الباحث القرآني
﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكم مِن ضَعْفٍ﴾ مُبْتَدَأٌ وخَبَرٌ أيِ ابْتَدَأكم ضُعَفاءَ، وجَعَلَ الضَّعْفَ أساسَ أمْرِكم كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وخُلِقَ الإنْسانُ ضَعِيفًا﴾ [النِّساءُ: 28]، فَمِنَ ابْتِدائِيَّةٌ، وفي الضَّعْفِ اسْتِعارَةٌ مَكْنِيَّةٌ حَيْثُ شُبِّهَ بِالأساسِ والمادَّةِ، وفي إدْخالِ (مِن) عَلَيْهِ تَخْيِيلٌ، ويَجُوزُ أنْ يُرادَ مِنَ الضَّعْفِ الضَّعِيفُ بِإطْلاقِ المَصْدَرِ عَلى الوَصْفِ مُبالَغَةً، أوْ بِتَأْوِيلِهِ بِهِ، أوْ يُرادُ مِن ذِي ضَعْفٍ، والمُرادُ بِذَلِكَ النُّطْفَةُ أيِ اللَّهُ تَعالى الَّذِي ابْتَدَأ خَلْقَكم مِن أصْلٍ ضَعِيفٍ، وهو النُّطْفَةُ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ( مِن ماءٍ مَهِينٍ ) [السَّجْدَةُ: 8، المُرْسَلاتُ: 20]، وهَذا التَّفْسِيرُ وإنْ كانَ مَأْثُورًا عَنْ قَتادَةَ إلّا أنَّ الأوَّلَ أوْلى وأنْسَبُ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً﴾ وذَلِكَ عِنْدَ بُلُوغِكُمُ الحُلُمَ، أوْ تَعَلُّقِ الرُّوحِ بِأبْدانِكُمْ، ﴿ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وشَيْبَةً﴾ إذا أخَذَ مِنكُمُ السِّنَّ، والمُرادُ بِالضَّعْفِ هُنا ابْتِداؤُهُ، ولِذا أخَّرَ الشَّيْبَ عَنْهُ، أوِ الأعَمُّ فَقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ( شَيْبَةً ) لِلْبَيانِ، أوْ لِلْجَمْعِ بَيْنَ تَغْيِيرِ قُواهم وظَواهِرِهِمْ، وفَتَحَ عاصِمٌ وحَمْزَةُ ضادَ «ضَعْفٍ» في الجَمْعِ وهي قِراءَةُ عَبْدِ اللَّهِ، وأبِي رَجاءٍ.
(p-59)وقَرَأ الجُمْهُورُ بِضَمِّها فِيهِ، والضَّمُّ والفَتْحُ لُغَتانِ في ذَلِكَ، كَما في الفَقْرِ والفُقْرِ، الفَتْحُ لُغَةُ تَمِيمٍ، والضَّمُّ لُغَةُ قُرَيْشٍ، ولِذا اخْتارَ النَّبِيُّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ قِراءَةَ الضَّمِّ، كَما ورَدَ حَدِيثٌ رَواهُ أبُو داوُدَ والتِّرْمِذِيُّ وحَسَّنَهُ، وأحْمَدُ، وابْنُ المُنْذِرِ، والطَّبَرانِيُّ، والدّارَقُطْنِيُّ، وغَيْرُهم «عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما أنَّهُ قالَ: (قَرَأْتُ عَلى النَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ: ( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكم مِن ضَعْفٍ )، أيْ بِالفَتْحِ، فَقالَ: ( مِن ضُعْفٍ )، يا بُنَيَّ)، أيْ بِالضَّمِّ».
لِأنَّها لُغَةُ قَوْمِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، ولَمْ يَقْصِدْ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِذَلِكَ رَدَّ القِراءَةِ الأُخْرى، لِأنَّها ثابِتَةٌ بِالوَحْيِ أيْضًا، كالقِراءَةِ الَّتِي اخْتارَها، ورُوِيَ عَنْ عاصِمٍ الضَّمُّ أيْضًا، وعَنْهُ أيْضًا الضَّمُّ في الأوَّلَيْنِ، والفَتْحُ في الأخِيرِ، ورُوِيَ عَنْ أبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ والجَحْدَرِيِّ، والضَّحّاكِ الضَّمُّ في الأوَّلِ، والفَتْحُ فِيما بَعْدُ.
وقَرَأ عِيسى بِضَمِّ الضّادِ والعَيْنِ، وهي لُغَةٌ أيْضًا فِيهِ. وحُكِيَ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ اللُّغَوِيِّينَ أنَّ الضُّعْفَ بِالضَّمِّ ما كانَ في البَدَنِ، والضَّعْفَ بِالفَتْحِ ما كانَ في العَقْلِ، والظّاهِرُ أنَّهُ لا فَرْقَ بَيْنَ المَضْمُومِ والمَفْتُوحِ، وكَوْنِهُما مِمّا يُوصَفُ بِهِ البَدَنُ والعَقْلُ، والمُرادُ بِضَعْفِ الثّانِي عَيْنُ الأوَّلِ، ونُكِّرَ لِمُشاكَلَةِ ( قُوَّةٍ )، وبِالأخِيرِ غَيْرُهُ، فَإنَّهُ ضَعْفُ الشَّيْخُوخَةِ، وذاكَ ضَعْفُ الطُّفُولِيَّةِ، والمُرادُ (بِقُوَّةٍ) الثّانِيَةِ عَيْنُ الأُولى، ونُكِّرَتْ لِمُشاكَلَةِ ( ضَعْفًا )، وحَدِيثُ النَّكِرَةِ إذا أُعِيدَتْ كانَتْ غَيْرَ أغْلَبِيٌّ، وتَكَلَّفَ بَعْضُهم لِتَحْصِيلِ المُغايَرَةِ فِيما نُكِّرَ وكُرِّرَ في الآيَةِ فَتَدَبَّرْ، ﴿يَخْلُقُ ما يَشاءُ﴾ خَلْقَهُ مِنَ الأشْياءِ الَّتِي مِن جُمْلَتِها ما ذُكِرَ مِنَ الضَّعْفِ والقُوَّةِ والشَّيْبَةِ، وخَلْقُها إمّا بِمَعْنى خَلْقِ أسْبابِها أوْ مَحالِّها، وإمّا إيجادُها أنْفُسِها، وهو الظّاهِرُ، ولا داعِيَ لِلتَّأْوِيلِ، فَإنَّها لَيْسَتْ بِعَدَمِ صَرْفٍ، ﴿وهُوَ العَلِيمُ القَدِيرُ﴾ المُبالِغُ في العِلْمِ والقُدْرَةِ، فَإنَّ التَّرْدِيدَ فِيما ذُكِرَ مِنَ الأحْوالِ المُخْتَلِفَةِ مَعَ إمْكانِ غَيْرِهِ مِن أوْضَحِ دَلائِلِ العِلْمِ والقُدْرَةِ.
{"ayah":"۞ ٱللَّهُ ٱلَّذِی خَلَقَكُم مِّن ضَعۡفࣲ ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعۡدِ ضَعۡفࣲ قُوَّةࣰ ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعۡدِ قُوَّةࣲ ضَعۡفࣰا وَشَیۡبَةࣰۚ یَخۡلُقُ مَا یَشَاۤءُۚ وَهُوَ ٱلۡعَلِیمُ ٱلۡقَدِیرُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق