الباحث القرآني
﴿لَيْسُوا سَواءً مِن أهْلِ الكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ وهم يَسْجُدُونَ﴾ ﴿يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ ويَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ ويَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ ويُسارِعُونَ في الخَيْراتِ وأُولَئِكَ مِنَ الصّالِحِينَ﴾ .
اسْتِئْنافٌ قُصِدَ بِهِ إنْصافُ طائِفَةٍ مِن أهْلِ الكِتابِ، بَعْدَ الحُكْمِ عَلى مُعْظَمِهِمْ بِصِيغَةٍ تَعُمُّهم، تَأْكِيدًا لِما أفادَهُ قَوْلُهُ ﴿مِنهُمُ المُؤْمِنُونَ وأكْثَرُهُمُ الفاسِقُونَ﴾ [آل عمران: ١١٠] فالضَّمِيرُ في قَوْلِهِ لَيْسُوا لِأهْلِ الكِتابِ المُتَحَدَّثِ عَنْهم آنِفًا، وهُمُ اليَهُودُ، وهَذِهِ الجُمْلَةُ تَتَنَزَّلُ مِنَ الَّتِي بَعْدَها مَنزِلَةَ التَّمْهِيدِ.
وسَواءٌ اسْمٌ بِمَعْنى المُماثِلِ وأصْلُهُ مَصْدَرٌ مُشْتَقٌّ مِنَ التَّسْوِيَةِ.
وجُمْلَةُ ﴿مِن أهْلِ الكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ﴾ إلَخْ. مُبَيِّنَةٌ لِإبْهامِ ﴿لَيْسُوا سَواءً﴾ والإظْهارُ في مَقامِ الإضْمارِ لِلِاهْتِمامِ بِهَؤُلاءِ الأُمَّةِ. فالأُمَّةُ هُنا بِمَعْنى الفَرِيقِ.
وإطْلاقُ أهْلِ الكِتابِ عَلَيْهِمْ مَجازٌ بِاعْتِبارِ ما كانَ كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿وآتُوا اليَتامى أمْوالَهُمْ﴾ [النساء: ٢] لِأنَّهم صارُوا مِنَ المُسْلِمِينَ.
وعَدَلَ عَنْ أنْ يُقالَ: مِنهم أُمَّةٌ قائِمَةٌ إلى قَوْلِهِ ﴿مِن أهْلِ الكِتابِ﴾: لِيَكُونَ هَذا الثَّناءُ شامِلًا لِصالِحِي اليَهُودِ، وصالِحِي النَّصارى، فَلا يُخْتَصُّ بِصالِحِي اليَهُودِ، فَإنَّ صالِحِي اليَهُودِ قَبْلَ بَعْثَةِ عِيسى كانُوا مُتَمَسِّكِينَ بِدِينِهِمْ، مُسْتَقِيمِينَ عَلَيْهِ، ومِنهُمُ الَّذِينَ آمَنُوا بِعِيسى واتَّبَعُوهُ، وكَذَلِكَ صالِحُو النَّصارى قَبْلَ (p-٥٨)بَعْثَةِ مُحَمَّدٍ ﷺ كانُوا مُسْتَقِيمِينَ عَلى شَرِيعَةِ عِيسى، وكَثِيرٌ مِنهم أهْلُ تَهَجُّدٍ في الأدْيِرَةِ والصَّوامِعِ وقَدْ صارُوا مُسْلِمِينَ بَعْدَ البَعْثَةِ المُحَمَّدِيَّةِ.
والأُمَّةُ: الطّائِفَةُ والجَماعَةُ.
ومَعْنى قائِمَةٌ أنَّهُ تَمْثِيلٌ لِلْعَمَلِ بِدِينِها عَلى الوَجْهِ الحَقِّ، كَما يُقالُ: سُوقٌ قائِمَةٌ وشَرِيعَةٌ قائِمَةٌ.
والآناءُ أصْلُهُ أأْناءُ بِهَمْزَتَيْنِ بِوَزْنِ أفْعالٍ، وهو جَمْعُ - إنًى بِكَسْرِ الهَمْزَةِ وفَتْحِ النُّونِ مَقْصُورًا - ويُقالُ أنى بِفَتْحِ الهَمْزَةِ قالَ تَعالى: ﴿غَيْرَ ناظِرِينَ إناهُ﴾ [الأحزاب: ٥٣] أيْ غَيْرَ مُنْتَظَرِينَ وقْتَهُ.
وجُمْلَةُ ﴿وهم يَسْجُدُونَ﴾ حالٌ، أيْ يَتَهَجَّدُونَ في اللَّيْلِ بِتِلاوَةِ كِتابِهِمْ، فَقُيِّدَتْ تِلاوَتُهُمُ الكِتابَ بِحالَةِ سُجُودِهِمْ. هَذا الأُسْلُوبُ أبْلَغُ وأبْيَنُ مِن أنْ يُقالَ: يَتَهَجَّدُونَ لِأنَّهُ يَدُلُّ عَلى صُورَةِ فِعْلِهِمْ.
ومَعْنى يُسارِعُونَ في الخَيْراتِ يُسارِعُونَ إلَيْها أيْ يَرْغَبُونَ في الِاسْتِكْثارِ مِنها. والمُسارَعَةُ مُسْتَعارَةٌ لِلِاسْتِكْثارِ مِنَ الفِعْلِ، والمُبادَرَةُ إلَيْهِ، تَشْبِيهًا لِلِاسْتِكْثارِ والِاعْتِناءِ بِالسَّيْرِ السَّرِيعِ لِبُلُوغِ المَطْلُوبِ. وفي لِلظَّرْفِيَّةِ المَجازِيَّةِ، وهي تَخْيِيلِيَّةٌ تُؤْذِنُ بِتَشْبِيهِ الخَيْراتِ بِطَرِيقٍ يَسِيرُ فِيهِ السّائِرُونَ، ولِهَؤُلاءِ مَزِيَّةُ السُّرْعَةِ في قَطْعِهِ. ولَكَ أنْ تَجْعَلَ مَجْمُوعَ المُرَكَّبِ مِن قَوْلِهِ ﴿ويُسارِعُونَ في الخَيْراتِ﴾ تَمْثِيلًا لِحالِ مُبادَرَتِهِمْ وحِرْصِهِمْ عَلى فِعْلِ الخَيْراتِ بِحالِ السّائِرِ الرّاغِبِ في البُلُوغِ إلى قَصْدِهِ يُسْرِعُ في سَيْرِهِ. وسَيَأْتِي نَظِيرُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿لا يُحْزِنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ في الكُفْرِ﴾ [المائدة: ٤١] في سُورَةِ العُقُودِ.
والإشارَةُ بِأُولَئِكَ إلى الأُمَّةِ القائِمَةِ المَوْصُوفَةِ بِتِلْكَ الأوْصافِ. ومَوْقِعُ اسْمِ الإشارَةِ التَّنْبِيهُ عَلى أنَّهُمُ اسْتَحَقُّوا الوَصْفَ المَذْكُورَ بَعْدَ اسْمِ الإشارَةِ بِسَبَبِ ما سَبَقَ اسْمَ الإشارَةِ مِنَ الأوْصافِ.
{"ayahs_start":113,"ayahs":["۞ لَیۡسُوا۟ سَوَاۤءࣰۗ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَـٰبِ أُمَّةࣱ قَاۤىِٕمَةࣱ یَتۡلُونَ ءَایَـٰتِ ٱللَّهِ ءَانَاۤءَ ٱلَّیۡلِ وَهُمۡ یَسۡجُدُونَ","یُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِ وَیَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَیَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَیُسَـٰرِعُونَ فِی ٱلۡخَیۡرَ ٰتِۖ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ مِنَ ٱلصَّـٰلِحِینَ"],"ayah":"یُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِ وَیَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَیَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَیُسَـٰرِعُونَ فِی ٱلۡخَیۡرَ ٰتِۖ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ مِنَ ٱلصَّـٰلِحِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق