الباحث القرآني

قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿إنّا جَعَلْنا في أعْناقِهِمْ أغْلالا﴾ فِيها ثَلاثَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: أنَّهُ مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ تَعالى لَهم في امْتِناعِهِمْ مِنَ الهُدى كامْتِناعِ المَغْلُولِ مِنَ التَّصَرُّفِ، قالَهُ يَحْيى بْنُ سَلّامٍ. الثّانِي: ما حَكاهُ السُّدِّيُّ أنَّ ناسًا مِن قُرَيْشٍ ائْتَمَرُوا بِالنَّبِيِّ ﷺ فَجاءُوا يُرِيدُونَ ذَلِكَ فَجُعِلَتْ أيْدِيهِمْ إلى أعْناقِهِمْ فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا أنْ يَبْسُطُوا إلَيْهِ يَدًا. الثّالِثُ: أنَّ المُرادَ بِهِ جَعَلَ اللَّهُ سُبْحانَهُ لَهم في النّارِ مِنَ الأغْلالِ في أعْناقِهِمْ ويَكُونُ الجَعْلُ هاهُنا مَأْخُوذًا مِنَ الجُعالَةِ الَّتِي هي الأُجْرَةُ كَأنَّ جُعالَتَهم في النّارِ الأغْلالُ، حَكاهُ ابْنُ بَحْرٍ. وَفِي قَوْلِهِ: ﴿فِي أعْناقِهِمْ﴾ قَوْلانِ: أحَدُهُما: في أيْدِيهِمْ، فَكَنّى بِالأعْناقِ عَنِ الأيْدِي؛ لِأنَّ الغُلَّ يَكُونُ في الأيْدِي، قالَهُ الكَلْبِيُّ، وحَكى قُطْرُبٌ أنَّها في قِراءَةِ ابْنِ عَبّاسٍ: (إنّا جَعَلْنا في أيْمانِهِمْ أغْلالًا) الثّانِي: أنَّها في الأعْناقِ حَقِيقَةٌ، لِأنَّ الأيْدِي تُجْمَعُ في الغُلِّ إلى الأعْناقِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. ﴿فَهِيَ إلى الأذْقانِ﴾ فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: إلى الوُجُوهِ فَكَنّى عَنْها بِالأذْقانِ لِأنَّها مِنها، قالَهُ قَتادَةُ، أيْ قَدْ غُلَّتْ يَدُهُ عِنْدَ وجْهِهِ. الثّانِي: أنَّها الأذْقانُ المُنْحَدِرَةُ عَنِ الشَّفَةِ في أسْفَلِ الوَجْهِ؛ لِأنَّ أيْدِيَهم تَماسُّها إذا عَلَتْ. ﴿فَهم مُقْمَحُونَ﴾ فِيهِ أرْبَعَةُ أوْجُهٍ: أحَدُها: رَفْعُ رُؤُوسِهِمْ ووَضْعُ أيْدِيهِمْ عَلى أفْواهِهِمْ، قالَهُ مُجاهِدٌ. الثّانِي: هو الطّامِحُ بِبَصَرِهِ إلى مَوْطِئِ قَدَمِهِ، قالَهُ الحَسَنُ. الثّالِثُ: هو غَضُّ الطَّرْفِ ورَفْعُ الرَّأْسِ، مَأْخُوذٌ مِنَ البَعِيرِ المُقْمَحِ؛ وهو أنْ يَرْفَعَ (p-٨)رَأْسَهُ ويُطْبِقَ أجْفانَهُ في الشِّتاءِ إذا ورَدَ ماءً كَرِيهًا، حُكُاهِ النَّقّاشُ. وَقالَ المُبَرِّدُ، وأنْشَدَ قَوْلَ الشّاعِرِ: ؎ ونَحْنُ عَلى جَوانِبِها قُعُودٌ نَغُضُّ الطَّرْفَ كالإبِلِ القِماحِ الرّابِعُ: هو أنْ يَجْذِبَ ذَقْنَهُ إلى صَدْرِهِ ثُمَّ يَرْفَعُهُ، مَأْخُوذٌ مِنَ القَمْحِ وهو رَفْعُ الشَّيْءِ إلى الفَمِ، حَكاهُ عَلِيُّ بْنُ عِيسى وقالَهُ أبُو عُبَيْدَةَ. قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿وَجَعَلْنا مِن بَيْنِ أيْدِيهِمْ سَدًّا ومِن خَلْفِهِمْ سَدًّا﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: يَعْنِي ضَلالًا، قالَهُ قَتادَةُ. الثّانِي: سَدًّا عَنِ الحَقِّ، قالَهُ مُجاهِدٌ. الثّالِثُ: ظُلْمَةٌ سَدَّتْ قُرَيْشًا عَنْ نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ حِينَ ائْتَمَرُوا لِقَتْلِهِ قالَهُ السُّدِّيُّ. قالَ عِكْرِمَةُ: ما صَنَعَ اللَّهُ تَعالى فَهو السُّدُّ بِالضَّمِّ، وما صَنَعَ الإنْسانُ فَهو السَّدُّ بِالفَتْحِ. ﴿فَأغْشَيْناهم فَهم لا يُبْصِرُونَ﴾ فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: فَأغْشَيْناهم بِظُلْمَةِ الكُفْرِ فَهم لا يُبْصِرُونَ الهُدى، قالَهُ يَحْيى بْنُ سَلّامٍ، ومَعْنى قَوْلِ مُجاهِدٍ. الثّانِي: فَأغْشَيْناهم بِظُلْمَةِ اللَّيْلِ فَهم لا يُبْصِرُونَ مُحَمَّدًا ﷺ حِينَ ائْتَمَرُوا عَلى قَتْلِهِ، قالَهُ السُّدِّيُّ، ومُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ. قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿إنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ﴾ يَعْنِي القُرْآنَ. ﴿وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالغَيْبِ﴾ فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: ما يَغِيبُ بِهِ عَنِ النّاسِ مِن شَرِّ عَمَلِهِ، قالَهُ السُّدِّيُّ. الثّانِي: ما غابَ مِن عَذابِ اللَّهِ ونارِهِ، قالَهُ قَتادَةُ. ﴿فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ﴾ لِذَنْبِهِ. ﴿وَأجْرٍ كَرِيمٍ﴾ لِطاعَتِهِ، وفِيهِ وجْهانِ: (p-٩)أحَدُهُما: أنَّهُ الكَثِيرُ. الثّانِي: الَّذِي تُنالُ مَعَهُ الكَرامَةُ. قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿إنّا نَحْنُ نُحْيِي المَوْتى﴾ فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: نُحْيِيهِمْ بِالإيمانِ بَعْدَ الكُفْرِ، قالَهُ الضَّحّاكُ. الثّانِي: بِالبَعْثِ لِلْجَزاءِ، قالَهُ يَحْيى بْنُ سَلامٍ. ﴿وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وآثارَهُمْ﴾ فِيهِ تَأْوِيلانِ: أحَدُهُما: "ما قَدَّمُوا" هو ما عَمِلُوا مِن خَيْرٍ أوْ شَرٍّ، "وَآثارَهُمْ" ما أثَرُوا مِن سُنَّةٍ حَسَنَةٍ أوْ سَيِّئَةٍ يُعْمَلُ بِها بَعْدَهم، قالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ. الثّانِي: ما قَدَّمُوا: أعْمالُهم، وآثارُهُمْ: خُطاهم إلى المَساجِدِ، قالَهُ مُجاهِدٌ. رَوى سُفْيانُ عَنْ أبِي نَضْرَةَ عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قالَ: «كانَتْ بَنُو سَلَمَةَ في ناحِيَةٍ مِنَ المَدِينَةِ فَأرادُوا أنْ يَنْتَقِلُوا إلى قَرِيبٍ مِنَ المَسْجِدِ، فَنَزَلَتْ: ﴿إنّا نَحْنُ نُحْيِي المَوْتى ونَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وآثارَهُمْ﴾ وقالَ لَهُمُ النَّبِيُّ ﷺ: (إنَّ آثارَكم تُكْتَبْ فَلَمْ يَنْتَقِلُوا).» وَيَحْتَمِلُ إنْ لَمْ يَثْبُتْ نَقْلُ هَذا السَّبَبِ تَأْوِيلًا ثالِثًا أنَّ آثارَهم هو أنْ يَصْلُحَ مَن صاحَبَهم بِصَلاحِهِمْ، أوْ يَفْسُدَ بِفَسادِهِمْ. ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْناهُ﴾ فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: عَلِمْناهُ. الثّانِي: حَفِظْناهُ. ﴿فِي إمامٍ مُبِينٍ﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أقاوِيلَ: أحَدُهُما: اللَّوْحُ المَحْفُوظُ، قالَهُ السُّدِّيُّ. الثّانِي: أُمُّ الكِتابِ قالَهُ مُجاهِدٌ. الثّالِثُ: مَعْناهُ طَرِيقٌ مُسْتَقِيمٌ، قالَهُ الضَّحّاكُ.(p-١٠)
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب