الباحث القرآني
ثم قال الله عز وجل: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ هذا آخر الكتب وأفضلها وأشرفها وأعمها وأنفعها وهو القرآن الكريم.
﴿أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ﴾ والمراد بـ(الكتاب): القرآن، فهو (فِعَال) بمعنى (مفعول) أي: مكتوب، فهو مكتوب في اللوح المحفوظ، مكتوب بأيدي الملائكة السفرة، مكتوب في المصاحف التي بين أيدينا، وسمي بذلك؛ لأنه جمعت فيه الأحكام الشرعية والأخبار الصادقة والقصص النافعة، وأصل الكتب: الجمع، ومنه: الكتيبة، لطائفة مجتمعة من الجيش.
وقوله: ﴿بِالْحَقِّ﴾ حال من الكتاب؛ أي: حال كونه متلبسًا بالحق، فيكون ما جاء به القرآن متضمنًا للحق، هذا وجه من معناه.
الوجه الثاني: أنزلناه بالحق؛ أي: أنه حق من عند الله عز وجل، فتكون الباء للتعدية في ﴿أنزلنا﴾، يعني: أنزلناه إنزالًا حقًّا، قال الله تعالى: ﴿وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ﴾ [الإسراء ١٠٥].
﴿مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ﴾ والذي بين يديه من الكتاب ليس التوراة والإنجيل فقط بل هما أقرب الكتب إليه، لكن جميع الكتب قد صدَّقها، قال الله تبارك وتعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ [الحديد ٢٥]، فهو مصدّق لكل ما سبقه من الكتب؛ ولهذا لا يأتي بعده كتاب.
وقوله: ﴿وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ﴾ معطوف على ﴿مُصَدِّقًا﴾، و﴿مُصَدِّقًا﴾ هذه حال من ﴿الْكِتَابَ﴾، فيكون ﴿الْكِتَابَ﴾ هو المهيمن، ﴿وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ﴾ أي: على ما بين يديه من الكتاب.
ومعنى الهيمنة قيل: معناها الشاهد؛ أي: شاهد عليه، وهذا فيه نظر؛ لأن (شاهدًا) يغني عنها (مصدقًا). وقيل: الهيمنة بمعنى: السيطرة والحكم؛ أي أنه حاكم على ما سبقه من الكتب، مسيطر عليها، ناسخ لها، وهذا المعنى أصح؛ لأن القرآن مهيمن على كل الكتب السابقة.
إذن ﴿مُهَيْمِنًا عَلَيْهِ﴾ الصواب: أنه مسيطر وحاكم وناسخ لما سبق؛ ولهذا فَاتْلُ عليه قوله: ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ يعني: فبناء على ذلك احكم بينهم؛ أي بين أهل الكتاب وبين المسلمين، ﴿بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ يعني والمراد به القرآن.
فإذا تحاكموا إلينا حكمنا بينهم بالقرآن؛ لأن القرآن مهيمن مسيطر على ما سبق، يُعارِض ولا يُعارَض، ويَحكُم ولا يُحكَم عليه.
﴿فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ﴾ هذا القول موجه من الله عز وجل إلى رسوله عليه الصلاة والسلام مع أننا نعلم علم اليقين أنه لن يفعل ذلك، أليس كذلك؟ لكن ليعتبر الناس أنه إذا كان محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ينهاه ربُّه مرسلُه عن اتباع أهوائهم عما جاءهم من الحق فكيف بغيره؟
ومعنى قوله: ﴿وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾ ولم يقل: شيعتهم أو نحوها؛ لأنهم على هوًى، وليسوا على هدًى، فكفرهم بما جاء به محمد ﷺ هوًى ليس عن عقل ولا عن شرع.
وقوله: ﴿عَمَّا جَاءَكَ﴾ متعلقة بمحذوف، والتقدير: عادلًا عما جاءك من الحق، وهذا أحسن من أن يقدر فيه: معرضًا عما جاء به؛ لأن تقديره (معرضًا) فيه شيء من الشدة، لكن (عادلًا) أخف، المعنى واحد لكن ينبغي استعمال الألفاظ المناسبة.
إذن ﴿عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ﴾ نقول: هو متعلق بأيش؟ بمحذوف، التقدير: عادلًا عما جاءك من الحق، ولم يقل: عما جاءك أو عما نزل، بل قال: ﴿مِنَ الْحَقِّ﴾؛ ليتبين أن ما جاء به الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم حق لا يمكن العدول عنه إلى غيره.
﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ ﴿لِكُلٍّ﴾ يقول النحويون: إن التنوين هنا عوض، أيش التقدير؟ لكل أمة جعلنا منكم أو لكل واحدٍ، المهم أن هذا تنوين عوض عن محذوف؛ عن كلمة.
﴿جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ ﴿جَعَلْنَا﴾ يعني: صيرنا، ﴿شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ الشِّرعة: ما يشرع، وأصلها: شرعة الماء، والمنهاج: ما يُنهَج، وأصله: الطريق، كل أمة لها شرعة تناسب حالها ومكانها وزمانها.
﴿وَمِنْهَاجًا﴾ تسلكه هذه الأمة: إما الكفر، وإما الإيمان، كل أمة هكذا، فشرائع اليهود والنصارى مناسبة لحالهم وزمانهم ومكانهم، وشريعة محمد ﷺ مناسبة لكل أمة في كل زمان وفي كل مكان، فيكون قوله: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ بعد توحيد الشرعة والمنهاج يكون من باب إفحام الخصم؛ أي: أن هؤلاء الذين يقولون: إن شريعة محمد غير مقبولة؛ لأنها تخالف شرائعنا، وغير صحيحة؛ لأنها تخالف شرائعنا، نقول: أنتم لكم شرائع خاصة مناسبة، ونحن أمة محمد لنا شرائع خاصة مناسبة، وأنتم الآن تعتبرون من أمة محمد باعتبار أيش؟ الدعوة.
﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ سبحانه وتعالى؛ لأن بيده الأمر، فلو شاء الله لجعل الشرائع واحدة يكفر بها من يكفر ويؤمن بها من يؤمن، ولكنه سبحانه وتعالى له الحكمة فيما شرع؛ ولهذا قال: ﴿وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ﴾ (يبلو) بمعنى يختبر، ﴿فِي مَا آتَاكُمْ﴾ أي: من الشرائع، سواء كانت سهلة ميسرة أو كانت صعبة مشددة.
فالأول: يبتلى هل يشكر أو لا يشكر؟ والثاني: يبتلى هل يصبر أو لا يصبر؟ لأننا نعلم أن الشرائع مختلفة في يسرها وعسرها.
فالشرائع الميسرة يبتلى بها بأيش؟ بالشكر، هل يشكر هؤلاء الذين ييسر عليهم أم لا؟ وأما المشددة فيبتلى بها بالصبر، هل يصبرون على هذه الشرائع ويقومون بها أو لا؟ ولهذا قال: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ﴾ أي: يختبركم، ﴿فِي مَا آتَاكُمْ﴾ من أين؟ من الشرائع.
﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾ أي: بادروها بالسبق إليها، و(الخيرات) جمع (خير)، والمراد بها: كل ما جاءت به الشريعة الإسلامية فإنه خير؛ ولهذا« ما من نبي بعثه الله إلا ودل أمته على الخير وحذرها من الشر»[[أخرجه مسلم (١٨٤٤ / ٤٦)، من حديث عبد الله بن عمرو، بلفظ: «لم يكن نبي قبلي إلا كان حقًّا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم».]].
﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا﴾ المرجع إلى الله سبحانه وتعالى، كل الخلائق مرجعها إلى الله.
وهل المراد المرجع في الدنيا أو في الدنيا والآخرة؟ في الدنيا والآخرة، مرجعنا إلى الله في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فإن مرجعنا إلى الله وهو الذي يحكم بيننا، وهو الذي يحكم علينا، ويحكم فينا، أما في الآخرة فكذلك يفصل بيننا يوم القيامة؛ فريق في الجنة وفريق في السعير.
وفي قوله: ﴿إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ﴾ فائدة بلاغية وهي: الحصر، وذلك في تقديم الخبر؛ لأن القاعدة عندنا: أنه إذا قدم ما حقه التأخير كان ذلك دليلًا على الحصر.
يقول: ﴿فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ (ينبئ) بمعنى: يخبر. وهل النبأ والخبر معناهما مترادف، أو بينهما فرق دقيق؟
يقول شيخ الإسلام رحمه الله: إنه ليس في اللغة شيء مترادف، يعني مئة في المئة، بل لا بد من فرق، وإلا لكان في اللغة العربية شيء من الحشو، لا بد من فرق، حتى: أسد، درغام، وغضنفر، وما أشبه ذلك، وإن كان مدلولها واحدًا لكن لا بد أن يكون كل واحد منها مشتملًا على معنى دقيق يفرق بينه وبين الآخر، هذا النبأ.
والإخبار قيل: إن الإخبار ما لم يكن هامًّا، والنبأ لا يكون إلا في الأمور الهامة، ﴿عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ﴾ [النبأ ١] أيش؟ ﴿عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ﴾ [النبأ ٢]، ﴿قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ﴾ [ص ٦٧]، فالنبأ يكون في الأمور الهامة العظيمة والخبر يكون في أي شيء، فيكون الخبر على هذا أعم أو لا؟ أعم.
﴿فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ أي: بالذي كنتم تختلفون فيه، وحينئذٍ يحصل الفصل بالعدل عز وجل، ويتبين من هو على حق أو ليس على حق.
* في هذه الآية الكريمة: إثبات أن القرآن كلام الله، من أين؟
* طالب: (...).
* الشيخ: كيف ذلك؟
* طالب: (...).
* الشيخ: الضمير يعود على مَن؟ ﴿أَنْزَلْنَا﴾؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: والمنزل كلام، أليس كذلك؟ فيفيد أن القرآن كلام الله تعالى.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات علو الله عز وجل، من قوله: ﴿أَنْزَلْنَا﴾، والإنزال لا يكون إلا من؟
* طالب: (...).
* الشيخ: نعم.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: الثناء على القرآن، من أين؟
* طالب: (...).
* الشيخ: (...) ﴿بِالْحَقِّ﴾: أن القرآن حق ونازل بالحق.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: المنقبة العظيمة للرسول عليه الصلاة والسلام، ﴿أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ﴾، وهذا يفسره قوله تعالى: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلَى قَلْبِكَ﴾ [الشعراء ١٩٣، ١٩٤].
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن القرآن مصدق لجميع الكتب ﴿مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾، تصديقه لما بين يديه ذكرنا أنه على وجهين؛ يعني: حاكمًا بصدق الكتب المنزلة السابقة، ومصدقًا لما أخبرت به من نزول القرآن.
* طالب: بعض البلاد تدرس في جامعاتها علمًا يسمى بعلم الأديان، والمتخصص فيه يكون على علم بالشريعة الإسلامية وعلى علم بغيرها من شرائع كاليهودية والنصرانية، فإذا سئل المتخصص في تلك البلاد التي قد يوجد فيها نصارى أو يهود، سئل عن حكم من أحكام شريعة هؤلاء السائلين، ولنفترض أنهم يهود مثلًا أو نصارى فهل يجيبهم، ويكون بذلك أفتاهم في دينهم، أم يجب أن يقول لهم هذه الفتوى غير صحيحة؟
* الشيخ: سيأتينا -إن شاء الله- أنه إذا رفع إلينا فإننا نحكم بما أنزل الله؛ لأن حكم الذي هم عليه منسوخ غير مرضي عند الله عز وجل، حتى في الإخبار؛ لأنك إذا أخبرته حكمت له.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: الفرق بين (إلى) و(على): أن (على) تفيد الاستعلاء وأن (إلى) تفيد الغاية، يعني فهو من علو وغايته النبي عليه الصلاة والسلام.
* طالب: (...).
* الشيخ: القرآن كله علم، قال الله تعالى: ﴿مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ﴾ [الشورى ٥٢] قبل أن ننزل عليه الوحي، وقال تعالى: ﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ﴾ [النساء ١١٣] فهو علم وحق.
* طالب: (...) في إثبات رسالة النبي ﷺ (...) الأنجيل بذلك؟
* الشيخ: هذه إن استشهدنا بها على الخصم الذي ينكر رسالة النبي عليه الصلاة والسلام وهو نصراني مثلًا نعم نأتي به، نستشهد؛ لأن هذا حجة عليه؛ ولهذا يقول الله عز وجل: ﴿وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ﴾ [البقرة ١٤٥].
* طالب: أحسن الله إليك، هل يكون مثل من أفتى بغير ما أنزل الله (...)؟
* الشيخ: إي نعم، الأوصاف واحدة، لكن أن تعرف أن الحكم يمتاز عن الإفتاء بأنه إلزام؛ لأن الحاكم يلزم والمفتي لا يلزم.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: كلمة ﴿وَهُدًى﴾ هذا من باب التوكيد.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: إي نعم، ﴿فِيهِ هُدًى﴾ الأول هو الثاني، لكن النور ما يحصل من آثار هذا العلم.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: الفرق بين الشرعة والمنهاج: الشرعة: شريعة الله، والمنهاج: سلوك المرسل إليه ونهجه، يعني قد يؤمنون وقد يكفرون، وأما الشريعة فثابتة؛ ولهذا يقال: نَهَجَ فلانٌ نَهْجَ فلانٍ؛ أي سلك مسلكه.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: نعم، نحن نقول: هذه حجة على أم رأسه (...)، ﴿وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾، الإنجيل فيه وجوب اتباع الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأن الله ذكر بعدها ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ﴾، وهذا من ضلال النصارى ألا يفهموا ما أنزل الله على رسله.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: على أحد القولين: عندما نجعل هذه الصفات لموصوف واحد يكون الفسق هو الكفر.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: النصارى هم بنو إسرائيل.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: التوراة والإنجيل كلٌّ منهما كتاب لنبي إسرائيل؛ لأن الرسول يرسل إلى قومه خاصة ما عدا النبي ﷺ.
* * *
* طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (٤٩) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُون﴾ [المائدة ٤٩، ٥٠].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ إلى آخره.
* من فوائد الآية الكريمة: أن جميع ما في القرآن حق، إن كان خبرًا فهو صدق؛ وإن كان قصصًا فهو نافع، وإن كان أحكامًا فهو عدل، كل الذي في القرآن.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن القرآن ناسخ لما قبله من الكتب؛ لقوله: ﴿وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ﴾.
* ومن فوائد هذه الآية: وجوب الحكم لما أنزل الله في القرآن إذا تحاكم إلينا أهل الكتاب؛ لقوله: ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾، وهذا الخطاب للنبي ﷺ لكن يشمل الأمة.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: النهي عن اتباع أهواء أهل الكتاب وغيرهم من الكفار؛ لقوله: ﴿وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾.
* ومن فوائدها: أن مخالفة أهل الكتاب لما جاء به محمد ﷺ لم تبنَ على دليل صحيح ولا على عقل رجيح، وإنما بنيت على هوى باطل؛ لقوله: ﴿وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أنه ينبغي لمن نهى عن شيء قبيح أن يبين قبحه، وأن ينقل الناس إلى ما هو خير منه؛ لقوله: ﴿عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ﴾، كأنه قال: لا تتبع أهواءهم واتبع ما جاءك من الحق.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أنه يجب على المسلمين أن تكون لهم شخصية قائمة لا يتابعون الناس فيكونون أذنابًا لأعداء الله، بل يجب أن تكون لهم شخصية قائمة لعزة الإسلام؛ لقوله: ﴿عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن ما جاء الرسولَ ﷺ فهو حق.
* ومن فوائدها: أن الله سبحانه وتعالى نوّع الشرائع بحسب الأمم؛ لقوله: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً﴾.
وسبق لنا في التفسير: أن المصالح تختلف باختلاف أحوال الناس وباختلاف أزمنتهم، وباختلاف أيش؟ أمكنتهم.
وهل هذا يكون بالنسبة للشريعة الإسلامية بأن يكون الله قد جعل لكل حال حكمًا؟ أشرنا في الشرح أو التفسير إلى ذلك وقلنا: حتى في الشريعة الإسلامية تختلف أحكامها بحسب الأزمان والأمكنة والأحوال، وذكرنا لذلك أمثلة: صلِّ قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب، أدِّ الزكاة إذا كان عندك مال زكوي، وإلا فلا شيء عليك، حج البيت إن استطعت، وإلا فلا شيء عليك، صم إن استطعت، وإن عجزت عجزًا مستمرًا فأطعم، وهلم جرًّا، تجد أن الشريعة الإسلامية نفسها تختلف باختلاف الأحوال.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الناس يختلفون في المنهج في استقبال هذه الشرائع؛ لقوله: ﴿وَمِنْهَاجًا﴾، فمنهم كافر ومنهم مؤمن.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: عموم قدرة الله جل وعلا وأن بيده الأمور الشرعية والكونية؛ لقوله: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ يعني: على ملة واحدة، ولكنه سبحانه وتعالى له الحكمة البالغة فيما قدّر وشرع.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الرد على القدرية، من يعرف؟
* طالب: (...).
* الشيخ: نعم؛ لأن جعلهم على أمة، يعني على دين واحد، وهذا يقتضي أن يكون تدينهم لله لمشيئته.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الشرائع ابتلاء من الله سبحانه وتعالى، أي: اختبار وليست ابتلاء من البلاء بل من الاختبار؛ لقوله: ﴿وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ﴾، فالشرائع للابتلاء، و﴿خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ [الملك ٢]، فتبين بهذا أن شرائع الله وأحكام الله القدرية كلها ابتلاء.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الحث على السبق إلى الخير؛ لقوله: ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾ يعني: خذوا بها أيكم أسبق.
فإن قال قائل: المنافسة في الخيرات ألا تستوجب الحسد، بمعنى أن يكره الإنسان أن أحدًا يسبقه؟
فالجواب: لا؛ لأن كراهة أن يسبقه أحد لا تستلزم أن تكره إذا مَنَّ الله على أحد فسبق، والحسد أن يكره الإنسان ما أنعم الله به على الغير.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن المرجع إلى الله تبارك وتعالى شرعًا وقدرًا؛ لقوله: ﴿إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ﴾ فالمرجع إلى الله شرعًا هو الذي يحكم بيننا، وقدرًا فإن الأمر كما قال الله: ﴿إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (٢٥) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ﴾ [الغاشية ٢٥، ٢٦].
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: عموم علم الله تبارك وتعالى لأفعال العباد؛ لقوله: ﴿فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾.
فإن قال قائل: وهل الحكم للكافرين على المؤمنين أو للمؤمنين على الكافرين؟
فالجواب: الثاني؛ للمؤمنين على الكافرين؛ لقول الله تبارك وتعالى: ﴿فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا﴾ [النساء ١٤١]، وهذا من غرائب الحكومة أن يبين للخصم أنه غالب قبل التحاكم، لكن هذا له حكمة وهو أن ينضم الخصم إلى الطرف الثاني، فالكفار والمؤمنون خصماء، ومن الغالب؟ المؤمنون، هنا بيَّن الله أنه سيكون الفصل ويغلب المؤمنون، ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلًا، بيَّن ذلك؛ حثًّا للكافر أن ينضم إلى صف المؤمنين؛ لأنه إذا تبين له أنه خاسر وأن الجولة والمعركة للمؤمن فسوف ينضم.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أنه لا بد لبني آدم من الاختلاف، وهذا هو الواقع، وقد دلت عليه آيات كثيرة مثل قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ﴾ [التغابن ٢] لا بد من الاختلاف، والمرجع عند الاختلاف إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ لقوله: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [النساء ٥٩].
{"ayah":"وَأَنزَلۡنَاۤ إِلَیۡكَ ٱلۡكِتَـٰبَ بِٱلۡحَقِّ مُصَدِّقࣰا لِّمَا بَیۡنَ یَدَیۡهِ مِنَ ٱلۡكِتَـٰبِ وَمُهَیۡمِنًا عَلَیۡهِۖ فَٱحۡكُم بَیۡنَهُم بِمَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُۖ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَاۤءَهُمۡ عَمَّا جَاۤءَكَ مِنَ ٱلۡحَقِّۚ لِكُلࣲّ جَعَلۡنَا مِنكُمۡ شِرۡعَةࣰ وَمِنۡهَاجࣰاۚ وَلَوۡ شَاۤءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمۡ أُمَّةࣰ وَ ٰحِدَةࣰ وَلَـٰكِن لِّیَبۡلُوَكُمۡ فِی مَاۤ ءَاتَىٰكُمۡۖ فَٱسۡتَبِقُوا۟ ٱلۡخَیۡرَ ٰتِۚ إِلَى ٱللَّهِ مَرۡجِعُكُمۡ جَمِیعࣰا فَیُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ فِیهِ تَخۡتَلِفُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق