الباحث القرآني
ولَمّا دَلَّ سُبْحانَهُ عَلى قُدْرَتِهِ عَلى البَعْثِ بِوُجُوهٍ مِنَ الدَّلالاتِ، تارَةً في الأجْسامِ، وتارَةً في القُوى، وأكْثَرَ عَلى ذَلِكَ في هَذِهِ السُّورَةِ مِنَ الحُجَجِ البَيِّناتِ، وخَتَمَ لِأنَّهُ لا يُبْصِرُ هَذِهِ البَراهِينَ إلّا مَن حَسُنَتْ طَوِيَّتُهُ، فَلانَتْ لِلْأدِلَّةِ عَرِيكَتُهُ، وطارَتْ في فَيافِي المَقادِيرِ بِأجْنِحَةِ العُلُومِ فِكْرَتُهُ ورَوَيَّتُهُ، وصَلَ بِذَلِكَ دَلِيلًا جامِعًا بَيْنَ القُدْرَةِ عَلى الأعْيانِ والمَعانِي إبْداءً وإعادَةً، ولِذَلِكَ لَفَتَ الكَلامَ إلى الِاسْمِ الجامِعِ ولَفَتَهُ إلى الخِطابِ لِلتَّعْمِيمِ والِاسْتِعْطافِ بِالتَّشْرِيفِ، فَقالَ مُؤَكِّدًا إشارَةً إلى أنَّ ذَلِكَ دالٌّ عَلى قُدْرَتِهِ عَلى البَعْثِ ولا وهْمَ يُنْكِرُونَها، فَكَأنَّهم يُنْكِرُونَهُ، فَإنَّهُ لا انْفِكاكَ لِأحَدِهِما عَنِ الآخَرِ: ﴿اللَّهُ﴾ أيِ الجامِعُ لِصِفاتِ (p-١٢٨)الكَمالِ [وحْدَهُ].
ولَمّا كانَ تَعْرِيفُ المَوْصُولِ ظاهِرًا غَيْرَ مُلْبِسٍ، عَبَّرَ بِهِ دُونَ اسْمِ الفاعِلِ فَقالَ: ﴿الَّذِي خَلَقَكُمْ﴾ أيْ مِنَ العَدَمِ. ولَمّا كانَ مَحَطُّ حالِ الإنْسانِ وما عَلَيْهِ أساسُهُ وجِبِلَّتُهُ الضَّعْفَ، وأضْعَفُ ما يَكُونُ في أوَّلِهِ قالَ: ﴿مِن ضَعْفٍ﴾ أيْ مُطْلَقٍ، بِما أشارَتْ إلَيْهِ قِراءَةُ حَمْزَةَ وعاصِمٍ بِخِلافٍ عَنْ حَفْصٍ بِفَتْحِ الضّادِ، وقَوِيَ بِما أشارَتْ إلَيْهِ قِراءَةُ الباقِينَ بِالضَّمِّ، أوْ مِنَ الماءِ المَهِينِ إلى ما شاءَ اللَّهُ مِنَ الأطْوارِ، ثُمَّ ما شاءَ اللَّهُ مِن سِنِّ الصَّبِيِّ.
ولَمّا كانَتْ تَقْوِيَةُ [المَعْنى] الضَّعِيفِ مِثْلَ إحْياءِ الجَسَدِ المَيِّتِ قالَ: ﴿ثُمَّ جَعَلَ﴾ عَنْ سَبَبٍ وتَصْيِيرٍ بِالتَّطْوِيرِ في أطْوارِ الخَلْقِ بِما يُقِيمُهُ مِنَ الأسْبابِ، ولَمّا كانَ لَيْسَ المُرادُ الِاسْتِغْراقَ عَبَّرَ بِالجارِّ فَقالَ: ﴿مِن بَعْدِ﴾ ولَمّا كانَ الضَّعْفُ الَّذِي تَكُونُ عَنْهُ القُوَّةُ غَيْرَ الأوَّلِ، أظْهَرَ ولَمْ يُضْمِرْ فَقالَ: ﴿ضَعْفٍ قُوَّةً﴾ بِكِبَرِ العَيْنِ والأثَرِ مِن حالِ التَّرَعْرُعِ إلى القُوَّةِ بِالبُلُوغِ إلى التَّمامِ في أحَدٍ وعِشْرِينَ عامًا، وهو ابْتِداءُ سَنِّ الشَّبابِ إلى سَنِّ الِاكْتِمالِ بِبُلُوغِ الأشُدِّ في [اثْنَيْنِ و] أرْبَعِينَ عامًا فَلَوْلا تَكَرُّرُ مُشاهَدَةِ ذَلِكَ لَكانَ خَرْقُ العادَةِ في إيجادِهِ بَعْدَ عَدَمِهِ مِثْلَ إعادَةِ الشَّيْخِ شابًّا بَعْدَ هَرَمِهِ ﴿ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ﴾ في (p-١٢٩)شَبابٍ تَقْوى بِهِ القُلُوبُ، وتَحْمى لَهُ الأُنُوفُ، وتَشْمَخُ مِن جَرّائِهِ النُّفُوسُ ﴿ضَعْفًا﴾ رَدًّا لِما لَكَمَ إلى أصْلِ حالِكم.
ولَمّا كانَ بَياضُ الشَّعْرِ يَكُونُ غالِبًا مِن ضَعْفِ المِزاجِ قالَ: ﴿وشَيْبَةً﴾ وهي بَياضٌ في الشِّعْرِ ناشِئٌ مَن بَرْدٍ في المِزاجِ ويُبْسٍ يَذْبُلُ بِهِما الجِسْمُ، ويُنْقِصُ الهِمَّةَ والعِلْمَ، وذَلِكَ بِالوُقُوفِ مِنَ الثّالِثَةِ والأرْبَعِينَ، وهو أوَّلُ سِنِّ الِاكْتِهالِ وبِالأخْذِ في النَّقْصِ بِالفِعْلِ بَعْدَ الخَمْسِينَ إلى أنْ يَزِيدَ النَّقْصُ في الثّالِثَةِ والسِّتِّينَ، وهو أوَّلُ سِنِّ الشَّيْخُوخَةِ، ويَقْوى الضَّعْفُ إلى ما شاءَ اللَّهُ تَعالى.
ولَمّا كانَتْ هَذِهِ هي العادَةَ الغالِبَةَ وكانَ النّاسُ مُتَفاوِتِينَ فِيها، وكانَ مِنَ النّاسِ مَن يَطْعَنُ في السِّنِّ وهو قَوِيٌّ، أنْتَجَ ذَلِكَ كُلَّهُ - ولا بُدَّ - التَّصَرُّفُ بِالِاخْتِيارِ مَعَ شُمُولِ العِلْمِ وتَمامِ القُدْرَةِ فَقالَ: ﴿يَخْلُقُ ما يَشاءُ﴾ أيْ مِن هَذا وغَيْرِهِ ﴿وهُوَ العَلِيمُ﴾ أيِ البالِغُ العِلْمِ فَهو يُسَبِّبُ ما أرادَ مِنَ الأسْبابِ لِما يُرِيدُ إيجادَهُ أوْ إعْدامَهُ ﴿القَدِيرُ﴾ فَلا يَقْدِرُ أحَدٌ عَلى إبْطالِ شَيْءٍ مِن أسْبابِهِ، فَلِذَلِكَ لا يَتَخَلَّفُ شَيْءٌ أرادَهُ عَنِ الوَقْتِ الَّذِي يُرِيدُهُ فِيهِ أصْلًا، وقَدَّمَ صِفَةَ العِلْمِ لِاسْتِتْباعِها لِلْقُدْرَةِ الَّتِي المَقامُ لَها، فَذِكْرُها إذَنْ تَصْرِيحٌ بَعْدَ تَلْوِيحٍ، وعِبارَةٌ بَعْدَ إشارَةٍ.
{"ayah":"۞ ٱللَّهُ ٱلَّذِی خَلَقَكُم مِّن ضَعۡفࣲ ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعۡدِ ضَعۡفࣲ قُوَّةࣰ ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعۡدِ قُوَّةࣲ ضَعۡفࣰا وَشَیۡبَةࣰۚ یَخۡلُقُ مَا یَشَاۤءُۚ وَهُوَ ٱلۡعَلِیمُ ٱلۡقَدِیرُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق