الباحث القرآني

ثم قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [يس ٧]، اللام هذه مُوطِّئة للقسم؛ أي أنها تدل على أن هناك قسمًا تقديره: والله لقد حق، و(قد) للتحقيق، وعليه فالجملة مؤكدة بثلاثة مؤكدات: القسم المحذوف، واللام، وقد. وهذا التركيب يأتي في القرآن كثيرًا، وطريقه أو طريق إعرابه ما أشرنا إليه. ﴿لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ﴾ أي: وجب، حق هنا بمعنى وجب. و﴿الْقَوْلُ﴾ هو القول بالعذاب كقوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [يونس ٣٣] في الآية الأخرى: ﴿أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ﴾ [غافر ٦]. فمن حقت عليه كلمة العذاب فإنه لا يمكن أن يهتدي مهما أوتي من آية، ولكن لا تحق كلمة العذاب إلا على من استحقها حتى لا يقال: إن الله تعالى قد أجبره على العمل. كقوله تعالى: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ [الصف ٥]، والله عز وجل ينظر في قلوب العباد، فمن كان أهلًا للهداية هداه، ومن لم يكن أهلًا لها لم يهده، فمن حقت عليه الكلمة لما في قلبه من الزيغ -والعياذ بالله- فإنه لا يؤمن. وقوله: ﴿حَقَّ الْقَوْلُ﴾ [يس ٧] ما هو القول؟ * طلبة: العذاب. * الشيخ: العذاب؟! لا، كلمة العذاب وهي قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ﴾ [غافر ٦] والآية الأخرى: ﴿أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [يونس ٣٣]. وقوله: ﴿عَلَى أَكْثَرِهِمْ﴾ يعني على أكثر الذين بُعث إليهم الرسول عليه الصلاة والسلام من العرب، وليس على كلهم؛ ولهذا كذب النبيَّ ﷺ من قريش أممٌ كثيرة، وماتوا على الكفر ولا سيما الصناديد منهم والأشراف. ﴿عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [يس ٧] (هم) الضمير يعود على أكثر لا على الهاء في ﴿أَكْثَرِهِمْ﴾. ﴿فَهُمْ﴾ أي: الأكثر ﴿لَا يُؤْمِنُونَ﴾ حتى وإن جئت بالآيات العظيمة البيِّنة فهم لا يؤمنون؛ لأنهم قد حقت عليهم كلمة العذاب. (...) * الآية الكريمة هذه: أولًا: تأكيد الخبر الهام وإن لم يكن المخاطَب مُنكِرًا؛ لأن هنا يُخبر الله سبحانه وتعالى النبي ﷺ والمؤمنين وهم لا يُنكرون ذلك لكن لأهميته أُكِّدَ. * ومن فوائد الآية الكريمة: أن من حقت عليه كلمة العذاب فإنه لا يؤمن كما في قوله: ﴿أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ﴾ [الزمر ١٩] يعني فقد ثبت أنه من أهل النار فلا تنقذه. * ومن فوائد الآية الكريمة: أن من قريش الذين كذبوا الرسول عليه الصلاة والسلام من لم تحق عليه الكلمة فيؤمن؛ لقوله: ﴿عَلَى أَكْثَرِهِمْ﴾ [يس ٧]. * ومن فوائد الآية الكريمة: إشارة إلى أنه ينبغي بل يجب على الإنسان اللجوء إلى الله عز وجل؛ لأنه هو الذي بيده ملكوت السماوات والأرض، فلا تعتمد على ما في قلبك من رسوخ الإيمان مثلًا وتعتقد أنه لن يتسلط عليك الشيطان، ولن يتسرب إليك هوى النفس الأمارة بالسوء، بل كن دائمًا لاجئًا إلى الله تعالى سائلًا الثبات، فقوله: ﴿لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ﴾ فالأمر كله بيد الله. ثم قال تعالى: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا﴾ [يس ٨] ﴿إِنَّا جَعَلْنَا﴾ أي: صيَّرْنا؛ ولهذا نصبت مفعولين؛ المفعول الأول: ﴿أَغْلَالًا﴾، والمفعول الثاني مُقدم: ﴿فِي أَعْنَاقِهِمْ﴾. وقوله: ﴿أَغْلَالًا﴾، الغل يكون باليد، كما قال تعالى: ﴿غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ﴾ [المائدة ٦٤] إذا كان الغل في اليد، وهنا قال: ﴿فِي أَعْنَاقِهِمْ﴾ فمعناه أن اليد سوف تشد إلى العنق؛ ولهذا (...). أن تضم إليها الأيدي؛ لأن الغل يجمع اليد إلى العنق هكذا تُغل، ثم تشد على العنق. يقول: (﴿فَهِيَ﴾ أي الأيدي مجموعة ﴿إِلَى الْأَذْقَانِ﴾ ). قوله: (مجموعة) أخذها من قوله: ﴿إِلَى الْأَذْقَانِ﴾. ويجوز أن نقدر بدل (مجموعة) منتهية أو بالغة ﴿إِلَى الْأَذْقَانِ﴾ جمع ذَقن، وهو مجمع اللحيين، اللحيان هما العظمان اللذان عليهما الأسنان، ومجمعهما يُسمى ذقنًا يقول: وهي مجتمع اللحيين (...) رافعون رؤوسهم، الأحسن أن يقال: مرفوعو الرؤوس؛ يعني لأن اليد مغلولة إلى العنق تضيق على الذقن، ثم يرتفع الرأس. قال: (رافعو رؤوسهم لا يستطيعون خفضها) لو تصورت هذه الصورة لوجدتها صورة بشعة، وأن الإنسان لا يتمكن معها من التصرف الحر رجل مثلًا مشدودة يداه بعضهما إلى بعض، ثم مجموعة إلى العنق من عند الذقن، إذن لا بد أن يرتفع رأسه اختيارًا أو اضطرارًا؟ اضطرارًا. وزاد بعض العلماء في القمح أنها مغمضة أجفانها؛ يعني لأنه إذا ارتفع رأسه باضطرار فإن من تمام الذل أن يغمض عينيه، ولكن صنيع المؤلف يدل على أنه ليس بشرط، المهم أنك إذا تصورت هذه الحال عرفت أن هؤلاء لا تصرف لهم في أنفسهم، وأنهم لا يستطيعون أن يتصرفوا بأخذ ولا رد بالنسبة لأيديهم، وبالنسبة لرؤوسهم أيضًا ما يستطيعون تنزيلها، دائمًا مرفوعة، وهذا تمثيل لحال هؤلاء المكذبين كما قال المؤلف: (وهذا تمثيل، والمراد أنهم لا يذعنون للإيمان، ولا يخفضون رؤوسهم له). يقول تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا﴾ [يس ٩] بفتح السين وضمها في الموضعين قراءتان سبعيتان أي: ﴿سُدًّا﴾. ﴿فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ﴾ [يس ٩] ﴿أَغْشَيْنَاهُمْ﴾ يعني أغشينا أبصارهم، جعلنا عليها غشاوة بحيث لا تبصر؛ ولهذا قال: ﴿فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ﴾ تمثيل أيضًا لسد طرق الإيمان عليهم. ليس هناك سد حقيقي أي جدار مثلًا أو ثوب ساتر بل هذا من باب التمثيل كأنهم لبُعدهم عن الإيمان -والعياذ بالله- وانحجاب رؤيتهم إياه كأنهم جُعل بينهم وبينه سد ﴿مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾ فلا يتقدمون ﴿وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾ فلا يتأخرون، فهم ثابتون على الكفر لا يتقدمون ولا يتأخرون، ومع ذلك فإن أبصارهم عليها غشاوة لا تبصر الحق، ولا تنظر إليه؛ ولهذا قال: ﴿فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ﴾ فتأمل أيضًا حالهم الآن أيديهم مغلولة إلى أعناقهم من تحت الأذقان، وهم رافعو رؤوسهم، ومع ذلك بينهم وبين الإيمان سد من الأمام ومن الخلف فهم إذن لا يستطيعون أن يصلوا إلى الإيمان ولا أن يصل إليهم الإيمان. * فنستفيد من الآية الكريمة فوائد؛ أولًا: أن الله سبحانه وتعالى إذا أراد أن يحجب الإيمان عن الشخص جعله كالمغلولة يدُه إلى عنقه؛ لقوله: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا﴾ [يس ٨]. ثانيًا: أن هذا الذي جُعِلت يده إلى عنقه على سبيل الغل كأنه مُكرَه على أن يكون على هذه الحال، وهكذا الشيطان يُوسوس للإنسان حتى يُوقِعه في الهلاك كأنه مُكرَه على ذلك، ألم تروا إلى ما جرى للأبوين حين جاء إليهم الشيطان، ووسوس إليهما، ولم يكتفِ بمجرد الوسواس بل قاسمهما، وصار يحلف لهما أشد الأيمان؛ أنه ناصح، فهكذا الشيطان يأتي الإنسان حتى يغويه كالْمُكره له. * ومن فوائد الآيتين الكريمتين: أن هؤلاء قد حُجِب عنهم الهدى، لا يتقدمون إليه، ولا يتأخرون عنه. * ومن فوائده: أن أبصارهم أيضًا قد أُغشيت وجُعِل عليها الغِشاوة فلا تنظر. * ومن فوائد الآيتين: تحذير الإنسان إذا لم ينفتح له باب الهدى أن يكون من جنس أولئك، فإذا رأيت نفسك لا تعلم الهدى ولا تعرفه، وحِيل بينك وبينه فاعلم أنك على خطر، وإذا رأيت من نفسك أن الهدى ينفتح لك ويتبين، وينشرح به صدرك فاعلم أنك على خير، نحن نقيس هذا بحال هؤلاء، جُعِل السد من بين أيديهم ومن خلفهم، وصاروا لا يبصرون الحق، فإذا رأيت من نفسك هذه الحال فاعلم أنك على خطر فتداركه. ثم قال الله تعالى: ﴿وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [يس ١٠] ﴿سَوَاءٌ﴾ خبر مقدم بمعنى مستوٍ و﴿أَأَنْذَرْتَهُمْ﴾ مبتدأ مؤخر مسبوق بمصدر، وإن لم تكن الهمزة من الحروف المصدرية لكن في مثل هذا التركيب قال العلماء: إنها تسبق وما بعدها بمصدر، تقدير الكلام: وإنذارك وعدمه سواء عليهم، و﴿سَوَاءٌ﴾ هنا لم يُقَل فيها: سواءان؛ لأنها مصدر، والمصدر لا يثنى ولا يجمع. وقوله: ﴿وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ﴾ قال المؤلف في بيان القراءة فيها: (بتحقيق الهمزتين) انطق بها؟ * طالب: ﴿أَأَنْذَرْتَهُمْ﴾. * الشيخ: ﴿أَأَنْذَرْتَهُمْ﴾ وإبدال الثانية ألفًا، انطق بها. * طالب: ﴿آنْذَرْتَهُمْ﴾ . * الشيخ: ﴿آنْذَرْتَهُمْ﴾ ، وإبدال الثانية ألفًا. * طالب: (أنذرتهم). * الشيخ: لا. * طالب: ﴿أَانْذَرْتَهُمْ﴾ . * الشيخ: ﴿أَانْذَرْتَهُمْ﴾ ، وتسهيلها؛ تسهيل الهمزة الثانية؟ * طالب: الثانية؟ * الشيخ: إي نعم، حقِّق الأولى، وسهِّل الثانية. * الطالب: (أنذرتهم). * الشيخ: لا، (أنذرتهم) ما جبت الثانية إطلاقًا. * طالب: ﴿أَانْذَرْتَهُمْ﴾ ... * الشيخ: ﴿أَانْذَرْتَهُمْ﴾ ، ما تبينها تمشي عليها على عجل. يقول: (وإدخال ألف بين المسهلة والأخرى وتركها)؛ يعني على قراءة التسهيل تجعل فيها ألفًا أو تحذف الألف، مثالها: إدخال الألف بين الهمزة المحققة والمسهلة؟ * طالب: أأآنذرتهم. * الشيخ: لا أنت بتعمل أربعة.. * الطالب: أآنذرتهم. * الشيخ: لا، آانذرتهم، تمد الأولى وتسهل الثانية، يكون عندنا كم حرف؟ * طالب: ثلاثة. * الشيخ: ثلاثة حروف، الهمزة الأولى محققة، والألف، والهمزة الثانية مسهلة. (وتركه) كما قلنا بالأول بدون ألف ستحقق الأولى وتسهل الثانية بدون ألف، هذه القراءات سبعية ولَّا لا؟ سبعية؛ لأن المؤلف من عادته إذا جاءت قراءة شاذة غير سبعية يقول: (وقرئت). على كل حال هذا لا يختلف به المعنى، إنما هو في كيفية الأداء، أما المعنى فلا يختلف، المعنى أن إنذارك وعدمه لهؤلاء سواء، ثم بيَّن وجه التسوية، فقال: ﴿لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [يس ٧]، هذا معنى التسوية؛ يعني معناه أنذرت أم لم تنذر فإنهم لا يؤمنون؛ ولهذا الجملة هنا استئنافية بيان للجملة الأولى؛ يعني أنهم لا يؤمنون سواء أنذرت أم لم تُنذر، وهذا أمر مُشاهَد أن الإنسان الذي قد قُضِي عليه بالضلالة والعياذ بالله تيجي وتنصحه مرة بعد أخرى، وتُبين له وتُحذِّره ولكن لا يزداد إلا نفورًا والعياذ بالله؛ حتى إن بعض الناس يسخر ويستهزئ بالجزاء. فعلى كل حال هذا الذي يُنذر ولا يتأثر بالإنذار يُخشَى عليه -كما أسلفنا- من أن يكون قد طُبِع على قلبه، وأنه لا يؤمن أبدًا. * من فوائد الآية الكريمة: أن هؤلاء المكذبين للرسول عليه الصلاة والسلام لا يُبالُون ولا تتغير حالهم سواء أنذرهم أم لم ينذرهم. * ومن فوائدها: تسلية النبي ﷺ؛ حيث إنه يتأثر بعدم الإيمان فسلَّاه الله عز وجل بأن هؤلاء قد حقت عليهم كلمة العذاب، وأنهم لا يؤمنون سواء أنذرت أم لم تنذر. * ومن فوائد الآية الكريمة: أن الرسول ﷺ كان ينذرهم مع أنهم قد أُوِيس منهم. * فيستفاد منه: الإنذار حتى وإن يئست، وهذا أحد القولين في المسألة، فإن من أهل العلم من يقول: إذا أَيِست فلا تنذر. ﴿فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى﴾ [الأعلى ٩]، وإن لم تنفع فلا تُذَكِّر. وقال بعض العلماء: بل تُذكِّر وتنذر سواء نفع أم لم ينفع، بل يقولون: إنه لا يخلو من نفع مهما كان؛ لأن أقل ما فيه من النفع أن يبين للناس أن هذا العمل الذي عليه هذا الرجل عمل مُنكَر؛ ولأنه ربما يهديه الله عز وجل، فكم من أناس كانوا أئمة في الكفر، ثم هداهم الله عز وجل فكانوا أئمة في الدين. ثم قال تعالى: ﴿إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ﴾ [يس ١١] شوف قال: ﴿إِنَّمَا تُنْذِرُ﴾، ثم قال: ﴿فَبَشِّرْهُ﴾. ﴿إِنَّمَا تُنْذِرُ﴾ هذه الجملة فيها حصر طريقه ﴿إِنَّمَا﴾، ﴿تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ﴾ حولها إلى نفي وإثبات يكون التقدير: لا تنذر إلا من اتبع الذكر. وقوله: ﴿إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ﴾ يعني أن المراد بذلك إنما تنذر الإنذار النافع كأنه قال: لا ينتفع بإنذارك إلا من اتبع الذكر؛ ولهذا قال المؤلف: (﴿إِنَّمَا تُنْذِرُ﴾ ينفع إنذارك ﴿مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ﴾ القرآن ﴿وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ﴾ خافه ولم يره ﴿فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيم﴾ [يس ١١] هو الجنة). نشوف ﴿إِنَّمَا تُنْذِرُ﴾ ويش معناها؟ ينفع إنذارك، هذا الذي ينتفع بإنذارك. قوله: ﴿مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ﴾ المراد بالاتباع شيئان؛ الشيء الأول: تصديق الخبر واعتقاد مقتضاه فإن هذا اتباع، والثاني: امتثال الأمر واجتناب النهي، هذا اتباع الذِّكر، فمن استكبر عما فيه من الأمر أو النهي فإنه لم يتبعه، ومن لم يصدق بأخباره فإنه لم يتبعه، لا يتحقق اتباع الذكر إلا بهذين الأمرين، تصديق الأخبار، واتباع الأحكام فعلًا للمأمور وتركًا للمحظور. وقوله: ﴿الذِّكْرَ﴾ المراد به القرآن؛ لقوله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر ٩]، وسُمِّي القرآن ذكرًا؛ أولًا: لما فيه من التذكير والموعظة. وثانيًا: لما فيه من ذكر الأخبار الماضية وقصص الأنبياء الغابرة المفيدة للقلب. وثالثًا: ما فيه من ذِكْر أحوال الناس في الجزاء، وأنهم ينقسمون إلى فريق في الجنة وفريق في السعير؛ هذه ثلاثة أوجه. الرابع: لما فيه من ذكر العرب ورفع شأنهم كما قال الله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ﴾ [الزخرف ٤٤] فإن القرآن لا شك رفع من شأن العرب، وجعلهم هم الأمة الذين ترجع إليهم الأمم، فإن الأمم كلها لم تهتدِ إلا عن طريق من؟ عن طريق العرب، ففي هذا لا شك رفْع لشأنهم وعز لمكانتهم؛ فلهذا سُمِّي القرآن ذِكْرًا. إذن المراد بالذكر ما هو؟ القرآن وسمي ذكرًا لأمور أربعة: الأول: أن الإنسان يتذكر به ويتعظ به، وهذا أمر لا شك فيه. ثانيًا: لأنه تضمن ذكر أخبار الأولين السابقين التي فيها عبرة لنا، كما قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [يوسف ١١١]. الثالث: أن فيه ذكرًا لأحوال الأمم أو لأحوال الناس للجزاء يوم القيامة، وأنهم ينقسمون إلى فريقين؛ فريق في الجنة وفريق في السعير. الرابع: أن فيه ذِكْرًا للعرب ورفعًا لشأنهم؛ حيث جاء بلغتهم، ووصل إلى الناس عن طريقهم. وفيه أيضًا خامس: وهو ذكر شريعة الله وأحكامه من الأوامر والنواهي؛ لأن هذا هو عديل الأخبار التي ذكرناها؛ أخبار الأمم الماضية وأخبار الناس في المستقبل، فيكون ذِكرًا إذن بخمسة أوجه (...) قال الله تبارك وتعالى: ﴿لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [يس ٧] هذه الجملة مؤكدة؟ (...) ولَّا نعيدها؟ (بينه بلاغة القرآن بتمثيل المعقول بالمحسوس) هذه تؤخذ من الآيتين الأوليين ﴿إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ﴾ إلى آخره [يس: ٨]. * ثانيًا: من فوائد الآية الكريمة: أن هؤلاء قد حقت عليهم كلمة العذاب، ومن حقت عليه الكلمة فلا يمكن أن يؤمن سواء أنذِر أم لم يُنذَر. * ثالثًا: أن الأمر كله بيد الله عز وجل؛ فهو الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء، ولكن هذا مقرون بالحكمة، من اقتضت حكمة الله عز وجل أن يهتدي؛ هداه الله، ومن اقتضت حكمته أن يضل؛ أضله الله، وهذا مبني على قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ [الصف ٥] وحينئذٍ يكون حرمان الله تعالى الهداية للشخص يكون الشخص هو السبب في حرمان نفسه الهداية؛ لأنه ليس أهلًا لها؛ فالله عز وجل ينظر في قلوب العباد من وَجد في قلبه صلاحية للهدى هداه، ومن وَجَد في قلبه عدم الصلاحية لم يهده، فأصل بلائك من نفسك. * ومن فوائد الآية الكريمة: أن الضال -والعياذ بالله- الذي كُتِبت عليه الضلالة لا يبصر الحق، وإن كان الحق بينًا واضحًا فإنه لا يبصره، يكون على بصره غشاوة، كما أنه لا يعقله أيضًا؛ لقوله تعالى: ﴿إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (١٣) كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [المطففين ١٣، ١٤]، الذي يعتقد أن القرآن أساطير الأولين، وأنه لا يفيد، وأنه بمنزلة السوالف العجائب، لماذا يرى هذه الرؤية في كتاب الله عز وجل؟ لأنه فاسد القلب، قلبه قد ران عليه ما كان يكسبه من الأعمال السيئة فلم يرَ الحق حقًّا: ؎وَمَنْ يَكُ ذَا فَمٍ مُرٍّ مَرِيضٍ ∗∗∗ يَجِدْ مُرًّا بِهَ الْمَاءَ الزُّلَالَ الماء الزلال الصافي الحلو العذب يجده المريض مُرًّا، هل جربتم ذلك؟ إي نعم، إذا مرض الإنسان وذاق الماء اللي كان عذبًا عنده في مذاقه من قبل يجده الآن مُرًّا لا لأن الماء مر لكن لأن المحل غير قابل، فيجد هذه العذوبة مرارة. * ومن فوائد الآيات: تسلية الرسول ﷺ لئلا يهلك نفسه لعدم إيمانهم؛ لقوله: ﴿وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ﴾ [يس ١٠] فأنت لم تقصر لكن هؤلاء لا ينتفعون، والرسول عليه الصلاة والسلام إذا لم يهتدِ الناس فإنه يشق عليه ذلك، ويضيق به صدرك كما قال تعالى: ﴿لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ [الشعراء ٣] يعني لعلك مهلكها إذا لم يؤمنوا، وهذا ليس عليك. ثم قال تعالى: ﴿إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ﴾ [يس ١١]. هذه الجملة أخذناها وقلنا: إن المراد بالذكر القرآن، وأن اتباعه يكون بتصديق أخباره وامتثال أوامره واجتناب نواهيه، هذا اتباعه، وقلنا: سمي ذكرًا لأمور متعددة، أولها؟ * طالب: هو القرآن. * الشيخ: إي، لماذا سمي ذكرًا؟ * الطالب: فيه ذكر أخبار السابقين. * الشيخ: لأنه يتضمن ذكر أخبار السابقين لنتعظ بهم ونعتبر، الدليل؟ * الطالب: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ﴾ [يوسف ١١١]. * الشيخ: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [يوسف ١١١] طيب هذا واحد، ثانيًا؟ * طالب: ذِكر للعرب ورفع شأنهم. * الشيخ: أنه ذكر للعرب ورفع شأنهم، الدليل؟ * الطالب: ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ﴾ [الزخرف ٤٤]. * الشيخ: ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ﴾. * طالب: ذكر أحكام الشريعة، الأوامر والنواهي. * الشيخ: نعم، صح، الدليل؟ * الطالب: الآيات، الأوامر المنظومة في القرآن. * الشيخ: طيب نعم. * طالب: (...) قوله تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى﴾ [الزمر ٢١]. * الشيخ: ذكر لأن الإنسان يتذكر به ويتعظ، الدليل؟ * طالب: (...). * الشيخ: وأيضًا ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ [القمر ١٧] كم هذه؟ * طالب: (...). * الشيخ: أن فيه ذكر مآل الناس وأحوالهم يوم القيامة من الثواب والعقاب، وهذا لا شك أنه ينفع القلوب، قال الله عز وجل: ﴿وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ﴾ [يس ١١]، خشي يقول المؤلف: (بمعنى خاف). وعليه فهذا من باب الحد المعنوي ولا اللفظي؟ لأن بنطالبكم بهذه المسألة؛ لأننا قرأناها في أصول الفقه، حد لفظي؛ لأنه فُسِّر بمرادفه، تفسير الشيء بمرادفه يسمى حدًّا لفظيًّا، إذا قلت: القمح والبر، هذا حد لفظي، الخشية هي الخوف، هذا حد لفظي، ولكن في هذا نظر؛ لأن هذا الحد غير جامد، أو بالأصح غير مانع ليش؟ لأن الخشية ليست مجرد الخوف بل الخوف عن علم بالمخوف وعظمته هي الخشية بدليل قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر ٢٨]. الخوف قد لا يكون لعظمة المخوف ولكن لضعف الخائف، لكن الخشية ما تكون إلا لعظمة المخوف إذا عرف الخاشي عظم هذا المخشي فخشيه، أفهمتم الآن؟ طيب إذن بينهما فرق، فتفسير الخشية بمطلق الخوف فيه نظر، والصواب أن يقال: الخوف عن علم بعظمة المخوف، الدليل: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر ٢٨]، إذن فالخشية ناشئة عن تعظيم المخشي، أما الخوف فقد يكون ناشئًا عن ذلك، وقد يكون ناشئًا عن ضعف الخائف، فالصغير الذي له أربع سنين يخاف الذي له ست سنين، صح؟ والذي له ست سنين يخاف الذي له ثماني سنين وهكذا. إذن ليس عظيمًا صاحب ست سنين ليس عظيمًا بالنسبة لذاته، لكنه عظيم بالنسبة لمن دونه. وقوله: ﴿الرَّحْمَنَ﴾ ﴿خَشِيَ الرَّحْمَنَ﴾ اختيار هذا الاسم هنا دون ذكر الله عز وجل؛ لأن الإنسان الذي يخشى الله عز وجل يخافه عن عِلْم، هذا الخوف طمأن الله الخائف والخاشي بأنه إنما يخشى رحمانًا يرحمه، فكلما عظمت خشيتك لله عظمت رحمت الله بك؛ لأن الله عز وجل إذا خافه الإنسان خشية فإنه يرحمه؛ لأنه ما من إنسان يخشى الله حقيقة إلا سيقوم بأوامره، ويجتنب نواهيه، وحينئذٍ يكون مُعرِّضًا أو متعرضًا للرحمة، هذه هي المناسبة بذكر الرحمن دون ذكر الله. وقوله: ﴿بِالْغَيْبِ﴾ قال المؤلف: (ولم يره) كأنه يفسر أن المراد بالغيب أنه يخشى الله مع غيبة الله عنه فيكون بالغيب حالًا من المخشي، يعني يخشى الله والله غائب عنه، هذا أحد الوجهين في الآية. الوجه الثاني: يخشى الله بالغيب؛ أي يخشى الله في حال الغيبة عن الناس، يخشى الله في قلبه في عمل غائب لا يظهر فيكون بالغيب حالًا من المخشي ولَّا من الخاشي؟ حالًا من الخاشي؛ يعني أن هذا الإنسان الذي أنذرته وانتفع به ذلك هو الذي اتبع الذكر وخشي الله بالغيب حال كونه غائبًا عن الناس، خشي الله بالغيب أي بالعمل الغائب الكائن في قلبه. هي الخشية الحقيقية؛ لأن خشية الله بالعلانية قد يكون سببها مراءاة للناس، ويكون في هذه الخشية شيء من الشرك؛ لأنه يرائي بها، لكن إذا كان يخشى الله في مكان لا يطلع عليه إلا الله فهذا هو الخاشي حقيقة، وكم من إنسان عند الناس لا يفعل المعاصي، ولكن فيما بينه وبين نفسه يتهاون بها، فيه إنسان، حدثني شخص يقول: إنسان ظاهره الصلاح حتى إنه ينكر إذا سمع الأغاني في الراديو أو في التلفزيون، لكنه هو في بيته يقتني الراديو والتلفزيون ويُكِبُّ على سماع الأغاني، هذا خشي الله بالغيب؟ لا، ما خشي الله بالغيب، هذا خشي الناس في الحقيقة، ولم يخش الله عز وجل؛ لأن الذي يخشى الله لا بد أن يقوم بقلبه تعظيم الله سبحانه وتعالى سواء بحضرة الناس أو بغيبة الناس. أيضًا يخشى الله بالغيب؛ أي: بما غاب عن الأبصار نظرًا، وعن الآذان سمعًا وهو خشية القلب، وخشية القلب أعظم ملاحظة من خشية الجوارح، صح ولَّا لا؟ خشية القلب أعظم مراقبة من خشية الجوارح؛ لأن الذي يخشى الله بقلبه يكون مراقبًا لله عز وجل ولحقه أكثر، ولأنه يجب أن تُرَاقب خشية القلب أكثر مما تراقب خشية الجوارح؛ خشية الجوارح بإمكان كل إنسان أن يقوم بها حتى في بيته، كل إنسان يستطيع أن يقوم يصلي ولا يتحرك، ينظر إلى موضع سجوده، يرفع يديه موضع الرفع يعني: يستقيم استقامة تامة في ظاهر الصلاة، لكن القلب غافل. أما خشية القلب فهي الأصل وهي التي يجب أن يراقبها الإنسان ويحرص عليها حرصًا تامًا، وهذا معنى قوله: ﴿وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ﴾، إذن الصواب بل الراجح من القولين أن قوله: ﴿بِالْغَيْبِ﴾ يعود على الخاشي أي يخشى الله تعالى غائبًا عن الخلق، ويخشى الله تعالى بخشية غائبة لا تظهر للعيون ولا تسمعها الآذان وهي خشية أيش؟ خشية القلب. أما قول المؤلف: (ولم يره)، واعتبر أن الغيب هنا حال من المخشي فهذا فيه نظر؛ لأن الله عز وجل صحيح لا يُرى، ولكن آياته البينة الظاهرة كأن الإنسان يرى ربه؛ ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: «الْإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ» »[[متفق عليه؛ البخاري (٥٠)، ومسلم (٩ / ١) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]] فآيات الله كلما تأمل الإنسان فيها سواء الآيات الكونية أو الآيات الشرعية، كلما تَأَمَّل فيها ظهر له بها وجود الخالق، وظهر له كلما تضمنه هذه الآيات من صفاته ظهورًا بينًا كأنما يشاهد الله عز وجل. فالصواب إذن المعنى الأول لأننا نقول: وإن لم نر الله لكن نرى من آياته ما يدُلنا دلالة قطعية يقينية أيش على إيه؟ على وجوده وعظمته. يقول: ﴿وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ﴾ شوف قال: ﴿تُنْذِرُ﴾ ثم قال: ﴿فَبَشِّرْهُ﴾ متقابلان، تنذره فينتفع بالإنذار، إذا انتفع بالإنذار حصل له الثواب فاستحق البشارة؛ ولهذا قال: (﴿فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ﴾ هو الجنة) ﴿بِمَغْفِرَةٍ﴾ للذنوب ﴿وَأَجْرٍ كَرِيمٍ﴾ على فعل الحسنات، والكريم يتضمن كرم الذات العينة وكرم الصفات؛ كقول النبي عليه الصلاة والسلام: «إِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٣٤٧)، ومسلم (١٩ / ٢٩) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.]] يعني: الكريمة بذاتها وبصفاتها، الأجر الكريم بذاته إذا نظرنا إلى نعيم الجنة بذاته وجدنا أنه كريم أكرم وأجمل وأحسن وأنفع من نعيم الجنة؛ ففي الجنة فاكهة ونخل ورمان وعسل وخمر إذا نَسَبْتَ هذا إلى نعيم الدنيا وجدت أنه أكرم من نعيم الدنيا في ذاته، في صفاته أيضًا طعمه ورائحته وغير ذلك هو أيضًا أكرم. كريم أيضًا من حيث المقابلة، فالحسنة بكم؟ بعشر أمثالها إلى سبع مئة ضعف إلى أضعاف كثيرة، الأجر في الدنيا يكون بقدر العِوَض، تبيع عليَّ سيارة بعشرة آلاف قيمتها كم؟ عشرة آلاف، ما أعطيك إلا عشرة ما أزيد، لكن في الآخرة آجر الآخرة أكرم وأعظم؛ لأنك تبذل واحدًا وتُعطَى كم؟ عشرة إلى سبع مئة ضعف إلى أضعاف كثيرة، فصار كرم الأجر -أجر الآخرة- من عدة وجوه في عينه وصفته وأيش؟ ومقابلته أو ومعاوضته؛ فإنه أعظم بكثير من عِوَض الدنيا وأجر الدنيا. قال المؤلف: (هو الجنة) هذا تفسير للمراد لا للمعنى، ولا شك أن الجنة تشتمل على ما ذكرنا. ثم قال تعالى: (﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى﴾ [يس ١٢] للبعث ﴿وَنَكْتُبُ﴾ في اللوح المحفوظ ﴿مَا قَدَّمُوا﴾ في حياتهم من خير وشر ليُجازَوْا عليه ﴿وَآثَارَهُمْ﴾ ما اسْتُنَّ به بعدهم ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ﴾ نصبه بِفِعْلٍ يُفَسِّرهُ ﴿أَحْصَيْنَاهُ﴾ ضبطناه ﴿فِي إِمَامٍ مُبِينٍ﴾ كتاب بَيِّنٍ هو اللوح المحفوظ). قال الله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ﴾. أولًا: مناسبة هذه الآية بما قبلها لها مناسبتان: المناسبة الأولى أنه لما ذكر حال من ينتفع بذكرى الرسول عليه الصلاة والسلام ومن لا ينتفع بَيَّن أن كلًّا منهم سوف يُحيا بعد موته وسوف يجازى على عمله، فالمناسبة ظاهرة؛ ففيها بشارة للمؤمن المنتذر، وفيها إنذار وتخويف لمن خالف. ثانيًا: أن الله تعالى لما ذكر حال هؤلاء المكذبين فإن تكذيبهم بمنزلة الموت، وإذا كان الله قادرًا على إحياء الموتى إحياءً حسيًّا فهو قادر على إحياء هؤلاء الموتى بالكفر إحياء معنويًّا، فتكون المناسبة من وجهين. قال: ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى﴾ ﴿إِنَّا﴾ هذه ضمير جمع، والله عز وجل واحد فتُحْمَل هذه على أي شيء؟ على التعظيم قطعًا، ﴿نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى﴾ ﴿نَحْنُ﴾ هذه ضمير فَصْلٍ؛ لأنها لو سقطت وقيل: إنا نُحْيِ الموتى استقام الكلام فهي ضمير فصل للتخصيص؛ يعني نحن لا غيرنا. ﴿نُحْيِ الْمَوْتَى﴾ جمع ميت ويشمل الموتى من بني آدم وغيرهم، لكن قوله: ﴿وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ﴾ يدل على أيش؟ على التخصيص، وهذا له نظائر في القرآن والسنة؛ إذا جاء لفظ عام ثم ذُكِرَ بعده حكم يختص ببعض أفراده فهل هذا يخصِّص العموم أو لا يخصصه؟ إذا نظرنا إلى تصرف العلماء رحمهم وجدنا أنهم أحيانًا يجعلونه مخصصًا للعموم وأحيانًا لا يجعلونه مخصصًا للعموم؛ فمثلًا ﴿الْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا﴾ [البقرة ٢٢٨] هذه الآية فيها عموم وفيها حكم يختص ببعض أفراد هذا العموم، أين العموم؟ ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ﴾ فإن هذا يشمل من لها رجعة ومن ليس لها رجعة، هذا العموم، ثم قال بعد ذلك ﴿وَبُعُولَتُهُنَّ﴾ أي: بعولة المطلقات ﴿أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا﴾ هذا الحكم يختص بمن؟ بالرجعيات، فهل نقول: إن المراد بالمطلقات في قوله: ﴿الْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ﴾ المراد بها الرجعيات أو هو عامٌّ؟ أكثر العلماء على أنه عام. نأتي إلى السنة قال جابر: «قضى النبي ﷺ بالشُّفْعَة في كلِّ ما لم يُقْسَم، فإذا وقعت الحدود وصُرِّفَت الطرق فلا شفعة»[[متفق عليه؛ البخاري واللفظ له (٢٢١٣)، ومسلم (١٦٠٨ /١٣٤) من حديث جابر رضي الله عنه. ]]. في هذا عموم، وفي هذا حكم تَعَقَّبه يختص ببعض أفراد هذا العموم، فهل نأخذ بالعموم أو نأخذ بما يقتضيه هذا الحكم المُعقَّب؟ «قضى النبي ﷺ بالشُّفعة في كل ما لم يُقْسَم.» ويش يشمل؟ كل ما لا يُقْسم حتى لو كان بيني وبينك سيارة (...) نصيبك منها فلي الشفعة، ولَّا لا؟ نبغي نأخذ بالعموم في كل ما لم يُقْسَم، «فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة، » هذا يختص بأيش؟ بالأراضي فهل نقول: إن قوله: «في كل ما لم يقسم » يختص بالأراضي؛ (...) الحكم المفرع؟ ونقول: إذا كان شريكان في سيارة وباع أحدهما نصيبه فلا شفعة للثاني، أو نقول: نأخذ بالعموم ونجعل هذا الحكم الخاص لبعض أفراده يختص به؟ فيه أيضًا خلاف. هذه المسألة التي نحن فيها الآن ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى﴾ أيش يشمل؟ كل ميت حتى البهائم، ﴿وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ﴾ هذا خاص بالمكلفين، فهل نقول: ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى﴾ من المكلفين بدليل قوله: ﴿وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا﴾ أو نقول: هو عام وتعقيبه بحكم يختص ببعض أفراده لا يقتضي التخصيص؟ * طلبة: عام. * الشيخ: عام، طيب ينبني على الخلاف يا إخواني، العلماء -كما تشاهدون- يختلفون في مثل هذا، فنحن نقول: ممكن أن نقول: الموتى الذين يكتب لهم ما قدَّموا وآثارَهم بدليل قوله: ﴿وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ﴾. وقد يقول قائل: أنا (...) العموم ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى﴾ كل ميت، ونكتب ما قدَّم بعضهم وهم المكلفون. ﴿إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ﴾ [يس ١١] ذكر وصفين: الذي يَتَّبِع الذِّكر، وذكرنا أن اتباع الذكر يكون بأمرين: الأول. * طالب: (...) أخباره يعني مقتضاها، والعمل بما يُعْمل به. * الشيخ: نعم، تصديق الأخبار واعتقاد مقتضاها، والثاني: العمل بالأحكام فعلًا للمأمور وتركًا للمحذور. والوصف الثاني: ﴿خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ﴾ والخشية. * طالب: الخوف عن علم بعظمة المخوف. * الشيخ: نعم، الخوف عن علم بعظمة المخوف، دليل ذلك؟ * طالب: ﴿إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ﴾.. * الشيخ: دليل أن الخشية هي الخوف، مع العلم بعظم المخْشِيِّ. * طالب: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر ٢٨] * الشيخ: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ طيب، وذكرنا أن قوله: ﴿بِالْغَيْبِ﴾ يحتمل وجهين؛ أحدهما ذكره المؤلف والثاني ذكرناه نحن. * طالب: الثاني (...). ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ﴾ قال: (﴿وَكُلَّ شَيْءٍ﴾ نصبه بفعل يفسره ﴿أَحْصَيْنَاهُ﴾ ) ﴿كُلَّ شَيْءٍ﴾ ﴿كُلَّ﴾ هذه مفعول لفعل محذوف يفسره قوله: ﴿أَحْصَيْنَاهُ﴾، وعلى هذا فيكون التقدير: أحصينا كل شيء، ولا تَجْمَع بين المُفَسِّر والمفسَّر؛ يعني: لا تقل: التقدير أحصينا كل شيء أحصيناه؛ لأنه لا يُجْمَع بَيْنَ المُفَسِّر والمُفَسَّر، فإذا أردت أن تُقَدِّر تقول: التقدير وأحصينا كلَّ شيء في إمام مبين، لكن جُعِلَت الصيغة على هذا الوجه، ليكون المسند لذكر المُسْنَد إليه مرتين؛ لأن ﴿كُلَّ شَيْءٍ﴾ والضمير في ﴿أَحْصَيْنَاهُ﴾ يعودان على شيء واحد فيكون هنا ذُكِرَ المعمول مرتين، مرة على أنه مفعول بفعل مقدر، ومرة على أنه ضمير لذلك المذكور وهو قوله: ﴿أَحْصَيْنَاهُ﴾، هذا التركيب يُسَمَّى عند النحويين أيش؟ يُسَمَّى الاشتغال، والاشتغال تجري فيه الأحكام الخمسة: الوجوب، والاستحباب، والإباحة، والكراهية، والتحريم، لكن هذا وجوبٌ نحويٌّ، ما هو بوجوب شرعي؛ يعني: تارةً يجب نصبُه، وتارة يمتنع، وتارة يترجَّح نصبه، وتارة يترجَّح رفعه، وتارة يستوي الأمران؛ في مثل هذا التركيب ما الذي يترجح؟ طبعًا ستقولون: يترجح النصب بدون تردُّد؛ لأنها منصوبة الآن، يترجح النصب لماذا؟ لأن الجملة هنا معطوفة على جملة فعلية، فإذا جعلناه مفعولًا لفعل محذوف صارت الجملة المعطوفة أيش؟ فعلية ولَّا اسمية؟ صارت فعلية وتَنَاسُب الجملتين أولى من تضادهما، هذا معلوم ولَّا لا؟ طيب قلنا: إن هذا من باب الاشتغال، وترجَّح النصب هنا؛ لأن قوله: ﴿أَحْصَيْنَاهُ﴾ معطوف على قوله: ﴿نَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ﴾، فإذا جعلنا الواو حرفَ عطفٍ والجملة فعلية ﴿أَحْصَيْنَاهُ﴾ صار المعطوف جملة فِعْلِيَّة على جملة فعلية، ولو رفعنا وهو جائز الرفع هنا، لكن النصب أرجح، لو رفعناه وقلنا: وكل ُّشيء أحصيناه، صار العطف هنا عطف جملة اسمية على جملة فعلية أيهما أَنْسَب؟ الأول أنسب؛ أن نعطف جملة فعلية على جملة فعلية؛ ولهذا نقول: إن النصب هنا أرجح مع جواز الرفع، لولا أنه في كلام الله ولا يُغَيَّر لكان يجوز أن نقول: وكل ُّشيء أحصيناه، فهمتم ولَّا لا؟ ولهذا لو قلنا: زيد ضربتُه، يجوز أن أقول: زيدًا ضربتُه، لكنْ أيهما أرجح؟ الرفع؛ لأنه الأصل ولا في جملة نعطف عليها شيء، لكن لو قلت: ضربت زيدًا وعمرٌو أكرمته، يجوز في (عمرو أكرمتُه) النصب ويجوز الرفع، لكن أيهما أرجح؟ النصب لأني قلت: ضربت زيدًا جملة فعلية، والجملة الفعلية عندكم معروفة ما هي؟ المبدوءة بالفعل، ضربت زيدًا أقول: وعمرًا أكرمته، ويجوز وعمرٌو أكرمته، لكن الأول أولى لتناسب الجملتين، نحن ذكرنا هذا على سبيل الاستطراد ولَّا ليس الدرس درس نحو، لكن هذه القاعدة إذا جاءت جملة فيها اشتغال فإن كانت ابتدائية أو معطوفة على جملة اسمية فالراجح الرفع، وإن كانت معطوفة على جملة فعلية فالراجح النصب. قال الله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ﴾ [يس ١٢] ﴿نَكْتُبُ﴾ هل الذي يَكْتُب الله عز وجل أو الملائكة بأمر الله؟ الملائكة بأمر الله؛ لقوله تعالى: ﴿كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (٩) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ﴾ [الانفطار ٩، ١٠] وإسناد الكتابة إلى الآمر موجود في اللغة العربية كثيرًا؛ يقول: السيد كتبتُ كذا وكذا، والمراد كَتَبَه عبيده، فهنا ﴿نَكْتُبُ﴾ يقول الله عز وجل: ﴿نَكْتُبُ﴾، والمراد بملائكته دليل ذلك، يحتاج إلى دليل وإلا كان يقول: ليش تصرفه عن ظاهره؟ دليل ذلك ﴿كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (٩) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (١٠) كِرَامًا كَاتِبِينَ (١١) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [الانفطار ٩ - ١٢]. وقوله: ﴿نَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا﴾ أي: ما قدَّموه في الدنيا من أعمال صالحة؛ لأن كل إنسان يعمل عملًا صالحًا في الدنيا فإنه قد قدَّمه بمنزلة السَّلَم، تعرفون السلم في البيع؟ المشتري يُقَدِّم الثمن، أنت الآن مقدم للثمن، المُثْمَن متى يكون؟ يكون يوم القيامة، وقد يكون في الدنيا ويوم القيامة جميعًا، فأنت الآن إذا عَمِلْت عملًا صالحًا فقد قَدَّمْتَ لنفسك الآن ثمنًا تأخذ عِوَضه يوم القيامة، ثِقْ بهذا وأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملًا. وقوله: ﴿نَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا﴾ يقول المؤلف: (نكتب في اللوح المحفوظ ما قدموا في حياتهم)، هكذا مشى عليه المؤلف أن المراد بالكتابة هنا الكتابة في اللوح المحفوظ، وهذا التفسير مخالف لظاهر اللفظ؛ لأن قوله: ﴿نَكْتُبُ﴾ فعل مضارع، والمضارع لا يُحْمَل على الماضي إلا بدليل لفظي، ك(لم) مثلًا إذا دخلت على المضارع جعلته ماضيًا، أو دليل حالي يدل عليه السياق، وهنا لا دليل على أن المراد ﴿نَكْتُبُ﴾ في اللوح المحفوظ، الكتابة في اللوح المحفوظ انتهت ولَّا لا؟ انتهت، كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ [الأنبياء ١٠٥] اللوح المحفوظ انتهت كتابته، ولا يمكن أن تصاغ ﴿نَكْتُبُ﴾ لشيء انتهى، ولكن المراد ﴿نَكْتُبُ﴾ يعني بواسطة الملائكة تكتب ما قَدَّموا، والملائكة تَكْتُبْ ولَّا كتبت؟ تكتب، إذن الصواب نكتب في صحائف الأعمال، والذين يكتبون: الملائكةُ بأمر الله عز وجل. (﴿مَا قَدَّمُوا﴾ في حياتهم من خير وشر ليُجَازَوْا عليه) نعم يكتب الله عز وجل ما قَدَّم الإنسان من خير وشر، لكن ما قدمه مِن خير فهو مضمون، وما قدمه من شر فليس بمضمون، صح؟ نعم؛ لأن الخير لا يمكن أن يهدر منه شيء، والشر قد يعفو الله عنه إذا لم يكن شركًا؛ لقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء ٤٨]، وهذا من مصلحة الإنسان إذا كان غير مضمون ولَّا من غير مصلحته؟ من مصلحته. قال: (﴿وَآثَارَهُمْ﴾ ما استُنَّ به بعدهم) الآثار جمع أثر، والأثر ما أعقب الشيء، ومنه أَثَر القدم بعد المشي فإنه يَعقُبه، فما المراد بآثارهم؟ قال المؤلف: (ما استُنَّ بِهِ بَعْدَهم)، وهذا التفسير كمثال وليس حصرًا؛ لأن اللي يُكتب بالآثار أكثر مما استُنَّ به بعدهم؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ»[[أخرجه مسلم (١٦٣١ / ١٤) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. ]] فمثلًا الصدقة الجارية هذه من آثارهم ولَّا مما قدموا؟ لا، من آثارهم أيضًا، هذا إذا أَوْقَفَ الإنسان مزرعة أو بستانًا على الفقراء وانتفعوا به بعد موته صار هذا من الآثار بلا شك وإن كان أصل التقديم في حياته لكنه النفع صار بعد مماته، العلم النافع من آثارهم، كل ما انتُفِعَ به بعد موته من علم فهو من آثارهم، الولد الصالح أيضًا من آثارهم؛ لأن الولد من كسب الإنسان فإذا كان ولد صالح يدعو لأبيه أو أمه فهو من الآثار، طيب ما اقتدى به الناس بعده من الأعمال الصالحة والأخلاق الحميدة فهو أيضًا من الآثار. إذن ما ذكره المؤلف على سبيل المثال، وهذا الذي قاله المؤلف أن المراد بالآثار ما كان من بعد موت الإنسان هذا هو الصحيح. وذهب بعض المفسرين إلى أن المراد بالآثار الآثار التي يتقدمون بها إلى الطاعة كالمشي إلى الصلوات فإن الله تعالى يكتب للإنسان كل خطوة فيرفع له بها درجة ويحط عنه بها خطيئة، واستدل هؤلاء بأن النبي ﷺ قال لبني سلمة قال لهم: «دِيارُكُمْ تُكْتَبُ آثَارُكُمْ»[[أخرجه مسلم (٦٦٥ / ٢٨٠) من حديث جابر رضي الله عنه. ]] فجعل الرسول عليه الصلاة والسلام الآثار تكتب، ولكن هذا الاستدلال فيها نظر لأن قول الرسول: «تُكْتَبُ آثَارُكُمْ» » هذا مما قدموه في حياتهم، أليس كذلك؟ ولكنه سَمَّاه أثرًا؛ لأنه نعم أثر والممشى والمسير. فالصواب أن الآية كما قال المؤلف أن المراد بـ﴿مَا قَدَّمُوا﴾ ما سبق من أعمال صالحة في حياتهم حتى آثار مسيرهم إلى المساجد وآثارهم ما كان بعد موتهم. قال: ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ﴾ قال المؤلف: (﴿أَحْصَيْنَاهُ﴾ ضبطناه)، والإحصاء بمعنى الضبط مأخوذ من الحصا؛ لأن العرب كما نعلم أمة أمية ما يكتبون يضبطون الأشياء بالحصى أو شبهها ويُقَدِّرون بالرمح وما أشبهه، ما يقرؤون ولا يكتبون فكانوا إذا أرادوا ضبط الشيء أخذوا حصى. كم عدد القوم؟ قال: تفضل، أعطاك كيس الحصى، ويعده ولَّا لا؟ إذا عدَّها عرف عدد القوم، ولهذا قال الشاعر: ؎وَلَسْتَ بِالْأَكْثَرِ مِنْهُمْ حَصًى ∗∗∗ وَإِنَّمَا الْعِزَّةُ لِلْكَاثِرِ (وَلَسْتَ بِالْأَكْثَرِ مِنْهُمْ حَصًى) يعني: قومك ما هم كثيرين (وَإِنَّمَا الْعِزَّةُ لِلْكَاثِرِ)، وَيُضْرَب المثلُ فيقال: جاء قوم كَثْر الحصى. على كل حال (﴿أَحْصَيْنَاهُ﴾ ضبطناه)، وسُمِّي الضبط إحصاء؛ لأن العرب كانت تربط الشيء بالحصى. قال: (﴿أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ﴾ كتاب بين وهو اللوح المحفوظ) هذا صحيح، ﴿فِي إِمَامٍ﴾ الإمام يُطْلق على عدة معان يجمعها أنه مَرْجِع؛ فإمام الصلاة مثلًا إمام؛ لأنه مرجع للمؤمنين يقتدون به، وإمام الحكم كذلك مرجع يرجع الناس إليه، والكتاب إمام؛ لأنه مرجع كما قال الله تعالى: ﴿وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (١٣) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾ [الإسراء ١٣، ١٤]، إذن ﴿فِي إِمَامٍ﴾ في كتاب. وقوله: ﴿مُبِينٍ﴾ يقول: بمعنى (بَيِّن)؛ لأن مُبِين هنا من الرباعي ولَّا من الثلاثي؟ من الرباعي من أبان يُبين فهو مبين أما بين فهي من الثلاثي من بان يَبِين فهو بَيِّن، وكلمة (بان) و(أبان) تأتيان بمعنى واحد، فيقال: بان الصبح وأبان الصبح، وتنفرد (أبان) بأنها تأتي بمعنى أظهر وأوضح، أبان الشيء يعني: أظهره وأوضحه، فإذا جاءت كلمة مبين في القرآن الكريم فإنها تصلح بأن تكون بمعنى بين وتصلح أن تكون بمعنى مظهر ومُوضِّح، لكن ليست كل موضع جاءت فيه تصلح للوجهين جميعًا، لا، قد تكون في موضع لا تصلح إلا إلى بَيِّن؛ فمثلًا: ﴿وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [آل عمران ١٦٤] معناها بَيِّن ظاهر، لكن ﴿حم (١) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ﴾ [الزخرف ١، ٢] بمعنى البين ولَّا الموضح؟ المُوَضِّح وهو إذا كان مُوَضِّحًا فهو واضح، لكنها هنا مُبين بمعنى مُظْهِر أَبْيَن، يعني أَبْيَنُ في المعنى. على كل حال إذا جاءتكم كلمة (مبين) فإن صلحت أن تكون من الرباعي الذي بمعنى أظهر فهو أولى من تفسيرها بالرباعي الذي بمعنى ظهر؛ لأن المظهر جامع بين الظهور بنفسه والإظهار لغيره فيكون معناه أشمل. قال: ﴿فِي إِمَامٍ مُبِينٍ﴾ ﴿إِمَامٍ مُبِينٍ﴾ يقول المؤلف: إنه اللوح المحفوظ، وهذا صحيح يعني محتمل، فإن اللوح المحفوظ كتبت فيه أعمال العباد، ولكن هنا ﴿مُبِينٍ﴾ هل الأنسب أن تكون كما فَسَّرَها المؤلف بَيِّن أو ﴿مُبِينٍ﴾ بمعنى مُظْهِر؟ * طالب: (...). * الشيخ: (...) أولى؟ هو أصلًا الأخير يَسْتَلْزِم المعنى الأول، هل المعنى إنه كتاب بَيِّن ولَّا كتاب مبين يظهر الحقائق؟ الظاهر أن المعنى الأخير أولى؛ أن هذا الكتاب مبين للأمور موضح لها، وكما قلنا: ما كان مُبينًا فهو بَيِّن. * طالب: (...)؟ * الشيخ: لا، صالح أن تكون كما قال المؤلف: (اللوح المحفوظ)؛ لأنه يقول: ﴿أَحْصَيْنَاهُ﴾ واضح أنه قد انتهى، ويجوز أن تكون صحائف الأعمال؛ لقوله تعالى: ﴿اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾ [الإسراء ١٤]. ثم قال الله تعالى: ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ﴾ [يس ١٣] قال: ﴿اضْرِبْ﴾ قال بمعنى: اجعل، وهذا لا شك أنه معنى مُقَرِّب، المعنى ضرب مثلًا أي: جعل مثلًا، وقيل: إن (اضْرِب) بمعنى اتخذ، لأن الضرب يدل عل صناعة وتَكيِيف، ومنه ضرب الذهب خاتمًا ضرب الذهب حُليًّا، ضرب الذهب سكَّة يعني نقودًا؛ بمعنى اتخذه حليًا، اتخذَه سكَّة وما أشبه ذلك، فشُبِّهَ ذكر المثل للاعتبار به بصناعة الشيء؛ لأن المثل يشتمل غالبًا على هَيْئَةٍ متكاملة مركبة من أجزاء متعددة؛ ولهذا لا يأتي المثل في تشبيه مفرد بمفرد، إنما يأتي المثل في تشبيه أيش؟ صورة مشتملة على أجزاء متعددة في صورة، ولهذا سُمِّي ضَرْبَ مثلٍ؛ أي: صنع مثل كما نصنع الأواني والخواتم وغيرها من معادنها. وقال المؤلف: ﴿اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا﴾ قال: (﴿مَثَلًا﴾ مفعول أول ﴿أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ﴾ مفعول ثانٍ) هذا الظاهر أنه سَهْو من المؤلف، والصواب العكس؛ لأن المفروض معه أصحاب القرية فيكونون المفعول الأول، ومثلًا هو المفعول الثاني، ففي إعراب المؤلف انقلاب، فالصواب أن ﴿أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ﴾ مفعول أول و﴿مَثَلًا﴾ مفعول ثان؛ أي: اجعل أصحاب القرية لهؤلاء المكذبين لك اجعلهم مثلًا يعتبرون به، والمَثل والمِثل كالشَّبَه والشِّبْه؛ يعني: اجعله أمرًا مشابهًا حتى يتعظوا به. (...) قوله: ﴿مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ﴾، ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ﴾ كلمة ﴿اضْرِبْ﴾ الخطاب فيها للرسول عليه الصلاة والسلام أو لكل مَنْ يَتَأَتَّى خطابه، سبق لنا أن مِثْل هذا تارة يكون صريحًا في أنه عام وتارة يكون صريحًا في أنه خاص بالرسول ﷺ، وتارة يحتمل الوجهين؛ فمن الأشياء التي هي صريحة بخصوصية هدي الرسول عليه الصلاة والسلام قوله تعالى: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾ [الشرح ١] فهنا الخطاب لمَنْ؟ للرسول عليه الصلاة والسلام قطعًا، ومن الأشياء الصريحة بأنه عام مثل قوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ﴾ [الطلاق ١]، ولم يقل: إذا طلقتَ فدلَّ على أن الخطاب الأول يُراد به العموم، وأما احتمال أن يكون خاصًّا بالرسول أو عامًّا فهو كثير في القرآن، فما هو الأرجح؛ أن نجعله خاصًا أو عامًّا؟ الأرجح أن نجعله عامًّا؛ لأنه أشمل، إذا جعلناه عامًّا شمل الرسول ﷺ وغيره. إذن ممكن أن نقول لأي داعية الآن: اضرب مثلًا للمكذبين بهذه القرية. قال: ﴿أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ﴾ قال المؤلف: (أنطاكيا) هذه القرية، فجعل (أل) للعهد الذهني؛ يعني: كأنها قرية معروفة مفهومة، ولكن هذا القول ضَعَفَّه ابن كثير في التفسير، وقال: إن هذا غير معروف في أنطاكيا، وأنطاكيا ما دُمِّرَت، ولا أُهْلِكَ أهلها ولا ينطبق هذا المثل عليها بوجه من الوجوه، وعلى هذا فيكون المراد بالقرية هنا قرية غير معينة وتكون (أل) لأيش؟ للجنس؛ يعني: اضرب لهم مثلًا بقرية غير معينة، تكون (أل) للجنس لا للعهد، وهذا هو الصحيح؛ وذلك لأن الله لو كان في بيان هذه القرية بعينها مصلحة لبَيَّنَها الله عز وجل، وليس المقصود كما مَرَّ علينا كثيرًا تعيين الأشخاص أو الأماكن أو الأزمان ليس فيه كبير فائدة في الغالب، المقصود العبرة في القصة وما وقع؛ ولهذا نرى بعض العلماء يتكلفون مثلًا فيما إذا جاء اسم رجل في حديث مُبْهَم يتكلفون في طلب تعيينه، وليس هذا بلازم، اللهم إلا أن يَتَرَتَّب على تعيينه اختلاف في الحكم، أو إظهار للمعنى فهذا شيء آخر. على كل حال هنا نحن لا يَعْنِينا أن نعرف ما هي القرية ومَنْ هم أهلها، الذي يعنينا أيش؟ العبرة بما جرى في هذه القصة، إذن الصواب عدم تَعْيِينها بأنطاكيا. ﴿إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ﴾ إلى آخره بدل اشتمال من أصحاب القرية، (﴿إِذْ﴾ بدل اشتمال من أصحاب القرية) فتكون في محل نصب؛ لأن ﴿أَصْحَابَ﴾ منصوبة، والبدل يتبع في الإعراب المبدل منه، فيكون ﴿إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ﴾ في محل نصب على أنه بدل من أصحاب القرية. قال: ﴿إِذْ جَاءَهَا﴾ أي: القرية ﴿الْمُرْسَلُونَ﴾ قال المؤلف: (أي: رُسُل عيسى)، وهذا القول ليس بصحيح ولا دليل عليه، بل ﴿جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ﴾ الذين مِنْ جِنْسِ قوله في أول السورة: ﴿إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ [يس ٣]، ﴿جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ﴾ الذين هم من جنس هؤلاء، وعلى هذا فهم رُسُل ٌمن عند الله عز وجل، وليسوا من قِبَل عيسى ﷺ. قال في تفصيل هذا المجيء وهذه القصة: ﴿إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ﴾، وهذا من عجائب القول أن نقول: (أي: رسل عيسى) مع أن الله يقول: ﴿إِذْ أَرْسَلْنَا﴾، ولم يقل: إذ أرسل إليهم عيسى بل قال: ﴿إِذْ أَرْسَلْنَا﴾، وعلى هذا فيَتَعَيَّن أن يكون المراد المرسلون هنا رسلًا من عند الله، ﴿إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ﴾ ﴿إِلَيْهِمُ﴾ أي: إلى أصحاب القرية ﴿اثْنَيْنِ﴾ من هؤلاء الثلاثة. ﴿فَكَذَّبُوهُمَا﴾ إلى آخره، يقول: (بدل من ﴿إِذْ﴾ الأولى) وين (إذ) الأولى؟ ﴿إِذْ جَاءَهَا﴾ ﴿إِذْ أَرْسَلْنَا﴾ ﴿إِذْ جَاءَهَا﴾ هذه بدل من ﴿أَصْحَابَ﴾، و﴿إِذْ أَرْسَلْنَا﴾ بدل من ﴿إِذْ جَاءَهَا﴾؛ لأنها في الحقيقة بيان لكيفية هذا المجيء. ﴿إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا﴾ التكذيب رَدُّ الخبر ونسبته إلى خلاف الواقع، هذا هو التكذيب، فهؤلاء كذبوهم وقالوا: هذا أمر ليس بصحيح، ولستم برسل، فماذا كان؟ قال الله تعالى: (﴿فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ﴾ بالتخفيف والتشديد) ﴿عَزَّزْنَا﴾ هذا التشديد، ﴿عَزَزْنَا﴾ التخفيف، والقراءتان سبعيتان؛ يعني: المؤلف ذكرهما على حَدٍّ سواء. معنى ﴿عَزَّزْنَا﴾ قال: (قوينا الاثنين بثالث) يعني: لما كُذِّب الاثنان أرسل الله ثالثًا معهما؛ لأجل التقوية، وهذا كقول موسى عليه السلام لما أرسله الله تعالى إلى فرعون قال: ﴿وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (٢٩) هَارُونَ أَخِي (٣٠) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (٣١) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي﴾ [طه ٢٩ - ٣٢] طيب، إذن زيادة الواحد يُقَوِّي بلا شك، ونحن نشاهد حتى في أمرنا الواقع إذا قال شخصٌ قولًا ثم أَيَّده به آخر ازداد قوة ونشاطًا في تقرير هذا القول وتثبيته. قال: ﴿فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا﴾ الضمير يعود على الثلاثة ﴿إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ﴾، أَتَوْا بالجملة المؤكدة بـ(إن)؛ لأن الحال تقتضي ذلك؛ فهم قد كَذَّبوا بالأول وأنكروا فجاءت الجملة الثانية مؤكدة؛ لأن المقام مقام تكذيب، ولكن لو قال قائل: لماذا لم تُؤَكَّد بأكثر من مؤكد؟ قلنا: هي أُكِّدَت بأكثر من مؤكد؛ أُكِّدت بمؤكد واحد لفظي وهو (إنَّ)، وأُكِّدَت بمؤكد معنوي وهو زيادة الرسول؛ ولهذا قال: ﴿عَزَّزْنَا بِثَالِثٍ﴾ إذن صار فيها مؤكدان ولَّا لا؟ المؤكد الأول الرسول زيادة، والمؤكد الثاني (إِنَّ)؛ ولهذا لو قال قائل: هل المقام هنا مقام تأكيد على سبيل الاستحسان ولَّا على سبيل الوجوب؟ قلنا: على سبيل الوجوب، فإذا قال: القاعدة أنه إذا كان على سبيل الوجوب فإن التأكيد يتكرر؛ يعني: يؤتي بـ(إنَّ)، بـ(إنَّ) واللام، (إنَّ) والقسم، (إنَّ) والقَسَم واللام؛ يعني: يُكَرَّر المؤكد قلنا: هذا المؤكد مُكَرَّر، لكنه من نوعين؛ تأكيد باللفظ ﴿إِنَّا إِلَيْكُمْ﴾، وتأكيد بالمعنى تقويتهم بثالث. ﴿فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ﴾ ﴿مُرْسَلُونَ﴾ مِنْ قِبَل مَنْ؟ مِنْ قِبَل الله عز وجل وهم يعلمون ذلك أنهم ما ادَّعَوُا الرسالة لشخص، وإنما هي من الله، كان جواب هؤلاء جواب غيرهم من المكذبين. المكذبون يَرُدُّون أقوال الرسول بنفي وإثبات، أحيانًا بنفي وأحيانًا بإثبات؛ ففي النفي يقولون: ﴿مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا﴾ كما قال الله تعالى: ﴿أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ [التوبة ٧٠]. ﴿عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (١٠) قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾ يعني: نسلم أننا بشر مثلكم ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ [إبراهيم ١١] هذا جواب بالنفي؛ يعني: أنتم بشر لستم ملائكة حتى نقبل. أحيانًا بالإثبات؛ ﴿كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ﴾ [الذاريات ٥٢] فصاروا أحيانًا يتهمون الرسل بالسحر والجنون، وأحيانًا بالنفي يقولون ما أنتم ملائكة حتى تكونوا رسلًا إلينا، ما أنتم إلا بشر مثلنا، إذن ليس ببدع أن يقول أصحاب هذه القرية لهؤلاء الرسل: ﴿مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا﴾، ثم قالوا: ﴿وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ﴾ فأنكروا الرسالة من حيث جنس الرسول وأنه بشر، وأنكروا الرسالة إنكار جحود بلا مبرر. ﴿مَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ﴾ ما الذي يمنع؟! ما ذكروا حجة ﴿إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ﴾. قوله: ﴿مَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ﴾ هذه الجملة كما نشاهد نفي، و﴿مِنْ شَيْءٍ﴾ نكرة في سياق النفي فتعم، ثم إن هذه النكرة مؤكدة بماذا؟ بـ(مِن) الزائدة؛ لأن قوله: ﴿مِنْ شَيْءٍ﴾ بمعنى شيئًا. وقوله: ﴿إِنْ أَنْتُمْ﴾ ﴿إِنْ﴾ هنا بمعنى (ما) ففي الجملة حصر طريقه النفي والإثبات، ﴿إِنْ أَنْتُمْ﴾ يعني: ما أنتم ﴿إِلَّا تَكْذِبُونَ﴾، وهذا الحصر -والعياذ بالله- حصر هم يرونه حقيقة أو إضافي؟ السؤال الآن هل هو حقيقي أو إضافي؟ ما أنتم إلا تكذبون. * طالب: إضافي. * الشيخ: كيف؟ * طلبة: (...). * الشيخ: يعني: ما أنتم إلا تكذبون فيما تدعون من الرسالة، ولا يلزم أن يَدَّعوا أنهم كاذبون في كل شيء لكن فيما ذكروا من الرسالة، فصار إنكارهم مبني على أمرين: الأول: أنهم بشر؛ يعني: كأنهم يقولون: لو كنتم رسلًا لكنتم ملائكة. ثانيًا: النفي الذي لم يُبْنَ على شيء مجرد إنكار ومكابرة ﴿وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ﴾، وهذا بلا شك من سفههم؛ لأن إنزال الوحي على الرسل لهداية الخلق أمر يوجبه العقل فضلًا عن الشرع؛ لأن العباد لا يمكن أن يتعبدوا لله سبحانه وتعالى إلا بشيء شرعه ونصبه لهم دليلًا عليه وإلا فكيف يتعبدون فإنزال الله تعالى الوحي للبشر أمر يقتضي العقلُ وجوبَه مع أن الله قد أوجبه على نفسه؛ كما قال تعالى: ﴿وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾ [يس ١٧] الله أوجب على نفسه أن يبلغ عباده سبحانه وتعالى ما يوصلهم إليه وإلا لضلوا. إذن هذه المكابرة؛ ﴿مَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ﴾ هذه المكابرة يكذبها أيش؟ العقل والشرع؛ لأن العقل يوجب أن ينزل الله على العباد شريعة يتعبدون بها له لتوصلهم إليه؛ إذ إن العقل لا يهتدي كيف يعبد الله؟ الشرع أوجب الله على نفسه أن يُبَلِّغَ عباده شريعته؛ قال الله تعالى: ﴿وَمَا عَلَيْنَا﴾ استغفر الله العظيم.. ﴿وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾ هذا كلام الرسل، لكن قال الله عز وجل: ﴿إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى (١٢) وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى﴾ [الليل ١٢، ١٣] وقال تعالى في القرآن الكريم: ﴿ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾ [القيامة ١٩]، إذن استدلالنا بالآية الأولى يعتبر خطأ. الاستدلال في قوله: ﴿إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى﴾ حيث أوجب الله على نفسه أن يهدي عباده، وهذه هداية البلاغ ولا هداية التوفيق؟ البلاغ ولو كانت هداية التوفيق لاهتدى كل أحد. قال: ﴿وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ﴾ ما هو الكذب؟ هو الإخبار بخلاف الواقع، إذن أنتم أخبرتمونا أنكم رسل والواقع أنكم لستم برسل، ماذا قالوا لهم؟ قال الله عز وجل: ﴿قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ﴾ [يس ١٦] شوف الآن أَكَّدُوا الرسالة بثلاثة مؤكدات: الأول: ﴿رَبُّنَا يَعْلَمُ﴾؛ لأن هذا جار مجرى القسم، والثاني: (إن) والثالث: اللام لشدة إنكارهم، فإذا قلنا: هذه ثلاثة مؤكدات مع التأكيد الأول وهو زيادة الثالث صار أكدت الرسالة بأربعة مؤكدات. ﴿قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ﴾ قال المؤلف: (جارٍ مجرى القَسَم وزِيدَ التأكيد به وباللام على ما قبله لزيادة الإنكار) صار أربعة مؤكدات، لكن المؤلف لم يعتبر تأكيد الإرسال مع أنه بلا شك مؤكد. قال: ﴿إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ﴾ نعم لزيادة الإنكار في ﴿إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ﴾ هذا بيان لزيادة التأكيد بـ (إن) واللام. (﴿وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾ التبليغ البين الظاهر بالأدلة الواضحة) إلى آخره، هذه حَصْر حقيقي ولَّا لا؟ نعم، ما عليهم في جانب الرسالة إلا البلاغ المبين؛ في جانب الرسالة، فقولنا: (في جانب الرسالة) يقتضي أن يكون حصرًا إضافيًّا؛ لأن عليهم سوى البلاغ أن يقوموا بعبادة الله الخاصة التي هي غير التبليغ، لكن في جانب الرسالة ما عليهم إلا البلاغ المبين. قال المؤلف: (التبليغ البين) يعني: كلمة بلاغ بمعنى تبليغ فهي اسم مصدر من بَلَّغ يبلغ كما يقال: كَلَّم يُكَلِّم، المصدر؟ * طلبة: تكليم. * الشيخ: واسم المصدر كلام. بلَّغ يبلغ تبليغًا هذا المصدر، واسم المصدر بلاغ. أما تفسيره المبين بالبين فهذا قد يقال: إن فيه نظرًا؛ لأن الظاهر أن المبين هنا بمعنى المظهر يعني البلاغ المظهر لحقيقة الأمر الواقع، وهو أننا رُسُل من عند الله، وسبق لنا أننا إذا فسرنا المبين بالمظهر على وجه صحيح صار متضمنًا لكونه بيِّنًا؛ إذ لا يكون الشيء مُبَيِّنًا إلا وهو بَيِّنٌ في نفسه. أما قوله رحمه الله: (التبليغ البين الظاهر بالأدلة الواضحة) قال: (وهي إبراء الأكمه والأبرص والمريض وإحياء الموتى) هذا ليس بصحيح؛ لأن هذا مبني على أنهم رسل عيسى، والأمر ليس كذلك، لكن عليهم التبليغ البين بالرسالة، فيبلغون تبليغًا بينًا. طيب، نأخذ الفوائد: في هذه الآيات دليل. * طالب: (...). * الشيخ: ﴿إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ﴾ [يس ١١]. * من فوائد هذه الآية: أنه لا ينتفع من إنذار الرسول عليه الصلاة والسلام إلا من اتصف بهذين الوصفين؛ لقوله: ﴿إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ﴾. * ومن فوائدها: صحة نفي الشيء إذا كان لا يُنْتَفع به وإن كان موجودًا؛ لقوله: ﴿إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ﴾ فإن إنذاره لغيرهم حاصل، لكن لما لم ينتفعوا به صار وجوده كالعدم بالنسبة لهم ولَّا بالنسبة للمنذِر؟ بالنسبة لهم، أما المنذِر فقد قام بما يجب عليه. * ومن فوائد الآية الكريمة: أنه كلما كان الإنسان أتبع للقرآن كان أشدَّ تأثرًا به؛ لقوله: ﴿إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ﴾ وبهذا نعرف القاعدة التي ذكرها بعض العلماء: (الطاعة تجلب الطاعة، والمعصية تجلب المعصية) الطاعة تجلب الطاعة؛ لأنه كلما كان الإنسان أتبع للقرآن صار أشدَّ تأثرًا به؛ لقوله: ﴿إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ﴾. * ومن فوائد الآية الكريمة: الثناء على هذه القرآن العظيم بأنه أيش؟ بأنه ذِكْر، وسبقت الأوجه في كونه ذِكْرًا. * ومن فوائد الآية الكريمة: أن الخشية لله سبب كبير للتأثر بالقرآن والانتذار به؛ لقوله: ﴿وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ﴾. * ومن فوائدها أيضًا: فوائد الخشية لله وأنها من أسباب الانتفاع بالقرآن فكلما كان الإنسان أخشى لربه كان أفهم لكلامه. * ومن فوائدها أيضًا: أن الخشية إنما تكون خشية حقيقة إذا كانت بأيش؟ بالغيب، أما من خشي الله بالعلانية فقد تكون خشيته مدخولة، قد يكون خشي الله عز وجل من أجل الناس يرونه، لكن إذا كان بالغيب كان أدلَّ على الإخلاص. * ومن فوائد الآية الكريمة: أن نبَشِّر مَنِ اتصف بهذين الوصفين وهما اتباع الذكر والخشية لله عز وجل بالغيب نبشره بالجنة؛ ﴿فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ﴾، ولكن هل تنطبق هذه البشارة على كل واحد بعينه؟ الجواب: لا، على سبيل العموم، وكل شخص اتصف بما تَثْبُت به الجنة على سبيل العموم فإننا لا نشهد له بعينه، ولكن يُرْجى له ذلك؛ لأنه في الظاهر قد انطبق عليه سبب الاستحقاق، لكن الباطن لا نعلمه كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٢٠٧)، ومسلم (١١٢ / ١٧٩) من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه.]]؛ لهذا نقول: في كلِّ مَنْ ينطبق عليه وصفٌ يستحق به دخول الجنة نقول: إننا لا نشهد له بعينه؛ لأن الشهادة له بعينه تحتاج إلى دليل معين، ولكننا نرجو له هذا؛ لأن ظاهر الأمر أنه مستحقه ولَّا لا؟ ظاهر الأمر أنه مستحقه لانطباق الأوصاف عليه، لكن لا نشهد؛ لأنه يخشى أن يكون باطنه غير ظاهره، أفهمتم هذه القاعدة؟ وهذه القاعدة مهمة مفيدة، مثلًا قتل رجل في الحرب الأفغانية، الحرب الأفغانية لا شك أنه إسلامي، وأن ظاهر جميع المجاهدين فيه أنهم يجاهدون لتكون كلمة الله هي العليا، فهل إذا قُتِلَ على أيدي الأعداء نشهد بأنه شهيد؟ لا، ما يجوز، ولكن نقول: يُرجى أن يكون شهيدًا؛ يعني: من الشهداء عند الله عز وجل؛ لأن ظاهر فعله ينطبق على الشهداء عند الله عز وجل، ولكن ما نشهد له بعينه؛ ولهذا ترجم البخاري رحمه الله على هذه المسألة في الصحيح قال: (بابٌ: لا يُقالُ فُلانٌ شَهِيد)، مع أن شهيد الآن عندنا صارت رَخيصة تُبْذَل بأبخس الأثمان، أيُّ واحد يُقْتل ولو في قِتْلَة جاهلية يقولون: هو شهيد، وهذا لا يجوز، أتدري ماذا يستلزم على شهادتك له بأنه شهيد؟ يستلزم أنك شهدتَ له بأنه من أهل الجنة، وهذه مسألة صعبة، لكن كما قلت لكم قبل قليل في القاعدة النافعة: إن مَنِ اتَّصف بأوصاف ينطبق على أهلها هذا الجزاء فإننا نرجو له ذلك. نقول: نرجو، تقدر تقول: هل فلان شهيد اللي قُتِل في معركة بين الأفغانيين المسلمين وبين الروس؟ ويش الجواب؟ نرجو له ذلك، نرجو أن يكون شهيدًا، أما أن نجزم فلا، لا يجوز أن نجزم. طيب، هذا الذي اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب، هل نجزم له بالمغفرة والأجر الكريم؟ نقول: نعم، مَنْ فَعَل ذلك نشهد له على سبيل العموم، لكن على سبيل التخصيص نرجو له ذلك. إي نعم. ﴿فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ﴾ * من فوائد الآية الكريمة: أن البشارة تكون بانتفاء ما يُكرَه وبحصول ما يحب، ﴿بِمَغْفِرَةٍ﴾ هذا أيش؟ انتفاء ما يُكْرَه، ﴿وَأَجْرٍ كَرِيمٍ﴾ حصول محبوب، فيهنأ الإنسان ويُبشر بزوال المكروه عنه وحصول المحبوب اجتماعًا وانفرادًا؛ يعني: سواء حصل له الأمران أو حصل له أحدهما فإنه يُبَشَّر بانتفاء الشرِّ عنه كما يبشر بحصول الخير له. * ومن فوائد الآية الكريمة: أن خشية الرحمن بالغيب واتباع الذكر يحصل به مغفرة الذنوب والأجر الكثير فإن مغفرة في مقابل الذنوب، والأجر الكريم في مقابل الثواب على الأعمال الصالحة. * طالب: (...). * الشيخ: ما يمكن عاد نرجع الآن. * طالب: اللي بعدها مباشرة. * الشيخ: بعدها مباشرة، جئنا لنقرأها. ثم قال الله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ﴾ [يس ١٢]. * من فوائد الآية الكريمة: بيان قدرة الله عز وجل بإحياء الموتى، وقد بَرْهَنَ الله عز وجل على قدرته على إحياء الموتى بأدلة عَقْلِيَّة وأدلة حِسية؛ فمن الأدلة العقلية مثل قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ [الروم ٢٧] فإن هذا دليل عقلي على إمكان إحياء الموتى؛ وجهه أن الإعادة أهون من الابتداء، فالقادر على الابتداء قادر على الإعادة من باب أولى، وكما في قوله تعالى: ﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ﴾ [الأنبياء ١٠٤]، هذا مثله أيضًا استدل الله تعالى بالابتداء على أيش؟ على الإعادة. أما الأدلة الحسية فما أكثر ما يضرب الله الأمثال بإحياء الأرض بعد موتها على قدرته على إحياء الموتى؛ مثل قوله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ﴾ ويش قال؟ ﴿إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [فصلت ٣٩]، وقال تعالى: و﴿وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (٩) وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ (١٠) رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ﴾ [ق ٩ - ١١]، والآيات في هذا كثيرة فقد برهن الله عز وجل على قدرته على إحياء الموتى بالأدلة العقلية والحسية؛ لتكون لذوي العقول دليلًا، ولذوي الأبصار والأدلة الظاهرة دليلًا أيضًا، فالإنسان العقلاني كما يقولون نستدل له أو عليه بماذا؟ بالعقل، والانسان السطحي اللي ما يستدل إلا بما يشاهد نستدل عليه بالأدلة الحسية. * طالب: الآية اللي ذكرنا (...). * الشيخ: ما هي ﴿إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [فصلت ٣٩]؟، طيب، أحسنت، ﴿إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا﴾ هذه في سورة فصلت، ﴿إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [فصلت ٣٩]. * طالب: (إنه لمحيي الموتى). * الشيخ: ﴿إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى﴾ هذه اللي نحن نقرؤها. قرأنا ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [فصلت ٣٩] هذه قرأناها، هذه في فصلت، طيب إذن قراءتنا صواب. نقول فيه: ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى﴾ [يس ١٢]* ومن فوائد الآية الكريمة: الإشارة إلى أن من لم يخشَ الله ولم يَتَّبِع الذكر فإن الله قادر على أن يحيي قلبه فيخشى الله ويتبع الذكر، وجه الدلالة أن الله تعالى ذَكَر هذا بعد أن ذكر انقسام الناس إلى مَنْ يخشى الله بالغيب ويتبع الذكر، ومن لمن يكن كذلك، فيه إشارة إلى أن الله قادر على أن يرد هؤلاء إلى الحق. * ومن فوائد الآية الكريمة: أن كل شيء مكتوب للإنسان، إما له وإما عليه؛ لقوله: ﴿وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ﴾. * ومن فوائدها: أن الله تعالى يكتب كل شيء القليل والكثير؛ لقوله: ﴿مَا قَدَّمُوا﴾، و﴿مَا﴾ اسم موصول، والاسم الموصول يشمل الصغير والكبير، ويدل لذلك قوله تعالى: ﴿وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا﴾ [الكهف ٤٩]، ويدل عليه أيضًا في آخر الآية: ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ﴾. * ومن فوائد الآية الكريمة: أن الأعمال لا تنقطع بالموت؛ لقوله: ﴿وَآثَارَهُمْ﴾، والآثار ذكرنا أنها أنواع: علم وصدقة جارية وولد صالح يدعو له، وسُنَّة، سنة يحييها فيتبعه الناس عليها. * ومن فوائد الآية الكريمة: بيان حِكْمَة الله عز وجل في ضبط الأمور وإتقانِها وأنه لا يفوته شيء لقوله: ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ﴾. * ومن فوائدها: أن ما يُكْتَب على الإنسان فإنه حَقٌّ بيِّن واضح لا يمتري فيه أحد؛ لقوله: ﴿مُبِينٍ﴾ والشيء المبين هو الذي يوضح الأشياء مع وضوحه في نفسه وهو كذلك؛ ولهذا يقول الله عز وجل: ﴿وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (١٣) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾ [الإسراء ١٣، ١٤] * * * قال الله تعالى: ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ﴾ إلى آخره. في هذه الآية فوائد كثيرة منها في هذه الآية وما بعدها في القصة كلها فوائد كثيرة: * منها: بَيان ضرب الأمثال ليعتبر بها؛ لقوله: ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا﴾، والخطاب كما سبق إما للرسول ﷺ أو لكل مَنْ يَتَأَتَّي خطابه. * ومن فوائدها: أن العبرة بما فيه العبرة في ضرب الأمثال، وأنه ليس من الضروري أن يُعَيَّن المثل المضروب، فهنا قال: ﴿اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ﴾ ولم يُعَيِّن القرية ولم يعين أولئك الأصحاب بأعيانهم؛ لأنه ليس هذا محل عبرة، العبرة إنما هو في القصة كلها. * ومن فوائد الآية الكريمة: بيان أن الله عز وجل لن يدع الخلق بلا رسل؛ لقوله: ﴿إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (١٣) إِذْ أَرْسَلْنَا﴾. * ومن فوائدها أيضًا: بيان رحمة الله عز وجل في تعزيز الرسالة بالصيغة والعدد؛ لأنه قال: ﴿إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ﴾ فهنا التعزيز بالثالث تقوية فعلية، والتأكيد بـ(إن) تقوية لفظية. * ومن فوائد الآية الكريمة: جواز تعدد الرسل مع اتحاد المرسل إليهم؛ لأن الله أرسل إلى هذه القرية اثنين ثم عززهما بثالث. * ومن فوائدها أيضًا: أن الذين يكذبون الرسل ليس عندهم إلا المكابرة، وليس عندهم حجة عقلية أو نقلية؛ لقولهم: ﴿قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ﴾، كل هذه الجمل الثلاث ليس فيها أي حجة تُسَوِّغ تكذيب هؤلاء الرسل؛ لأنك إذا رأيت هذه الحجج الثلاث والشُّبَه: الأولى أنهم ردوهم لأنهم بشر مثلهم، وقد سبق في التفسير بيان الرد عليها، وأنه لا يمكن أن يُرْسَل للبشر إلا بشر مثلهم، حتى لو أُنْزِل إليهم ملائكة فإن الملائكة لا بد أن يكونوا على صورة البشر وحينئذ تعود الشبهة. والثانية: ﴿مَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ﴾ هذا نفي مجرد بدون ذكر حجة، وليس هذا بدليل للخصم إطلاقًا؛ لأن نفي قول الخصم بدون حجة ما هو إلا مكابرة، وكذلك قولهم: ﴿إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ﴾. * ومن فوائد الآية الكريمة: بيان أن المعاندين للرسل ليس عندهم إلا المكابرة المحضة كقولهم: ﴿مَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ﴾، وقولهم: ﴿إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ﴾، طيب، هل يستفاد من الآية الكريمة أن الله لا يرسل إلا بشرًا أو لا؟ ما يستفاد، لكن يستفاد أن حكمة الله عز وجل تقتضي أن يُرْسَل إلى البشر بشر مثلهم. * ومن فوائد الآية الكريمة: جواز التأكيد بما يُشْبِه القسم؛ لقولهم: ﴿قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ﴾، وهل هذا أقوى من التأكيد بالقسم أو التأكيد بالقسم أقوى؟ الظاهر أن هذا أقوى من التوكيد بالقسم؛ لأنهم إذا قالوا: ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون وأن لم يكونوا مرسلين استلزم قولهم هذا وصف الله بالجهل والعجز والقصور؛ لأنهم إذا قالوا: ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون ولم يكونوا مرسلين معناه أن الله علم الأمر أو علم الحال على خلاف أيش؟ ما كانت عليه، إذا فرضنا أن الله يعلم أنهم مرسلون وهم غير مرسلين في الواقع، لزم من ذلك أن يكون الله جاهلًا بحالهم، وأن يكون الله تعالى عاجزًا على الانتقام منهم وبيان كذبهم؛ لأنهم سيقولون: إنا مرسلون ويأخذون بمقتضى هذه الرسالة، والله تعالى يعلم أنهم غير مرسلين، وهذا يستلزم الجهل، إذن فالتأكيد بمثل هذا أشد من التأكيد بالقسم لما يترتب عليه من اللوازم الخطيرة؛ ولهذا قال العلماء: لو قال قائل: الله يعلم أني ما فعلت كذا وهو فاعل، قالوا: إن هذا يقتضي الكفر إذا كان يعلم معنى ما يقول وما يلزم من قوله؛ ووجه ذلك ما أشرنا إليه آنفًا من كونه يستلزم أن يكون الله أيش؟ جاهلًا وعاجزًا. * ومن فوائد الآية الكريمة: جواز التأكيد بعدة مؤكدات في جانب المُنْكِر، بل قد نقول: إن التأكيد واجب إلا لفائدة؛ لقولهم هنا: ﴿قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ﴾، وقد سبق أن الجملة مؤكدة بثلاثة مؤكدات. * ومن فوائد الآية الكريمة: أن الرسل عليهم الصلاة والسلام ليس عليهم هداية الخلق، وإنما عليهم إبلاغ الرسالة فقط؛ لقولهم: ﴿وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾. * ومن فوائدها أيضًا: أنه يلزم الرسل أن يكون بلاغهم مُبِينًا مُظهِرًا للأمر على حقيقته، ويتفرع على ذلك أنه لا إبهام في الشرائع وأن الشرائع كلها واضحة، فإن جاء إبهام في نص فهو مُبيَّن وموضح في نص آخر، وإن بقي الإبهام قائمًا فالعلة في فَهْمِ المخاطب إما لقصوره وإما لتقصيره، أما ما جاءت به الرسل فإنه يحصل به البلاغ المُبين المُظْهِر لكل ما تحتاج إليه الرسالة؛ لقوله: ﴿وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾. * ومن فوائد الآية الكريمة: أن المكذبين للرسل الذين يكرهون ما جاؤوا به يتطيرون بهم؛ لقوله: ﴿قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ﴾ [يس ١٨]، وهذا التطير قد يكون له أصل وقد لا يكون ليس له أصل؛ قد يكون له أصل وذلك فيما إذا عوقبوا بمخالفة الرسل فيجعلون تلك العقوبة يجعلونها من شؤم هؤلاء الرسل، كأنهم يقولون: لولا أنكم أتيتم إلينا ما حصلت لنا هذه العقوبة، وقد يكون هذا التطير لا أصل له وإنما هو دعوى مجردة من هؤلاء المكذبين، وهم قد يتطيرون بمعنى أنه يُحَدُّ من حرياتهم فيما تهواه أنفسهم فيكون هذا شؤمًا وتضييقًا؛ مثل أن الرسل عليهم الصلاة والسلام ينهونهم عن عبادة الأصنام وهم يهوون عبادة الأصنام فيجعلون هذا التضييق عليهم بزعمهم يجعلونه شؤمًا فيتطيرون بالرسل. والحاصل أن التطير بالرسل له ثلاث حالات: تطير بِحَدِّ الشريعة من أيش؟ من أهوائهم وشهواتهم، فيقولون: هذا تضييق علينا وهو شؤم في زعمهم. ثانيًا: تطير بما يصيبهم من أيش؟ من العقوبات بالمخالفة، فيقولون: إن هذا شؤمكم. والثالث: دعوى مجردة لا أصل لها، فيقولون: ﴿إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ﴾ لمجرد التشويه لما جاءت به الرسل. * ومن فوائدها: بيان عدوان المكذبين للرسل؛ لأنهم قالوا: ﴿لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾، وهذا من العدوان العظيم على عباد الله، فهؤلاء القوم أعني الرسل حالهم كما قال مؤمن آل فرعون: ﴿أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ﴾ [غافر ٢٨]، فهؤلاء المكذبين للرسل الذين يتهددونهم بالقتل والرجم والعذاب الأليم هؤلاء من أشد الناس عدوانًا؛ لأنهم اعتدوا على الحق وعلى حامل الحق. * * * قال الله تعالى: ﴿قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ﴾ ﴿قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا﴾ أي: تشاءمْنا، وأصل التطير مأخوذ من الطير؛ لأن الناس يتشاءمون بالطيور أو يتفاءلون بها؛ فيرسلون الطيور، فإن اتجهت إلى اليمين أو اليسار أو الأمام أو الخلف أو عادت أو ذهبت ولم تَعُد تشاءموا أو تفاءلوا على اختلاف بينهم، فيما يكون التشاؤم أو فيما يكون التفاؤل، ثم تعدى الأمر إلى أن تكون الطِّيَرة في كل شيء؛ التشاؤم بمرئي أو مسموع أو زمان أو مكان. هذه الطيرة؛ التشاؤم بمرئي أو مسموع أو زمان أو مكان. طيب، هؤلاء الذين قالوا للرسل: ﴿إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ﴾ تطيروا بماذا؟ بمسموع أو مرئي أو زمان أو مكان؟ بمسموع أو مرئي تطيروا به؛ أي تشاءموا. قال: (بكم لانقطاع المطر عنا بسببكم)، وهذا أحد الوجوه الثلاثة التي أشرنا إليها آنفًا بأنهم يتطيرون بهم بسبب العقوبة التي تَحِلُّ بهم لمخالفتهم. وجه آخر: يتطيرون بهم بسبب الحدِّ من بلوغ مآربهم في شهواتهم، في عباداتهم، ومعاملاتهم، ومأكولهم، ومشروبهم، فيقولون: أنت ضيقت علينا مثلًا، حرمت علينا الخمر، حرمت علينا الميتة، ضيقت علينا في العبادة خصصتها بواحد، وما أشبه ذلك، هذا في زعمهم تَطَيُّر. الوجه الثالث: تطير مدعى الذي ليس له أصل يقولون ذلك تنفيرًا للناس عن متابعتهم، وقوله: (لانقطاع المطر عنا بسببكم) يحتمل أن هذا هو السبب، ويحتمل أنه ما أحل بهم من العقوبات الأخرى التي من جملتها ما عاقب الله به آل فرعون: ﴿أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ﴾ [الأعراف ١٣٣] والسنين ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، كم؟ تسع عقوبات، طيب، يمكن عقوبات أخرى غير هذه أيضًا. قال: (﴿لَئِنْ لَمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ مؤلم) ﴿لَئِنْ لَمْ تَنتَهُوا﴾ عن أي شيء؟ عن دعوتنا إلى اتباعكم وترك ما كنا عليه. وقوله: ﴿لَنَرْجُمَنَّكُمْ﴾ الجملة هذه جواب القسم وليست جواب الشرط؛ لأنها قُرِنَت باللام، وأُكِّدت بـنون التوكيد، وهذا يدل على أنها جواب القسم لا جواب الشرط، وإلى هذا أشار ابن مالك رحمه الله في الألفية؛ حيث قال: ؎وَاحْذِفْ لَدَى اجْتِمَاعِ شَرْطٍ وَقَسَمْ ∗∗∗ جَوَابَ مَا أَخَّرْتَ فَهْوَ مُلْتَزَمْ قال: ﴿لَنَرْجُمَنَّكُمْ﴾ الرجم هو الرمي بالحجارة، هذا الرجم، ومنه رجم الزاني المحصن أي: رميه بالحجارة حتى يموت. ﴿وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ (﴿لَيَمَسَّنَّكُمْ﴾ ليصيبنكم) ومس كل شيء بحسبه؛ فمس الإنسان للإنسان له معنى، ومس العقوبات والمصائب له معنى، فالمراد بالمس هنا الإصابة. وقوله: ﴿عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ العذاب هو ما يحصل لهؤلاء الرسل من هؤلاء المكذبين المعتدين من الضرب وشبهه، ومنه الحبس أيضًا فإنه عذاب، و﴿أَلِيمٌ﴾ بمعنى مؤلم، فهو فعيل بمعنى مفعل ومنه قول الشاعر: ؎أَمِنْ رَيْحَانَةَ الدَّاعِي السَّمِيعُ ∗∗∗ يُؤَرِّقُنِي وَأَصْحَابِي هُجُوعُ (أَمِنْ رَيْحَانَةَ الدَّاعِي السَّمِيعُ) بمعنى المسمع، لا بمعنى السامع، (يُؤَرِّقُنِي وَأَصْحَابِي هُجُوعُ)، فأليم بمعنى مؤلم، لا بمعنى آلم. طيب قوله: ﴿وَلَيَمَسَّنَّكُمْ﴾ هل هذا على سبيل التنويع أو على سبيل الجمع؛ يعني أنهم يرجمونهم ويعذبونهم قبل الرجم، أو أنه على سبيل التنويع وأن الواو بمعنى (أو)، أي: لنرجمنكم حتى تموتوا، أو ليمسنكم منا عذاب أليم دون الرجم؟ الآية تحتمل المعنيين فإن جعلناها للجمع فإنها ليست على سبيل الترتيب؛ لأن الرجم سابق في الذكر لاحق في الواقع؛ لأن العذاب الأليم قبل الرجم؛ إذ إن الرجم لا عذاب بعده، فيكون فيها تقديم وتأخير، وأما إذا جعلنا الواو بمعنى (أو) للتقسيم فيكون المعنى أنهم توعدوهم بأحد أمرين: إما الرجم، وإما العذاب المؤلم الشديد. ﴿قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ﴾ ﴿قَالُوا﴾ الضمير يعود على الرسل يُخَاطِبون مَن؟ يخاطبون أصحاب القرية الذي كذبوهم، ﴿طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ﴾ أي: شؤمكم ملازم لكم، وذلك بسبب كفرهم، فهم الشؤم على أنفسهم، وليس الشؤم من الرسل، بل من هؤلاء ولو شاؤوا لآمنوا فزال عنهم ما حلَّ بهم من العذاب والنقص. (﴿قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ﴾ همزة استفهام دَخَلَتْ على (إن) الشرطية، وفي همزتها التحقيق والتسهيل وإدخال ألف بينهما بوجهيها -يعني التحقيق والتسهيل- وبين الأخرى) سبق مثل هذا، وأن فيها أربع قراءات: التحقيق والتسهيل، فيقال: ﴿أَئِنْ﴾ هذا تحقيق، تسهيل: ﴿أَاِنْ﴾ ما تبين الهمزة، إدخال ألف بينهما بوجهيها: يعني: وعدم الإدخال، إدخال ألف بالتحقيق تقول: ﴿آئِنْ ذُكِّرْتُمْ﴾ ، بالتسهيل: ﴿آاِنْ﴾ هذا إدخال ألف بينهما، وبين الأخرى؛ يعني: التي هي همزة إن، والقراءات كلها سَبْعِيِّة. وقوله: ﴿أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ﴾ وُعِظْتُمْ وخُوِّفْتُم، وجواب الشرط محذوف أي: تطيرتم وكفرتم إلى آخره. قوله: ﴿أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ﴾ لا شك أنها حرف شرط، والشرط يحتاج إلى فعل الشرط وإلى جواب الشرط، أما فعل الشرط فمذكور وهو قوله: ﴿ذُكِّرْتُمْ﴾، أما جوابه فمحذوف، فما تقديره؟ يقول المؤلف رحمه الله: (تطيرتم) وقال: (تطيرتم وكفرتم)، ولننظر الآن ماذا حصل من التذكير لنعرف.. ولننظر الآن ماذا حصل من التذكير لنعرف جواب الشرط؛ ﴿قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ﴾ فالذي حصل منهم أنهم تطيروا وأنهم توعدوا بماذا؟ بالرجم والعذاب الأليم، فيكون الجواب مطابقًا للمذكور؛ أي: أئن ذُكِّرتم تطيَّرتم وتوعَّدتم بالرجم والعذاب الأليم، أما الكفر فقد سبق. قال: (وهو محل الاستفهام والمراد به التوبيخ) (وهو) أي: جواب الشرط المحذوف محل الاستفهام، يعني هو الذي ينصب عليه الاستفهام لا التذكير؛ لأن التذكير ثابت وليس فيه إنكار، إنما الإنكار والتوبيخ بماذا؟ بالتطير بهم واعتدائهم على الرسل فهو محل الاستفهام الذي يُراد به أيش؟ التوبيخ؛ يعني: أن الرسل عليه الصلاة والسلام وَبَّخُوهُم وقالوا: أتتشاءمون وتوعَّدون لأننا ذكرناكم؟! فهذا هو محل الاستفهام، وإنما نص المؤلف على ذلك؛ لأنه قد يَظُنُّ الظان أن محل الاستفهام هي الجملة الموالية لأداة الاستفهام، وهي قوله: (إِنْ ذُكِّرْتُمْ)، والواقع أن محل الاستفهام هو جواب الشرط لا الشرط المذكور، وهو أي: الاستفهام التوبيخ. ﴿بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ﴾ هذا إضراب انتقال ولَّا إبطال؟ هذا إضراب انتقال؛ يعني: انتقلوا من الإنكار عليهم بكونهم يكذبون الرسل ويتوعدونهم ويتطيرون بهم إلى وصفهم الحقيقي؛ وهو أنهم قوم مسرفون. والإضراب يكون للإبطال ويكون للانتقال؛ فإذا قلت: جاء زيد بل عمرو، فهذا إضراب إبطال. وإذ قلت: زيد في شك بل هو منكر، فهذا إبطال انتقال، ومنه قوله تعالى: ﴿بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ﴾ [النمل ٦٦]، ومنه هذه الآية الكريمة: ﴿أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ﴾ وقوله: ﴿مُسْرِفُونَ﴾ أي: متجاوزون للحد، ووجه التجاوز أولًا: أنهم كذبوا الرسل بلا بينة وبلا دليل؛ لأنهم اعتمدوا على أي شيء؟ على أمر ليس حجة لهم؛ ﴿قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا﴾، وقالوا: ﴿وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ﴾، وقالوا: ﴿إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ﴾ هذا إسراف جاوز الحد. ثانيًا: أنهم تطيروا بالرسل وحقيقة الأمر أن الرسل عليهم الصلاة والسلام محل تفاؤل؛ لأن في اتباعهم الخير؛ ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [الأعراف ٩٦]، وهؤلاء تطيروا بالرسل وليسوا محلًا للتطير بهم. ثالثًا: أنهم توعدوا الرسل بالعدوان عليهم إذا لم ينتهوا عن دعوتهم إلى الله تعالى وإبلاغهم رسالته كقوله: ﴿لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾. إذن وجه الإسراف من كم من وجه؟ * طالب: ثلاثة أوجه. * الشيخ: نعم، كل هذا من الإسراف ومن العدوان، وجه ذلك أنه لا يجوز للإنسان عقلًا أن يرد شيئًا بلا بينة مع أن هؤلاء الرسل لا شك أنهم أَتَوْا بآية تدل على صدقهم، ما بعث الله رسولًا إلا أعطاه مع على مثله يُؤْمِن البشر، هذا عدوان. العدوان الثاني تطيرهم بالرسل، والحقيقة أن التطير من أعمالهم هم؛ لأن الرسل قالوا وصدقوا فيما قالوا؛ ﴿قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ﴾ فتطيُّرهم بالرسل قلب للحقيقة؛ لأن حقيقة الأمر أن التطير من هؤلاء. الوجه الثالث للإسراف ومجاوزة الحد أنهم أيش؟ توعَّدوا الرسل ﴿لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾. ثم قال الله تعالى: ﴿وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى﴾ [يس ٢٠] هنا قال: ﴿وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ﴾، وفي أول الآية قال: ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ﴾ وهذا يدل على أن القرية تُسمى مدينة، والمدينة أيضًا تُسمَّى قرية؛ فمكة سمَّاها الله تعالى قرية وهي أم القرى ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ﴾ [محمد ١٣]، فالقرية ليست هي البلد الصغير كما يظن كثيرٌ من الناس، بل القرية تكون مدينة؛ وذلك لأن أصل القرية مأخوذة من القِرَى وهو التجمع؛ فإن الناس يجتمعون فيها، فإن كانت بلدة كبيرة سُمِّيت في عرف الناس مدينة، وإن كانت دون ذلك سميت في عرف الناس قرية، والتفريق بين القرية والمدينة ما هو إلا أيش؟ اصطلاح عرفي فقط. (...) أي: تشاءموا بهم، وأن الرسل بيَّنوا أن الشؤم ملازم لهؤلاء ومعهم بسبب ذنوبهم، وسبق أيضًا أن الرسل أنكروا عليهم تكذيبَهم للرسل وتَوَعُّدَهم إياهم بالرجم، وسبق أنهم وصفوهم بأنهم قوم مسرفون أي: متجاوزون للحدِّ. قال الله تعالى: ﴿قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ﴾ [يس ١٨]. قوله: ﴿وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾ أظن أخذنا فوائدها، وبيَّنَّا أن الرسل ليس عليهم إلا البلاغ المبين، وأنه يجب عليهم أن يبلِّغوا البلاغ البين. قوله تعالى: ﴿قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ﴾ * يستفاد منها: أن هؤلاء المكذبين تشاءموا بالرسل؛ تشاءموا بهم لأن هذه دعوى باطلة يدعيها كل مكذب للرسل، ففيها أن المكذبين للرسل يدَّعون عليهم ما لم يكن منهم تشويهًا وتنفيرًا. * ويستفاد منها أيضًا: عدوان هؤلاء المكذبين؛ حيث تَوَعَّدوا الرسل إذا لم ينتهوا عن الدعوة إلى الله بالرجم المؤدي إلى الهلاك أو بالعذاب الأليم إن لم يرجموهم، وهذا فيه غاية العدوان. * ومن فوائدها: أن الإنسان شؤمه بعمله وليس بدعوته إلى الحق؛ لقوله: ﴿قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ﴾. * ومن فوائدها: أن الذنوب والتكذيب للرسل يكون سببًا للمحن والبلاء؛ لقوله: ﴿قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ﴾، وهذا هو سنة الله عز وجل في جميع المكذبين للرسل أن الله تعالى يبتليهم بالعقوبات لعلهم يرجعون. * ومن فوائد الآية الكريمة: الإنكار على مَنْ ذُكِّر فأعرض؛ لقوله: ﴿أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ﴾. * ومن فوائدها: جواز حذف ما عُلِم بالسياق ولا يُعَدُّ هذا نقصًا في الكلام وبلاغته؛ لأن جواب الشرط هنا محذوف للدلالة عليه، وربما يكون الحذف أبلغ. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن هؤلاء القوم كانوا مسرفين على أنفسهم متجاوزين للحد؛ لقوله: ﴿بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ﴾، وسبق بيان وجه إسراف هؤلاء وتجاوزهم للحد. [[اختُصِرَ كلام المؤلف لشدة طوله]]
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب