيَ الِاسْتِبْدادَ إلّا رَجُلٌ مَفْتُونٌ مُخادِعٌ لِمَن يَطْلُبُ عِنْدَهُ فائِدَةً، أوْ رَجُلٌ فاتِكٌ يُحاوِلُ حِينَ الغَفْلَةِ، وكِلا الرَّجُلَيْنِ فاسِقٌ. ومَثَلُ أوَّلِهُما قَوْلُ عُمَرَ بْنِ أبِي رَبِيعَةَ:
؎واسْتَبَدَّتْ مَرَّةً واحِدَةً ∗∗∗ إنَّما العاجِزُ مَن لا يَسْتَبِدْ
ومَثَلُ ثانِيهِما قَوْلُ سَعْدِ بْنِ ناشِبٍ: (p-١٥١)
؎إذا هَمَّ ألْقى بَيْنَ عَيْنَيْهِ عَزْمَهُ ∗∗∗ ونَكَّبَ عَنْ ذِكْرِ العَواقِبِ جانِبا
؎ولَمْ يَسْتَشِرْ في أمْرِهِ غَيْرَ نَفْسِهِ ∗∗∗ ولَمْ يَرْضَ إلّا قائِمَ السَّيْفِ صاحِبا
ومِن أحْسَنِ ما قِيلَ في الشُّورى قَوْلُ بَشّارِ بْنِ بُرْدٍ:
؎إذا بَلَغَ الرَّأْيُ المَشُورَةَ فاسْتَعِنْ ∗∗∗ بِحَزْمِ نَصِيحٍ أوْ نَصِيحَةِ حازِمِ
؎ولا تَحْسَبِ الشُّورى عَلَيْكَ غَضاضَةً ∗∗∗ مَكانُ الخَوافِي قُوَّةٌ لِلْقَوادِمِ
وهِيَ أبْياتٌ كَثِيرَةٌ مُثْبَتَةٌ في كُتُبِ الأدَبِ.
وقَوْلُهُ ﴿فَإذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلى اللَّهِ﴾ العَزْمُ هو تَصْمِيمُ الرَّأْيِ عَلى الفِعْلِ. وحُذِفَ مُتَعَلِّقُ عَزَمْتَ لِأنَّهُ دَلَّ عَلَيْهِ التَّفْرِيعُ عَنْ قَوْلِهِ وشاوِرْهم في الأمْرِ، فالتَّقْدِيرُ فَإذا عَزَمْتَ عَلى الأمْرِ. وقَدْ ظَهَرَ مِنَ التَّفْرِيعِ أنَّ المُرادَ: فَإذا عَزَمْتَ بَعْدَ الشُّورى أيْ تَبَيَّنَ لَكَ وجْهُ السَّدادِ فِيما يَجِبُ أنْ تَسْلُكَهُ فَعَزَمْتَ عَلى تَنْفِيذِهِ سَواءٌ كانَ عَلى وفْقِ بَعْضِ آراءِ أهْلِ الشُّورى أمْ كانَ رَأْيًا آخَرَ لاحَ لِلرَّسُولِ سَدادُهُ فَقَدْ يَخْرُجُ مِن آراءِ أهْلِ الشُّورى رَأْيٌ، وفي المَثَلِ (ما بَيْنَ الرَّأْيَيْنِ رَأْيٌ) .
وقَوْلُهُ فَتَوَكَّلْ عَلى اللَّهِ التَّوَكُّلُ حَقِيقَتُهُ الِاعْتِمادُ، وهو هُنا مَجازٌ في الشُّرُوعِ في الفِعْلِ مَعَ رَجاءِ السَّدادِ فِيهِ مِنَ اللَّهِ، وهو شَأْنُ أهْلِ الإيمانِ، فالتَّوَكُّلُ انْفِعالٌ قَلْبِيٌّ عَقْلِيٌّ يَتَوَجَّهُ بِهِ الفاعِلُ إلى اللَّهِ راجِيًا الإعانَةَ ومُسْتَعِيذًا مِنَ الخَيْبَةِ والعَوائِقِ، ورُبَّما رافَقَهُ قَوْلٌ لِسانِيٌّ وهو الدُّعاءُ بِذَلِكَ. وبِذَلِكَ يَظْهَرُ أنَّ قَوْلَهُ فَتَوَكَّلْ عَلى اللَّهِ دَلِيلٌ عَلى جَوابِ إذا، وفَرْعٌ عَنْهُ، والتَّقْدِيرُ: فَإذا عَزَمْتَ فَبادِرْ ولا تَتَأخَّرْ وتَوَكَّلْ عَلى اللَّهِ، لِأنَّ لِلتَّأخُّرِ آفاتٍ، والتَّرَدُّدُ يُضَيِّعُ الأوْقاتِ، ولَوْ كانَ التَّوَكُّلُ هو جَوابُ إذا لَما كانَ لِلشُّورى فائِدَةٌ لِأنَّ الشُّورى كَما عَلِمْتَ لِقَصْدِ اسْتِظْهارِ أنْفَعِ الوَسائِلِ لِحُصُولِ الفِعْلِ المَرْغُوبِ عَلى أحْسَنِ وجْهٍ وأقْرَبِهِ، فَإنَّ القَصْدَ مِنها العَمَلُ بِما يَتَّضِحُ مِنها، ولَوْ كانَ المُرادُ حُصُولَ التَّوَكُّلِ مِن أوَّلِ خُطُورِ الخاطِرِ، لَما كانَ لِلْأمْرِ بِالشُّورى مِن فائِدَةٍ. وهَذِهِ الآيَةُ أوْضَحُ آيَةٍ في الإرْشادِ إلى مَعْنى التَّوَكُّلِ الَّذِي حَرَّفَ القاصِرُونَ ومَن كانَ عَلى شاكِلَتِهِمْ مَعْناهُ، فَأفْسَدُوا هَذا الدِّينَ مِن مَبْناهُ.
(p-١٥٢)وقَوْلُهُ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُتَوَكِّلِينَ لِأنَّ التَّوَكُّلَ عَلامَةُ صِدْقِ الإيمانِ، وفِيهِ مُلاحَظَةُ عَظَمَةِ اللَّهِ وقُدْرَتِهِ، واعْتِقادُ الحاجَةِ إلَيْهِ، وعَدَمُ الِاسْتِغْناءِ عَنْهُ، وهَذا أدَبٌ عَظِيمٌ مَعَ الخالِقِ يَدُلُّ عَلى مَحَبَّةِ العَبْدِ رَبَّهُ فَلِذَلِكَ أحَبَّهُ اللَّهُ.
{"ayah":"فَبِمَا رَحۡمَةࣲ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمۡۖ وَلَوۡ كُنتَ فَظًّا غَلِیظَ ٱلۡقَلۡبِ لَٱنفَضُّوا۟ مِنۡ حَوۡلِكَۖ فَٱعۡفُ عَنۡهُمۡ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ وَشَاوِرۡهُمۡ فِی ٱلۡأَمۡرِۖ فَإِذَا عَزَمۡتَ فَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ یُحِبُّ ٱلۡمُتَوَكِّلِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق