الباحث القرآني

قال الله تعالى: (﴿إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ﴾ بمعنى المضارع أي: تظل، أي: تدوم ﴿أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ﴾ فيؤمنون). ﴿إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ﴾ [الشعراء ٤] (إن) الشرطية، فعل الشرط (نشأ)، وجوابه (ننزل)، وفي الإتيان بهذه الصيغة (نشأ.. ننزل) فيها من تعظيم الله سبحانه وتعالى لنفسه ما لا يخفي؛ لأنه جعل الأمر هنا يسيرًا عليه إذا شاءه، وأنه سبحانه وتعالى بإرادته لم يفعَلْ، ثم الإتيان بنون العظمة هو تعظيم آخر أيضًا، فالله تعالى ما قال إذا شئنا نزَّلْنا ﴿إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ﴾. وقوله: ﴿مِنَ السَّمَاءِ آيَةً﴾ أي: علامة، وهذه العلامة لا شك أنه لا يمكن لأحدٍ أن يأتي بمثلها كما أشرنا إليه قريبًا، ثم إنها علامةٌ أيضًا ليست على قدرة مَنْ هي له، أو على انفراده بالخلق، ولكنها آية أيضًا على أنهم لم يؤمنوا، وعلى تهديدِهم بالوعيد؛ ولهذا قال: ﴿فظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ﴾ [الشعراء ٤] لا تستطيع أن تمثِّل هذه الآية؛ لأن الله تعالى نكرها، فهي آية ليست معلومة لنا؛ لأن الله لم ينزلها، لكنها آية تسمعهم؛ ولهذا قال: ﴿فظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا﴾. وقوله: ﴿مِنَ السَّمَاءِ﴾ هل المراد بها السقف المحفوظ أو المراد بها العلو؟ محتمل هذا وهذا، يحتمل أنه العلو يعني: من العلو، ويحتمل أن المراد به السقف الذي هو على الأرض، وأيًّا كان فإن إتيان الشيء من فوق أبلغ في التهديد؛ لأن من فوقك فقد علاك، ومَن علاك فلا طاقة لك به، بخلافِ من كان بحذائِكَ فقد تفر، وقد تناضل لكن المشكل إذا جاء الأمر من فوق. وقوله: ﴿فظَلَّتْ﴾ يقول: (بمعنى المضارع، أي: تظل)، وإنما قال المؤلف: بمعنى المضارع؛ لأن قوله: ﴿إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ﴾ مضارع. ﴿فظَلَّتْ﴾ الذي يناسب أن يكون مضارعًا، لكنه عُدِلَ عنه لبيان أنه كالأمر الواقع؛ مثل قوله تعالى: ﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾ [النحل ١] مع أنه سيأتي. فالمعنى: فإذا نزلت بهم ظلت أعناقهم لها خاضعين. وقوله: ﴿أَعْنَاقُهُمْ لَهَا﴾ أي: لهذه الآية، فيحتمل أن تكون اللام هنا للتعدية أي: خاضعين لها، أو للتعليل أي: من أجلها. وقوله: ﴿خَاضِعِينَ﴾ أي: ذليلين، عندي أنا، (ولَمَّا وُصِفَتْ الأعناقُ بالخضوع الذي هو لأربابها جُمِعَتْ الصفةُ منه جمعَ العقلاءِ). المراد بـ(الصفة منه) هنا الخبر ﴿خَاضِعِينَ﴾، والخبر صفة في المعنى، وإن كان في الإعراب لا يُسَمَّى صفة، لكنه في المعنى صفة، وهنا ﴿أَعْنَاقُهُمْ﴾ المعروف الكثير في اللغة العربية أن تقول: خاضعة، أعناقهم لها خاضعة، مثل خاشعة أبصارهم، لكنه لما كان الخضوع من أوصاف العقلاء لا من أوصاف غير العاقل، وكذلك الخضوع من أوصاف العقلاء، جُمِع جمع عاقل؛ لأن جمعَ المذكر السالم يختص بالعقلاء؛ فجُمِعَت جمع العاقل لهذا السبب. ولا يمكن أن نقول ﴿أَعْنَاقُهُمْ لَهَا﴾ إن (لها) هي الخبر، ﴿فظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا﴾ هي الخبر، وتكون خاضعين حالًا من الضمير المستتر في الخبر، نقول: هذا بعيد؛ لأن ما معنى: (ظلت أعناقهم لها)؟ ليس لها معنى، فإذا قال إنسان: ربما يكون التقدير ناظرة لها، ظلت أعناقهم ناظرة لها. قلنا: رَدُّ هذا بأن يقال: إن المتعلَّقَ إذا كان خاصًّا فإنه لا يُحذَف، وإنما يُحذَف إذا كان عامًّا؛ يعني: تقديره: كائن أو مستقر، هذا الذي يُحْذَف، أما إذا كان خاصًّا كراكب، وجالس، وما أشبه ذلك فإنه لا يُحْذَف. * ثم في هذه الآية: إثبات المشيئة لله عز وجل؛ لقوله: ﴿إِنْ نَشَأْ﴾. * وفيه: إثبات القدرة؛ لقوله: ﴿نُنَزِّلْ﴾. * وفيه: التهديد لهؤلاء المكذبين؛ لقوله: ﴿فظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ﴾. * وفيه: دليل على أن الأسباب مؤثرة؛ لأنها إذا نزلت الآية خضعوا، وهذا دليل على ثبوت الأسباب وأنها مؤثرة. * وفيه: دليل على إثبات الحكمة؛ لأن الله لم ينزل هذه الآية؛ لأنه لو أنزلها لكان الإيمان اضطراريًّا، والإيمان الاضطراري لا مدح فيه ولا ثناء، بل ولا ينفع صاحبه، ولهذا إذا آمن الإنسان عند ملاقاة الموت ما نفعه، وبعد طلوع الشمس من مغربها ما نفعه، ما ينفع إلا إذا كان الإيمان اختياريًّا، ولما نطقَ الله الجبلَ فوق بني إسرائيل آمنوا، ولكن هذا الإيمانَ لا شكَّ أنه ضعيف؛ لأنه إيمان اضطراري؛ فمن حكمة الله سبحانه وتعالى أنه لم يُنزِل هذه الآية ليكون الإيمان عن اختيار، لا عن اضطرار. * طالب: (...). * الشيخ: لا. * طالب: (...). * الشيخ: (...)؛ لأن نزول الآيات من عنده ما يدل على أنه (...)، قال: من السماء لو قال: من عندنا، لا بأس؛ النزول من السماء لا يقتضي أن يكون الله فوق. * طالب: هل تنكير الآية يدل على عظمتها؟ * الشيخ: إي نعم، العظمة من هي له، وعلى تعظيم الآيات نفسها؛ ولهذا تظل أعناقهم لها خاضعين.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب