الباحث القرآني
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿وأنْزَلْنا إلَيْكَ الكِتابَ بِالحَقِّ مُصَدِّقًا لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الكِتابِ﴾ وهَذا خِطابٌ مَعَ مُحَمَّدٍ ﷺ، فَقَوْلُهُ: ﴿وأنْزَلْنا إلَيْكَ الكِتابَ بِالحَقِّ﴾ أيْ كُلُّ كِتابٍ نَزَلَ مِنَ السَّماءِ سِوى القُرْآنِ.
وقَوْلُهُ: ﴿ومُهَيْمِنًا عَلَيْهِ﴾ فِيهِ مَسائِلُ:
(p-١١)المَسْألَةُ الأُولى: في المُهَيْمِنِ قَوْلانِ:
الأوَّلُ: قالَ الخَلِيلُ، وأبُو عُبَيْدَةَ: يُقالُ قَدْ هَيْمَنَ الرَّجُلُ يُهَيْمِنُ إذا كانَ رَقِيبًا عَلى الشَّيْءِ وشاهِدًا عَلَيْهِ حافِظًا، قالَ حَسّانُ:
؎إنَّ الكِتابَ مُهَيْمِنٌ لِنَبِيِّنا والحَقُّ يَعْرِفُهُ ذَوُو الألْبابِ
والثّانِي: قالُوا: الأصْلُ في قَوْلِنا: آمَنَ يُؤْمِنُ فَهو مُؤْمِنٌ، أأْمَنَ يُؤَأْمِنُ فَهو مُؤَأْمِنٌ بِهَمْزَتَيْنِ، ثُمَّ قُلِبَتِ الأُولى هاءً كَما في: هَرَقْتُ وأرَقْتُ، وهِيّاكَ وإيّاكَ، وقُلِبَتِ الثّانِيَةُ ياءً فَصارَ مُهَيْمِنًا فَلِهَذا قالَ المُفَسِّرُونَ ﴿ومُهَيْمِنًا عَلَيْهِ﴾ أيْ أمِينًا عَلى الكُتُبِ الَّتِي قَبْلَهُ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: إنَّما كانَ القُرْآنُ مُهَيْمِنًا عَلى الكُتُبِ؛ لِأنَّهُ الكِتابُ الَّذِي لا يَصِيرُ مَنسُوخًا ألْبَتَّةَ، ولا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ التَّبْدِيلُ والتَّحْرِيفُ عَلى ما قالَ تَعالى: ﴿إنّا نَحْنُ نَزَّلْنا الذِّكْرَ وإنّا لَهُ لَحافِظُونَ﴾ [الحِجْرِ: ٩] وإذا كانَ كَذَلِكَ كانَتْ شَهادَةُ القُرْآنِ عَلى أنَّ التَّوْراةَ والإنْجِيلَ والزَّبُورَ حَقٌّ وصِدْقٌ باقِيَةً أبَدًا، فَكانَتْ حَقِيقَةُ هَذِهِ الكُتُبِ مَعْلُومَةً أبَدًا.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: قالَ صاحِبُ الكَشّافِ: قُرِئَ (ومُهَيْمَنًا عَلَيْهِ) بِفَتْحِ المِيمِ لِأنَّهُ مَشْهُودٌ عَلَيْهِ مِن عِنْدِ اللَّهِ تَعالى بِأنْ يَصُونَهُ عَنِ التَّحْرِيفِ والتَّبْدِيلِ لِما قَرَّرْنا مِنَ الآياتِ، ولِقَوْلِهِ ﴿لا يَأْتِيهِ الباطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ ولا مِن خَلْفِهِ﴾ [فُصِّلَتْ: ٤٢] والمُهَيْمِنُ عَلَيْهِ هو اللَّهُ تَعالى.
* *
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿فاحْكم بَيْنَهم بِما أنْزَلَ اللَّهُ﴾ يَعْنِي: فاحْكم بَيْنَ اليَهُودِ بِالقُرْآنِ والوَحْيِ الَّذِي نَزَّلَهُ اللَّهُ تَعالى عَلَيْكَ.
﴿ولا تَتَّبِعْ أهْواءَهم عَمّا جاءَكَ مِنَ الحَقِّ﴾ وفِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: ﴿ولا تَتَّبِعْ﴾ يُرِيدُ ولا تَنْحَرِفْ، ولِذَلِكَ عَدّاهُ بِعَنْ، كَأنَّهُ قِيلَ: ولا تَنْحَرِفْ عَمّا جاءَكَ مِنَ الحَقِّ مُتَّبِعًا أهْواءَهم.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: رُوِيَ «أنَّ جَماعَةً مِنَ اليَهُودِ قالُوا: تَعالَوْا نَذْهَبْ إلى مُحَمَّدٍ ﷺ لَعَلَّنا نَفْتِنُهُ عَنْ دِينِهِ، ثُمَّ دَخَلُوا عَلَيْهِ وقالُوا: يا مُحَمَّدُ قَدْ عَرَفْتَ أنّا أحْبارُ اليَهُودِ وأشْرافُهم، وإنّا إنِ اتَّبَعْناكَ اتَّبَعَكَ كُلُّ اليَهُودِ، وإنَّ بَيْنَنا وبَيْنَ خُصُومِنا حُكُومَةً فَنُحاكِمُهم إلَيْكَ، فاقْضِ لَنا ونَحْنُ نُؤْمِنُ بِكَ، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى هَذِهِ الآيَةَ» .
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: تَمَسَّكَ مَن طَعَنَ في عِصْمَةِ الأنْبِياءِ بِهَذِهِ الآيَةِ وقالَ: لَوْلا جَوازُ المَعْصِيَةِ عَلَيْهِمْ وإلّا لَما قالَ: ﴿ولا تَتَّبِعْ أهْواءَهم عَمّا جاءَكَ مِنَ الحَقِّ﴾ .
والجَوابُ: أنَّ ذَلِكَ مَقْدُورٌ لَهُ ولَكِنْ لا يَفْعَلُهُ لِمَكانِ النَّهْيِ، وقِيلَ: الخِطابُ لَهُ والمُرادُ غَيْرُهُ.
* * *
(p-١٢)ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنكم شِرْعَةً ومِنهاجًا﴾ وفِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: لَفْظُ (الشِّرْعَةِ): في اشْتِقاقِهِ وجْهانِ:
الأوَّلُ: مَعْنى شَرَعَ: بَيَّنَ وأوْضَحَ.
قالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: لَفْظُ الشَّرْعِ مَصْدَرُ: شَرَعْتُ الإهابَ، إذا شَقَقْتَهُ وسَلَخْتَهُ.
الثّانِي: شَرَعَ مَأْخُوذٌ مِنَ الشُّرُوعِ في الشَّيْءِ وهو الدُّخُولُ فِيهِ، والشَّرِيعَةُ في كَلامِ العَرَبِ المُشْرَعَةُ الَّتِي يَشْرَعُها النّاسُ فَيَشْرَبُونَ مِنها، فالشَّرِيعَةُ فَعِيلَةٌ بِمَعْنى: المَفْعُولَةِ، وهي الأشْياءُ الَّتِي أوْجَبَ اللَّهُ تَعالى عَلى المُكَلَّفِينَ أنْ يَشْرَعُوا فِيها، وأمّا المِنهاجُ فَهو الطَّرِيقُ الواضِحُ، يُقالُ: نَهَجْتُ لَكَ الطَّرِيقَ وأنْهَجْتُ لُغَتانِ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: احْتَجَّ أكْثَرُ العُلَماءِ بِهَذِهِ الآيَةِ عَلى أنَّ شَرْعَ مَن قَبْلَنا لا يَلْزَمُنا؛ لِأنَّ قَوْلَهُ: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنكم شِرْعَةً ومِنهاجًا﴾ يَدُلُّ عَلى أنَّهُ يَجِبُ أنْ يَكُونَ كُلُّ رَسُولٍ مُسْتَقِلًّا بِشَرِيعَةٍ خاصَّةٍ، وذَلِكَ يَنْفِي كَوْنَ أُمَّةِ أحَدِ الرُّسُلِ مُكَلَّفَةً بِشَرِيعَةِ الرَّسُولِ الآخَرِ.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: ورَدَتْ آياتٌ دالَّةٌ عَلى عَدَمِ التَّبايُنِ في طَرِيقَةِ الأنْبِياءِ والرُّسُلِ، وآياتٌ دالَّةٌ عَلى حُصُولِ التَّبايُنِ فِيها.
أمّا النَّوْعُ الأوَّلُ: فَقَوْلُهُ: ﴿شَرَعَ لَكم مِنَ الدِّينِ ما وصّى بِهِ نُوحًا﴾ [الشُّورى: ١٣] إلى قَوْلِهِ: ﴿أنْ أقِيمُوا الدِّينَ ولا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ [الشُّورى: ١٣]، وقالَ: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهِ﴾ [الأنْعامِ: ٩٠] .
وأمّا النَّوْعُ الثّانِي: فَهو هَذِهِ الآيَةُ، وطَرِيقُ الجَمْعِ أنْ نَقُولَ: النَّوْعُ الأوَّلُ مِنَ الآياتِ مَصْرُوفٌ إلى ما يَتَعَلَّقُ بِأُصُولِ الدِّينِ، والنَّوْعُ الثّانِي مَصْرُوفٌ إلى ما يَتَعَلَّقُ بِفُرُوعِ الدِّينِ.
المَسْألَةُ الرّابِعَةُ: الخِطابُ في قَوْلِهِ: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنكم شِرْعَةً ومِنهاجًا﴾ خِطابٌ لِلْأُمَمِ الثَّلاثِ: أُمَّةِ مُوسى، وأُمَّةِ عِيسى، وأُمَّةِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمُ السَّلامُ، بِدَلِيلِ أنَّ ذِكْرَ هَؤُلاءِ الثَّلاثَةِ قَدْ تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ: ﴿إنّا أنْزَلْنا التَّوْراةَ فِيها هُدًى ونُورٌ﴾، ثُمَّ قالَ: ﴿وقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسى ابْنِ مَرْيَمَ﴾، ثُمَّ قالَ: ﴿وأنْزَلْنا إلَيْكَ الكِتابَ﴾ .
* * *
ثُمَّ قالَ: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنكم شِرْعَةً ومِنهاجًا﴾ يَعْنِي شَرائِعَ مُخْتَلِفَةً: لِلتَّوْراةِ شَرِيعَةٌ، ولِلْإنْجِيلِ شَرِيعَةٌ، ولِلْقُرْآنِ شَرِيعَةٌ.
المَسْألَةُ الخامِسَةُ: قالَ بَعْضُهم: الشِّرْعَةُ والمِنهاجُ عِبارَتانِ عَنْ مَعْنًى واحِدٍ، والتَّكْرِيرُ لِلتَّأْكِيدِ والمُرادُ بِهِما الدِّينُ، وقالَ آخَرُونَ: بَيْنَهُما فَرْقٌ، فالشِّرْعَةُ عِبارَةٌ عَنْ مُطْلَقِ الشَّرِيعَةِ، والطَّرِيقَةُ عِبارَةٌ عَنْ مَكارِمِ الشَّرِيعَةِ، وهي المُرادُ بِالمِنهاجِ، فالشَّرِيعَةُ أوَّلٌ، والطَّرِيقَةُ آخِرٌ، وقالَ المُبَرِّدُ: الشَّرِيعَةُ ابْتِداءُ الطَّرِيقَةِ، والطَّرِيقَةُ المِنهاجُ المُسْتَمِرُّ، وهَذا تَقْرِيرُ ما قُلْناهُ، واللَّهُ أعْلَمُ بِأسْرارِ كَلامِهِ.
* * ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿ولَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكم أُمَّةً واحِدَةً﴾ أيْ: جَماعَةً مُتَّفِقَةً عَلى شَرِيعَةٍ واحِدَةٍ، أوْ ذَوِي أُمَّةٍ واحِدَةٍ، أيْ دِينٍ واحِدٍ لا اخْتِلافَ فِيهِ، قالَ الأصْحابُ: هَذا يَدُلُّ عَلى أنَّ الكُلَّ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعالى، والمُعْتَزِلَةُ حَمَلُوهُ عَلى مَشِيئَةِ الإلْجاءِ.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿ولَكِنْ لِيَبْلُوَكم فِيما آتاكُمْ﴾ مِنَ الشَّرائِعِ المُخْتَلِفَةِ، هَلْ تَعْمَلُونَ بِها مُنْقادِينَ لِلَّهِ خاضِعِينَ لِتَكالِيفِ اللَّهِ، أمْ تَتَّبِعُونَ الشُّبَهَ وتُقَصِّرُونَ في العَمَلِ ؟
* *
﴿فاسْتَبِقُوا الخَيْراتِ﴾ أيْ فابْتَدِرُوها وسابِقُوا نَحْوَها.
﴿إلى اللَّهِ مَرْجِعُكم جَمِيعًا﴾ اسْتِئْنافٌ في مَعْنى التَّعْلِيلِ لِاسْتِباقِ الخَيْراتِ.
﴿فَيُنَبِّئُكم بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ فَيُخْبِرُكم بِما لا تَشُكُّونَ مَعَهُ مِنَ الجَزاءِ الفاصِلِ بَيْنَ مُحِقِّكم ومُبْطِلِكم، ومُوَفِّيكم ومُقَصِّرِكم في العَمَلِ، والمُرادُ أنَّ الأمْرَ سَيَؤُولُ إلى ما يَزُولُ مَعَهُ الشُّكُوكُ ويَحْصُلُ مَعَهُ اليَقِينُ، وذَلِكَ عِنْدَ مُجازاةِ المُحْسِنِ بِإحْسانِهِ والمُسِيءِ بِإساءَتِهِ.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿وأنِ احْكم بَيْنَهم بِما أنْزَلَ اللَّهُ ولا تَتَّبِعْ أهْواءَهُمْ﴾ وفِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: فَإنْ قِيلَ: قَوْلُهُ: ﴿وأنْزَلْنا إلَيْكَ الكِتابَ﴾ كَأنَّهُ قِيلَ: وأنْزَلْنا إلَيْكَ أنِ احْكم و”أنْ“ وُصِلَتْ بِالأمْرِ؛ لِأنَّهُ فِعْلٌ كَسائِرِ الأفْعالِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلى قَوْلِهِ: (بِالحَقِّ) أيْ: أنْزَلْناهُ بِالحَقِّ وبِأنِ احْكم، وقَوْلُهُ: ﴿ولا تَتَّبِعْ أهْواءَهُمْ﴾ قَدْ ذَكَرْنا أنَّ اليَهُودَ اجْتَمَعُوا وأرادُوا إيقاعَهُ في تَحْرِيفِ دِينِهِ فَعَصَمَهُ اللَّهُ تَعالى عَنْ ذَلِكَ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: قالُوا: هَذِهِ الآيَةُ ناسِخَةٌ لِلتَّخْيِيرِ في قَوْلِهِ ﴿فاحْكم بَيْنَهم أوْ أعْرِضْ عَنْهُمْ﴾ [المائِدَةِ: ٤٢] .
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: أُعِيدَ ذِكْرُ الأمْرِ بِالحُكْمِ بَعْدَ ذِكْرِهِ في الآيَةِ الأُولى إمّا لِلتَّأْكِيدِ، وإمّا لِأنَّهُما حُكْمانِ أُمِرَ بِهِما جَمِيعًا؛ لِأنَّهُمُ احْتَكَمُوا إلَيْهِ في زِنا المُحْصَنِ، ثُمَّ احْتَكَمُوا في قَتِيلٍ كانَ فِيهِمْ.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿واحْذَرْهم أنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أنْزَلَ اللَّهُ إلَيْكَ﴾ .
قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: يُرِيدُ بِهِ يَرُدُّوكَ إلى أهْوائِهِمْ، فَإنَّ كُلَّ مَن صُرِفَ مِنَ الحَقِّ إلى الباطِلِ فَقَدْ فُتِنَ، ومِنهُ قَوْلُهُ: ﴿وإنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ﴾ [الإسْراءِ: ٧٣] والفِتْنَةُ هَهُنا في كَلامِهِمُ الَّتِي تُمِيلُ عَنِ الحَقِّ وتُلْقِي في الباطِلِ وكانَ ﷺ يَقُولُ: «أعُوذُ بِكَ مِن فِتْنَةِ المَحْيا» قالَ: هو أنْ يَعْدِلَ عَنِ الطَّرِيقِ، قالَ أهْلُ العِلْمِ: هَذِهِ الآيَةُ تَدُلُّ عَلى أنَّ الخَطَأ والنِّسْيانَ جائِزانِ عَلى الرَّسُولِ؛ لِأنَّ اللَّهَ تَعالى قالَ: ﴿واحْذَرْهم أنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أنْزَلَ اللَّهُ إلَيْكَ﴾ والتَّعَمُّدُ في مِثْلِ هَذا غَيْرُ جائِزٍ عَلى الرَّسُولِ، فَلَمْ يَبْقَ إلّا الخَطَأُ والنِّسْيانُ.
ثُمَّ قالَ تَعالى: (فَإنْ تَوَلَّوْا) أيْ فَإنْ لَمْ يَقْبَلُوا حُكْمَكَ ﴿فاعْلَمْ أنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أنْ يُصِيبَهم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ﴾ وفِيهِ مَسْألَتانِ: (p-١٤)المَسْألَةُ الأُولى: المُرادُ يَبْتَلِيَهم بِجَزاءِ بَعْضِ ذُنُوبِهِمْ في الدُّنْيا، وهو أنْ يُسَلِّطَكَ عَلَيْهِمْ، ويُعَذِّبَهم في الدُّنْيا بِالقَتْلِ والجَلاءِ، وإنَّما خَصَّ اللَّهُ تَعالى بَعْضَ الذُّنُوبِ؛ لِأنَّ القَوْمَ جُوزُوا في الدُّنْيا بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ، وكانَ مُجازاتُهم بِالبَعْضِ كافِيًا في إهْلاكِهِمْ والتَّدْمِيرِ عَلَيْهِمْ، واللَّهُ أعْلَمُ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: دَلَّتِ الآيَةُ عَلى أنَّ الكُلَّ بِإرادَةِ اللَّهِ تَعالى؛ لِأنَّهُ لا يُرِيدُ أنْ يُصِيبَهم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ إلّا وقَدْ أرادَ ذُنُوبَهم، وذَلِكَ يَدُلُّ عَلى أنَّهُ تَعالى مُرِيدٌ لِلْخَيْرِ والشَّرِّ.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿وإنَّ كَثِيرًا مِنَ النّاسِ لَفاسِقُونَ﴾ لَمُتَمَرِّدُونَ في الكُفْرِ مُعْتَدُونَ فِيهِ، يَعْنِي أنَّ التَّوَلِّيَ عَنْ حُكْمِ اللَّهِ تَعالى مِنَ التَّمَرُّدِ العَظِيمِ والِاعْتِداءِ في الكُفْرِ.
{"ayahs_start":48,"ayahs":["وَأَنزَلۡنَاۤ إِلَیۡكَ ٱلۡكِتَـٰبَ بِٱلۡحَقِّ مُصَدِّقࣰا لِّمَا بَیۡنَ یَدَیۡهِ مِنَ ٱلۡكِتَـٰبِ وَمُهَیۡمِنًا عَلَیۡهِۖ فَٱحۡكُم بَیۡنَهُم بِمَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُۖ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَاۤءَهُمۡ عَمَّا جَاۤءَكَ مِنَ ٱلۡحَقِّۚ لِكُلࣲّ جَعَلۡنَا مِنكُمۡ شِرۡعَةࣰ وَمِنۡهَاجࣰاۚ وَلَوۡ شَاۤءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمۡ أُمَّةࣰ وَ ٰحِدَةࣰ وَلَـٰكِن لِّیَبۡلُوَكُمۡ فِی مَاۤ ءَاتَىٰكُمۡۖ فَٱسۡتَبِقُوا۟ ٱلۡخَیۡرَ ٰتِۚ إِلَى ٱللَّهِ مَرۡجِعُكُمۡ جَمِیعࣰا فَیُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ فِیهِ تَخۡتَلِفُونَ","وَأَنِ ٱحۡكُم بَیۡنَهُم بِمَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَاۤءَهُمۡ وَٱحۡذَرۡهُمۡ أَن یَفۡتِنُوكَ عَنۢ بَعۡضِ مَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَیۡكَۖ فَإِن تَوَلَّوۡا۟ فَٱعۡلَمۡ أَنَّمَا یُرِیدُ ٱللَّهُ أَن یُصِیبَهُم بِبَعۡضِ ذُنُوبِهِمۡۗ وَإِنَّ كَثِیرࣰا مِّنَ ٱلنَّاسِ لَفَـٰسِقُونَ"],"ayah":"وَأَنزَلۡنَاۤ إِلَیۡكَ ٱلۡكِتَـٰبَ بِٱلۡحَقِّ مُصَدِّقࣰا لِّمَا بَیۡنَ یَدَیۡهِ مِنَ ٱلۡكِتَـٰبِ وَمُهَیۡمِنًا عَلَیۡهِۖ فَٱحۡكُم بَیۡنَهُم بِمَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُۖ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَاۤءَهُمۡ عَمَّا جَاۤءَكَ مِنَ ٱلۡحَقِّۚ لِكُلࣲّ جَعَلۡنَا مِنكُمۡ شِرۡعَةࣰ وَمِنۡهَاجࣰاۚ وَلَوۡ شَاۤءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمۡ أُمَّةࣰ وَ ٰحِدَةࣰ وَلَـٰكِن لِّیَبۡلُوَكُمۡ فِی مَاۤ ءَاتَىٰكُمۡۖ فَٱسۡتَبِقُوا۟ ٱلۡخَیۡرَ ٰتِۚ إِلَى ٱللَّهِ مَرۡجِعُكُمۡ جَمِیعࣰا فَیُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ فِیهِ تَخۡتَلِفُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق