الباحث القرآني

(p-١١٤)سُورَةُ الشُّعَراءِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كُلُّها، إلّا أرْبَعَ آياتٍ مِنها نَزَلَتْ بِالمَدِينَةِ، مِن قَوْلِهِ: ﴿والشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الغاوُونَ﴾ [الشُّعَراءِ: ٢٢٤] إلى آخِرِها، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، وقَتادَةُ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿طسم﴾ قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، ونافِعٌ، وأبُو عَمْرٍو، وابْنُ عامِرٍ: " طسم " بِفَتْحِ الطّاءِ وإدْغامِ النُّونِ مِن هِجاءِ " سِين " عِنْدَ المِيمِ. وقَرَأ حَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وخَلَفٌ، وأبانُ، والمُفَضَّلُ: " طسم " و " طس " [النَّمْلِ] بِإمالَةِ الطّاءِ فِيهِما. وَأظْهَرَ النُّونَ مِن هِجاءِ " سِين " عِنْدَ المِيمِ حَمْزَةُ هاهُنا وفي (القَصَصِ) . (p-١١٥)وَفِي مَعْنى " طسم " أرْبَعَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: أنَّها حُرُوفٌ مِن كَلِماتٍ، ثُمَّ فِيها ثَلاثَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: [ما] رَواهُ عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ عَلَيْهِ السَّلامُ قالَ: «لَمّا نَزَلَتْ ﴿طسم﴾ قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: " الطّاءُ: طُورُ سَيْناءَ، والسِّينُ: الإسْكَنْدَرِيَّةُ، والمِيمُ: مَكَّةُ "» . والثّانِي: [أنَّ] الطّاءَ: طَيْبَةُ، وسِينَ: بَيْتُ المَقْدِسِ، ومِيمَ: مَكَّةُ، [رَواهُ الضَّحّاكُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ] . والثّالِثُ: الطّاءُ: شَجَرَةُ طُوبى، والسِّينُ: سِدْرَةُ المُنْتَهى، والمِيمُ: مُحَمَّدٌ ﷺ، قالَهُ جَعْفَرٌ الصّادِقُ. والثّانِي: أنَّهُ قَسَمٌ أقْسَمَ اللَّهُ بِهِ، وهو مِن أسْماءِ اللَّهِ تَعالى، رَواهُ ابْنُ أبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. وقَدْ بَيَّنّا كَيْفَ يَكُونُ مِثْلُ هَذا مِن أسْماءِ اللَّهِ تَعالى في فاتِحَةِ مَرْيَمَ. وقالَ القُرَظِيُّ: أقْسَمَ اللَّهُ بِطُولِهِ وسَنائِهِ ومُلْكِهِ. والثّالِثُ: أنَّهُ اسْمٌ لِلسُّورَةِ، قالَهُ مُجاهِدٌ. والرّابِعُ: أنَّهُ اسْمٌ مِن أسْماءِ القُرْآنِ، قالَهُ قَتادَةُ، وأبُو رَوْقٍ. وما بَعْدَ (p-١١٦)هَذا قَدْ سَبَقَ تَفْسِيرُهُ [المائِدَةِ: ١٥، الكَهْفِ: ٦] إلى قَوْلِهِ: ﴿ألا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ والمَعْنى: لَعَلَّكَ قاتِلٌ نَفْسَكَ لِتَرْكِهِمُ الإيمانَ. ثُمَّ أخْبَرَ أنَّهُ لَوْ أرادَ أنْ يُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ ما يَضْطَرُّهم إلى الإيمانِ لَفَعَلَ، فَقالَ: ﴿إنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ﴾ وقَرَأ أبُو رَزِينٍ، وأبُو المُتَوَكِّلِ: " إنْ يَشَأْ يُنَزِّلْ " بِالياءِ فِيهِما، ﴿عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أعْناقُهم لَها خاضِعِينَ﴾ جَعَلَ الفِعْلَ أوَّلًا لِلْأعْناقِ، ثُمَّ جَعَلَ ﴿خاضِعِينَ﴾ لِلرِّجالِ، لِأنَّ الأعْناقَ إذا خَضَعَتْ فَأرْبابُها خاضِعُونَ. وقِيلَ: لَمّا وصَفَ الأعْناقَ بِالخُضُوعِ، وهو مِن صِفات بَنِي آدَمَ، أخْرَجَ الفِعْلَ مَخْرَجَ الآدَمِيِّينَ كَما بَيَّنّا في قَوْلِهِ: ﴿والشَّمْسَ والقَمَرَ رَأيْتُهم لِي ساجِدِينَ﴾ [يُوسُفَ: ٤]، وهَذا اخْتِيارُ أبِي عُبَيْدَةَ. وقالَ الزَّجّاجُ: قَوْلُهُ: ﴿فَظَلَّتْ﴾ مَعْناهُ: فَتَظَلُّ، لِأنَّ الجَزاءَ يَقَعُ فِيهِ لَفْظُ الماضِي في مَعْنى المُسْتَقْبَلِ، كَقَوْلِكَ: إنْ تَأْتِنِي أكْرَمْتُكَ، مَعْناهُ: أُكْرِمْكَ؛ وإنَّما قالَ: ﴿خاضِعِينَ﴾ لِأنَّ خُضُوعَ الأعْناقِ هو خُضُوعُ أصْحابِها، وذَلِكَ أنَّ الخُضُوعَ لَمّا لَمْ يَكُنْ إلّا بِخُضُوعِ الأعْناقِ، جازَ أنْ يُخْبِرَ عَنِ المُضافِ إلَيْهِ كَما قالَ الشّاعِرُ: ؎ رَأتْ مَرَّ السِّنِينَ أخَذْنَ مِنِّي كَما أخَذَ السِّرارُ مِنَ الهِلالِ فَلَمّا كانَتِ السُّنُونَ لا تَكُونُ إلّا بِمَرٍّ، أخْبَرَ عَنِ السِّنِينَ، وإنْ كانَ أضافَ إلَيْها المُرُورَ. قالَ: وجاءَ في التَّفْسِيرِ أنَّهُ يَعْنِي بِالأعْناقِ كُبَراءَهم ورُؤَساءَهم. وجاءَ في (p-١١٧)اللُّغَةِ أنَّ أعْناقَهم جَماعاتُهم؛ يُقالُ: جاءَنِي عُنُقٌ مِنَ النّاسِ، أيْ: جَماعَةٌ. وما بَعْدَ هَذا قَدْ سَبَقَ تَفْسِيرُهُ [الأنْبِياءِ: ٢] إلى قَوْلِهِ: ﴿أوَلَمْ يَرَوْا إلى الأرْضِ﴾ يَعْنِي المُكَذِّبِينَ بِالبَعْثِ ﴿كَمْ أنْبَتْنا فِيها﴾ بَعْدَ أنْ لَمْ يَكُنْ فِيها نَباتٌ ﴿مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ﴾ قالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: مِن كُلِّ جِنْسٍ حَسَنٍ. وقالَ الزَّجّاجُ: الزَّوْجُ: النَّوْعُ، والكَرِيمُ: المَحْمُودُ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ في ذَلِكَ﴾ الإنْباتِ ﴿لآيَةً﴾ تَدُلُّ عَلى وحْدانِيَّةِ اللَّهِ وقُدْرَتِهِ ﴿وَما كانَ أكْثَرُهم مُؤْمِنِينَ﴾ أيْ: ما كانَ أكْثَرُهم يُؤْمِنُ في عِلْمِ اللَّهِ، ﴿وَإنَّ رَبَّكَ لَهو العَزِيزُ﴾ المُنْتَقِمُ مِن أعْدائِهِ ﴿الرَّحِيمُ﴾ بِأوْلِيائِهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب