الباحث القرآني
ثم قال الله عز وجل: ﴿وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ﴾ [الروم ٥١].
﴿وَلَئِنْ﴾ اللام هُنا لام قَسَمٍ دخلتْ على (إن) الشرطية، ﴿وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا﴾، وقوله: ﴿لَظَلُّوا﴾ هذا هو الجواب، لكنَّه جوابٌ لأيِّهما: للشرط أو للقَسَم؟ جوابٌ للقَسَم؛ لأنَّه لو كان جوابًا للشرط ما احتاج إلى اللام، فعلٌ ماضٍ يُجاب به الشرطُ بدون واسطة، وأيضًا فإنَّ القاعدة عند أهل العلم بالعربية أنَّه إذا اجتمع شرطٌ وقَسَمٌ يُحذَف جوابُ المتأخِّر منهما قال ابن مالك:
؎وَاحْذِفْ لَدَى اجْتِمَاعِ شَرْطٍ وَقَسَمْ ∗∗∗ جَـــــوَابَ مَــا أَخَّـــــرْتَ فَـــهْوَمُلْــــتَزَمْ
(...) دلَّ عليه اللام الموطئة للقَسَم، وفيه شرط (إنْ)، والجواب الآن للقَسَم: ﴿لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ﴾، وجوابُ الشرط محذوفٌ دلَّ عليه جوابُ القَسَم.
﴿وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا﴾ شوف الفرق؛ في الأول يقول الله عز وجل: ﴿اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ﴾، وهُنا قال: ﴿وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا﴾ مفردًا، وقد ذكرنا سابقًا أنَّ الجمع يكون رحمةً والإفراد يكون عذابًا، هذا الغالب.
﴿وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا﴾ (رَأَوْهُ) الضمير لا يعود على الريح، لكنَّه يعود على ما حَيِيَ بالماء الذي نَزَل من السماء؛ لأنه تقدَّم لنا ﴿كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾؛ يعني: ولَئِنْ أرسلْنا ريحًا فرأوْا هذا الذي حَيِيَ ﴿مُصْفَرًّا﴾ يعني: يابسًا حطيمًا بهذه الرياح ﴿لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ﴾.
نقرأ كلام المؤلف: (﴿﴿وَلَئِنْ﴾ ﴾ لام قَسَم ﴿﴿أَرْسَلْنَا رِيحًا﴾ ﴾ مُضِرَّة عَلَى نَبَاتٍ ﴿﴿فَرَأَوْهُ﴾ ﴾) الضمير يعود على أيش؟ على النبات (﴿﴿مُصْفَرًّا لَظَلُّوا﴾ ﴾ صاروا، جواب القَسَم ﴿﴿مِنْ بَعْدِهِ﴾ ﴾ أي: بعد اصفراره ﴿﴿يَكْفُرُونَ﴾ ﴾ يجحدون النعمةَ بالمطر). يعني أنَّ الله عز وجل إذا أحيا الأرضَ بعد موتها وأرسلَ عليها ريحًا فاصْفَرَّ النباتُ، وبعد اصفراره سيتلفُ امتحانًا منه جل وعلا لَكانوا من بعد هذا الاستبشار وبعد أنْ رأوا آثارَ الرحمة صاروا يكفرون.
﴿لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ﴾ يقولون: كيف هذا؟! يأتي المطر وينزل وتحيا الأرضُ، ثم تأتي هذه الريح فتُهلكه؟! فيكفرون -والعياذ بالله- وينسون نعمةَ الله السابقة، ينسونها، وهذا من الامتحان، وهو داخلٌ في قوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ﴾ [الحج ١١]، وكان عليهم إذا أرسلَ اللَّهُ هذه الريحَ واصفرَّ النباتُ بها، كان عليهم أنْ يقابلوا ذلك بالصبر لا بالكُفر، بالصبر على هذه البليَّة؛ لأنَّ الصبر .. يُوَفَّى الصابر أجْرَه بغير حساب، وربما تزول هذه المحنةُ إلى نعمةٍ أخرى؛ لأن الله جل وعلا يقول: ﴿وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ﴾ [النحل ١٢٦]، ﴿وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ﴾ [محمد ٣٦]، ﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ [آل عمران ١٨٦]، فالمؤمن يصبر عند البلاء ويَشكر عند الرخاء.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: لا، على (...).
قال تعالى: ﴿فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى﴾ [الروم ٥٢]، ﴿إِنَّكَ﴾ الخطاب للنبي ﷺ، ويجوز أن يكون الخطاب عامًّا لكلِّ مَن يتأتَّى خطابُه.
﴿لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى﴾ يعني: لا تُسمِعهم سماعًا ينتفعون به، أو: لا تُسمِعهم حين الدعوة، والأقرب الأول؛ لأنه ليس من المعقول أنَّ أحدًا يَقِف على الأموات ويقول: يا أيُّها الناس اعبُدوا الله واتَّقوه، هذا ليس بمعقول، لكنْ لو فُرِض أنَّه دعا فهل يسمعون سماعًا ينتفعون به؟ الجواب: لا، لا يسمعون سماعًا ينتفعون به.
فإذا قال قائل: هذا تقييدٌ للآية، الآية مُطْلقة ﴿لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى﴾، فكيف ساغ لكم أنْ تُقَيِّدوها بقولكم: سماعًا ينتفعون به؟
نقول: إنَّ هذا -أعني نَفْي السماع- يُطلق على نَفْي السماع النافع؛ كما في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ﴾ [الأنفال ٢١]، يسمعون بآذانهم لكنْ لا يسمعون سماعًا ينتفعون به، ولا نحمله على الإطلاق؛ لأن سماع الموتى قد وَرَدَت به الآثارُ؛ فإنَّ رسول الله ﷺ ثَبَتَ عنه «أنَّه وَقَفَ على أصحاب قَلِيب بدرٍ من المشركين، وجعل يدعوهم بأسمائهم وأسماء آبائهم: «يَا فُلَانَ بْنَ فُلَانَ، يَا فُلَانَ بْنَ فُلَانَ، هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا، فَإِنَّا قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا». فقال عمر: يا رسول الله، ما تُخاطب من قومٍ قد جيَّفوا!» -يعني: كيف تُخاطب الجِيَف؛ موتى؟!- «فقال: «مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٩٧٦)، ومسلم (٢٨٧٥ / ٧٨)، من حديث أبي طلحة.]]، يعني: هم يسمعون أشدَّ من سماعكم، فإذَنْ ثَبَتَ أنَّ الموتى يسمعون، وكذلك صحَّح ابنُ عبد البَرِّ حديثًا وَرَدَ عن الرسول عليه الصلاة والسلام أنَّه «مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَى مَيِّتٍ كَانَ يَعْرِفُهُ فِي الدُّنْيَا إِلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ رُوحَهُ فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ»[[أخرجه ابن عبد البر في الاستذكار (١ / ١٨٥) من حديث ابن عباس.]]، وهذا ذكره ابنُ القيم في كتاب الروح، وذكر تصحيح ابن عبد البر له ولم يتعقَّبْه، وعلى هذا فهُم يسمعون، لكنَّهم لا ينتفعون بهذا السماع.
وردتْ آثار أيضًا عن الصحابة في هذا الأمر ذَكَرها ابنُ القيم رحمه الله عند هذه الآية، وثَبَتَ أيضًا في الصحيح أنَّ الإنسان إذا انصرفَ عنه أصحابُه بعد الدَّفْن حتى إنَّه لَيَسْمع قَرْعَ نعالهم أتاه مَلَكان[[متفق عليه؛ البخاري (١٣٣٨)، ومسلم (٢٨٧٠ / ٧٠)، من حديث أنس بن مالك.]]. يسمع قَرْع نعالهم على الأرض كما يمشي الإنسانُ على السقْف فنسمع مَشْيه على السقف، وهذا أيضًا يسمع قَرْع النعال، (...) قرع النعال، ولكن الله تعالى يجعلهم يسمعون ذلك.
فالحاصل أننا نقول: كلُّ هذا يؤيِّد أنَّ المعنى ﴿فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى﴾ يعني: سماعًا ينتفعون به، ومعلومٌ أنَّ الرسول ﷺ ما دعا الموتى، ما ذهبَ إلى القبور يدعوهم، ولكن الذين يدعوهم مِن الأحياء كالموتى لا يستجيبون ولا ينتفعون بالدَّعوة.
يقول عز وجل: ﴿وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ﴾، ﴿الصُّمَّ﴾ مفعولٌ أول، و﴿الدُّعَاءَ﴾ مفعولٌ ثانٍ، أمَّا ﴿لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى﴾ الأولى فقد حُذِف المفعولُ الثاني؛ لأن هذا فَضْلة، وقد سبق لنا أنَّه يجوز حذفُ الفَضْلة ولو بلا دليل.
وقال: ﴿وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ﴾ ﴿الصُّمَّ﴾ جمع أَصَمَّ، وهو الذي لا يسمع، اللي ما يسمع ما تُسمِعه، لا سيَّما إذا اقترنَ به الإدبار؛ ﴿إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ﴾، وهذا أشدُّ ما يكون بالنسبة للأصَمِّ بانتفاء السماع عنه، الأصَمُّ لا يسمع ولو كان مقابلًا لك، فكيف إذا أَدْبر! يكون (...)، ولهذا الأصمُّ إذا كان أمامك ودعَوْتَه بصوتٍ ما فربما يسمع، لكن إذا ولَّى مهما دعَوْتَه ما يسمع إلَّا إذا أدركْتَه فمسكتَه، فالصُّمُّ إذا ولَّوا مدبرين ما يسمعون، وإنما قيَّد الله عز وجل الصُّمَّ بهذه الحال لأنها هي الحال التي لا يسمعون بها مطلقًا، بخلاف ما إذا كانوا أمامك فإنَّهم قد يسمعون ويستدلُّون على ما تقول بحركات شفتيك.
﴿وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ﴾ قال المؤلف: (بتحقيق الهمزتين، وتسهيل الثانية بينها وبين الياء). ﴿الدُّعَاءَ إِذَا﴾ هذا أيش؟ تحقيق؛ ﴿الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا﴾. الثاني: تسهيل الثانية بينها -أي: بين الهمزة المحقَّقة- وبين الياء؛ أي: ﴿وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ اِذَا﴾ خَلِّها بين الهمزة وبين الياء، والقراءتانِ سبعيَّتانِ.
ثم قال: ﴿وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ﴾ [الروم ٥٣] شوف الآن، انتقال؛ الموتى، الصُّم، العُمْي.
﴿وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ﴾ ﴿مَا﴾ حجازيَّة، و﴿أَنْتَ﴾ اسمها، والباء حرف جرٍّ زائد، و(هادِ) خبرها.
﴿وَمَا أَنْتَ بِهَادِ﴾ اسم فاعل ﴿بِهَادِ الْعُمْيِ﴾ العُمْي جمع أَعْمى؛ لأن (أَفْعَل) جمعه (فُعْل)؛ قال ابن مالك:
؎فُعْـــــلٌ لِنَحْــــــوِ أَحْمَرٍ وَحَمْرَا ∗∗∗ .....................
(أَحْمَر) مثل (أَعْمَى)، و(حمراء) مثل (عَمْياء)، فـ(عُمْي) جمعٌ للذكور والإناث.
﴿بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ﴾ ويش معنى ﴿ضَلَالَتِهِمْ﴾؟ يعني: عن مَتَاهتهم، إذا تاهوا في الطريق ما أنت بِهادي العمي عنها، فكذلك هؤلاء الذين عَمُوا عن الحقِّ -والعياذ بالله- فلا يَرَوْن، وصمُّوا عنه فلا يسمعون، وماتوا عنه فلا يفقهون، هؤلاء أيضًا لا تستطيع أن تهديهم، أو لا؟
فتأمَّل الآن في مسألة الموت ومسألة الصَّمَم قال: ﴿إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ﴾، وفي باب العَمَى قال: ﴿مَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ﴾ ما قال: ما أنت بمسمع؛ السبب: لأنَّ البصر يتعلَّق به الدلالة، وهي الهداية، بخلاف الصَّمَم يتعلَّق به السمع.
(﴿﴿وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ﴾ ﴾ مَا ﴿﴿تُسْمِعُ﴾ ﴾ سَمَاعَ إفهامٍ وقَبُولٍ ﴿﴿إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا﴾ ﴾ القرآن ﴿﴿فَهُمْ مُسْلِمُونَ﴾ ﴾ [الروم: ٥٣]).
﴿إِنْ﴾ قال المؤلف: (ما)، ويش معنى (﴿﴿إِنْ﴾ ﴾ مَا)؟ (ما) هذه تفسيرية، ولهذا ما تُدغَم بـ(إنْ)، ما يقال: (إمَّا)، بل يقال: (إنْ) ثم يقال: (ما) على سبيل الإظهار؛ لأن (ما) تفسيرٌ لها، فهي هي، ﴿إِنْ﴾ بمعنى (ما).
﴿﴿تُسْمِعُ﴾ ﴾ قال المؤلف: (سَمَاعَ إفهامٍ وقَبُول).
ما تسمع (﴿﴿إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا﴾ ﴾ القرآن﴿﴿فَهُمْ مُسْلِمُونَ﴾ ﴾) أي: فبناءً على إيمانهم هم مُسْلمون مُنْقادون؛ لأنَّه كلَّما تمَّ الإيمانُ تمَّ الانقياد، فكلَّما كان الإنسان أقوى إيمانًا فإنَّه يكون أعظمَ انقيادًا، ولهذا الإيمانُ يستلزم الإسلام، كلُّ مؤمنٍ مُسْلم، ولا عَكْس؛ ما كلُّ مُسْلمٍ مؤمنًا، قد يستسلم الإنسانُ ظاهرًا وقلْبُه منطوٍ على الكفر -والعياذُ بالله- بخلاف الإيمان، ولهذا رتَّب على الإيمان رتَّب عليه الإسلامَ بالفاء ﴿فَهُمْ مُسْلِمُونَ﴾ فهُم مِن أجْل إيمانهم مسلمون منقادون.
قوله ﴿إلَّا مَنْ يُؤْمِن بِآيَاتِنَا﴾ قال المؤلف: إنَّه القرآن، مع أنَّ (آيات) جمعٌ وليست مفردًا، فما هو الجواب عن قول المؤلف؟
الجواب عن قول المؤلف أنَّ فيه قصورًا، والحقُّ أنَّ المراد بالآيات ما هو أعمُّ من القرآن؛ فيشمل جميع الكُتُب المنزلة، ويشمل كذلك الآيات الكونية بأنْ يؤمن بأنَّ هذا الكون خَلَقَه اللَّهُ عز وجل؛ لأنَّ مِن الناس مَن لا يؤمن بالآيات الكونية؛ شوف ﴿وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا﴾ ويش يقولون؟ ﴿سَحَابٌ مَرْكُومٌ﴾ [الطور ٤٤]، شيء طبيعي، الكون يقولون: مادَّة وطبيعة تتفاعل ويَنْتج بعضُها من بعض، وما أشبهَ ذلك، ما آمَنوا بالآيات.
الآيات الشرعيَّة كذلك أيضًا؛ مِن الناس مَن لا يؤمن بها، يُكَذِّب بأخبارها ويستكبر عن أحكامها، وهذا كثير.
إذَنْ الصوابُ أنَّ المراد بقوله: ﴿بِآيَاتِنَا﴾ ما يشمل الآياتِ الشرعيَّة كلَّها بكلِّ الكُتُب النازلة والآياتِ الكونية كلَّها؛ لأن مِن الناس مَن يُنكر الآيات الكونية كما تعلمون.
فإذا قال قائل: ﴿إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا﴾ معناه أنَّ المؤمن سامعٌ، فكيف يقول: ﴿إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ﴾ والمؤمن سامعٌ؟! فكيف تجيب عن هذا؟
* طالب: (...).
* الشيخ: إي، لكن مَن يؤمن سامعٌ، تُسمع مَن يؤمن.
* طالب: (...) أنَّه قابل للدعوة (...).
* طالب آخر: قابل للسماع و(...).
* الشيخ: الجواب عن هذا مِن أحد وجهين: إمَّا أنْ يُقال: ﴿إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ﴾ أي: إلا مَن كان مستعدًّا للإيمان بما تقول ومكتوبًا عند الله عز وجل أنَّه مؤمن، وهذا أمرٌ غير معلومٍ للرسول عليه الصلاة والسلام، لكن يجب عليه أن يَبْذل الدعوة فيسمعها مَن كان في علم الله أنَّه مؤمنٌ وكان مستعدًّا للإيمان، هذا وجه. أو يُقال: إنَّ الدين شرائع، ليس شيئًا واحدًا، بل هو شرائع وشعائر متعدِّدة، فالذي ينتفع بهذه الشعائر ويطبِّقها مَن؟ هو المؤمن بها، هذا المؤمن اللي وقع الإيمانُ منه فِعْلًا هو الذي يسمع كلَّ ما دعا إليه الرسول ﷺ من جميع شرائع الدين، وعلى قول مَن يُثبتون للدين أصولًا وفروعًا نقول: أصول الدين وفُروعه.
لكن شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: إنَّ تقسيم الدين إلى أصولٍ وفُروعٍ قولٌ مبتدَعٌ لا دليل عليه، وهو صحيح، لكن ما تجد في القرآن والسُّنَّة أصولًا وفروعًا، فيها ما يدلُّ على الرُّكْنية -مثلًا- وعلى أنَّ هذا رُكْنٌ كما في قوله: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ»[[متفق عليه؛ البخاري (٨)، ومسلم (١٦ / ٢٠)، من حديث ابن عمر.]]، أمَّا أن نقول: أصول وفروع! لأن شيخ الإسلام -رحمه الله- أَنْكَر هذا لا لأنَّه مجرَّد اصطلاح، لا مشاحَّة في الاصطلاح، لكنَّه تُوُصِّل به إلى أمورٍ منكرةٍ فقالوا مَثَلًا: لا نحتجُّ بأخبار الآحاد في أُصول الدين، وجعلوا هذا بابًا يَلِجُون به إلى إنكار الصفات وإلى إنكار ما وَرَدَ في أخبار اليوم الآخِر وما أشبهَ ذلك.
المهم صار قوله: ﴿إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ﴾ ويش هو الجواب عليه؟ من أحد وجهين؛ الأول: إلا مَن كان مستعدًّا للإيمان بحيث إنَّ الله قدَّر له ذلك فهذا يسمع وينتفع. أو: ﴿إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ﴾ مَن كان الآن مؤمنًا لكنَّه يسمع ما يتلقَّى بعد ذلك من شعائر الإسلام وشرائعه.
﴿فَهُمْ مُسْلِمُونَ﴾، المؤمن مسلمٌ ظاهرًا وباطنًا؟
* طلبة: نعم.
* الشيخ: والمنافق؟
* طالب: ظاهرًا لا باطنًا.
* الشيخ: مسلمٌ ظاهرًا لا باطنًا. والمعلن بكفره؟
* طلبة: ظاهرًا وباطنًا.
* الشيخ: ظاهرًا وباطنًا؛ ليس مؤمنًا لا ظاهرًا ولا باطنًا، والناس ما يخرجون عن هذه الأقسام الثلاثة: مَن كَفَرَ ظاهرًا وباطنًا، ومَن آمَنَ ظاهرًا وباطنًا، ومَن آمَن ظاهرًا لا باطنًا.
فيه قِسمة رابعة لكن ما تمكن، وهي: مَن آمَنَ باطنًا لا ظاهرًا، هذا ما يمكن، صحيحٌ أنَّه قد يكون ضعيفَ الإيمان فتجد فيه مخالفات في ظاهرِهِ كالمؤمن الفاسق؛ أمَّا أنَّه يكون ليس عنده إسلامٌ أبدًا فهذا ما يمكن.
* طالب: ما يُطلق عليه أنه (...).
* الشيخ: ما أعلم.
* الطالب: (...).
* الشيخ: هو مسلم ظاهرًا، لكن فيه مانع من إظهاره.
* الطالب: (...).
* الشيخ: (...) لأن هذا كفر؛ لأنه جعله كفرًا (...).
* * *
(...) ﴿وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ﴾، هذه الجملة.
(...) الباصرة، ويحتمل أنَّها عَمَى البصيرة، وأيًّا كان سواء كان حِسِّيًّا أو معنويًّا -وهو ظاهر السياق- فإنَّ معنى ذلك أنَّ الرسول ﷺ لا يملك أنْ يهدي هؤلاء، وفيها (...).
قوله: ﴿إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا﴾، ما نوع هذه الجملة (...).
* * *
﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ﴾ [الروم ٥٤] هذه الآية سِيقَتْ لبيان حال الإنسان وكمال قدرة الله عز وجل.
قال: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ﴾ ﴿اللَّهُ﴾ مبتدأ، و﴿الَّذِي﴾ خبره.
﴿خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ﴾ يُقال بفتح الضاد وبضمِّها، ضمُّها لغة الحجازيِّين، وفَتْحها لغة بني تميم، ولهذا يُروى عن ابن عمر رضي الله عنه أنَّه قال: «أقرأَني رسولُ الله ﷺ:» ﴿مِنْ ضُعْفٍ﴾ [[أخرجه أبو داود (٣٩٧٨)، والترمذي (٢٩٣٦)، من حديث ابن عمر.]]، بضم الضاد؛ ﴿خَلَقَكُمْ مِنْ ضُعْفٍ﴾، لكن الحديث ضعيف، إنَّما ذكروا الضَّادَ مفتوحةً ومضمومةً؛ قراءتانِ سبعيَّتانِ، والفتح لُغة بني تميم، والضمُّ لغة الحجازيِّين.
* طالب: مَن قرأها برواية حفصٍ بالضم، هل نقول: غلط، ولَّا .. ؟
* الشيخ: صح، أيُّ إنسان يقرأ بكل قراءة ثابتة فهو صحيح.
﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ﴾ ما هو الضَّعف؟ يقول: الماء؛ (ماء مَهِين). فجعل الضعف هو النُّطْفة؛ لأنه كما قال الله عز وجل: ﴿مَاءٍ مَهِينٍ﴾ [السجدة ٨]، و﴿مِنْ﴾ هنا للابتداء كقوله تعالى: ﴿خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ﴾ [الأنبياء ٣٧]، وقيل: المراد بالضعف ضَعْفُه بعد نَفْخ الروح فيه؛ إذْ إنَّه حالُ النُّطْفة جمادٌ لا يوصَف بأنه ضعيفٌ ولا أنَّه قويٌّ، ولكن المراد بالضعف بعد نَفْخ الروح فيه، عرفتم؟ وهذا هو الصحيح؛ فإنَّ الإنسان ما يكون خلقًا تامًّا إلا بعد نَفْخ الروح، ولهذا قال الله عز وجل: ﴿فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ﴾ [المؤمنون ١٤]، هذا الإنشاء هو أول ما يكون به الإنسانُ إنسانًا؛ لأن الإنسانَ إنسانٌ ببَدَنِه ورُوحه، وعلى هذا نقول: المراد بالضعف بعد نَفْخ الروحِ فيه؛ ضَعْف الطفولة، ويبتدئُ من كَوْنه حيًّا في بطْن أُمِّه، وهذا ظاهرٌ لا يحتاج إلى دليل؛ الإنسانُ الصغيرُ ضعيفٌ، ثم بعد ذلك .. والضعف أيضًا بقُواه الحسِّيَّة وقُواه المعنويَّة، فهو ضعيفٌ في التفكير، وهي القُوى المعنويَّة، والعقل، وما أشبهَ ذلك.
{"ayahs_start":51,"ayahs":["وَلَىِٕنۡ أَرۡسَلۡنَا رِیحࣰا فَرَأَوۡهُ مُصۡفَرࣰّا لَّظَلُّوا۟ مِنۢ بَعۡدِهِۦ یَكۡفُرُونَ","فَإِنَّكَ لَا تُسۡمِعُ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَلَا تُسۡمِعُ ٱلصُّمَّ ٱلدُّعَاۤءَ إِذَا وَلَّوۡا۟ مُدۡبِرِینَ","وَمَاۤ أَنتَ بِهَـٰدِ ٱلۡعُمۡیِ عَن ضَلَـٰلَتِهِمۡۖ إِن تُسۡمِعُ إِلَّا مَن یُؤۡمِنُ بِـَٔایَـٰتِنَا فَهُم مُّسۡلِمُونَ","۞ ٱللَّهُ ٱلَّذِی خَلَقَكُم مِّن ضَعۡفࣲ ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعۡدِ ضَعۡفࣲ قُوَّةࣰ ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعۡدِ قُوَّةࣲ ضَعۡفࣰا وَشَیۡبَةࣰۚ یَخۡلُقُ مَا یَشَاۤءُۚ وَهُوَ ٱلۡعَلِیمُ ٱلۡقَدِیرُ"],"ayah":"۞ ٱللَّهُ ٱلَّذِی خَلَقَكُم مِّن ضَعۡفࣲ ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعۡدِ ضَعۡفࣲ قُوَّةࣰ ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعۡدِ قُوَّةࣲ ضَعۡفࣰا وَشَیۡبَةࣰۚ یَخۡلُقُ مَا یَشَاۤءُۚ وَهُوَ ٱلۡعَلِیمُ ٱلۡقَدِیرُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق