الباحث القرآني
﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكم مِن ضُعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضُعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضُعْفًا وشَيْبَةً يَخْلُقُ ما يَشاءُ وهْوَ العَلِيمُ القَدِيرُ﴾
هَذا رابِعُ اسْتِئْنافٍ مِنَ الأرْبَعَةِ المُتَقَدِّمَةِ رُجُوعٌ إلى الِاسْتِدْلالِ عَلى عَظِيمِ القُدْرَةِ في مُخْتَلَفِ المَصْنُوعاتِ مِنَ العَوالِمِ لِتَقْرِيرِ إمْكانِيَّةِ البَعْثِ وتَقْرِيبِ حُصُولِهِ إلى عُقُولِ مُنْكِرِيهِ لِأنَّ تَعَدُّدَ صُوَرِ إيجادِ المَخْلُوقاتِ وكَيْفِيّاتِهِ مِنِ ابْتِدائِها عَنْ عَدَمٍ أوْ مِن إعادَتِها بَعْدَ انْعِدامِها ويَتَطَوَّرُ وبِدُونِهِ مِمّا يَزِيدُ إمْكانَ البَعْثِ وُضُوحًا عِنْدَ مُنْكِرِيهِ، فَمَوْقِعُ هَذِهِ الآيَةِ كَمَوْقِعِ قَوْلِهِ ﴿اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحابًا﴾ [الروم: ٤٨] ونَظائِرُها كَما تَقَدَّمَ؛ ولِذَلِكَ جاءَتْ فاتِحَتُها عَلى أُسْلُوبِ فَواتِحِ نَظائِرِها وهَذا ما يُؤْذِنُ بِهِ تَعْقِيبُها بِقَولِهِ ﴿ويَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ يُقْسِمُ المُجْرِمُونَ﴾ [الروم: ٥٥] الآيَةَ.
ثُمَّ قَوْلُهُ ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ﴾ مُبْتَدَأٌ وصِفَةٌ، وقَوْلُهُ ﴿يَخْلُقُ ما يَشاءُ﴾ هو الخَبَرُ، أيْ يَخْلُقُ ما يَشاءُ مِمّا أخْبَرَ بِهِ وأنْتُمْ تُنْكِرُونَ.
والضُّعْفُ بِضَمِّ الضّادِ في الآيَةِ وهو أفْصَحُ وهو لُغَةُ قُرَيْشٍ. ويَجُوزُ في ضادِهِ الفَتْحُ وهو لُغَةُ تَمِيمٍ. ورَوى أبُو داوُدَ والتِّرْمِذِيُّ «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قالَ: قَرَأْتُها عَلى رَسُولِ اللَّهِ (الَّذِي خَلَقَكم مِن ضَعْفٍ) يَعْنِي لِفَتْحِ الضّادِ فَأقْرَأنِي (مِن ضُعْفٍ) يَعْنِي بِضَمِّ الضّادِ» . وقَرَأ الجُمْهُورُ ألْفاظَ ضُعْفٍ الثَّلاثَةَ بِضَمِّ الضّادِ في الثَّلاثَةِ. وقَرَأها عاصِمٌ وحَمْزَةُ بِفَتْحِ الضّادِ، فَلَهُما سَنَدٌ لا مَحالَةَ يُعارِضُ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ. والجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ القِراءَةِ وبَيْنَ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أنَّ النَّبِيءَ ﷺ نَطَقَ بِلُغَةِ الضَّمِّ لِأنَّها لُغَةُ قَوْمِهِ، وأنَّ الفَتْحَ رُخْصَةٌ لِمَن يَقْرَأُ بِلُغَةِ قَبِيلَةٍ أُخْرى، ومَن لَمْ يَكُنْ لَهُ لُغَةٌ تَخُصُّهُ فَهو مُخَيَّرٌ بَيْنَ القِراءَتَيْنِ. والضَّعْفُ: الوَهْنُ واللِّينُ.
و(مِنَ) ابْتِدائِيَّةٌ، أيْ مُبْتَدَأُ خَلْقِهِ مِن ضَعْفٍ، أيْ مِن حالَةِ ضَعْفٍ، وهي حالَةُ كَوْنِهِ جَنِينًا ثُمَّ صَبِيًّا إلى أنْ يَبْلُغَ أشَدَّهُ، وهَذا كَقَوْلِهِ خُلِقَ الإنْسانُ مِن (p-١٢٨)عَجَلٍ يَدُلُّ عَلى تَمَكُّنِ الوَصْفِ مِنَ المَوْصُوفِ حَتّى كَأنَّهُ مُنْتَزَعٌ مِنهُ، قالَ تَعالى ﴿وخُلِقَ الإنْسانُ ضَعِيفًا﴾ [النساء: ٢٨] .
والمَعْنى: أنَّهُ كَما أنْشَأكم أطْوارًا تَبْتَدِئُ مِنَ الوَهْنِ وتَنْتَهِي إلَيْهِ فَكَذَلِكَ يُنْشِئُكم بَعْدَ المَوْتِ إذْ لَيْسَ ذَلِكَ بِأعْجَبَ مِنَ الإنْشاءِ الأوَّلِ وما لَحِقَهُ مِنَ الأطْوارِ، ولِهَذا أخْبَرَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ ﴿يَخْلُقُ ما يَشاءُ﴾ .
وذَكَرَ وصْفَ العِلْمِ والقُدْرَةِ لِأنَّ التَّطَوُّرَ هو مُقْتَضى الحِكْمَةِ وهي مِن شُئُونِ العِلْمِ، وإبْرازِهِ عَلى أحْكَمِ وجْهٍ هو مِن أثَرِ القُدْرَةِ.
وتَنْكِيرُ (ضَعْفٍ وقُوَّةٍ) لِلنَّوْعِيَّةِ؛ فَ ”ضُعْفٍ“ المَذْكُورِ ثانِيًا هو عَيْنُ ضُعْفٍ المَذْكُورِ أوَّلًا، و”قُوَّةٍ“ المَذْكُورَةِ ثانِيًا عَيْنُ ”قُوَّةً“ المَذْكُورَةِ أوَّلًا. وقَوْلُهُمُ: النَّكِرَةُ إذا أُعِيدَتْ نَكِرَةً كانَتْ غَيْرَ الأوْلى، يُرِيدُونَ بِهِ التَّنْكِيرَ المَقْصُودَ مِنهُ الفَرْدُ الشّائِعُ لا التَّنْكِيرُ المُرادُ بِهِ النَّوْعِيَّةُ.
وعَطْفُ ”وشَيْبَةً“ لِلْإيماءِ إلى أنَّ هَذا الضَّعْفَ لا قُوَّةَ بَعْدَهُ وأنَّ بَعْدَهُ العَدَمَ بِما شاعَ مِن أنَّ الشَّيْبَ نَذِيرُ المَوْتِ.
والشَّيْبَةُ: اسْمُ مَصْدَرِ الشَّيْبِ. وقَدْ تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿واشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا﴾ [مريم: ٤] في سُورَةِ مَرْيَمَ.
{"ayah":"۞ ٱللَّهُ ٱلَّذِی خَلَقَكُم مِّن ضَعۡفࣲ ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعۡدِ ضَعۡفࣲ قُوَّةࣰ ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعۡدِ قُوَّةࣲ ضَعۡفࣰا وَشَیۡبَةࣰۚ یَخۡلُقُ مَا یَشَاۤءُۚ وَهُوَ ٱلۡعَلِیمُ ٱلۡقَدِیرُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق