الباحث القرآني
ولَمّا ذَكَرَ - سُبْحانَهُ - الكِتابَيْنِ؛ ذَكَرَ خِتامَهُما؛ وتَمامَهُما؛ وهو ما أُنْزِلَ إلى هَذا النَّبِيِّ الأُمِّيِّ مِنَ الفُرْقانِ؛ الشّاهِدِ عَلى جَمِيعِ الكُتُبِ الَّتِي قَبْلَهُ؛ فَقالَ (تَعالى): ﴿وأنْـزَلْنا﴾؛ أيْ: بِعَظَمَتِنا؛ ﴿إلَيْكَ﴾؛ أيْ: خاصَّةً؛ ﴿الكِتابَ﴾؛ أيْ: الكامِلَ في جَمْعِهِ لِكُلِّ ما يُطْلَبُ مِنهُ؛ وهو القُرْآنُ؛ ﴿بِالحَقِّ﴾؛ أيْ: الكامِلِ الَّذِي لا يَحْتاجُ إلى شَيْءٍ يُتِمُّهُ؛ ثُمَّ مَدَحَهُ بِمَدْحِ الأنْبِياءِ الَّذِينَ تَقَدَّمُوهُ؛ فَقالَ: ﴿مُصَدِّقًا لِما بَيْنَ يَدَيْهِ﴾؛ أيْ: تَقَدَّمَهُ؛ ولَمّا كانَتِ الكُتُبُ السَّماوِيَّةُ مِن شِدَّةِ تَصادُقِها كالشَّيْءِ الواحِدِ؛ عَبَّرَ بِالمُفْرَدِ؛ لِإفادَتِهِ ما يُفِيدُ الجَمْعَ وزِيادَةً؛ دَلالَةً عَلى ذَلِكَ؛ فَقالَ: ﴿مِنَ الكِتابِ﴾؛ أيْ: الَّذِي جاءَ بِهِ الأنْبِياءُ مِن قَبْلُ؛ ﴿ومُهَيْمِنًا﴾؛ أيْ: شاهِدًا حَفِيظًا؛ مُصَدِّقًا؛ وأمِينًا رَقِيبًا؛ ﴿عَلَيْهِ﴾؛ أيْ: عَلى كُلِّ كِتابٍ تَقَدَّمَهُ - كَما قالَهُ البُخارِيُّ في أوَّلِ الفَضائِلِ مِنَ الصَّحِيحِ؛ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما؛ وفي هَذِهِ الصِّفَةِ بِشارَةٌ لِحِفْظِهِ - سُبْحانَهُ - لِكِتابِنا؛ حَتّى لا يَزالَ بِصِفَةِ الشَّهادَةِ؛ فَإنَّ اللَّهَ (تَعالى) اسْتَحْفَظَهم كُتُبَهم فَعَجَزُوا عَنْها؛ فَحَرَّفَها مُحَرِّفُوهُمْ؛ وأسْقَطُوا مِنها؛ وأسْقَطَ مُسْرِفُوهُمْ؛ فَتَكَفَّلَ هو - سُبْحانَهُ - بِحِفْظِ كِتابِنا؛ فَكانَ قَيِّمًا عَلَيْها؛ فَما كانَ فِيها مُوافِقًا لَهُ فَهو حَقٌّ؛ وما كانَ فِيها مُخالِفًا فَهو إمّا مَنسُوخٌ؛ (p-١٨١)أوْ مُبَدَّلٌ؛ فَلا يُعْتَبَرُ؛ بَلْ يُحْكَمُ بِما في كِتابِنا؛ لِأنَّهُ ناسِخٌ لِجَمِيعِ الكُتُبِ؛ والآتِي بِهِ مُرْسَلٌ إلى جَمِيعِ العالَمِينَ؛ فَمِلَّتُهُ ناسِخَةٌ لِجَمِيعِ المِلَلِ؛ فَأنْتَجَ هَذا وُجُوبَ الحُكْمِ بِما فِيهِ عَلى المُؤالِفِ؛ والمُخالِفِ؛ بِشَرْطِهِ؛ فَلِذا قالَ مُسَبِّبًا عَمّا قَبْلَهُ: ﴿فاحْكم بَيْنَهُمْ﴾؛ أيْ: بَيْنَ جَمِيعِ أهْلِ الكُتُبِ؛ فَغَيْرُهم مِن بابِ الأوْلى؛ ﴿بِما أنْـزَلَ اللَّهُ﴾؛ أيْ: المَلِكُ الَّذِي لَهُ الأمْرُ كُلُّهُ؛ إلَيْكَ في هَذا الكِتابِ النّاسِخِ لِكُتُبِهِمُ المُهَيْمِنِ عَلَيْها؛ في إثْباتِ ما أسْقَطُوهُ مِنها مِن أمْرِهِمْ؛ بِاتِّباعِكَ؛ ونَحْوِ ذَلِكَ مِن أوْصافِكَ؛ ﴿ولا تَتَّبِعْ أهْواءَهُمْ﴾؛ فِيما خالَفَهُ؛ مُنْحَرِفِينَ؛ ﴿عَمّا جاءَكَ﴾؛ وبَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿مِنَ الحَقِّ﴾
ولَمّا كانَ كُلٌّ مِن كِتابَيْهِمْ مِن عِنْدِ اللَّهِ؛ كانَ كَأنَّهُ قِيلَ: كَيْفَ يَكُونُ الحُكْمُ بِكِتابِهِمُ الَّذِي يُصَدِّقُهُ كِتابُنا انْحِرافًا عَنِ الحَقِّ؟ عَلَّلَ ذَلِكَ؛ دالًّا عَلى النَّسْخِ؛ بِقَوْلِهِ: ﴿لِكُلٍّ﴾؛ أيْ: لِكُلِّ واحِدٍ؛ ﴿جَعَلْنا﴾؛ أيْ: بِعَظَمَتِنا الَّتِي نَفْعَلُ بِها ما نَشاءُ؛ مِن نَسْخٍ؛ وغَيْرِهِ؛ ثُمَّ خَصَّصَ الإبْهامَ بِقَوْلِهِ: ﴿مِنكُمْ﴾؛ أيْ: يا أهْلَ الكُتُبِ ﴿شِرْعَةً﴾؛ أيْ: دِينًا مُوصِلًا إلى الحَياةِ الأبَدِيَّةِ؛ كَما أنَّ الشِّرْعَةَ مُوصِلَةٌ إلى الماءِ؛ الَّذِي بِهِ الحَياةُ الدُّنْيَوِيَّةُ؛ ﴿ومِنهاجًا﴾؛ أيْ: طَرِيقًا واضِحًا؛ مُسْتَنِيرًا؛ ناسِخًا لِما قَبْلَهُ؛ وقَدْ جَعَلْنا شِرْعَتَكَ ناسِخَةً لِجَمِيعِ الشَّرائِعِ؛ وهَذا وأمْثالُهُ - مِمّا يَدُلُّ عَلى أنَّ كُلَّ مُتَشَرِّعٍ مُخْتَصٌّ بِشَرْعٍ؛ وغَيْرُ مُتَعَبِّدٍ بِشَرْعِ مَن قَبْلَهُ - مَحْمُولٌ عَلى الفُرُوعِ؛ وما دَلَّ (p-١٨٢)عَلى الِاجْتِماعِ؛ كَأنَّهُ شَرْعٌ لَكم مِنَ الدِّينِ مَحْمُولٌ عَلى الأُصُولِ؛ ﴿ولَوْ شاءَ اللَّهُ﴾؛ أيْ: المَلِكُ الأعْظَمُ المالِكُ المُطْلَقُ؛ الَّذِي لَهُ التَّصَرُّفُ التّامُّ؛ والأمْرُ الشّامِلُ العامُّ؛ أنْ يَجْمَعَكم عَلى شَيْءٍ واحِدٍ؛ ﴿لَجَعَلَكم أُمَّةً﴾؛ أيْ: جَماعَةً مُتَّفِقَةً يَؤُمُّ بَعْضُها بَعْضًا؛ وحَقَّقَ المُرادَ بِقَوْلِهِ: ﴿واحِدَةً﴾؛ أيْ: عَلى دِينٍ واحِدٍ؛ ولَمْ يَجْعَلْ شَيْئًا مِنَ الكُتُبِ ناسِخًا لِشَيْءٍ مِنَ الشَّرائِعِ؛ لِأنَّ الكُلَّ بِمَشِيئَتِهِ؛ ولا مَشِيئَةَ لِأحَدٍ سِواهُ إلّا بِمَشِيئَتِهِ؛ ﴿ولَكِنْ﴾؛ لَمْ يَشَأْ ذَلِكَ؛ بَلْ شاءَ أنْ تَكُونُوا عَلى شَرائِعَ مُخْتَلِفَةٍ؛ ﴿لِيَبْلُوَكُمْ﴾؛ أيْ: لِيُعامِلَكم مُعامَلَةَ المُبْتَلِي المُخْتَبِرِ؛ ﴿فِي ما آتاكُمْ﴾؛ أيْ: أعْطاكُمْ؛ وقَسَمَ بَيْنَكم مِنَ الشَّرائِعِ المُخْتَلِفَةِ؛ لِيُبْرِزَ إلى الوُجُودِ ما تَعْمَلُونَ في ذَلِكَ؛ مِنَ اتِّباعٍ؛ وإذْعانٍ - اعْتِقادًا أنَّ ذَلِكَ مُقْتَضى الحِكْمَةِ الإلَهِيَّةِ؛ فَتَرْجِعُونَ عَنْهُ إذا قامَتِ البَراهِينُ بِالمُعْجِزاتِ عَلى صِدْقِ ناسِخِهِ؛ ونَهَضَتِ الأدِلَّةُ البَيِّناتُ عَلى صِحَّةِ دَعْواهُ؛ بَعْدَ طُولِ الإلْفِ لَهُ؛ وإخْلادِ النُّفُوسِ إلَيْهِ؛ واسْتِحْكامِهِ بِمُرُورِ الأعْصارِ؛ وتَقَلُّبِ الأدْوارِ - أوْ زَيْغٍ ومَيْلٍ - اتِّهامًا وتَجْوِيزًا؛ كَما فَعَلَ أوَّلُ المُتَكَبِّرِينَ؛ إبْلِيسُ؛ فَتُؤْثِرُونَ الرُّكُونَ إلَيْهِ؛ والعُكُوفَ عَلَيْهِ؛ لِمُتابَعَةِ الهَوى؛ والوُقُوفِ عِنْدَ مُجَرَّدِ الشَّهْوَةِ.
ولَمّا كانَ في الِاخْتِبارِ أعْظَمُ تَهْدِيدٍ؛ سَبَّبَ عَنْهُ قَوْلَهُ: ﴿فاسْتَبِقُوا الخَيْراتِ﴾؛ أيْ: افْعَلُوا في المُبادَرَةِ إلَيْها؛ بِغايَةِ الجُهْدِ؛ فِعْلَ مَن يُسابِقُ شَخْصًا يَخْشى العارَ بِسَبْقِهِ لَهُ؛ ثُمَّ عَلَّلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿إلى اللَّهِ﴾؛ أيْ: الشّارِعِ لِذَلِكَ؛ لا إلى غَيْرِهِ؛ لِأنَّهُ المَلِكُ الأعْلى؛ ﴿مَرْجِعُكم جَمِيعًا﴾؛ وإنِ اخْتَلَفَتْ (p-١٨٣)شَرائِعُكُمْ؛ حِسًّا في القِيامَةِ؛ ومَعْنًى في جَمِيعِ أُمُورِكم في الدّارَيْنِ؛ ﴿فَيُنَبِّئُكُمْ﴾؛ أيْ: يُخْبِرُكم إخْبارًا عَظِيمًا؛ ﴿بِما كُنْتُمْ﴾؛ أيْ: بِحَسَبِ اخْتِلافِ الجِبِلّاتِ؛ ولَمّا كانَ في تَقْدِيمِ الظَّرْفِ إبْهامٌ؛ وكانَ الإفْهامُ بَعْدَ الإبْهامِ أوْقَعَ في النَّفْسِ؛ قالَ ﴿فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾؛ أيْ: تُجَدِّدُونَ الخِلافَ؛ مُسْتَمِرِّينَ عَلَيْهِ؛ ويُعْطِي كَلامًا يَسْتَحِقُّهُ؛ ويُظْهِرُ سِرَّ الِاخْتِلافِ؛ وفائِدَةَ الوِفاقِ والِائْتِلافِ.
{"ayah":"وَأَنزَلۡنَاۤ إِلَیۡكَ ٱلۡكِتَـٰبَ بِٱلۡحَقِّ مُصَدِّقࣰا لِّمَا بَیۡنَ یَدَیۡهِ مِنَ ٱلۡكِتَـٰبِ وَمُهَیۡمِنًا عَلَیۡهِۖ فَٱحۡكُم بَیۡنَهُم بِمَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُۖ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَاۤءَهُمۡ عَمَّا جَاۤءَكَ مِنَ ٱلۡحَقِّۚ لِكُلࣲّ جَعَلۡنَا مِنكُمۡ شِرۡعَةࣰ وَمِنۡهَاجࣰاۚ وَلَوۡ شَاۤءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمۡ أُمَّةࣰ وَ ٰحِدَةࣰ وَلَـٰكِن لِّیَبۡلُوَكُمۡ فِی مَاۤ ءَاتَىٰكُمۡۖ فَٱسۡتَبِقُوا۟ ٱلۡخَیۡرَ ٰتِۚ إِلَى ٱللَّهِ مَرۡجِعُكُمۡ جَمِیعࣰا فَیُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ فِیهِ تَخۡتَلِفُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق