الباحث القرآني
﴿لَيْسُوا سَواءً مِن أهْلِ الكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ وهم يَسْجُدُونَ﴾ ﴿يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ ويَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ ويَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ ويُسارِعُونَ في الخَيْراتِ وأُولَئِكَ مِنَ الصّالِحِينَ﴾ ﴿وما يَفْعَلُوا مِن خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ واللَّهُ عَلِيمٌ بِالمُتَّقِينَ﴾ ﴿إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهم أمْوالُهم ولا أوْلادُهم مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وأُولَئِكَ أصْحابُ النّارِ هم فِيها خالِدُونَ﴾ ﴿مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ في هَذِهِ الحَياةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ أصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أنْفُسَهم فَأهْلَكَتْهُ وما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ ولَكِنْ أنْفُسَهم يَظْلِمُونَ﴾ ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِن دُونِكم لا يَأْلُونَكم خَبالًا ودُّوا ما عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ البَغْضاءُ مِن أفْواهِهِمْ وما تُخْفِي صُدُورُهم أكْبَرُ قَدْ بَيَّنّا لَكُمُ الآياتِ إنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ﴾ ﴿ها أنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهم ولا يُحِبُّونَكم وتُؤْمِنُونَ بِالكِتابِ كُلِّهِ وإذا لَقُوكم قالُوا آمَنّا وإذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأنامِلَ مِنَ الغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكم إنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ﴾ [آل عمران: ١١٩] ﴿إنْ تَمْسَسْكم حَسَنَةٌ تَسُؤْهم وإنْ تُصِبْكم سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها وإنْ تَصْبِرُوا وتَتَّقُوا لا يَضُرُّكم كَيْدُهم شَيْئًا إنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾ [آل عمران: ١٢٠] .
الآناءُ: السّاعاتُ. وفي مُفْرَدِها لُغاتٌ: أنْيٌ كَمَعْيٌ، وأنى كَفَتى، وأنّى كَنَحّى، وأنْيٌ كَظَبْيٍ، وأنْوٌ كَجَرْوٍ. الصَّرُّ: البَرْدُ الشَّدِيدُ المُحْرِقُ. وقِيلَ: البارِدُ بِمَعْنى الصَّرْصَرُ كَما قالَ:
؎لا تَعْدِلَنَّ أتاوِيِّينَ تَضْرِ بُهم نَكْباءَ صَرٍّ بِأصْحابِ المَحَلّاتِ
وقالَتْ لَيْلى الأخْيَلِيَّةُ:
؎ولَمْ يَغْلِبِ الخَصْمَ الألَدَّ ويَمْلَأ الــــجِـفانَ ∗∗∗ سَدِيفًا يَوْمَ نَكْباءَ صَرْصَرِ
(p-٣٣)وقالَ ابْنُ كَيْسانَ: هو صَوْتُ لَهَبِ النّارِ، وهو اخْتِيارُ الزَّجّاجِ، مِنَ الصَّرِيرِ. وهو الصَّوْتُ مِن قَوْلِهِمْ: صَرَّ الشَّيْءُ، ومِنهُ الرِّيحُ الصَّرْصَرُ. وقالَ الزَّجّاجُ: والصَّرُّ صَوْتُ النّارِ الَّتِي في الرِّيحِ.
البِطانَةُ في الثَّوْبِ بِإزاءِ الظِّهارَةِ، ويُسْتَعارُ لِمَن يَخْتَصُّهُ الإنْسانُ كالشِّعارِ والدِّثارِ. يُقالُ: بَطَنَ فُلانٌ مِن فُلانٍ بُطُونًا وبِطانَةٍ إذا كانَ خاصًّا بِهِ، داخِلًا في أمْرِهِ. وقالَ الشّاعِرُ:
؎أُولَئِكَ خُلْصانِي نَعَمْ وبِطانَتِي ∗∗∗ وهم عَيْبَتِي مِن دُونِ كُلِّ قَرِيبِ
ألَوْتُ في الأمْرِ: قَصَّرْتُ فِيهِ. قالَ زُهَيْرٌ:
؎سَعى بَعْدَهم قَوْمٌ لِكَيْ يُدْرِكُوهُمُ ∗∗∗ فَلَمْ يَفْعَلُوا ولَمْ يَلِيمُوا لَمْ يَأْلُوا
أيْ لَمْ يُقَصِّرُوا. الخَبالُ والخَبَلُ: الفَسادُ الَّذِي يَلْحَقُ الحَيَوانَ. يُقالُ: في قَوائِمِ الفَرَسِ خَبَلٌ وخَبالٌ أيْ فَسادٌ مِن جِهَةِ الِاضْطِرابِ والخَبَلِ والجُنُونِ. ويُقالُ: خَبَلُهُ الحُبُّ أيْ أفْسَدَهُ.
البَغْضاءُ: مَصْدَرٌ كالسَّرّاءِ والبَأْساءِ، يُقالُ: بُغِضَ الرَّجُلُ فَهو بَغِيضٌ، وأبْغَضْتُهُ أنا اشْتَدَّتْ كَراهَتِي لَهُ.
الأفْواهُ: مَعْرُوفَةٌ، والواحِدُ مِنها في الأصْلِ فُوهٌ. ولَمْ تَنْطِقْ بِهِ العَرَبُ، بَلْ قالَتْ: فَمٌ. وفي الفَمِ لُغاتٌ تِسْعٌ ذُكِرَتْ في بَعْضِ كُتُبِ النَّحْوِ.
العَضُّ: وضْعُ الأسْنانِ عَلى الشَّيْءِ بِقُوَّةِ، والفِعْلُ مِنهُ عَلى فِعْلٍ بِكَسْرِ العَيْنِ، وهو بِالضّادِ. فَأمّا عَظُّ الزَّمانَ وعَظُّ الحَرْبِ فَهو بِالظّاءِ أُخْتِ الطّاءِ، قالَ:
؎وعَضُّ زَمانٍ يا ابْنَ مَرْوانَ لَمْ يَدَعْ ∗∗∗ مِنَ المالِ إلّا مُسْحَتًا أوْ مُجَلَّفُ
والعُضُّ - بِضَمِّ العَيْنِ - عَلَفُ أهْلِ الأمْصارِ، مِثْلُ الكَسْبِ والنَّوى المَرْضُوضِ. يُقالُ مِنهُ: أعَضَّ القَوْمُ، إذا أكَلَ إبِلُهُمُ العَضَّ. وبَعِيرٌ عُضاضِيٌّ أيْ سَمِينٌ، كَأنَّهُ مَنسُوبٌ إلَيْهِ. والعِضُّ - بِالكَسْرِ -: الدّاهِيَةُ مِنَ الرِّجالِ.
الأنامِلُ: جَمْعُ أُنْمُلَةٍ، ويُقالُ بِفَتْحِ المِيمِ وضَمِّها، وهي أطْرافُ الأصابِعِ. قالَ ابْنُ عِيسى: أصْلُها النَّمْلُ المَعْرُوفُ، وهي مُشَبَّهَةٌ بِهِ في الدِّقَّةِ والتَّصَرُّفِ بِالحَرَكَةِ. ومِنهُ رَجُلٌ نَمِلٌ: أيْ نَمّامٌ.
الغَيْضُ: مَصْدَرُ غاضَ، وغَيْضُ اسْمُ عَلَمٍ.
الفَرَحُ: مَعْرُوفٌ، يُقالُ مِنهُ: فَرِحٌ بِكَسْرِ العَيْنِ.
الكَيْدُ: المَكْرُ، كادَهُ يَكِيدُهُ، مَكَرَ بِهِ، وهو الِاحْتِيالُ بِالباطِلِ. قالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: وأصْلُهُ المَشَقَّةُ مِن قَوْلِهِمْ: فُلانٌ يَكِيدُ بِنَفْسِهِ، أيْ يُعالِجُ مَشَقّاتِ النَّزْعِ وسَكَراتِ المَوْتِ.
﴿لَيْسُوا سَواءً مِن أهْلِ الكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ﴾ سَبَبُ النُّزُولِ إسْلامُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ وغَيْرِهِ مِنَ اليَهُودِ، وقَوْلُ الكُفّارِ مِن أحْبارِهِمْ: ما آمَنَ بِمُحَمَّدٍ إلّا شِرارُنا، ولَوْ كانُوا خِيارًا ما تَرَكُوا دِينَ آبائِهِمْ. قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، وقَتادَةُ، وابْنُ جُرَيْجٍ. والواوُ في ”﴿لَيْسُوا﴾“ هي لِأهْلِ الكِتابِ السّابِقِ ذِكْرِهم في قَوْلِهِ: ﴿ولَوْ آمَنَ أهْلُ الكِتابِ لَكانَ خَيْرًا لَهم مِنهُمُ المُؤْمِنُونَ وأكْثَرُهُمُ الفاسِقُونَ﴾ [آل عمران: ١١٠] والأصَحُّ: أنَّ الواوَ ضَمِيرٌ عائِدٌ عَلى أهْلِ الكِتابِ، ”وسَواءً“ خَبَرُ لَيْسَ. والمَعْنى: لَيْسَ أهْلُ الكِتابِ مُسْتَوِينَ، بَلْ مِنهم مَن آمَنَ بِكِتابِهِ وبِالقُرْآنِ مِمَّنْ أدْرَكَ شَرِيعَةَ الإسْلامِ، أوْ كانَ عَلى اسْتِقامَةٍ فَماتَ قَبْلَ أنْ يُدْرِكَها.
﴿مِن أهْلِ الكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ﴾ مُبْتَدَأٌ وخَبَرٌ. وقالَ الفَرّاءُ: أُمَّةٌ مُرْتَفِعَةٌ بِسَواءٍ، أيْ لَيْسَ أهْلُ الكِتابِ مُسْتَوِيًا، مِن أهْلِ الكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ مَوْصُوفَةٌ بِما ذُكِرَ وأُمَّةٌ كافِرَةٌ، فَحُذِفَتْ هَذِهِ الجُمْلَةُ المُعادِلَةُ، ودَلَّ عَلَيْها القِسْمُ الأوَّلُ كَقَوْلِهِ:
؎عَصَيْتُ إلَيْها القَلْبُ إنِّي لِأمْرِهِ ∗∗∗ سَمِيعٌ فَما أدْرِي أرُشْدٌ طِلابُها
التَّقْدِيرُ: أمْ غَيٌّ، فَحُذِفَ لِدَلالَةِ ”أرُشْدٌ“، وقالَ:
؎أراكَ فَما أدْرِي أهَمٌّ ضَمَمْتُهُ ∗∗∗ وذُو الهَمِّ قِدْمًا خاشِعٌ مُتَضائِلُ
التَّقْدِيرُ: أمْ غَيْرُهُ. قالَ الفَرّاءُ: لِأنَّ المُساواةَ تَقْتَضِي شَيْئَيْنِ: ”﴿سَواءً العاكِفُ فِيهِ والبادِي﴾ [الحج: ٢٥]“ ﴿سَواءً مَحْياهم ومَماتُهُمْ﴾ [الجاثية: ٢١] ”. ويَضْعُفُ قَوْلُ الفَرّاءِ مِن حَيْثُ الحَذْفِ. ومِن حَيْثُ وضْعِ الظّاهِرِ مَوْضِعَ المُضْمَرِ، إذِ التَّقْدِيرُ: (p-٣٤)لَيْسَ أهْلُ الكِتابِ مُسْتَوِيًا، مِنهم أُمَّةٌ قائِمَةٌ كَذا، وأُمَّةٌ كافِرَةٌ. وذَهَبَ أبُو عُبَيْدَةَ: إلى أنَّ الواوَ في“ لَيْسُوا ”عَلامَةُ جَمْعٍ لا ضَمِيرٌ، مِثْلُها في قَوْلِ الشّاعِرِ:
؎يَلُومُونَنِي في شِراءِ النَّخِيـ ∗∗∗ ـلِ قَوْمِي وكُلُّهُمُ ألْوَمُ
واسْمُ لَيْسَ: أُمَّةٌ قائِمَةٌ، أيْ لَيْسَ سَواءٌ، مِن أهْلِ الكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ مَوْصُوفَةٌ بِما ذُكِرَ وأُمَّةً كافِرَةً.
قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وما قالَهُ أبُو عُبَيْدَةَ خَطَأٌ مَرْدُودٌ. انْتَهى. ولَمْ يُبَيِّنْ جِهَةَ الخَطَأِ، وكَأنَّهُ تَوَهَّمَ أنَّ اسْمَ لَيْسَ هو“ ﴿أُمَّةٌ قائِمَةٌ﴾ ”فَقَطْ، وأنَّهُ لا مَحْذُوفَ. ثُمَّ إذْ لَيْسَ الغَرَضُ تَفاوُتُ الأُمَّةِ القائِمَةِ التّالِيَةِ، فَإذا قُدِّرَ ثَمَّ مَحْذُوفٌ لَمْ يَكُنْ قَوْلُ أبِي عُبَيْدَةَ خَطَأً مَرْدُودًا. قِيلَ: وما قالَهُ أبُو عُبَيْدَةَ هو عَلى لُغَةِ“ أكَلُونِي البَراغِيثُ ”، وهي لُغَةٌ رَدِيئَةٌ، والعَرَبُ عَلى خِلافِها، فَلا يُحْمَلُ عَلَيْها مَعَ ما فِيهِ مِن مُخالَفَةِ الظّاهِرِ. انْتَهى. وقَدْ نازَعَ السُّهَيْلِيُّ النَّحْوِيِّينَ في قَوْلِهِمْ: إنَّها لُغَةٌ ضَعِيفَةٌ، وكَثِيرًا ما جاءَتْ في الحَدِيثِ. والإعْرابُ الأوَّلُ هو الظّاهِرُ، وهو أنْ يَكُونَ“ ﴿مِن أهْلِ الكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ﴾ ”مُسْتَأْنَفَ بَيانٍ لِانْتِفاءِ التَّسْوِيَةِ، كَما جاءَ ﴿يَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ﴾ [التوبة: ٧١] بَيانًا لِقَوْلِهِ: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ﴾ [آل عمران: ١١٠] والمُرادُ بِأهْلِ الكِتابِ اليَهُودُ والنَّصارى.
وأُمَّةٌ قائِمَةٌ، أيْ مُسْتَقِيمَةٌ، مِن أقَمْتُ العُودَ فَقامَ، أيِ اسْتَقامَ. قالَ مُجاهِدٌ والحَسَنُ وابْنُ جُرَيْجٍ: عادِلَةٌ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ وقَتادَةُ والرَّبِيعُ: قائِمَةٌ عَلى كِتابِ اللَّهِ وحُدُودِهِ، مُهْتَدِيَةٌ. وقالَ السُّدِّيُّ: قانِتَةٌ مُطِيعَةٌ، وكُلُّها راجِعٌ لِلْقَوْلِ الأوَّلِ.
وقالَ ابْنُ مَسْعُودٍ والسُّدِّيُّ: الضَّمِيرُ في لَيْسُوا عائِدٌ عَلى اليَهُودِ وأُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ؛ إذْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ اليَهُودِ وذِكْرُ هَذِهِ الأُمَّةِ في قَوْلِهِ:“ ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ﴾ [آل عمران: ١١٠] ”. والكِتابُ عَلى هَذا القَوْلِ جِنْسُ كُتُبِ اللَّهِ، ولَيْسَ بِالمَعْهُودِ مِنَ التَّوْراةِ والإنْجِيلِ فَقَطْ. والمُرادُ بِقَوْلِهِ:“ ﴿مِن أهْلِ الكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ﴾ ”- أهْلُ القُرْآنِ. والظّاهِرُ عَوْدُ الضَّمِيرِ عَلى أهْلِ الكِتابِ المَذْكُورِينَ في قَوْلِهِ: ﴿ولَوْ آمَنَ أهْلُ الكِتابِ﴾ [آل عمران: ١١٠]؛ لِتَوالِي الضَّمائِرِ عائِدَةٌ عَلَيْهِمْ فَكَذَلِكَ ضَمِيرُ لَيْسُوا. وقالَ عَطاءٌ:“ ﴿مِن أهْلِ الكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ﴾ ”الآيَةَ، يُرِيدُ أرْبَعِينَ رَجُلًا مِن أهْلِ نَجْرانَ مِنَ العَرَبِ، واثْنَيْنِ وثَلاثِينَ مِنَ الحَبَشَةِ، وثَمانِيَةً مِنَ الرُّومِ، كانُوا عَلى دِينِ عِيسى وصَدَّقُوا مُحَمَّدًا ﷺ . وكانَ ناسٌ مِنَ الأنْصارِ مُوَحِّدِينَ ويَغْتَسِلُونَ مِنَ الجَنابَةِ، ويَقُومُونَ بِما عَرَفُوا مِن شَرائِعِ الحَنِيفِيَّةِ قَبْلَ قُدُومِ النَّبِيِّ ﷺ حَتّى جاءَهم مِنهُ أسْعَدُ بْنُ زُرارَةَ، والبَراءُ بْنُ مَعْرُورٍ، ومُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، وقَيْسُ بْنُ صِرْمَةَ بْنِ أنَسٍ.
﴿يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ وهم يَسْجُدُونَ﴾ وصَفَ الأُمَّةَ القائِمَةَ بِأنَّها تالِيَةُ آياتِ اللَّهِ، وعَبَّرَ بِالتِّلاوَةِ في ساعاتِ اللَّيْلِ عَنِ التَّهَجُّدِ بِالقُرْآنِ. وقَوْلُهُ: وهم يَسْجُدُونَ جُمْلَةٌ في مَوْضِعِ الصِّفَةِ أيْضًا مَعْطُوفَةٌ عَلى“ يَتْلُونَ ”، وصَفَهم بِالتِّلاوَةِ لِلْقُرْآنِ وبِالسُّجُودِ. فَتِلاوَةُ القُرْآنِ في القِيامِ، وأمّا السُّجُودُ فَلَمْ تُشْرَعْ فِيهِ التِّلاوَةُ. وجاءَتِ الصِّفَةُ الثّانِيَةُ اسْمِيَّةٌ لِتَدُلَّ عَلى التَّوْكِيدِ بِتَكَرُّرِ الضَّمِيرِ وهو“ هم ”والواوُ في“ يَسْجُدُونَ ”، إذْ أقْرَبُ ما يَكُونُ العَبْدُ مِن رَبِّهِ وهو ساجِدٌ. وأخْبَرَ عَنِ المُبْتَدَأِ بِالمُضارِعِ، وجاءَتِ الصِّفَةُ الأوْلى بِالمُضارِعِ أيْضًا لِتَدُلَّ عَلى التَّجَدُّدِ، وعُطِفَتِ الثّانِيَةُ عَلى الأوْلى بِالواوِ لِتُشْعِرَ بِأنَّ تِلْكَ التِّلاوَةَ كانَتْ في صَلاةٍ، فَلَمْ تَكُنِ التِّلاوَةُ وحْدَها ولا السُّجُودُ وحْدَهُ.
وظاهِرُ قَوْلِهِ:“ ﴿آناءَ اللَّيْلِ﴾ ”أنَّها جَمِيعُ ساعاتِ اللَّيْلِ. فَيَبْعُدُ صُدُورُ ذَلِكَ - أعْنِي التِّلاوَةَ والسُّجُودَ - مِن كُلِّ شَخْصٍ شَخَصَ، وإنَّما يَكُونُ ذَلِكَ مِن جَماعَةٍ؛ إذْ بَعْضُ النّاسِ يَقُومُ أوَّلَ اللَّيْلِ، وبَعْضُهم آخِرَهُ، وبَعْضُهم بَعْدَ هَجْعَةٍ ثُمَّ يَعُودُ إلى نَوْمِهِ، فَيَأْتِي مِن مَجْمُوعِ ذَلِكَ في المُدُنِ والجَماعاتِ اسْتِيعابُ ساعاتِ اللَّيْلِ بِالقِيامِ في تِلاوَةِ القُرْآنِ والسُّجُودِ، وعَلى هَذا كانَ صَدْرُ هَذِهِ الأُمَّةِ. وعَرَفُ النّاسُ القِيامَ في أوَّلِ الثُّلُثِ الأخِيرِ مِنَ اللَّيْلِ، أوْ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ، والقائِمُ طُولَ اللَّيْلِ قَلِيلٌ، وقَدْ كانَ في الصّالِحِينَ مَن يَلْتَزِمُهُ، وقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ القَصْدَ في ذَلِكَ في أوَّلِ المُزَّمِّلِ. وآناءُ اللَّيْلِ: ساعاتُهُ. قالَهُ الرَّبِيعُ وقَتادَةُ وغَيْرُهُما. وقالَ السُّدِّيُّ: جَوْفُهُ وهو مِن إطْلاقِ الكُلِّ عَلى الجُزْءِ، إذِ الجَوْفُ فَرْدٌ مِنَ الجَمْعِ. وعَنْ مَنصُورٍ: أنَّها نَزَلَتْ في المُصَلِّينِ بَيْنَ (p-٣٥)العِشاءَيْنِ، وهو مُخالِفٌ لِظاهِرِ قَوْلِهِ: ﴿يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ﴾ . وعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: أنَّها صَلاةُ العَتْمَةِ. وذَكَرَ أنَّ سَبَبَ نُزُولِها هو احْتِباكُ النَّبِيِّ ﷺ في صَلاةِ العَتَمَةِ، وكانَ عِنْدَ بَعْضِ نِسائِهِ، فَلَمْ يَأْتِ حَتّى مَضى اللَّيْلُ، فَجاءَ ومِنّا المُصَلِّي ومِنّا المُضْطَجِعُ، فَقالَ:“ أبْشِرُوا، فَإنَّهُ لَيْسَ أحَدٌ مِن أهْلِ الكِتابِ يُصَلِّي هَذِهِ الصَّلاةَ ”؛ ولِهَذا السَّبَبِ ذَكَرَ ابْنُ مَسْعُودٍ أنَّ قَوْلَهُ:“ ﴿لَيْسُوا سَواءً﴾ ”عائِدٌ عَلى اليَهُودِ وهَذِهِ الأُمَّةِ، وهو خِلافُ الظّاهِرِ. والظّاهِرُ مِن قَوْلِهِ:“ ﴿وهم يَسْجُدُونَ﴾ ”أنَّهُ أُرِيدَ بِهِ السُّجُودُ في الصَّلاةِ. وقِيلَ: عَبَّرَ بِالسُّجُودِ عَنِ الصَّلاةِ تَسْمِيَةً لِلشَّيْءِ بِجُزْءٍ شَرِيفٍ مِنهُ، كَما يُعَبَّرُ عَنْها بِالرُّكُوعِ، قالَهُ مُقاتِلٌ والفَرّاءُ والزُّجاجُ؛ لِأنَّ القِراءَةَ لا تَكُونُ في الرُّكُوعِ ولا في السُّجُودِ، فَعَلى هَذا تَكُونُ الجُمْلَةُ في مَوْضِعِ الحالِ، أيْ يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ مُتَلَبِّسِينَ بِالصَّلاةِ. وقِيلَ: سُجُودُ التِّلاوَةِ. وقِيلَ: أُرِيدَ بِالسُّجُودِ الخُشُوعُ والخُضُوعُ. وذَهَبَ الطَّبَرِيُّ وغَيْرُهُ إلى أنَّها جُمْلَةٌ مَعْطُوفَةٌ مِنَ الكَلامِ الأوَّلِ، أخْبَرَ عَنْهم أيْضًا أنَّهم أهْلُ سُجُودٍ، ويُحَسِّنُهُ أنْ كانَتِ التِّلاوَةُ في غَيْرِ صَلاةٍ. ويَكُونُ أيْضًا عَلى هَذا التَّأْوِيلِ في غَيْرِ صَلاةٍ نَعْتًا عُدِّدَ بِواوِ العَطْفِ، كَما تَقُولُ: جاءَنِي زَيْدٌ الكَرِيمُ والعاقِلُ. وأجازَ بَعْضُهم في قَوْلِهِ: وهم يَسْجُدُونَ أنْ يَكُونَ حالًا مِنَ الضَّمِيرِ في (قائِمَةٌ)، وحالًا مِن (أُمَّةٌ)؛ لِأنَّها قَدْ وُصِفَتْ بِـ (قائِمَةٌ) . فَتَلَخَّصَ في هَذِهِ الجُمْلَةِ قَوْلانِ، أحَدُهُما أنَّها لا مَوْضِعَ لَها مِنَ الإعْرابِ، بِأنْ تَكُونَ مُسْتَأْنَفَةً. والقَوْلُ الآخَرُ: أنْ يَكُونَ لَها مَوْضِعٌ مِنَ الإعْرابِ ويَكُونُ رَفْعًا بِأنْ يَكُونَ في مَوْضِعِ الصِّفَةِ، أوْ بِأنْ يَكُونَ نَصْبًا، بِأنْ يَكُونَ في مَوْضِعِ الحالِ، إمّا مِنَ الضَّمِيرِ في يَتْلُونَ، أوْ مِنَ الضَّمِيرِ في قائِمَةٍ، أوْ مِن أُمَّةٍ. ودَلَّتْ هَذِهِ الآيَةُ عَلى التَّرْغِيبِ في قِيامِ اللَّيْلِ، وقَدْ جاءَ في كِتابِ اللَّهِ: ﴿ومِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ﴾ [الإسراء: ٧٩] ﴿أمَّنْ هو قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِدًا وقائِمًا﴾ [الزمر: ٩] ﴿ياأيُّها المُزَّمِّلُ﴾ [المزمل: ١] ﴿قُمِ اللَّيْلَ﴾ [المزمل: ٢] . وفي الحَدِيثِ: «يا عَبْدَ اللَّهِ، لا تَكُنْ مِثْلَ فُلانٍ، كانَ يَقُومُ اللَّيْلَ فَتَرَكَهُ»، وفِيهِ: «نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ، إلّا أنَّهُ لا يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ“» وغَيْرُ ذَلِكَ كَثِيرٌ. وعَنْ رَجُلٍ مِن بَنِي شَيْبَةَ كانَ يَدْرُسُ الكُتُبَ، قالَ: إنّا نَجِدُ كَلامًا مِن كَلامِ الرَّبِّ عَزَّ وجَلَّ: أيَحْسَبُ راعِي إبِلٍ وغَنَمٍ إذا جَنَّهُ اللَّيْلُ انْجَدَلَ كَمَن هو قائِمٌ وساجِدُ اللَّيْلِ.
(يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ واليَوْمِ والآخِرِ ويَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ ويَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ) تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ مِثْلِ هَذِهِ الجُمَلِ.
﴿ويُسارِعُونَ في الخَيْراتِ﴾ المُسارَعَةُ في الخَيْرِ ناشِئَةٌ عَنْ فَرْطِ الرَّغْبَةِ فِيهِ؛ لِأنَّ مَن رَغِبَ في أمْرٍ بادَرَ إلَيْهِ وإلى القِيامِ بِهِ، وآثَرَ الفَوْرَ عَلى التَّراخِي. وجاءَ في الحَدِيثِ: «اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وصِحَّتَكَ قَبْلَ سُقْمِكَ، وفَراغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وحَياتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ، وغِناكَ قَبْلَ فَقْرِكَ» .
وصَفَهم تَعالى بِأنَّهم إذا دَعَوْا إلى خَيْرٍ مِن نَصْرِ مَظْلُومٍ، وإغاثَةِ مَكْرُوبٍ، وعِبادَةِ اللَّهِ - بادَرُوا إلى فِعْلِهِ. والظّاهِرُ في ”يُؤْمِنُونَ“ أنْ يَكُونَ صِفَةً أيْ: تالِيَةٌ مُؤْمِنَةٌ. وجَوَّزُوا أنْ تَكُونَ الجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ، أوْ في مَوْضِعِ الحالِ مِنَ الضَّمِيرِ في ”يَسْجُدُونَ“، وأنْ تَكُونَ بَدَلًا مِنَ السُّجُودِ. قِيلَ: لِأنَّ السُّجُودَ بِمَعْنى الإيمانِ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وصَفَهم بِخَصائِصَ ما كانَتْ في اليَهُودِ مِن تِلاوَةِ آياتِ اللَّهِ بِاللَّيْلِ ساجِدِينَ، ومِنَ الإيمانِ بِاللَّهِ؛ لِأنَّ إيمانَهم بِهِ كَلا إيمانٍ؛ لِإشْراكِهِمْ بِهِ عُزَيْرًا وكُفْرِهِمْ بِبَعْضِ الكُتُبِ والرُّسُلِ دُونَ بَعْضٍ، ومِنَ الإيمانِ بِاليَوْمِ الآخِرِ لِأنَّهم يَصِفُونَهُ بِخِلافِ صِفَتِهِ، ومِنَ الأمْرِ بِالمَعْرُوفِ والنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ؛ لِأنَّهم كانُوا مُداهِنِينَ، ومِنَ المُسارَعَةِ في الخَيْراتِ؛ لِأنَّهم كانُوا مُتَباطِئِينَ عَنْها غَيْرَ راغِبِينَ فِيها. انْتَهى كَلامُهُ، وهو حَسَنٌ. ولَمّا ذَكَرَ تَعالى هَذِهِ الأُمَّةَ وصَفَها بِصِفاتٍ سِتٍّ، إحْداها: أنَّها قائِمَةٌ، أيْ مُسْتَقِيمَةٌ عَلى النَّهْجِ القَوِيمِ. ولَمّا كانَتِ الِاسْتِقامَةُ وصْفًا ثابِتًا لَها لا يَتَغَيَّرُ جاءَ بِاسْمِ الفاعِلِ. الثّانِيَةُ: الصَّلاةُ بِاللَّيْلِ المُعَبَّرِ عَنْها بِالتِّلاوَةِ والسُّجُودِ، وهي العِبادَةُ الَّتِي يَظْهَرُ بِها الخُلُوُّ لِمُناجاةِ اللَّهِ بِاللَّيْلِ. الثّالِثَةُ: الإيمانُ بِاللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ، وهو الحامِلُ عَلى عِبادَةِ اللَّهِ، (p-٣٦)وذَكَرَ اليَوْمَ الآخِرَ؛ لِأنَّ فِيهِ ظُهُورَ آثارِ عِبادَةِ اللَّهِ مِنَ الجَزاءِ الجَزِيلِ. وتَضَمَّنَ الإيمانُ بِاليَوْمِ الآخِرِ الإيمانَ بِالأنْبِياءِ؛ إذْ هُمُ الَّذِينَ أخْبَرُوا بِكَيْنُونَةِ هَذا الجائِزِ في العَقْلِ ووُقُوعِهِ، فَصارَ الإيمانُ بِهِ واجِبًا. الرّابِعَةُ: الأمْرُ بِالمَعْرُوفِ. الخامِسَةُ: النَّهْيُ عَنِ المُنْكَرِ، لَمّا كَمِلُوا في أنْفُسِهِمْ سَعَوْا في تَكْمِيلِ غَيْرِهِمْ بِهَذَيْنِ الوَصْفَيْنِ. السّادِسَةُ: المُسارَعَةُ في الخَيْراتِ، وهي صِفَةٌ تَشْمَلُ أفْعالَهُمُ المُخْتَصَّةَ بِهِمْ، والأفْعالَ المُتَعَدِّيَةَ مِنهم إلى غَيْرِهِمْ. وهَذِهِ الصِّفاتُ الثَّلاثَةُ ناشِئَةٌ أيْضًا عَنِ الإيمانِ، فانْظُرْ إلى حُسْنِ سِياقِ هَذِهِ الصِّفاتِ حَيْثُ تَوَسَّطَ الإيمانُ، وتَقَدَّمَتْ عَلَيْهِ الصِّفَةُ المُخْتَصَّةُ بِالإنْسانِ في ذاتِهِ وهي الصَّلاةُ بِاللَّيْلِ، وتَأخَّرَتْ عَنْهُ الصِّفَتانِ المُتَعَدِّيَتانِ والصِّفَةُ المُشْتَرِكَةُ، وكُلُّها نَتائِجُ عَنِ الإيمانِ.
﴿وأُولَئِكَ مِنَ الصّالِحِينَ﴾ هَذِهِ إشارَةٌ إلى مَن جَمَعَ هَذِهِ الصِّفاتِ السِّتَّ، أيْ وأُولَئِكَ المَوْصُوفُونَ بِتِلْكَ الأوْصافِ مِنَ الَّذِينَ صَلُحَتْ أحْوالُهم عِنْدَ اللَّهِ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ويَجُوزُ أنْ يُرِيدَ بِالصّالِحِينَ المُسْلِمِينَ. انْتَهى. ويُشْبِهُ قَوْلُهُ قَوْلَ ابْنِ عَبّاسٍ مِن أصْحابِ مُحَمَّدٍ ﷺ . وفِيما قالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ بَعْدُ: بَلْ الظّاهِرُ أنَّ في الوَصْفِ بِالصَّلاحِ زِيادَةٌ عَلى الوَصْفِ بِالإسْلامِ؛ ولِذَلِكَ سَألَ هَذِهِ الرُّتْبَةَ بَعْضُ الأنْبِياءِ، فَقالَ تَعالى حِكايَةً عَنْ سُلَيْمانَ عَلى نَبِيِّنا وعَلَيْهِ أفْضَلُ الصَّلاةِ وأتَمُّ التَّسْلِيمِ: ﴿وأدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ في عِبادِكَ الصّالِحِينَ﴾ [النمل: ١٩] وقالَ تَعالى في حَقِّ إبْراهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلامُ -: ﴿ولَقَدِ اصْطَفَيْناهُ في الدُّنْيا وإنَّهُ في الآخِرَةِ لَمِنَ الصّالِحِينَ﴾ [البقرة: ١٣٠] وقالَ تَعالى: ﴿ووَهَبْنا لَهُ إسْحاقَ ويَعْقُوبَ نافِلَةً وكُلًّا جَعَلْنا صالِحِينَ﴾ [الأنبياء: ٧٢] وقالَ تَعالى بَعْدَ ذِكْرِ إسْماعِيلَ: ﴿وإدْرِيسَ وذا الكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصّابِرِينَ﴾ [الأنبياء: ٨٥] ﴿وأدْخَلْناهم في رَحْمَتِنا إنَّهم مِنَ الصّالِحِينَ﴾ [الأنبياء: ٨٦] . وقالَ: ﴿والشُّهَداءِ والصّالِحِينَ﴾ [النساء: ٦٩] .
و”مِن“ لِلتَّبْعِيضِ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ويَحْسُنُ أنْ تَكُونَ لِبَيانِ الجِنْسِ. انْتَهى. ولَمْ يَتَقَدَّمْ شَيْءٌ فِيهِ إبْهامٌ فَيَبِينَ جِنْسُهُ.
﴿وما يَفْعَلُوا مِن خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ﴾ قَرَأ نافِعٌ وابْنُ عامِرٍ وابْنُ كَثِيرٍ وأبُو بَكْرٍ بِالتّاءِ فِيهِما عَلى الخِطابِ. واخْتَلَفُوا في المُخاطَبِ، فَقالَ أبُو حاتِمٍ: هو مَرْدُودٌ إلى قَوْلِهِ: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ﴾ [آل عمران: ١١٠] فَيَكُونُ مِن تَلْوِينِ الخِطابِ ومَعْدُولِهِ. وقالَ مَكِّيٌّ: التّاءُ فِيها عُمُومٌ لِجَمِيعِ الأُمَّةِ. والَّذِي يَظْهَرُ أنَّها التِفاتٌ إلى قَوْلِهِ: أُمَّةٌ قائِمَةٌ، لَمّا وصَفَهم بِأوْصافٍ جَلِيلَةٍ أقْبَلَ عَلَيْهِمْ تَأْنِيسًا لَهم واسْتِعْطافًا عَلَيْهِمْ، فَخاطَبَهم بِأنَّ ما تَفْعَلُونَ مِنَ الخَيْرِ فَلا تُمْنَعُونَ ثَوابَهُ؛ ولِذَلِكَ اقْتَصَرَ عَلى قَوْلِهِ: مِن خَيْرٍ؛ لِأنَّهُ مَوْضِعُ عَطْفٍ عَلَيْهِمْ وتَرَحُّمٍ، ولَمْ يَتَعَرَّضْ لِذِكْرِ الشَّرِّ. ومَعْلُومٌ أنَّ كُلَّ ما يُفْعَلُ مِن خَيْرٍ وشَرٍّ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَوْعُودُهُ. ويُؤَيِّدُ هَذا الِالتِفاتَ وأنَّهُ راجِعٌ إلى ”﴿أُمَّةٌ قائِمَةٌ﴾“ قِراءَةُ الياءِ، وهي قِراءَةُ ابْنِ عَبّاسٍ، وحَمْزَةَ، والكِسائِيِّ، وحَفْصٍ، وعَبْدِ الوارِثِ عَنْ أبِي عَمْرٍو، واخْتِيارُ أبِي عُبَيْدٍ، وباقِي رُواةِ أبِي عَمْرٍو خَيَّرَ بَيْنَ التّاءِ والياءِ، ومَعْلُومٌ في هَذِهِ القِراءَةِ أنَّ الضَّمِيرَ عائِدٌ عَلى ”﴿أُمَّةٌ قائِمَةٌ﴾“، كَما عادَ في قَوْلِهِ تَعالى: ”يَتْلُونَ“ وما بَعْدَهُ. وكَفَرَ: يَتَعَدّى إلى واحِدٍ، يُقالُ: كَفَرَ النِّعْمَةَ، وهُنا ضَمَّنَ مَعْنى حَرَمَ، أيْ: فَلَنْ تُحْرَمُوا ثَوابَهُ، ولَمّا جاءَ وصْفُهُ تَعالى بِأنَّهُ شَكُورٌ في مَعْنى تَوْفِيَةِ الثَّوابِ، نَفى عَنْهُ تَعالى نَقِيضَ الشُّكْرِ وهو كُفْرُ الثَّوابِ، أيْ حِرْمانُهُ.
﴿واللَّهُ عَلِيمٌ بِالمُتَّقِينَ﴾ لَمّا كانَتِ الآيَةُ وارِدَةً فِيمَنِ اتُّصِفَ بِالأوْصافِ الجَمِيلَةِ، وأخْبَرَ تَعالى أنَّهُ يُثِيبُ عَلى فِعْلِ الخَيْرِ ناسَبَ خَتْمَ الآيَةِ بِذِكْرِ عِلْمِهِ بِالمُتَّقِينَ، وإنْ كانَ عالِمًا بِالمُتَّقِينَ وبِضِدِّهِمْ. ومَعْنى عَلِيمٌ بِهِمْ أنَّهُ مُجازِيهِمْ عَلى تَقْواهم، وفي ذَلِكَ وعْدٌ لِلْمُتَّقِينَ، ووَعِيدٌ لِلْمُفَرِّطِينَ.
﴿إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهم أمْوالُهم ولا أوْلادُهم مِنَ اللَّهِ شَيْئًا﴾ [آل عمران: ١٠] تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ هَذِهِ الجُمْلَةِ في أوائِلِ هَذِهِ السُّورَةِ.
﴿وأُولَئِكَ أصْحابُ النّارِ هم فِيها خالِدُونَ﴾ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ نَظِيرِ هَذِهِ الجُمْلَةِ في أوائِلِ البَقَرَةِ، ومُناسَبَةُ هَذِهِ الآيَةِ لِما قَبْلَها ظاهِرَةٌ. وأنَّهُ لَمّا ذَكَرَ شَيْئًا مِن أحْوالِ المُؤْمِنِينَ ذَكَرَ شَيْئًا مِن أحْوالِ الكافِرِينَ لِيَتَّضِحَ الفَرْقُ بَيْنَ القَبِيلَيْنِ.
﴿مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ في هَذِهِ الحَياةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ (p-٣٧)رِيحٍ فِيها صِرٌّ أصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أنْفُسَهم فَأهْلَكَتْهُ﴾ لَمّا ذَكَرَ تَعالى أنَّ ما فَعَلَهُ المُؤْمِنُونَ مِنَ الخَيْرِ فَإنَّهم لا يُحْرَمُونَ ثَوابَهُ، بَلْ يَجْنُونَ في الآخِرَةِ ثَمَرَةَ ما غَرَسُوهُ في الدُّنْيا - أخَذَ في بَيانِ نَفَقَةِ الكافِرِينَ، فَضَرَبَ لَها مَثَلًا اقْتَضى بُطْلانَها وذَهابَها مَجّانًا بِغَيْرِ عِوَضٍ. قالَ مُجاهِدٌ: نَزَلَتْ في نَفَقاتِ الكُفّارِ وصَدَقاتِهِمْ. وقالَ مُقاتِلٌ: في نَفَقاتِ سَفَلَةِ اليَهُودِ عَلى عُلَمائِهِمْ. وقِيلَ: في نَفَقَةِ المُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ. وقِيلَ: في نَفَقَةِ المُنافِقِينَ إذا خَرَجُوا مَعَ المُسْلِمِينَ لِحَرْبِ المُشْرِكِينَ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: شَبَّهَ ما كانُوا يُنْفِقُونَهُ مِن أمْوالِهِمْ في المَكارِمِ، والمَفاخِرِ، وكَسْبِ الثَّناءِ، وحُسْنِ الذِّكْرِ بَيْنَ النّاسِ، لا يَبْتَغُونَ بِهِ وجْهَ اللَّهِ - بِالزَّرْعِ الَّذِي حَسَّهُ البَرْدُ فَصارَ حُطامًا. وقِيلَ: هو ما يَتَقَرَّبُونَ بِهِ إلى اللَّهِ مَعَ كُفْرِهِمْ. وقِيلَ: ما أنْفَقُوا في عَداوَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لِأنَّهم لَمْ يَبْلُغُوا بِإنْفاقِهِ ما أنْفَقُوهُ لِأجْلِهِ. انْتَهى.
وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: مَعْناهُ المِثالُ القائِمُ في النَّفْسِ مِن إنْفاقِهِمُ الَّذِي يَعُدُّونَهُ قُرْبَةً وحِسْبَةً وتَحَنُّثًا، ومِن حَبْطِهِ يَوْمَ القِيامَةِ وكَوْنِهِ هَباءً مَنثُورًا، وذَهابِهِ كالمِثالِ القائِمِ في النَّفْسِ، مِن زَرْعِ قَوْمٍ نَبَتَ واخْضَرَّ، وقَوِيَ الأمَلُ فِيهِ، فَهَبَّتْ عَلَيْهِ رِيحٌ صِرٌّ مُحْرِقٌ فَأهْلَكَتْهُ. انْتَهى. والظّاهِرُ أنَّ ما في قَوْلِهِ: مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ مَوْصُولَةٌ، والعائِدُ مَحْذُوفٌ، أيْ يُنْفِقُونَهُ. والظّاهِرُ تَشْبِيهُ ما يُنْفِقُونَهُ بِالرِّيحِ، والمَعْنى: تَشْبِيهُهُ بِالحَرْثِ. فَقِيلَ: هو مِنَ التَّشْبِيهِ المُرَكَّبِ لَمْ يُقابَلْ فِيهِ الإفْرادُ بِالإفْرادِ، وقَدْ مَرَّ نَظِيرُهُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿مَثَلُهم كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نارًا﴾ [البقرة: ١٧]؛ ولِذَلِكَ قالَ ثَعْلَبٌ: بَدَأ بِالرِّيحِ، والمَعْنى عَلى الحَرْثِ، وهو اخْتِيارُ الزَّمَخْشَرِيِّ. وقِيلَ: وقَعَ التَّشْبِيهُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ وشَيْئَيْنِ، وذَكَرَ أحَدَ المُشَبَّهَيْنِ وتَرَكَ ذِكْرَ الآخَرِ، ثُمَّ ذَكَرَ أحَدَ الشَّيْئَيْنِ المُشَبَّهِ بِهِما ولَيْسَ الَّذِي يُوازِنُ المَذْكُورَ الأوَّلَ، وتَرَكَ ذِكْرَ الآخَرِ، ودَلَّ المَذْكُورانِ عَلى المَتْرُوكَيْنَ. وهَذا اخْتِيارُ ابْنِ عَطِيَّةَ. قالَ: وهَذِهِ غايَةُ البَلاغَةِ والإعْجازِ، ومِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ومَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ﴾ [البقرة: ١٧١] . انْتَهى. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ عَلى حَذْفِ مُضافٍ مِنَ الأوَّلِ تَقْدِيرُهُ: مَثَلُ مَهْلِكِ ما يُنْفِقُونَ. أوْ مِنَ الثّانِي تَقْدِيرُهُ: كَمَثَلِ مَهْلِكِ رِيحٍ. وقِيلَ: يَجُوزُ أنْ تَكُونَ ”ما“ مَصْدَرِيَّةٌ، أيْ مَثَلُ إنْفاقِهِمْ، فَيَكُونُ قَدْ شَبَّهَ المَعْقُولَ بِالمَحْسُوسِ، إذْ شَبَّهَ الإنْفاقَ بِالرِّيحِ. وظاهِرُ قَوْلِهِ: يُنْفِقُونَ أنَّهُ مِن نَفَقَةِ المالِ. وقالَ السُّدِّيُّ: مَعْناهُ يُنْفِقُونَ مِن أقْوالِهِمُ الَّتِي يُبْطِنُونَ ضِدَّها. ويُضَعِّفُ هَذا أنَّها في الكُفّارِ الَّذِينَ يُعْلِنُونَ، لا في المُنافِقِينَ الَّذِينَ يُبْطِنُونَ. وقِيلَ: مُتَعَلِّقُ الإنْفاقِ هو أعْمالُهم مِنَ الكُفْرِ ونَحْوِهِ، هي كالرِّيحِ الَّتِي فِيها صِرٌّ أبْطَلَتْ أعْمالَهم، كُلَّ ما لَهم مِن صِلَةِ رَحِمٍ وتَحَنُّثٍ بِعِتْقٍ، كَما يُبْطِلُ الرِّيحُ الزَّرْعَ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وهَذا قَوْلٌ حَسَنٌ، لَوْلا بُعْدُ الِاسْتِعارَةِ في الإنْفاقِ. انْتَهى. وقالَ الرّاغِبُ: ومِنهم مَن قالَ: ما يُنْفِقُونَ عِبارَةٌ عَنْ أعْمالِهِمْ كُلِّها، لَكِنَّهُ خَصَّ الإنْفاقَ لِكَوْنِهِ أظْهَرَ و أكْثَرَ. انْتَهى.
وقَرَأ ابْنُ هُرْمُزٍ والأعْرَجُ: تُنْفِقُونَ بِالتّاءِ عَلى مَعْنى قُلْ لَهم، وأفْرَدَ رِيحًا؛ لِأنَّها مُخْتَصَّةٌ بِالعَذابِ، كَما أُفْرِدَتْ في قَوْلِهِ: ﴿بَلْ هو ما اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ﴾ [الأحقاف: ٢٤] ”﴿ولَئِنْ أرْسَلْنا رِيحًا﴾ [الروم: ٥١]“، ”﴿إنّا أرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا﴾ [القمر: ١٩]“ ”﴿الرِّيحَ العَقِيمَ﴾ [الذاريات: ٤١]“ . كَما أنَّ الجَمْعَ مُخْتَصٌّ بِالرَّحْمَةِ ﴿أنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ﴾ [الروم: ٤٦] ﴿وأرْسَلْنا الرِّياحَ لَواقِحَ﴾ [الحجر: ٢٢] ﴿يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْرًا﴾ [الأعراف: ٥٧]؛ ولِذَلِكَ رُوِيَ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْها رِياحًا ولا تَجْعَلْها رِيحًا» . وارْتِفاعُ (صِرٌّ) عَلى أنَّهُ فاعِلٌ بِالمَجْرُورِ قَبْلَهُ، إذْ قَدِ اعْتَمَدَ بِكَوْنِهِ وقْعَ صِفَةٍ لِلرِّيحِ. فَإنْ كانَ الصِّرُّ البَرْدَ وهو قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ، والحَسَنِ، وقَتادَةَ، والسُّدِّيِّ، أوْ صَوْتَ لَهِيبِ النّارِ أوْ صَوْتَ الرِّيحِ الشَّدِيدَةِ. فَظاهِرُ كَوْنِ ذَلِكَ في الرِّيحِ. وإنْ كانَ الصِّرُّ صِفَةً لِلرِّيحِ كالصَّرْصَرِ، فالمَعْنى فِيها قِرَّةٌ صِرٌّ، كَما تَقُولُ: بَرْدٌ بارِدٌ، وحُذِفَ المَوْصُوفُ، وقامَتِ الصِّفَةُ مَقامَهُ. أوْ تَكُونُ الظَّرْفِيَّةُ مَجازًا جَعَلَ المَوْصُوفَ ظَرْفًا لِلصِّفَةِ. كَما قالَ: وفي الرَّحْمَنِ كافٍ لِلضُّعَفاءِ. وقَوْلُهم: إنْ ضَيَّعَنِي فُلانٌ فَفي اللَّهِ كافٍ. المَعْنى: الرَّحْمَنُ كافٍ، واللَّهُ كافٍ. وهَذا فِيهِ بُعْدٌ.
وقَوْلُهُ: ”﴿أصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ﴾“ في مَوْضِعِ الصِّفَةِ لِرِيحٍ. بَدَأ أوَّلًا بِالوَصْفِ (p-٣٨)بِالمَجْرُورِ، ثُمَّ بِالوَصْفِ بِالجُمْلَةِ. وقَوْلُهُ: ظَلَمُوا أنْفُسَهم جُمْلَةٌ في مَوْضِعِ الصِّفَةِ لِقَوْمٍ. وظاهِرُهُ أنَّهم ظَلَمُوا أنْفُسَهم بِمَعاصِيهِمْ، فَكانَ الإهْلاكُ أشَدَّ؛ إذْ كانَ عُقُوبَةً لَهم.
وقَدْ ذَهَبَ جَماعَةٌ مِن أهْلِ العِلْمِ إلى أنَّ مَصائِبَ الدُّنْيا إنَّما هي بِمَعاصِي العَبْدِ. ويُسْتَنْبَطُ ذَلِكَ مِن غَيْرِ ما آيَةٍ في القُرْآنِ، فَيَسْتَقِيمُ عَلى ذَلِكَ أنَّ كُلَّ حَرْثٍ تَحْرِقُهُ الرِّيحُ فَإنَّما هو لِمَن قَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ. وقِيلَ: ظَلَمُوا أنْفُسَهم مَعْناهُ زَرَعُوا في غَيْرِ أوانِ الزِّراعَةِ، أيْ وضَعُوا أفْعالَ الفِلاحَةِ غَيْرَ مَوْضِعِها مِن وقْتٍ أوْ هَيْئَةِ عَمَلٍ. وخَصَّ هَؤُلاءِ بِالذِّكْرِ؛ لِأنَّ الحَرْثَ فِيما جَرى هَذا المَجْرى أوْعَبُ وأشَدُّ تَمَكُّنًا، ونَحا إلى هَذا القَوْلِ الَمَهَدَوِيُّ.
﴿وما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ﴾ جَوَّزُ الزَّمَخْشَرِيُّ وغَيْرُهُ أنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ عَلى المُنْفِقِينَ، أيْ: ما ظَلَمَهم بِأنْ لَمْ تُقْبَلْ نَفَقاتُهم، وأنْ يَعُودَ عَلى أصْحابِ الحَرْثِ أيْ: ما ظَلَمَهم بِإهْلاكِ حَرْثِهِمْ، ولَكِنْ ظَلَمُوا أنْفُسَهم بِارْتِكابِ المَعاصِي. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: الضَّمِيرُ في ”ظَلَمَهم“ لِلْكُفّارِ الَّذِينَ تَقَدَّمَ ضَمِيرَهم في يُنْفِقُونَ، ولَيْسَ هو لِلْقَوْمِ ذَوِي الحَرْثِ؛ لِأنَّهم لَمْ يُذْكَرُوا لِيَرُدَّ عَلَيْهِمْ، ولا لِتَبَيُّنِ ظُلْمِهِمْ. وأيْضًا قَوْلُهُ: ﴿ولَكِنْ كانُوا أنْفُسَهم يَظْلِمُونَ﴾ [البقرة: ٥٧] . يَدُلُّ عَلى فِعْلِ الحالِ في حاضِرِينَ. انْتَهى. وهو تَرْجِيحٌ حَسَنٌ. وقُرِئَ شاذًا: ”ولَكِنَّ“، بِالتَّشْدِيدِ، واسْمُها ”أنْفُسُهم“، والخَبَرُ يَظْلِمُونَ. والمَعْنى: يَظْلِمُونَها هم. وحَسَّنَ حَذْفَ هَذا الضَّمِيرِ - وإنْ كانَ الحَذْفُ في مِثْلِهِ قَلِيلًا - كَوْنُ ذَلِكَ فاصِلَةَ رَأْسِ آيَةٍ، فَلَوْ صَرَّحَ بِهِ لَزالَ هَذا المَعْنى. ولا يَجُوزُ أنْ يُعْتَقَدَ أنَّ اسْمَ ”لَكِنَّ“ ضَمِيرُ الشَّأْنِ وحُذِفَ، وأنْفُسَهم مَفْعُولٌ بِـ ”يَظْلِمُونَ“؛ لِأنَّ حَذْفَ هَذا الضَّمِيرِ يَخْتَصُّ بِالشِّعْرِ.
﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِن دُونِكم لا يَأْلُونَكم خَبالًا﴾ نَزَلَتْ في رِجالٍ مِنَ المُؤْمِنِينَ يُواصِلُونَ رِجالًا مِن يَهُودٍ لِلْجِوارِ والحِلْفِ والرَّضاعِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. وقالَ أيْضًا هو وقَتادَةُ والسُّدِّيُّ والرَّبِيعُ: نَزَلَتْ في المُنافِقِينَ. نَهى اللَّهُ المُؤْمِنِينَ عَنْهم، شَبَّهَ الصِّدِّيقُ الصِّدْقَ بِما يُباشِرُ بَطْنَ الإنْسانِ مِن ثَوْبِهِ. يُقالُ لَهُ: بِطانَةٌ ووَلِيجَةٌ. وقَوْلُهُ: مِن دُونِكم في مَوْضِعِ الصِّفَةِ لِبِطانَةٍ، وقَدَّرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ: مِن دُونِ أبْناءِ جِنْسِكم، وهُمُ المُسْلِمُونَ. وقِيلَ: يَتَعَلَّقُ ”مِن“ بِقَوْلِهِ: ”لا تَتَّخِذُوا“ . وقِيلَ: ”مِن“ زائِدَةٌ، أيْ بِطانَةِ دُونِكم. والمَعْنى: أنَّهم نُهُوا أنْ يَتَّخِذُوا أصْفِياءَ مِن غَيْرِ المُؤْمِنِينَ. ودَلَّ هَذا النَّهْيُ عَلى المَنعِ مِنِ اسْتِكْتابِ أهْلِ الذِّمَّةِ وتَصْرِيفِهِمْ في البَيْعِ والشِّراءِ والِاسْتِنابَةِ إلَيْهِمْ. وقَدْ عَتَبَ عُمَرُ أبا مُوسى عَلى اسْتِكْتابِهِ ذِمِّيًّا، وتَلا عَلَيْهِ هَذِهِ الآيَةَ. وقَدْ قِيلَ لِعُمَرَ في كاتِبٍ مُجِيدٍ مِن نَصارى الحِيرَةِ: ألا يَكْتُبُ عَنْكَ ؟ فَقالَ: إذَنْ أتَّخِذُ بِطانَةً.
والجُمْلَةُ مِن قَوْلِهِ: ﴿لا يَأْلُونَكم خَبالًا﴾ لا مَوْضِعَ لَها مِنَ الإعْرابِ؛ إذْ جاءَتْ بَيانًا لِحالِ البِطانَةِ الكافِرَةِ هي والجُمَلُ الَّتِي بَعْدَها؛ لِتَنْفِيرِ المُؤْمِنِينَ عَنِ اتِّخاذِهِمْ بِطانَةً. ومَن ذَهَبَ إلى أنَّها صِفَةٌ لِلْبِطانَةِ أوْ حالٌ مِمّا تَعَلَّقَتْ بِهِ ”مِن“ فَبَعِيدٌ عَنْ فَهْمِ الكَلامِ الفَصِيحِ؛ لِأنَّهم نُهُوا عَنِ اتِّخاذِ بِطانَةٍ كافِرَةٍ، ثُمَّ نَبَّهَ عَلى أشْياءَ مِمّا هم عَلَيْهِ مِنِ ابْتِغاءِ الغَوائِلِ لِلْمُؤْمِنِينَ، ووِدادَةِ مَشَقَّتِهِمْ، وظُهُورِ بُغْضِهِمْ. والتَّقْيِيدُ بِالوَصْفِ أوْ بِالحالِ يُؤْذِنُ بِجَوازِ الِاتِّخاذِ عِنْدَ انْتِفائِهِما، و”ألا“ مُتَعَدٍّ إلى واحِدٍ بِحَرْفِ الجَرِّ، يُقالُ: ما ألَوْتُ في الأمْرِ، أيْ ما قَصَّرْتُ فِيهِ. وقِيلَ: انْتَصَبَ ”خَبالًا“ عَلى التَّمْيِيزِ المَنقُولِ مِنَ المَفْعُولِ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وفَجَّرْنا الأرْضَ عُيُونًا﴾ [القمر: ١٢] التَّقْدِيرُ: لا يَأْلُونَكم خَبالَكم، أيْ في خَبالِكِمْ. فَكانَ أصْلُ هَذا المَفْعُولِ حَرْفُ الجَرِّ. وقِيلَ: انْتِصابُهُ عَلى إسْقاطِ حَرْفٍ، التَّقْدِيرُ: لا يَأْلُونَكم في تَخْبِيلِكم. وقِيلَ: انْتِصابُهُ عَلى أنَّهُ مَصْدَرٌ في مَوْضِعِ الحالِ. (p-٣٩)قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: مَعْناهُ لا يُقَصِّرُونَ لَكم فِيما فِيهِ الفَسادُ عَلَيْكم. فَعَلى هَذا يَكُونُ قَدْ تَعَدّى لِلضَّمِيرِ عَلى إسْقاطِ اللّامِ، ولِلْخَبالِ عَلى إسْقاطِ ”في“ . وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: يُقالُ: ألا في الأمْرِ يَأْلُو، إذا قَصَّرَ فِيهِ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ مُعَدًّى إلى مَفْعُولَيْنِ في قَوْلِهِمْ: لا آلُوكَ نُصْحًا، ولا آلُوكَ جُهْدًا، عَلى التَّضْمِينِ. والمَعْنى: لا أمْنَعُكَ نُصْحًا ولا أنْقُصُكَهُ. انْتَهى.
﴿ودُّوا ما عَنِتُّمْ﴾ قالَ ابْنُ جَرِيرٍ: ودُّوا إضْلالَكم. وقالَ الزَّجّاجُ: مَشَقَّتَكم. وقالَ الرّاغِبُ: المُعانَدَةُ والمُعانَتَةُ يَتَقارَبانِ، لَكِنَّ المُعانَدَةَ هي المُمانَعَةُ، والمُعانَتَةُ أنْ تَتَحَرّى مَعَ المُمانَعَةِ المَشَقَّةَ. انْتَهى. ويُقالُ: عَنِتَ - بِكَسْرِ النُّونِ - وأصْلُهُ انْهِياضُ العَظْمِ بَعْدَ جَبْرِهِ. و”ما“ في قَوْلِهِ: ما عَنِتُّمْ مَصْدَرِيَّةٌ، وهَذِهِ الجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ كَما قُلْنا في الَّتِي قَبْلَها. وجَوَّزُوا أنْ يَكُونَ نَعْتًا لِبِطانَةٍ، وحالًا مِنَ الضَّمِيرِ في يَأْلُونَكم، و(قَدْ) مَعَهُ مُرادَةٌ.
﴿قَدْ بَدَتِ البَغْضاءُ مِن أفْواهِهِمْ﴾ وقَرَأ عَبْدُ اللَّهِ: ”قَدْ“ بَدا ”؛ لِأنَّ الفاعِلَ مُؤَنَّثٌ مَجازًا أوْ عَلى مَعْنى البُغْضِ، أيْ لا يَكْتَفُونَ بِبُغْضِكم بِقُلُوبِهِمْ حَتّى يُصَرِّحُوا بِذَلِكَ بِأفْواهِهِمْ. وذَكَرَ الأفْواهَ دُونَ الألْسِنَةِ؛ إشْعارًا بِأنَّ ما تَلَفَّظُوا بِهِ يَمْلَأُ أفْواهَهم، كَما يُقالُ: كَلِمَةٌ تَمْلَأُ الفَمَ، إذا تَشَدَّقَ بِها. وقِيلَ: المَعْنى لا يَتَمالَكُونَ مَعَ ضَبْطِهِمْ أنْفُسَهم وتَحامُلَهم عَلَيْها أنْ يَنْفَلِتَ مِن ألْسِنَتِهِمْ ما يُعْلَمُ بِهِ بُغْضُهم لِلْمُسْلِمِينَ. انْتَهى.
ولَمّا ذَكَرَ تَعالى ما انْطَوَوْا عَلَيْهِ مِن وِدادِهِمْ عَنَتِ المُؤْمِنِينَ، وهو إخْبارٌ عَنْ فِعْلٍ قَلْبِيٍّ، ذَكَرَ ما أنْتَجَهُ ذَلِكَ الفِعْلُ القَلْبِيُّ مِنَ الفِعْلِ البَدَنِيِّ، وهو: ظُهُورُ البُغْضِ مِنهم لِلْمُؤْمِنِينَ في أقْوالِهِمْ، فَجَمَعُوا بَيْنَ كَراهَةِ القُلُوبِ وبَذاذَةِ الألْسُنِ. ثُمَّ ذَكَرَ أنَّ ما أبَطَنُوهُ مِنَ الشَّرِّ والإيذاءِ لِلْمُؤْمِنِينَ والبُغْضِ لَهم أعْظَمُ مِمّا ظَهَرَ مِنهم، فَقالَ:
﴿وما تُخْفِي صُدُورُهم أكْبَرُ﴾ أيْ أكْثَرُ مِمّا ظَهَرَ مِنها. والظّاهِرُ أنَّ بُدُوَّ البَغْضاءِ مِنهم هو لِلْمُؤْمِنِينَ، أيْ أظْهَرُوا لِلْمُؤْمِنِينَ البُغْضَ. وقالَقَتادَةُ: قَدْ بَدَتِ البَغْضاءُ لِأوْلِيائِهِمْ مِنَ المُنافِقِينَ والكُفّارِ لِاطِّلاعِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا عَلى ذَلِكَ. وقِيلَ: بَدَتْ بِإقْرارِهِمْ بَعْدَ الجُحُودِ، وهَذِهِ صِفَةُ المُجاهِرِ. وأسْنَدَ الإخْفاءَ إلى الصُّدُورِ مَجازًا؛ إذْ هي مَحالُّ القُلُوبِ الَّتِي تُخْفى كَما قالَ: ﴿فَإنَّها لا تَعْمى الأبْصارُ ولَكِنْ تَعْمى القُلُوبُ الَّتِي في الصُّدُورِ﴾ [الحج: ٤٦] .
﴿قَدْ بَيَّنّا لَكُمُ الآياتِ﴾ أيِ الدّالَّةِ عَلى وُجُوبِ الإخْلاصِ في الدِّينِ، ومُوالاةِ المُؤْمِنِينَ، ومُعاداةِ الكُفّارِ.
﴿إنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ﴾ أيْ ما بَيَّنَ لَكم فَعَمِلْتُمْ بِهِ، أوْ إنْ كُنْتُمْ عُقَلاءَ، وقَدْ عَلِمَ تَعالى أنَّهم عُقَلاءُ، لَكِنْ عَلَّقَهُ عَلى هَذا الشَّرْطِ عَلى سَبِيلِ الهَزِّ لِلنُّفُوسِ كَقَوْلِكَ: إنْ كُنْتَ رَجُلًا فافْعَلْ كَذا. وقالَ ابْنُ جَرِيرٍ: مَعْناهُ إنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ عَنِ اللَّهِ أمْرَهُ ونَهْيَهُ. وقِيلَ: إنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ فَلا تُصافُوهم، بَلْ عامِلُوهم مُعامَلَةَ الأعْداءِ. وقِيلَ: مَعْنى“ إنْ ”مَعْنى“ إذْ ”، أيْ إذْ كُنْتُمْ عُقَلاءَ.
﴿ها أنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهم ولا يُحِبُّونَكم وتُؤْمِنُونَ بِالكِتابِ كُلِّهِ﴾ [آل عمران: ١١٩] تَقَدَّمَ لَنا الكَلامُ عَلى نَظِيرِها“ أنْتُمْ أُولاءِ ”في قَوْلِهِ: ﴿ها أنْتُمْ هَؤُلاءِ حاجَجْتُمْ﴾ [آل عمران: ٦٦] قِراءَةً وإعْرابًا. وتَلْخِيصُهُ هُنا أنْ يَكُونَ أُولاءِ خَبَرًا عَنْ أنْتُمْ، وتُحِبُّونَهم مُسْتَأْنَفٌ أوْ حالٌ أوْ صِلَةٌ، عَلى أنْ يَكُونَ“ أُولاءِ ”مَوْصُولًا أوْ خَبَرًا لِـ“ أنْتَمِ ”و“ أُولاءِ ”مُنادى، أوْ يَكُونَ“ أُولاءِ ”مُبْتَدَأً ثانِيًا، و“ تُحِبُّونَهم ”خَبَرًا عَنْهُ، والجُمْلَةُ خَبَرٌ عَنِ الأوَّلِ. أوْ يَكُونَ“ أُولاءِ ”في مَوْضِعِ نَصْبٍ نَحْوَ: أنا زَيْدًا ضَرَبْتُهُ، فَيَكُونُ مِنَ الِاشْتِغالِ. واسْمُ الإشارَةِ في هَذَيْنِ الوَجْهَيْنِ واقِعٌ عَلى غَيْرِ ما وقَعَ عَلَيْهِ أنْتُمْ؛ لِأنَّ أنْتُمْ خِطابٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، و“ أُولاءِ " إشارَةٌ إلى الكافِرِينَ. وفي الأوْجُهِ السّابِقَةِ مَدْلُولُهُ ومَدْلُولُ أنْتُمْ واحِدٌ. (p-٤٠)وهُوَ: المُؤْمِنُونَ. وعَلى تَقْدِيرِ الِاسْتِئْنافِ في تُحِبُّونَهم، لا يَنْعَقِدُ مِمّا قَبْلَهُ مُبْتَدَأٌ وخَبَرٌ إلّا بِإضْمارِ وصْفٍ تَقْدِيرُهُ: أنْتُمْ أُولاءِ الخاطِئُونَ في مُوالاةِ غَيْرِ المُؤْمِنِينَ، إذْ تُحِبُّونَهم ولا يُحِبُّونَكم. بَيانٌ لِخَطَئِهِمْ في مُوالاتِهِمْ، حَيْثُ يَبْذُلُونَ المَحَبَّةَ لِمَن يَبْغَضُهم، وضَمِيرُ المَفْعُولِ في تُحِبُّونَهم قالُوا: لِمُنافِقِي اليَهُودِ. وفي الزَّمَخْشَرِيِّ: لِمُنافِقِي أهْلِ الكِتابِ. والَّذِي يَظْهَرُ أنَّهُ عائِدٌ عَلى بِطانَةٍ مِن دُونِ المُؤْمِنِينَ، فَهو كُلُّ مُنافِقٍ حَتّى مُنافِقِ المُشْرِكِينَ.
والمَحَبَّةُ هُنا: المَيْلُ بِالطَّبْعِ لِمَوْضِعِ القَرابَةِ والرَّضاعِ والحِلْفِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. أوْ لِأجْلِ إظْهارِ الإيمانِ والإحْسانِ إلى المُؤْمِنِينَ، قالَهُ أبُو العالِيَةِ. أوِ الرَّحْمَةُ لَهم لِما يَقَعُ مِنهم مِنَ المَعاصِي، قالَهُ قَتادَةُ. أوْ إرادَةُ الإسْلامِ لَهم، قالَهُ المُفَضَّلُ والزَّجّاجِ. وهَذا لَيْسَ بِجَيِّدٍ؛ لِأنَّهُ لا يَقَعُ تَوْبِيخٌ عَلى مَعْنى إرادَةِ إسْلامِ الكافِرِ أوِ المُصافاةِ؛ لِأنَّها مِن ثَمَرَةِ المَحَبَّةِ.
{"ayahs_start":113,"ayahs":["۞ لَیۡسُوا۟ سَوَاۤءࣰۗ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَـٰبِ أُمَّةࣱ قَاۤىِٕمَةࣱ یَتۡلُونَ ءَایَـٰتِ ٱللَّهِ ءَانَاۤءَ ٱلَّیۡلِ وَهُمۡ یَسۡجُدُونَ","یُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِ وَیَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَیَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَیُسَـٰرِعُونَ فِی ٱلۡخَیۡرَ ٰتِۖ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ مِنَ ٱلصَّـٰلِحِینَ","وَمَا یَفۡعَلُوا۟ مِنۡ خَیۡرࣲ فَلَن یُكۡفَرُوهُۗ وَٱللَّهُ عَلِیمُۢ بِٱلۡمُتَّقِینَ","إِنَّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ لَن تُغۡنِیَ عَنۡهُمۡ أَمۡوَ ٰلُهُمۡ وَلَاۤ أَوۡلَـٰدُهُم مِّنَ ٱللَّهِ شَیۡـࣰٔاۖ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ أَصۡحَـٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِیهَا خَـٰلِدُونَ","مَثَلُ مَا یُنفِقُونَ فِی هَـٰذِهِ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا كَمَثَلِ رِیحࣲ فِیهَا صِرٌّ أَصَابَتۡ حَرۡثَ قَوۡمࣲ ظَلَمُوۤا۟ أَنفُسَهُمۡ فَأَهۡلَكَتۡهُۚ وَمَا ظَلَمَهُمُ ٱللَّهُ وَلَـٰكِنۡ أَنفُسَهُمۡ یَظۡلِمُونَ","یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ بِطَانَةࣰ مِّن دُونِكُمۡ لَا یَأۡلُونَكُمۡ خَبَالࣰا وَدُّوا۟ مَا عَنِتُّمۡ قَدۡ بَدَتِ ٱلۡبَغۡضَاۤءُ مِنۡ أَفۡوَ ٰهِهِمۡ وَمَا تُخۡفِی صُدُورُهُمۡ أَكۡبَرُۚ قَدۡ بَیَّنَّا لَكُمُ ٱلۡـَٔایَـٰتِۖ إِن كُنتُمۡ تَعۡقِلُونَ"],"ayah":"یُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِ وَیَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَیَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَیُسَـٰرِعُونَ فِی ٱلۡخَیۡرَ ٰتِۖ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ مِنَ ٱلصَّـٰلِحِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق