الباحث القرآني
ثم قال الله تعالى: ﴿لَيْسُوا سَوَاءً﴾ [آل عمران ١١٣]، ﴿لَيْسُوا﴾ الضمير يعود على أهل الكتاب، و ﴿سَوَاءً﴾ بمعنى مستوين في هذه الأوصاف، بل منهم ﴿أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ﴾ [آل عمران ١١٣]، إلى آخره، ومنهم أمة فاسقة غير قائمة على أمر الله، ﴿لَيْسُوا سَوَاءً﴾ أي: لا يستوون في المعصية والأحوال والأوصاف، ثم بيّن ذلك فقال: ﴿مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ﴾ [آل عمران ١١٣].
ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن بني إسرائيل عندهم عدوان على حق الله وعلى حق الأنبياء وغيرهم؛ لقوله: ﴿ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ﴾ [آل عمران ١١٢].
وهذه الأوصاف وما ينتج عنها من العقوبات يجب أن نتخذ منها عبرة، وهي الفائدة المهمة المسلكية: ألا نقرأها على أنها أمر جرى وقصة تاريخية؛ يجب أن نقرأها من أجل أن نعتبر؛ لقول الله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [يوسف ١١١].
ثم قال الله تعالى: ﴿لَيْسُوا سَوَاءً﴾ [آل عمران ١١٣] ﴿لَيْسُوا﴾ الضمير يعود على أهل الكتاب، و﴿سَوَاءً﴾ بمعنى مستوين، يعني ليسوا متساوين في هذه الأوصاف، بل منهم ﴿أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّه﴾ [آل عمران ١١٣] إلى آخره، ومنهم أمة فاسقة غير قائمة على أمر الله. ﴿لَيْسُوا سَوَاءً﴾ أي لا يستوون في المعصية والأحوال والأوصاف.
ثم بين ذلك فقال: ﴿مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ﴾.
قوله: ﴿مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ هم اليهود والنصارى كما مر علينا كثيرًا، وأظهر هنا في موضع الإضمار؛ إما لطول الفصل بين الظاهر الذي ترجع إليه الضمائر، وإما لاستئناف الجملة؛ لأن قوله: ﴿مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ جملة مستأنفة، ﴿أُمَّةٌ﴾ أي طائفة، ﴿قَائِمَةٌ﴾ أي ثابتة مستقيمة على أمر الله، فالقيام هنا بمعنى الثبات والاستقامة على أمر الله، وليس المراد به القيام الذي هو ضد القعود؛ لأن المسلم قائم على أمر الله سواء كان واقفًا أو جالسًا أو مضطجعًا.
﴿يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ﴾: كلمة ﴿قَائِمَةٌ﴾ صفة، ﴿يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ﴾: الجملة أيضًا صفة أخرى، ويجوز أن تكون حالًا؛ لأن لدينا قاعدة نحوية؛ وهي أنه إذا وُصفت النكرة جاز في الصفة الثانية أن تكون حالًا وأن تكون صفة، هذه قاعدة، سواء كانت الصفة الثانية جملة أم مفردًا، فإذا قلت: (جاءني رجل كريم راكبًا) صح؛ لأنه وصف، وإذا قلت: (جاءني رجل كريم راكب)، صح أيضًا. هنا في الآية الكريمة ﴿أُمَّةٌ قَائِمَةٌ﴾ ﴿أُمَّةٌ﴾ نكرة، و﴿قَائِمَةٌ﴾ صفة لها، ﴿يَتْلُونَ﴾ يجوز أن تكون حالًا فتكون الجملة في موضع نصب على الحال، ويجوز أن تكون صفة.
﴿يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ﴾ التلاوة تارة يراد بها الاتباع، وتارة يراد بها القراءة، فإن صلح المقام للمعنيين جميعًا حمل عليهما، وإن اختص بأحدهما اختص به، فإذا قلت: (تلا علي آية من القرآن) المراد القراءة، وإذا قلت: (هذا الرجل يتلو آيات الله إخلاصًا وتعبدًا)، فهذا يحتمل القراءة ويحتمل الاتباع، وإذا كان محتملًا للمعنيين، وهما لا يتنافيان، حمل عليهما.
إذن قوله: ﴿يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ﴾ يشمل تلاوة اللفظ وتلاوة العمل بآيات الله.
وقوله: ﴿آنَاءَ اللَّيْلِ﴾ آناء بمعنى أوقات، ومنه النوء لوقت ظهور النجم أو للنجم، فآناء بمعنى أوقات، ﴿آنَاءَ اللَّيْلِ﴾ يعني أوقات الليل وساعاته.
﴿وَهُمْ يَسْجُدُونَ﴾ هذه الجملة: ﴿وَهُمْ يَسْجُدُونَ﴾ يجوز فيها وجهان: أن تكون استئنافية، وأن تكون حالية من الواو في قوله: ﴿يَتْلُونَ﴾، يعني يتلون آيات الله والحال أنهم يسجدون، فوصفهم بتلاوة آيات الله وهي أفضل الذكر، وبالسجود وهو أفضل الحالات؛ لأن السجود أفضل من القيام وأفضل من الركوع، حيث إن الساجد أقرب ما يكون من ربه، لكن تلاوة الآيات أفضل الأذكار، فلهذا اختصت بالقيام، فقوله: ﴿يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ﴾ هذا ذكر لأعلى أوصاف الكلام؛ القول، ﴿وَهُمْ يَسْجُدُونَ﴾ ذكر لأعلى أوصاف الفعل وهو السجود.
﴿يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ الجملة استئنافية لبيان حال هؤلاء، ويجوز أن تكون صفة لقوله: ﴿أُمَّةٌ﴾ وأن تكون حالًا.
﴿يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ والإيمان بالله سبحانه وتعالى يتناول أربعة أشياء:
- الإيمان بوجوده.
- والإيمان بربوبيته.
- والإيمان بألوهيته.
- والإيمان بأسمائه وصفاته.
لا بد من هذه، فمن أنكر وجود الله فهو لم يؤمن به، ومن آمن به وأنكر توحيده في الربوبية فإنه لم يؤمن به، ومن آمن به وبربوبيته ولكنه أنكر انفراده بالألوهية فإنه لم يؤمن به، ومن آمن بذلك كله ولكن أنكر شيئًا من صفاته فإنه لم يؤمن به، فلا إيمان بالله إلا بهذه الأمور الأربعة.
أما الإيمان باليوم الآخر فالمراد باليوم الآخر أولًا هو يوم القيامة، وسمي يومًا آخر لأنه لا يوم بعده؛ إذ هو منتهى الخلائق، ولا فيه ليل ولا نهار، كله يوم واحد، لا شمس ولا قمر ولا نجوم، كل في مكانه؛ إما في الجنة أو في النار، فهو آخر شيء يكون فيه العباد.
ومعلوم أن للعباد أربع دور: الدار الأولى في بطون أمهاتهم، والثانية في هذه الدنيا، والثالثة في البرزخ، والرابعة في اليوم الآخر، وهي الأخيرة، ولهذا سمي اليوم الآخر، اليوم الآخر يدخل في الإيمان به كل ما أخبر به النبي ﷺ مما يكون بعد الموت، كل ما أخبر به مما يكون بعد الموت، فسؤال الميت في قبره داخل في الإيمان باليوم الآخر، وعذاب القبر أو نعيمه داخل في الإيمان باليوم الآخر، ووجه ذلك أن كل من مات فقد قامت قيامته، فما يجده في قبره كالذي يجده بعد حشره، كله من أمور الغيب، كله في دار الجزاء، وقد قال شيخ الإسلام رحمه الله: ويدخل في الإيمان باليوم الآخر كل ما أخبر به النبي ﷺ مما يكون بعد الموت.
الإيمان به أن تؤمن بكل ما جاء في الكتاب والسنة مما يكون بعد الموت جملةً وتفصيلًا، ولكن اعلم أنه يوجد في كتب الوعظ من الأحاديث الضعيفة، بل الموضوعة، في أحوال القبر وأحوال القيامة ما ينبغي للقارئ أن يحترز منه، ولا أحسن من الرجوع إلى الكتب الصحيحة في هذا الباب؛ لئلا نُضل الناس؛ لأن بعض الوعّاظ يختار مثل هذه الأحاديث من أجل الترغيب أو الترهيب، والحقيقة أن هذا مسلك ليس بجيد؛ لأن كوننا نملأ أدمغة الناس بأحاديث ضعيفة أو موضوعة خطأ، حتى وإن كان فيها ترغيب أو ترهيب. فيما صح عن النبي ﷺ كفاية. والناس سوف يأخذون كل ما ذكر على أنه صحيح، يقولون: ما قيل في المحراب فهو صواب.
والواجب على من ألّف في الترغيب والترهيب ألا يذكر إلا ما كان حجة من صحيح أو حسن، وأما الضعيف فلا حاجة لذكره؛ لأننا في غنى عنه، في غنى عن هذا الضعيف الذي لم يثبت عن رسول الله ﷺ.
وقوله: ﴿وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ سبق ذكره في هذه السورة مرتين، أو مرة واحدة؟
* طلبة: مرتين.
* طلبة آخرون: ثلاث.
* الشيخ: هذا الثالث، أنا أقول: سبق، أنا ما أقول: ذُكر، أقول: سبق ذِكره مرتين، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وذكرنا في أول ما مر علينا ذكرنا شروطه وآدابه.
﴿وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ﴾ يعني مع كونهم مؤمنين وكونهم مصلحين هم أيضًا مسارعون في الخيرات، يعني أنهم يتسارعون في الخيرات كما يتسارع الناس في الغنائم.
وقوله: ﴿يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ﴾ ولم يقل: إلى الخيرات، مع أن (سارع) تتعدى بـ(إلى) كما قال الله تعالى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [آل عمران ١٣٣] لأن المراد بذلك مسارعتهم إليها وفيها أثناء القيام بها. انتبهوا: المراد المسارعة إليها، فإذا وصلوا إليها لم يقفوا عن المسارعة؛ يسارعون فيها. وهذا هو السبب -والعلم عند الله- في أنه قيل: ﴿يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ﴾ ولم يقل: إليها.
وقوله: ﴿فِي الْخَيْرَاتِ﴾: (الخيرات): جمع خير أو خيرة، وهي كل ما انتفع به العبد أو نفع غيره، فالصلاة خير، وتعليم الناس كتاب الله وسنة رسوله ﷺ خير، والدعوة إلى الله خير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو خير أيضًا، فكل ما يقرب إلى الله سبحانه وتعالى فهو خير، والمسارعة فيه هي المسارعة إليه، والمسارعة فيه أثناء العمل.
قال: ﴿وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ أولئك: المشار إليه هذه الأمة القائمة من أهل الكتاب.
قال أهل العلم: والصالح من قام بحق الله وحق العباد، وضده الفاسد. والصلاح يدور على شيئين: علم وعمل، وضده الجهل والكفر والتمرد، فمن كان جاهلا فإنه ليس بصالح، والمراد ليس بصالح الصلاح الذي يكون في قمة الصلاح، وإلا فإن معه من الصلاح بمقدار ما عنده من العلم، ومن لم يكن عاملًا فليس بصالح وعنده مِن فقْد الصلاح بقدر ما فقد من العمل.
ثم قال تعالى: ﴿وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ﴾: (ما) شرطية، وجملة ﴿فَلَنْ يُكْفَرُوهُ﴾ جواب الشرط.
وفي هذه الآية قراءتان: ﴿وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ تُكْفَرُوهُ﴾ بالتاء، والثانية: ﴿وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ﴾ بالياء، فعلى القراءة الثانية بالياء لا يكون في الآية التفات؛ لأنها جرت على ضمير الغيبة كما في الآية التي قبلها. وعلى قراءة التاء: ﴿وَمَا تَفْعَلُوا﴾ يكون فيها التفات من الغيبة إلى الخطاب، وأيضًا يكون الخطاب فيها موجهًا إلى النبي ﷺ وإلى هذه الأمة.
وقوله: ﴿وَمَا تَفْعَلُوا مِن خَيْرٍ﴾ من هذه بيانية؛ لوقوعها بعد اسم الشرط، واسم الشرط اسم مبهم يحتاج إلى بيان، ولهذا كلما أتتك (من) بعد اسم الشرط فهي بيانية.
وقوله: ﴿مِنْ خَيْرٍ﴾ سبق لنا آنفًا أن المراد بالخير كل ما يقرب إلى الله.
وقوله: ﴿فَلَنْ يُكْفَرُوهُ﴾ يعني لن يحرموا ثوابه، والكفر أصله الستر، ومنه الكُفُرَّى، والكفرى ما هو؟
* طالب: هو طلع النخل.
* الشيخ: هو غلاف الطلع، غلاف طلع النخل يسمى كفرى، هذه الكفرى يستر، ولهذا قالوا: إن الكفر أصله الستر؛ لأن الإنسان يستر نعمة الله عليه ولا يظهرها عليه، فالنعمة تقتضي الشكر، فإذا لم تشكر فهذا هو الكفر.
إذن ﴿فَلَنْ يُكْفَرُوهُ﴾ أي فلن يحرموا ثوابه؛ لأنهم لو حرموا ثوابه لكان فعلهم لهذا الخير خفيًّا لم يظهر له أثر.
﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ﴾ فيجازيهم على تقواهم. والتقوى لها فوائد كثيرة، أظن أننا مرة أجرينا فيها مسابقة.
وتخصيص العلم بالمتقين من أجل الحث على التقوى والحذر من مخالفتها وعدم القيام بها، وإلا فإن الله عليم بكل شيء.
نأخذ فوائد هذه الآية:
* من فوائد هذه الآية: أن أهل الكتاب ليسوا بسواء، فإن منهم أمة ضالة ومنهم أمة قائمة بأمر الله، وهو صريح في الآية: ﴿لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾.
* ومن فوائدها: بيان عدل الله عز وجل، وأنه يعطي كل ذي حق حقه، فلما ذكر الذم -ذم أهل الكتاب في الآيات السابقة- فقد يتوجه الفهم إلى أن جميع أهل الكتاب على هذا الوصف، أنهم يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق، ويعصون الله ويعتدون على حقه وحق عباده، فقال الله: ﴿لَيْسُوا سَوَاءً﴾ يعني أن منهم من ليس كذلك.
* ومن فوائد هذه الآية: أن من أهل الكتاب أمة، والأمة تقتضي الجمع والعدد الكثير على الوصف المحمود المطلوب، وقد ذكروا أنه أسلم من اليهود نحو عشرين رجلًا، ومن النصارى عدد كثير أيضًا، ولهذا عبر عن ذلك بقوله: ﴿مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ﴾.
وذهب بعض العلماء إلى أن المراد بالأمة هنا أمة الإسلام، ولكن هذا بعيد جدًّا؛ لأن ﴿أُمَّةٌ﴾ مبتدأ، وخبرها: ﴿مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾، ولم يعبر الله عز وجل عن هذه الأمة بأهل الكتاب، بل قال: ﴿هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا﴾ [الحج ٧٨]، كما أنه لم يعبر عن أهل الكتاب بالمؤمنين، فكل آية فيها ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ فهي للمؤمنين بمحمد عليه الصلاة والسلام، وكل آية فيها ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ﴾ فالمراد بهم بنو إسرائيل الذين أرسل إليهم موسى وعيسى.
* من فوائد هذه الآية: الثناء على القيام بطاعة الله والثبات عليها، من أين تؤخذ هذه الفائدة من الآية؟
* طالب: ﴿وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾.
* الشيخ: لا.
* طالب: ﴿أُمَّةٌ قَائِمَةٌ﴾ يا شيخ.
* الشيخ: ﴿أُمَّةٌ قَائِمَةٌ﴾ هذا وجه الثناء عليهم.
* من فوائد الآية: الثناء على من يتلون كتاب الله قراءة وعملًا، من أين نأخذها؟
* طالب: من قول الله سبحانه وتعالى: ﴿مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ﴾.
* الشيخ: ﴿يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ﴾. من أين عرفت أن تلاوة الكتاب قراءة وعملًا محمودة يثنى على صاحبها؟
* الطالب: في سورة البقرة.
* الشيخ: لا، نريد من الآيات هذه.
* الطالب: الثناء بما وصفهم به وهو: ﴿مَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ﴾.
* الشيخ: لأن هذا ضد من اتصفوا بالصفات الأولى؛ لأنه لما ذكر الصفات الأولى قال: ﴿لَيْسُوا سَوَاءً﴾، ثم ذكر الفرق.
* من فوائد الآية: فضيلة السجود؟
* طالب: ﴿آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ﴾.
* الشيخ: ﴿وَهُمْ يَسْجُدُونَ﴾.
* ومن فوائد هذه الآية: الثناء أيضًا على من آمن بالله واليوم الآخر، من أين تأخذها؟
* طالب: ﴿يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾.
* الشيخ: ﴿يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾. هل إذا أثنى الله على شخص بصفة يكون مذمومًا إذا لم يتصف بها؟
* الطالب: إذا انتفت هذه ينتفي الحمد عنه.
* الشيخ: يعني ينتفي الحمد عنه وقد يستحق الذم وقد لا يستحق؟
* الطالب: يستحق الذم إذا انتفت (...).
* الشيخ: يعني الإيمان باليوم الآخر لا شك أنه إذا انتفى -الإيمان- فهو مذموم لأنه كافر، لكن في غير هذا لو أثنينا على شخص بأنه يصلي صلاة الضحى، هل معنى ذلك أنه لو لم يصل فهو مذموم؟
* الطالب: لا.
* الشيخ: إذن نأخذ قاعدة: لا يلزم من انتفاء المدح ثبوت الذم.
وينبني على هذا فائدة فقهية أيضًا، وهو أنه لا يلزم من ترك المستحب الوقوع في المكروه، فلو أن رجلًا صلى ولم يرفع يديه عند تكبيرة الإحرام هل نقول: إن هذا مكروه؟ لا.
وهذه قاعدة مفيدة: لا يلزم من ترك المسنون أن يقع الإنسان في مكروه، لكنه ينقص أجره لا شك، لكن لا يذم أو يقال: إنه وقع في مكروه أو أمر منهي عنه.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: الثناء على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
* طالب: من الآية: ﴿يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾.
* الشيخ: لو قال قائل: لماذا ذكر الله الإيمان بالله واليوم الآخر بين ذكر تلاوة الآيات، وذكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ الآن شوف بدأ بتلاوة آيات الله والسجود، وثنى بالإيمان بالله واليوم الآخر، وثلث بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلماذا جعل الإيمان وهو الأصل بين تلاوة الكتاب وبين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
* طالب: لأن تلاوة الآيات تذكر باليوم الآخر وتثبت الإيمان به.
* الشيخ: يعني لا يمكن الإيمان بالشيء إلا بعد العلم به، كذا؟ فهم إذا تلوا آيات الله علموا باليوم الآخر ثم آمنوا به.
* طالب: أيضا لأنها حافز لأنهم يؤملون هذا العمل لليوم الآخر.
* الشيخ: يعني أنه غاية؟
* الطالب: نعم.
* طالب: تقول: التنصيص على التلاوة؟
* الشيخ: يمكن التنصيص على التلاوة بعد أن يؤخر، بعد أن يقول: يؤمنون بالله واليوم الآخر ويتلون كتاب الله؟
* طالب: تقديمها والتنصيص عليها يا شيخ.
* طالب آخر: ممكن نقول: من عطف العام على الخاص؟
* الشيخ: لا، التلاوة عمل.
على كل حال اللي يظهر لي أنا أنه لا يمكن الإيمان بالشيء إلا بعد العلم به، ولا نعلم عن اليوم الآخر إلا بعد تلاوة كتاب الله، ولكن قدم السجود على الإيمان باليوم الآخر لاقترانه بالتلاوة.
* طالب: (...) أن قد يسرد الآيات من يؤمن به ومن لا يؤمن به. وُجد من الكفار أنهم يتلون الآيات ولا يتم المدح حتى يؤمنون به؟
* الشيخ: إي نعم هذا جيد، لكن السياق إذا كان في مقام المدح صار المراد بالتالين الذين يتلونه على وجه الإيمان به.
* من فوائد هذه الآية: الثناء على المسارعة في الخيرات.
* طالب: ﴿وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ﴾.
* الشيخ: من قوله ﴿وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ﴾.
فإن قال قائل: كيف نجمع بين هذه الآية التي فيها الثناء على المسارعة في الخير، وبين قول النبي ﷺ: «إِذَا سَمِعْتُمُ الْإِقَامَةَ فَامْشُوا إِلَى الصَّلَاةِ وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ وَلَا تُسْرِعُوا»[[متفق عليه؛ البخاري (٦٣٦)، ومسلم (٦٠٢ / ١٥١) من حديث أبي هريرة. ]]؟
* طالب: أقول -شيخنا-: المسارعة في الخيرات (...) بسكينة ووقار.
* الشيخ: يعني معناه ﴿الْخَيْرَاتِ﴾ ما أمر به الشرع، كذا؟ والإسراع في الذهاب إلى الصلاة ليس من الخير؛ لأن النبي ﷺ نهى عنه. إذن الجواب أن نقول: إن المسارعة في الخيرات هي المسارعة في موافقة الشرع، كذا؟
* طالب: الوجه الثاني: المسارعة في إقام الصلاة نفسها.
* الشيخ: في؟
* الطالب: التفسير الثاني: إرادة الصلاة نفسها والمسارعة إليها في إتقانها.
* الشيخ: لا، هذه داخلة في العموم، ما فيه إشكال، لكن كيف نهى عن الإسراع إليها؟
* الطالب: كيف؟
* الشيخ: أقول: كونه مثلًا يتقن الصلاة لا شك أنه من المسارعة في الخيرات وداخل في العموم، لكن سؤالنا عن النهي عن الإسراع إليها، فيقال: إن المراد بالمسارعة في الخيرات هي المسارعة إلى التزام الشرع والقيام به.
* طالب: الذي يذهب إلى الصلاة بتؤدة وسكينة يكون له من الخير أعظم من الذي يذهب إليها بسرعة فينشغل فيحصل عنده تشويش.
* الشيخ: طيب هذا ممكن، يعني معناه أن الخيرات ما وافق الشرع، فالمسارعة فيها أن تلتزم بها.
* من فوائد هذه الآية: الثناء على هؤلاء بالصلاح؛ لقوله: ﴿وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾. إذن فينبغي لنا أن نلتزم أو أن نقوم بهذه الأعمال التي مدح الله بها هؤلاء القوم من أهل الكتاب وأثنى عليهم بها.
فإذا قال قائل: هل الصلاح أمر كسبي أو أمر فطري؟ لأنك إن قلت: إنه أمر فطري فكيف يكوِّن الإنسان نفسه ليكون صالحًا، وإن قلت: إنه أمر كسبي فهذا أمر ممكن؟
والجواب: أن الأصل أنه فطري ﴿فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾ [الروم ٣٠]، لكنه في النهاية والغاية يكون كسبيًّا، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: «فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ»[[متفق عليه؛ البخاري (١٣٥٨)، ومسلم (٢٦٥٨ / ٢٢) من حديث أبي هريرة. ]].
وللصلاح أسباب، منها ما ذكر الله هنا: تلاوة آيات الله، كثرة الصلاة، الإيمان بالله واليوم الآخر وتحقيقه، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ولهذا يشكو كثير من الناس اليوم أنه قد يجد في قلبه شيئًا من الفساد، فكيف يصلحه؟
نقول: أصلحه بما ذكر الله من هذه الأحوال لأهل الكتاب، فإن هذا من أسباب الصلاح، ولهذا قال: ﴿وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾.
صحبة الأخيار من أسباب الصلاح، فهل في الآية ما يدل عليها؟
نعم؛ لأنهم إذا كانوا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر لا يمكن أن يصحبوا أحدًا من أهل المنكر والشر، فيكون في الآية إشارة إلى صحبة الأخيار، ولا شك أن صحبة الأخيار من أسباب الصلاح.
ولهذا ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه «مثّل الْجَلِيس الصَّالح بمن؟ بِحَامِلِ الْمِسْكِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٥٥٤٣)، ومسلم (٢٦٢٨ / ١٤٦) من حديث أبي موسى الأشعري.]]. ويُروى عنه ﷺ أنه قال: «الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ»[[أخرجه أبو داود (٤٨٣٣)، والترمذي (٢٣٧٨)، وأحمد (٨٠٢٨) واللفظ لأحمد. ]].
وأخذ الشاعر هذا المعنى وقال:
؎عَنِ الْمَرْءِ لَا تَسْأَلْ وَسَلْ عَنْ قَرِينِهِ ∗∗∗ فَــكُــلُّ قَـــرِينٍبِالْـــــــمُــــقَـــــــارَنِ يَـــــقْــــتَــــدِي
* طالب: شيخ، القاعدة: (لا يلزم من ترك المستحب الوقوع في المكروه) فقهية ولَّا أصولية؟
* الشيخ: هذه أقرب (...) فقهية.
* طالب: هؤلاء أهل الكتاب في زمن النبي ﷺ أو قبل بعث النبي ﷺ، الله سبحانه وتعالى..؟
* الشيخ: نعم تشمل من آمن بالرسول بعد بعثته، مثل عبد الله بن سلام وغيره، وتشمل من كانوا على الاستقامة فيما سبق.
* طالب: شيخ هل يجوز للإنسان أن يذهب إلى الصلاة يكون يجري مثلا أو يركض؟
* الشيخ: النبي عليه الصلاة والسلام يقول: لا تسرعوا، قال: «إِذَا سَمِعْتُمُ الْإِقَامَةَ فَامْشُوا إِلَى الصَّلَاةِ وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ»[[متفق عليه؛ البخاري (٦٣٦)، ومسلم (٦٠٢ / ١٥١) من حديث أبي هريرة.]]، ثم إنه قال لأبي بكرة لما أسرع وركع قبل أن يصل إلى الصف؛ قال: «زَادَكَ اللهُ حِرْصًا وَلَا تَعُدْ»[[أخرجه البخاري (٧٨٣) من حديث أبي بكرة.]].
* طالب: ما يؤخذ منها فضل قيام الليل؟
* الشيخ: اللي يؤخذ منها فضل قيام الليل وقراءة القرآن في الليل.
* طالب: قوله تعالى: ﴿لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ﴾: (أمة) مبتدأ نكرة وموصوفة بنكرة، كيف جاز أنها تكون مبتدأ؟
* الشيخ: يجوز أن يبتدأ بالنكرة إذا أفادت، وهي إذا تأخرت فهي مفيدة، لو قلت: في الدار رجل، فهي مفيدة، ولو قلت: رجل كريم في الدار، فهي أيضًا مفيدة، فإذا وصفت أو أخرت فهي مفيدة.
* طالب: قوله تعالى: ﴿يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ﴾ ما يدل هذا على أن التلاوة هي القراءة، وليست العمل؛ لأنها خصصت بالليل، يعني والعمل يكون في الليل والنهار؟
* الشيخ: إي نعم، هذا يرجح أنها تلاوة القراءة، لكن حتى في الليل الإنسان محتاج إلى أن يكون عمله مطابقًا للشرع، لو أنه ابتدع في صلاة الليل فإنه لا ينفعه.
* طالب: بعض الكتب يا شيخ تذكر أنه لا بأس بذكر الأحاديث الضعيفة في فضائل الأعمال، ما رأيكم؟
* الشيخ: الحديث الضعيف في فضائل الأعمال أجاز بعض العلماء ذكره لكن بشروط ثلاثة:
الأول: أن يكون أصل العمل ثابتًا.
والثاني: ألا يكون الضعف شديدًا.
والثالث: ألا يعتقد أن النبي ﷺ قاله.
مثال ذلك: لو أن شخصًا ذكر حديثًا ضعيفًا في فضل صلاة الجماعة، فهذا أصل العمل ثابت، ولكن بشرط ألا يعتقد أن الرسول ﷺ قاله، وبشرط ألا يكون الضعف شديدا، والعامة إذا قرأت عليهم الحديث سيعتقدون على طول أن الرسول ﷺ قاله...
حاول بعض العلماء أن يعين هذا الطعام الذي حرمه إسرائيل على نفسه، فما رأيك في هذا؟
* طالب: الصحيح أن نتركه كما جاء القرآن، يعني ما نعين.
* الشيخ: ما نُعَيِّنه؛ لأنه لو كان في تعيينه فائدة..
* الطالب: لعَيَّنَه الله.
* الشيخ: لعَيَّنَه الله. هل لهذا نظير مما حاول بعض العلماء أن يعينه وهو مبهم في القرآن؟
* الطالب: نعم، في: ﴿وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ﴾ [آل عمران ٤٤] الأقلام هنا ما هي؟
* الشيخ: لا، ما هي مشكلة أن تتعين.
* الطالب: ولكن بعض العلماء قال: إنها قداح أو..
* الشيخ: إي، اختلفوا في معناها فقط.
* الطالب: أسماء أصحاب الكهف.
* الشيخ: نعم أسماء أصحاب الكهف ولون كلبهم.
﴿... الْبَيْتِ﴾ [آل عمران ٩٧] فيها قراءة ثانية؟
* طالب: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حَجُّ الْبَيْتِ﴾ .
* الشيخ: ﴿حَجُّ الْبَيْتِ﴾ بفتح الحاء. ما الذي تفيده هذه الآية؟
* طالب: تفيد أن الله سبحانه وتعالى فرض على الناس حج البيت.
* الشيخ: أن الله فرض على الناس حج البيت. هل الناس على عمومها؟
* طالب: لا، المؤمنون فقط الذين يوجه لهم الخطاب، هذا عام مخصوص، أي عام أريد به الخصوص: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ﴾ [آل عمران ٩٧] أي..
* الشيخ: يعني إذن الكافر لا يحاسب على ترك الحج؟
* الطالب: لا، الناس كلهم، لكن المقصود الأول هم المؤمنون، أما الكافر فيحاسب على ترك فروع الشريعة، لكن المقصود المؤمنون.
* طالب: الناس عامة يا شيخ.
* الشيخ: عام، حتى العاجز؟
* طالب: العاجز لا، ﴿مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران ٩٧].
* الشيخ: إذن هذا ليس على عمومه، مقيد بقوله: ﴿مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾.
ما هي الفائدة من كونه يأتي بالعام أولًا ثم يقول: ﴿مَنِ اسْتَطَاعَ﴾؟ يعني لم يقل من أول الكلام: ولله على المستطيع حج البيت؟
* طالب: للترغيب في الحج، أن الحج واجب على كل الناس، الترغيب فيه، ولبيان أهميته، ثم بعد ذلك قال: إن أناسًا (...).
* الشيخ: يعني ليبين أهمية الحج، ثم يبين رحمة الله باشتراط الاستطاعة.
إذا قال قائل: جميع الواجبات لا بد فيها من استطاعة، فلماذا قيده هنا؟
* طالب: نقول: قيد لأن الحج الغالب فيه المشقة.
* الشيخ: نعم أحسنت الغالب فيه المشقة أكثر من غيره.
* * *
* يستفاد منها: التحذير من طاعة أهل الكتاب، من أين يؤخذ؟
* طالب: قوله: ﴿يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾.
* الشيخ: قوله: ﴿يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾، يعني أخبرنا الله بذلك من أجل أن نحذر منهم.
* الطالب: ألا نطيعهم.
* الشيخ: ألا نطيعهم، وأن نحذر منهم؛ لأنهم يحرصون غاية الحرص على أن يردونا بعد إيماننا كافرين.
قوله: ﴿اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ﴾ [آل عمران ١٠٢] هل هذه الآية على ظاهرها محكمة أو منسوخة؟
* طالب: اختلف العلماء في ذلك، قال بعض العلماء: إنها منسوخة بقوله تعالى في سورة البقرة: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة ٢٨٦]، والصحيح أنها محكمة.
* الشيخ: أنها محكمة غير منسوخة.
* الطالب: أي أنها: اتقوا اللَّه بقدر ما تستطيعون.
* الشيخ: بقدر ما تستطيعون.
إذا اختلف العلماء في آية أو حديث هل هو منسوخ أو غير منسوخ فمن الأصل معه؟
* الطالب: الأصل أن نجمع بين الرواية.
* الشيخ: لا، من الأصل معه؟ مع من قال: إنه منسوخ ولّا مع من قال: إنه غير منسوخ؟
* الطالب: في هذه الآية؟
* الشيخ: لا، اختلاف عام، يعني إذا اختلف العلماء في آية أو حديث هل هو منسوخ أو غير منسوخ، فمن الأصل معه؟
* الطالب: الأصل فيه عدم النسخ.
* الشيخ: الأصل مع من قال بعدم النسخ، تمام. إذن ما دام العلماء اختلفوا في هذه الآية هل هي منسوخة أو غير منسوخة، فالأصل أنها غير منسوخة وتبقى على محكمها.
إذا قال قائل: ﴿وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران ١٠٢] ما معنى الآية؟
* الطالب: أي ابدؤوا من الآن بطاعة الله سبحانه وتعالى.
* الشيخ: يعني استمروا على الإسلام إلى؟
* الطالب: إلى أن تموتوا.
* الشيخ: إلى أن تموتوا، استمروا على الإسلام إلى أن تموتوا، أحسنت.
جملة: ﴿وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ الإعراب؟ موضعها من الإعراب؟
* طالب: الواو حسب ما قبلها.
* الشيخ: لا، ما نريد تعربها، جملتها، محلها من الإعراب؟
* الطالب: أنتم.
* الشيخ: الجملة هذه ما محلها من الإعراب ﴿إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾؟
* الطالب: مستثنى.
* الشيخ: لا.
* الطالب: حال.
* الشيخ: إي نعم في موضع نصب على الحال...
في موضعين أين هما؟
* طالب: قوله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ﴾ أولًا، والموضع الثاني ﴿وَلَا تَفَرَّقُوا﴾.
* الشيخ: لا؛ لأن الاعتصام بحبل الله جميعًا هذا أمر بالاعتصام به.
* طالب: أولًا ﴿وَلَا تَفَرَّقُوا﴾، الثاني: ﴿فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ﴾.
* الشيخ: النهي عن التفرق نصًّا.
* الطالب: ﴿وَلَا تَفَرَّقُوا﴾.
* الشيخ: هذه واحدة، الثانية؟
* الطالب: الآية هذه يا شيخ؟
* الشيخ: لا بالآيات كلها اللي قرأتها؟
* الطالب: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا﴾.
* الشيخ: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا﴾ نأخذ من هذا أيش؟
* الطالب: نأخذ من هذا النهي عن التفرق.
* الشيخ: إي، وأن التفرق؟
* طالب: (...).
* الشيخ: يعني شأنه كبير وعظيم.
وإذا نهي عن التفرق لزم أن يؤمر بضده وهو الائتلاف والاجتماع.
قوله تعالى: ﴿اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ﴾ ما المراد بحبل الله؟
* طالب: هو الطريق الموصل إليه.
* الشيخ: وهو؟
* الطالب: هو الإسلام.
* الشيخ: طيب لماذا سمي حبلًا؟
* الطالب: لأنه شرع من عند الله سبحانه وتعالى.
* الشيخ: لا، حبل الله لماذا سمي حبلا؟
* الطالب: لأنه يوصل إلى الله عز وجل.
* الشيخ: يوصل إلى مقصود. وأضيف إلى الله؟
* الطالب: لأنه هو الذي شرعه سبحانه وتعالى.
* الشيخ: ولأنه يوصل؟
* الطالب: إليه.
* الشيخ: إليه.
قوله: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ﴾ هل (من) هنا للتبعيض أو للابتداء وبيان الجنس؟
* الطالب: للتبعيض.
* الشيخ: للتبعيض؟ ما الذي ينبني على اختلاف القولين؛ لأن فيها قولين للعلماء، ما الذي ينبني على اختلافهما؟ ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ﴾ إذا قلنا: (من) للتبعيض أو قلنا: لبيان الجنس أو للابتداء؟
* طالب: إذا كانت للتبعيض، أي: طائفة منكم، من بعضكم.
* الشيخ: يعني بعضكم، فيكون الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية.
وإذا قلنا: إنها للابتداء أو لبيان الجنس؟
* طالب: فرض على الجميع.
* الشيخ: صار ذلك فرضًا على الجميع، يعني: ولتكونوا أمةً، ولتكونوا جميعًا أمة يدعون إلى الخير.
المشهور عند أهل العلم الأول، أن (من) للتبعيض، وأن الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فروض الكفايات.
قوله: ﴿لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى﴾ الاستثناء هنا منقطع ولَّا متصل؟
* طالب: فيه خلاف، قيل: إن الاستثاء متصل، والتقدير: لن يضروكم إلا ضرر أذى، وقيل: إن الاستثناء منقطع، والتقدير: لن يضروكم ولكن يؤذونكم. ورجحنا الأخير لأن الضرر غير الأذى.
* الشيخ: نعم، ما هو الدليل على أن الأذى غير الضرر؟
* الطالب: الدليل قول الله عز وجل في الحديث القدسي: «يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ؛ يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٨٢٦)، ومسلم (٢٢٤٦ / ٢) من حديث أبي هريرة. ]].
* الشيخ: نعم.
* الطالب: وقال في الحديث القدسي سبحانه وتعالى: «يَا عِبَادِي، إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي»[[أخرجه مسلم (٢٥٧٧ / ٥٥) من حديث أبي ذر. ]]. فنفى الضرر وأثبت الأذى.
* الشيخ: نعم، والواقع؟
* الطالب: والواقع شاهد بهذا.
* الشيخ: شاهد بذلك، قد يتأذى الإنسان برائحة كريهة ولا يتضرر.
* * *
* طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (١١٣) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (١١٤) وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (١١٥) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (١١٦) مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ [آل عمران١١٣- ١١٧].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى: ﴿لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ﴾. على من يعود الضمير في قوله: ﴿لَيْسُوا سَوَاءً﴾؟
* طالب: إلى أهل الكتاب.
* الشيخ: وما معنى: ﴿سَوَاءً﴾؟
* الطالب: أي ليسوا متساوين.
* الشيخ: ليسوا متساوين.
قوله: ﴿مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ﴾ من المراد بهم هنا؟ هل هم الذين أسلموا أم الذين كانوا في زمن رسالتهم متصفين بهذه الصفات؟
* طالب: يشمل الاثنين، يشملهم كلهم.
* الشيخ: يعني يشمل الذين آمنوا بمحمد ﷺ والذين كانوا على الحق في عهد الرسالة؛ رسالتهم.
قوله تعالى: ﴿يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ﴾ ولم يقل: إلى الخيرات، فما الفرق؟
* طالب: ﴿يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ﴾ أي أنهم يسارعون إلى هذه الخيرات، فإذا وصلوا إليها يستمرون فيها.
* الشيخ: يستمرون فيها، ولو قال: (إلى)؟
* الطالب: (إلى) إذا وصلوا إلى الخيرات يقفون عندها، ولا يستمرون.
* الشيخ: يعني لا تدل على استمرارهم في المسارعة بعد الوصول إليها.
ما الفرق بين هذا وبين قوله تعالى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾؟ قال: ﴿سَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ﴾ ولم يقل: في مغفرة؟
* طالب: لأن المغفرة من الله عز وجل، بينما الخيرات إن كان هي مدخلها من المغفرة فلن يكون، المغفرة من الله.
* الشيخ: إي نعم.
* طالب: شيخ، جزاك الله خيرًا، ما يمكن أن تكون يعني ظرفًا لهم، يسارعون في (...) الأعمال الصالحة.
* الشيخ: يعني هي غاية، وليست عملًا، على كل حال الجوابان متقاربان، الفرق بينهما ظاهر؛ لأن المغفرة غاية العمل وثمرة العمل، بخلاف العمل فإنه ظرف لكدح الإنسان.
{"ayahs_start":113,"ayahs":["۞ لَیۡسُوا۟ سَوَاۤءࣰۗ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَـٰبِ أُمَّةࣱ قَاۤىِٕمَةࣱ یَتۡلُونَ ءَایَـٰتِ ٱللَّهِ ءَانَاۤءَ ٱلَّیۡلِ وَهُمۡ یَسۡجُدُونَ","یُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِ وَیَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَیَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَیُسَـٰرِعُونَ فِی ٱلۡخَیۡرَ ٰتِۖ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ مِنَ ٱلصَّـٰلِحِینَ"],"ayah":"یُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِ وَیَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَیَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَیُسَـٰرِعُونَ فِی ٱلۡخَیۡرَ ٰتِۖ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ مِنَ ٱلصَّـٰلِحِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق