الباحث القرآني
قوله: ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ﴾ الكلام فيها كالكلام في قوله: ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾.
قوله: ﴿إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ ما المراد به؟
* طالب: على رأي المؤلف؟
* الشيخ: على رأي المؤلف وعلى غير رأيه، على رأي المؤلف أيش يقول؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: الْخُلُقِيَّة أم الْخِلْقِيَّة؟
* الطالب: الْخِلْقِيَّة.
* الشيخ: الْخِلْقِيَّة (...) عيِّنِ الذي يراه.
* الطالب: الذي يراه (...).
* الشيخ: الوجه والكفان، على رأي المؤلف أن المراد بالزينة ﴿إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ المراد بالاستثناء هنا أو المستَثنى: الوجه والكفان. القول الثاني؟
* طالب: القول الثاني في قوله: ﴿إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾: من اللباس.
* الشيخ: من اللباس الذي لا بد من ظهوره.
تفسير المؤلف للزينة أنها الزينة الخِلقية التي زيَّن الله بها البدن هل هذا صحيح أو غير صحيح؟
* طالب: غير صحيح.
* الشيخ: غير صحيح، والسبب؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: (...) ما نريده: أن نضعّف أن المراد بالاستثناء الوجه والكفان، نُضعّف أن الزينة المراد بها الزينة التي خلق الله عليها المرأة.
* طالب: (...).
* الشيخ: شوف المراد بالزينة في الصحيح الزينة الخارجية وهي ما تتزين بها المرأة، لا الزينة الْخِلقية التي خلق الله المرأة عليها، أيش الدليل؟
* طالب: (...).
* الشيخ: (...).
* الطالب: (...).
* الشيخ: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ﴾ [الأعراف ٣٢] نعم وفي آخر الآية: ﴿وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ﴾ [النور ٣١]، وقال تعالى: ﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً﴾ [النحل ٨]، وقال تعالى: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [الكهف ٤٦] كل مَن تأمل الزينة وجدها في الزينة الخارجية لا فيما زيَّن الله به المرأة.
وعلى هذا يكون الاستثناء عائدًا على ما يبدو من الثياب الذي لا بد من ظهوره؛ وذلك لأنها لو حرِّم عليها حتى الثياب التي تبدو ولا بد من ظهورها لوجب عليها أن تبقى في البيت؛ إذ لا يمكن تطبيق هذا الأمر إلا بذلك وهذا أمر لم يكلِّف الله به أحدًا.
إذن تبيَّن أن قوله: ﴿إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ أن الراجح فيه ما هو؟ ما ظهر من اللباس يعني الشيء الذي لا بد من ظهوره وظهوره ضروري، هذا مباح، ويدل على ذلك أيضًا من الأدلة أن الزينة لا تستعمل إلا فيما يتزين به الإنسان من لباس وغيره، يؤيدها أيضًا أنه قال: ﴿إِلَّا مَا ظَهَرَ﴾ ولو كان المراد الوجه والكفين لقال: (إلا ما أُظهر) مثلًا؛ لأنه هنا أبهم إلا إذا أُظهر، إلا ما أُظهِر منها مثلًا، طيب فيه شيء غير هذا؟
* طالب: (...).
* الشيخ: إي؛ لأن الحُلي من الأمر الذي يمكن إخفاؤه، ما هو مثل العباءة والجلباب وشبهه.
ثم قال تعالى: ﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾ ﴿وَلْيَضْرِبْنَ﴾ ضرب بالشيء على الشيء بمعنى: ألقاه عليه لكن مع الإلصاق.
ضرب بالشيء على الشيء بمعنى ألقاه عليه لاصقًا به، ومنه ضربت بيدي على يدي مثلًا أو على فخذى أو ما أشبه ذلك، هذا معنى الضرب على الجيوب.
﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ﴾ جمع خمار، وهو ما تغطي به المرأة رأسها.
﴿عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾ جمع جيب، وهو طَوْق الثوب، هذا الجيب هو طوق الثوب؛ يسمى جيبًا، ولا يزال الناس الآن يسمونه بهذا الاسم.
أوجب الله تعالى ﴿وَلْيَضْرِبْنَ﴾ اللام لام الأمر كما هو معروف، والسكون في قوله: ﴿وَلْيَضْرِبْنَ﴾ ليس سكون إعراب ولكنه سكون بناء؛ لأن الفعل متصل بنون النسوة فيكون مبنيًّا على السكون مهما كان الأمر.
هنا أَمر الله سبحانه وتعالى أن تضرب المرأة بخمارها على جيبها، ولازم من ذلك أن ينزل من رأسها إلى الجيب.
فهل المراد ضرب الخمار على الجيب أن يكون من تحت الوجه بحيث يبقى الوجه مكشوفًا والجيب مستورًا؟ أو أن المعنى أن تضرب بالخمار على الجيب مارًّا بالوجه؟ لأن هذا هو الأقرب، الخمار ينزل من أعلى لأنه فوق الرأس، ثم الجيب إذا وجب ستره فالوجه من باب أولى.
وكان النساء في الجاهلية على حسب ما قاله بعض المفسرين كانت تسدل الخمار من ورائها ولا يَقرب وجهها ولا جيبها؛ ولهذا أمر الله تعالى النساء أن يضربن بخمرهن على جيوبهن.
وعند من يرى أن المراد بالزينة الوجه والكفان أن تضرب بخمارها على جيبها من أسفل تجره هكذا فتُغطي الجيب وتكشف الوجه. مع أن الوجه أعظم فتنة من الجيب!
(﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾ أي: يسترن الرؤوس والأعناق والصدورَ بالمقانع)
وهو جمع مقنعة وهي ما تختمر به المرأة ما تقنّع به المرأة يعني ما نسميه عندنا الآن الغترة.
(﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ﴾ الخفية، وهي ما عدا الوجه والكفين، ﴿إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ﴾ جمع بعل أي زوج) إلى آخره.
شوف الأولى: ﴿لَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ فاستَثنى من الزينة، وهنا: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ﴾ استثنى من يُبدَى له الزينة، وهناك استثنى الزينة بالذات، وهنا استثنى من تُبدى له الزينة، وبينهما فرق.
الآن لو أخذنا بظاهر الآية ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ﴾ قلنا: المراد بالزينة هي الزينة الأولى تصير: لا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها، ولا يبدين هذه الزينة أيضًا إلا لبعولتهن. وحينئذ نكون قد خصّصنا عموم ما سبق في الآية، أرجو ننتبه عندنا الآن نَهْيٌ عن إبداء الزينة في موضعين:
استُثني من الموضع الأول استُثني الزينة، ومن الموضع الثاني من يُبدى له الزينة، فهل نجعل الاستثناءَيْنِ مُنْصَبَّان على عمل واحد ونقول: ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ﴿لِبُعُولَتِهِنَّ﴾ إلى آخره، وحينئذ يكون غير هؤلاء الذين استُثْنُوا يُحرَم إبداء الزينة لهم مطلقًا الظاهرة والخفية؟ الجواب: هذا احتمال يعني.
احتمال آخر: أن نقول: إن الزينة زينتان؛ زينة ظاهرة تُبدى لكل أحد، وزينة خفية لا تبدى إلا لهؤلاء، وعلى هذا مشى المؤلف على أن المراد بالزينة هذه غير الزينة الأولى؛ فالزينة الأولى عامة، وأُبيح منها ما ظهر لكل أحد.
والثانية هذه ليست عامة، بل المراد بها الخفية؛ الزينة الخفية التي لا تظهر أو التي ليس من الضروري أن تظهر، هذه الزينة هذا المؤلف يقول:
(وهي ما عدا الوجه والكفين)
بناء على تفسير الأولى؛ على تفسير قوله: ﴿إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ بأيش؟ بالوجه والكفين.
لكن الصحيح أن المراد الخفيّة هي التي ليس من الضرورة أن تظهر؛ يعني الثياب الداخلية كما يقول العامة، هذه لا تُبدَى إلا لهؤلاء المذكورين، ﴿إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ﴾ إلى آخره.
البعولة: جمع بعل وهو الزوج.
﴿أَوْ آبَائِهِنَّ﴾: وهذا يشمل الأبَ الأدنى ومَن فوقَه كالأجداد. واعلم أن باب التحريم غير باب الإرث:
باب الإرث: الأُبوة والبنوة لا تشمل إلا من ينتسبون إليك بطريق الأب؛ يعني بطريق الذكورة، فابن البنت مثلًا وأبو الأم لا علاقة لهم بالإرث.
لكن في باب التحريم؛ في باب تحريم النكاح وما يتصل به: يشمل الآباء من قِبل الأب ومن قِبل الأم؛ يعني لا فرق بين مَن بينك وبينه أنثى ومَن ليس بينك وبينه أنثى.
هناك في باب الأخوة والفروع في الإرث: اللي بينك وبينه أنثى من الآباء لا يَرث ولا يدخل في الآباء، لكن هنا: اللي بينك وبينه أنثى واللي ما بينك وبينه أنثى على حد سواء.
وعليه فنقول: ﴿أَوْ آبَائِهِنَّ﴾ يشمل: الأب الأدنى، والجد من قِبل الأب، ومن قِبل الأم.
﴿أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ﴾ نفس الشيء؛ آباء البعولة يجوز للمرأَة أن تُبدي لهم الزينة الخفية كما تُبدي الزينة الظاهرة لكل أحد.
وآباء البعولة هنا يشمل: أبا الزوج، وجدَّه من قِبل الأب، ومن قِبل الأم؛ ولهذا كان أبو الزوج مَحرمًا لمن؟
* طالب: للزوجة.
* الشيخ: للزوجة، أبو الزوج وإن علا محرم للزوجة، ولزوجة ابنه وإن نزل، سواء تزوجها ودخل بها، أو تزوجها وطلقها قبل الدخول، أو مات عنها؛ فإن آباءه محارم لها.
﴿أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ﴾:
الابن هنا نقول فيه ما قلنا في الأب؛ يعني أنه لا فرق بين الابن بالصلب الذي يتصل بالإنسان بالذكَر بطريق الذكورة والابن الذي يتصل بطريق الأنوثة، فابن البنت مثلًا يدخل في الأبناء ولَّا لا؟ يدخل.
ومثله أيضًا ﴿أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ﴾؛ ابن الزوج يجوز للزوجة أن تبدي له الزينة الخفية، ابن بنت الزوج كذلك، وعلى هذا يكون جميع من تفرع عن الزوج من ذكور وإناث وإن نزلوا يكونون محارم لزوجة جدهم، إلا أنه في هذه المسألة أيش يشترط الدخول بالمرأة؛ لأنه من الربائب، والربائب لا بد من الدخول.
فلو أن رجلًا تزوج امرأة عقد عليها ثم طلقها، أو مات عنها قبل الدخول لم يكن أولاده محارم لها؛ السبب لأن من شرط ذلك الدخول، كما قال الله تعالى: ﴿وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ﴾ [النساء ٢٣].
﴿أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ﴾ ﴿إِخْوَانِهِنَّ﴾: أشقاء أو لأب أو لأم، سواء كانوا أشقاء أو لأب أو لأم.
﴿أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ﴾ وإن نزلوا. ﴿بَنِي إِخْوَانِهِنَّ﴾ أيش يصيرون لهم؟ عمات، فالعمة يجوز أن تبدي لابن أخيها ما يخفى من زينتها؛ لأنه من محارمها.
﴿أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ﴾ ويَكُنَّ لهن خالات، إذن فالخالة يجوز أن تُبدي لابن أختها ما يخفى من زينتها؛ لأنه من محارمها.
بقي أحد من الأقارب محارم ولم يُذكروا في هذه الآية؟
* طلبة: الأعمام.
* الشيخ: نعم، الأعمام، بقي الأعمام ما ذُكروا في هذه الآية.
* طلبة: والأخوال.
* الشيخ: والأخوال نعم. الأعمام والأخوال ما ذُكروا في هذه الآية مع أنهم من المحارم، والآية صريحة استثناء ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ﴾ فعلى هذا: العم والخال لا يجوز للمرأة أن تبدي له الزينة الخفية؛ لأن الآية حصرت؛ ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ﴾ إلا لهؤلاء.
وعلى هذا ليس كل مَحرم يجوز أن تبدي له الزينة لماذا؟ قالوا: لأن إبداءها الزينة للعم والخال يُخشى منه أن يصف ذلك لابنه؛ لأن ابن العم يجوز يتزوج بنت عمه، ولَّا لا؟ وابن الخال يجوز يتزوج بنت عمته؛ فلذلك قالوا: لا تُبدِي الزينة للعم والخال وإن كانوا من المحارم.
وفي هذا إشارة أو دلالة بينة على أنه ليس المراد بالزينة هنا كما قال المؤلف: ما عدا والوجه والكفين؛ لأن ما عدا الوجه والكفين يجوز إبداؤها للعم والخال؛ لأنه من المحارم، ولكن هذه الزينة زينة اللباس الخفية، وعلى هذا فلا يجوز للمرأة أن تتجمل عند عمها أو خالها.
الرضاع ما ذُكر هنا، فهل حُكمُه حكم المذكورين هنا ولَّا لا؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: ما هو بنعم، نبغي تجيب لي دليلًا؟
* الطالب: «يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٦٤٥)، ومسلم (١٤٤٧ / ١٣) من حديث عبد الله بن عباس.]].
* الشيخ: إي معلوم «يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ» لكن المسألة هنا ليست من باب التحريم؛ ولهذا أُسقط العم والخال (...) المسألة ما هي من باب التحريم.
* الطالب: (...).
* الشيخ: الزينة غير مسألة أنه يشوف وجهها أو يشوف يدها.
* الطالب: إذا كان مثلًا (...).
* الشيخ: لماذا العم؟ العم هل يجوز له أن ينظر من المرأة ما ينظره الأخ من حيث المحرمية؟
* الطالب: لا ما يجوز.
* الشيخ: من حيث المحرمية لا من حيث الزينة؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: إي نعم ما في شك، محرم لها، يجوز يسافر بها، يخلو بها وكذلك تكشف له الوجه.
* الطالب: (...).
* الشيخ: لأن حقيقة الأمر أن إبداء الزينة يا جماعة غير مسألة المحرمية، الآية تدل على أن إبداء الزينة منفصلة عن مسألة المحرمية، إذا كان العم والخال ما ذُكِرَا مع أنهما من المحارم دل ذلك على أن مسألة إبداء الزينة غير المحرمية؛ لأن المسألة هنا حساسة في الحقيقة، حساسة جدًّا.
ولذلك الأخوة من الرضاع عند (...) وعند الناس كلهم أنه يجوز المرأة تتجمل (...) مع أن المسألة خطيرة في الحقيقة، خطيرة جدًّا، وكم من أناس والعياذ بالله فجروا بأخواتهم من الرضاعة؛ لأن الصلة ما هي صلة رحم ونسب، صلة رضاع، فهي أضعف من صلة النسب والرحم.
ولذلك يحصل عند بعض الناس والعياذ بالله اللي ما يخاف الله مِن تحرُّك الشهوة والتمتع بالنظر إلى أخواتهم أو خالاتهم من الرضاع مما هو معلوم؛ لذلك كره بعض العلماء للمرأة أن تبدي زينتها لمحارمها من الرضاع، وقال: إن ذلك فيه خطأ.
ولهذا لم يتعرض الله سبحانه وتعالى في هذه الآية للرضاع إطلاقًا أبدًا، وليس هذا من باب التحريم، وإلا كان التحريم يقول النبي ﷺ: «يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ». والمسألة هنا إبداء زينة.
وقد عُلم الآن بحسب هذا الحصر أنها ليس لها عَلاقة بمسألة المحرمية، ما لها علاقة؛ ويدل على ذلك أنه استثنى أشياء غير المحارم مثل: ما ملكت أيمانهن، والتابعين غير أولي الإربة، والطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء. فدل ذلك على أن هذه المسألة ليس لها علاقة بمسألة المحرمية، وإنما هي مسألة مستقلة تعود إلى أمرٍ حساس دقيق؛ لأنا قلنا: إن السورة هذه كلها (...) في أيش؟
* طالب: (...).
* الشيخ: في حماية الأعراض وتطهير النفوس وإبعادها عن الدنس؛ ولذلك تجد فيها احترازات بالغة الأهمية، فالذي يظهر لي من سياق الآية أنه يجب إبقاؤها على عمومها، وعلى خصوصها أيضًا، وأن ما استُثني فيها فله حكم الاستثناء، وما لم يُذكر فيها فهو باق على النهي؛ ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ﴾ إلى آخره، والباقي باقٍ على النهي.
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، يعني هم يلتمسون في الحقيقة (...) من هذا.
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: أقول: قال بعض العلماء هكذا (...) قد نُسَلِّم وقد لا نُسَلِّم؛ لأن ما كل خال بهذه المثابة بل وليس أكثر الأخوال بهذه المثابة حتى نقول: إن النادر لا حكم له، إنما نحن نقول: لم يستثنهم الله فيبقون على العموم، العم والخال لا تُبدى لهم الزينة الخفية بخلاف هؤلاء المذكورين.
وأقول لكم: إنه لا علاقة بين هذه الآية وبين مسألة المحرمية؛ بدليل أنه ذُكِر أشياء ما هم محارم كمِلْكِ اليمين والتابع؛ أُبيحَ لهم إبداءُ الزينة، وتُرِكَ منها من المحارم؛ وهما العمُّ والخالُ.
قد يقول قائل: إذا كان بنو الأخ وبنو الأخت يجوز إبداء الزينة لهم لأنها هي عمتهم أو خالتهم فلماذا لا يكون العكس؟ لأن العمة والخالة وأيش (...) هي؟ ابن أخيها أو ابن أختها، العم تكون بنت أخيه والخال تكون هي بنت أخته.
فإذا كان يجوز لها إبداء الزينة لابن أخيها ولابن أختها أفلا يجوز العكس لأن الصلة واحدة؟ نقول: لا؛ لأن ابن أخيها وابن أختها تشعر هي بأن لها العلو عليهم؛ لأنها عمة وخالة، فهم يحترمونها وليست هي التي تحترمهم.
لكن مسألة العم والخال وأيش (...)؟ بعلوّ مرتبتهما على بنت أخيهما وبنت أختهما، فهي تحترمهما وهما لا يحترمانها؛ ولذلك يكون القياس هنا غير وجيه، والآية ما فيها مجال لقياس أبدًا؛ لأن فيها تفصيلًا بالعين تفصيلًا بالأعيان؛ إلا فلان وفلان وفلان وفلان، ما هي قواعد عامة.
* طالب: (...).
* الشيخ: نعم، ما هي هذه الزينة، إحنا قلنا: الزينة ثياب التجمل؛ يعني نقول: ما تطلع على عمها وخالها بثياب جميلة، هذا معناه. إي نعم.
* طالب: (...).
* الشيخ: ما فيه شيء؛ لأن إحنا قلنا: الزينة من الأصل عندنا على أن الزينة ليست هي التي تعود إلى ما زين الله به المرأة، وإنما الزينة هي ما تتزين به المرأة من الثياب.
* طالب: (...).
* الشيخ: (...).
* طالب: (...).
* الشيخ: المحرمية يجوز مثلًا أن تبدي له الوجه والكف وما يظهر غالبًا، لكن مسألة الثياب نحن مشينا على أن الراجح في الزينة ما هي الزينة الْخِلقية التي خلق الله المرأة عليها، المراد بالزينة اللباس فنقول: الزينة الخفية التي جرت العادة بأن المرأة ما تتزين بها إلا في حالات معينة ما تكون لهؤلاء؛ للعم والخال.
* طالب: (...).
* الشيخ: ﴿إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ﴾: بعولتهن واضح أزواجهن، وآباؤهن واضح، آباء البعولة معناه يكون أبا الزوج وإن علا (...) تقول: هذه زوجة ابنه وإن نزل، وزوجة –مثلًا- ولد بنته داخلة في هذا، نحن قلنا في مسألة المحرمية: النكاح لا فرق بين مَن يدلي بالأم ومَن يدلي بالأب.
* طالب: زوج البنت (...) أُمّ الزوجة كيف (...)؟
* الشيخ: زوج البنت؟
* الطالب: نعم.
* الشيخ: أبناء البعولة إذا صار هذا رجلًا وتزوج بامرأة وجاءت بأولاد، ويش يصير هذا الرجل له؟ من أبناء البعولة.
فعلى كل حال هذه الآية في الحقيقة ليس لها ارتباط بمسألة المحرمية، يجب أن نعرف هذا الفرق لا طردًا ولا عكسًا، كيف لا طردًا ولا عكسًا؟ لأننا نظرنا أن الأعمام من المحارم ولم يُذكروا، هذا بالنسبة للطرد، وبالعكس نظرنا أن فيها أناسًا ليسوا من المحارم، وعلى هذا فيكون الحكم في هذه الآية مستقلًّا عن مسألة الْمَحرمية، ومن استثنى الله من إبداء الزينة لهم وجب استثناؤه، وما لا فلا.
قال الله تعالى: ﴿أَوْ نِسَائِهِنَّ﴾ (نسائهن) هذه اختلف المفسرون فيها، فمنهم من قال: إن الإضافة للنوع. ومنهم من قال: إن الإضافة للجنس. الذين قالوا: إن الإضافة للنوع، قالوا: المراد بنسائهن المؤمنات. ومثاله: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ﴾ فالمراد بنسائهن: أي من كان من نوعهن، فالإضافة من باب إضافة الشيء إلى نوعه؛ يعني نساء المؤمنات.
وبعضهم قال: من باب إضافة الجنس؛ يعني إنه أُضيف النساء إليهن باعتبار الجنس؛ يعني: أو النساء اللاتي من جنسهن؛ يعني هن نساء.
فعلى القول الأول: لا يجوز للمرأة المسلمة أن تُبدي زينتها للكافرة، السبب؟ لأنها ليست من نوعها، فلا يجوز إبداؤها، ولأنها في الحقيقة الكافرة غير مؤتمنة قد تُغري بها الفُساق والكفار إذا رأتها تتجمل وتتبهى وتبدي الزينة.
والقول الثاني: أن المراد بنسائهن، أيش المراد به؟ الجنس؛ يعني النساء اللاتي من جنسهن. وعليه فيجوز للمرأة أن تُبدي ما خفي من زينتها لجميع النساء؛ من مؤمنات وغير مؤمنات، وهذا هو الأقرب، واحتمال أن هذه المرأة الكافرة تُغري بها الفساق والكفار هذا وارد، لكن هذا الاحتمال أيضًا وارد في المسلمات، فإن المسلمة غير المؤمنة يعني هنا ربما يحصل منها ذلك، وهذه مسائل في الحقيقة دقيقة جدًّا.
وقد ترد حتى مع النساء بعضهم البعض، ولذلك المساحقة بين النساء موجودة، لماذا؟ لأن المرأة تعشق المرأة وتتعلق بها كما يتعلق الرجل بالمرأة ويحصل منه هذا التأويل الخطأ.
على كل حال الآن النساء ﴿نِسَائِهِنَّ﴾ أقول: إن الإضافة هنا اختلف فيها المفسرون: هل هي للجنس أو للنوع؟ فإن قلنا: للجنس، فالمراد النساء أضيفت إلى هذا من باب الجنس؛ لأن النساء مثلهن، وإذا قلنا: إنها للنوع، قلنا: نساء المؤمنات فقط، وممكن المؤلف يتعرض له بعدين.
(﴿أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ﴾ فيجوز لهم نظرُهُ إلا ما بين السرة والركبة، فيَحرم نظرُهُ لغير الأزواج)
المؤلف ماشي على أن المراد بالزينة هنا: ما زيّن الله به المرأة، وقلنا: هؤلاء الذين استُثنوا.
(﴿مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ﴾ ) يعني (العبيد).
وكذلك الإماء اللاتي ملكهن النساء، ولا بد أن يكون الْمِلك تامًّا، فإن كان لها عبد مشترك فإنه لا يجوز لها إبداء الزينة له، وأيش السبب؟ لأنها لا تكون ملكته، وإنما ملكت بعضه؛ ولهذا لا يجوز للرجل أن يتسرى الأمة المشتركة، إذا كانت أَمَة مشتركة بينه وبين شخص لا يجوز أن يتسرّاها؛ لأنها ليست مِلكه، كما أنه لا يجوز للمرأة أن تبدي شيئًا من زينتها الخفية لمملوك بينها وبين غيرها؛ لأنه لا يَصْدُق عليه أنه ملكها، بل إنه مشترك.
يقول: (فيجوز لهم نظره إلا ما بين السرة والركبة فيحرم نظره لغير الأزواج).
المؤلف ماشي على ما أشرنا إليه سابقًا بأن المراد بالزينة ما زين الله به المرأة، ويقول: إن هؤلاء المستثنَيْن يجوز للمرأة أن تبدي لهم ما بين السرة والركبة، هذا على رأي يعني مثلًا يجوز للمرأة أن تبدي للأخوة وابن أخيها وابن أختها وابن زوجها يجوز تبدي صدرها وبطنها وثديها وكل شيء ما عدا ما بين السرة والركبة!! يعني: يجوز تأتي بسروال هذا تطلع على أبي زوجها وما أشبه ذلك!
لكن هذا فيه نظر وفيه فتنة عظيمة، لو قلنا بجواز هذا لحصل فيه فتنة كبيرة جدًّا، امرأة مثلًا شابة زوجة ابنه تيجي إليه بهذه المثابة! ولنفرض أيضًا أنه هو رجل شاب، هذا ما أحد يقوله!
لكن مع هذا يا جماعة لاحظوا أنه بشرط أن تُؤمَن الفتنة، يعني: حتى على رأي المؤلف لا بد من أَمْن الفتنة، فإن لم تُؤمَن الفتنة حرم، لكن حتى وإذا أُمِنت الفتنة فإن هذا فتح باب لها بلا شك.
ولهذا الصحيح في هذه المسألة بقطع النظر عن كون هذا المراد بالآية أو غير المراد بالآية فالصحيح أنه لا يجوز للمرأة أن تكشف للمحارم إلا ما جرت العادة به فقط؛ لأن ما جرت العادة به لا يُحتشم منه ولا يُبالى به في عُرفنا.
الآن تُخرِج الكف والذراع والساق والرأس والرقبة، كل هذا يَخرج عادة للمحارم، ولهذا لو زاد على هذا الأمر لوجدت الناس ينكرونه (...) يعني إذا جاز كشف الساق فالذراع من باب أولى، وانتقال الإنسان في التفكير من الساق إلى ما فوقه أقرب من انتقاله من الذراع إلى ما تحته.
فعلى كل حال الصحيح في هذه المسألة أن يُرجع في هذا إلى ما جرت به العادة إلا في الشيء الذي لا يمكن كشفه إلا بفتنة متوقعة أو لازمة فهذا لا يجوز.
يبقى النظر في غير المحارم ممن تبتلى بهم المرأة من غير المحارم، والمرأة تُبتلى بهم مثل إخوان زوجها، إذا كان إنسان عنده في البيت أخ، وطبعًا كل واحد من الأخوين له زوجة، على المشهور من المذهب أنه ما يجوز أن تبدي لا كفًّا ولا وجهًا ولا قدمًا ولا غيره، وأن هذا الرجل مثل الرجل الذي في السوق!
ولو أخذنا بهذا في الحقيقة لَلَحِقَ الناس حرجٌ كبير، نقول للمرأة: إذا صار أخو زوجك لازم ما يطلع منك ولا ظفر ولا شعرة! هذا في الحقيقة فيه مشقة وحرج.
ولهذا الصحيح في هذه المسألة أن مسألة الكف والقدم مما يُشق التحرز منه لا بأس به، أما الوجه فلا يجوز؛ لأن التحرز منه ممكن بخلاف الكف والرِّجْل، هذه امرأة تعمل في البيت تطبخ مثلًا وتفرش وتكنس، كيف تريد تتحرز من أخي زوجها؟ ويقول: إذا أردت مثلًا غسيل الأواني وأخو زوجك عندك حطي (...) على اليدين! هذا فيه صعوبة.
لهذا نقول: إنَّ ما يشق التحرز منه من إظهار القدم والكف فالصحيح أنه لا بأس به، وقد مشى على ذلك بعض فقهاء الحنابلة، وقال في الإنصاف: إنه لا يسع الناسَ العملُ إلا بهذا. وهذا صحيح، ما يسع الناس العمل إلا بهذا الشيء. والله الموفق.
* طالب: (...).
* الشيخ: (...).
* الطالب: (...).
* الشيخ: نعم، هذا رأي المؤلف وجماعة من أهل العلم، لكن ما هو ظاهر لنا، نحن نرى أن الزينة على ما هي عليه ما تتزين به المرأة لكنها نوعان: ظاهرة لا يمكن التحرز منها، وهذه جائزة لكل أحد، وخفية يمكن التحرز منها وليس بلازم تظهر، فهذه هي التي ما تُبدَى إلا لمن ذكر اللهُ.
* طالب: (...).
* الشيخ: أيش؟ الزينة؟
* الطالب: إي نعم.
* الشيخ: هي التي لا تظهره المرأة، الزينة الظاهرة -مثل ما قلنا-: هي التي لا يمكن إلا أن تظهر؛ مثل الجلباب الذي مثَّل به ابن مسعود: الجلباب، والرداء، والعباءة وما أشبه ذلك، هذا شيء لا بد من ظهوره.
والخفية: هي ما يُخفى بلباسه عادة عند الناس، إذا جاءت المرأة تطلع السوق مثلًا تلبس ثيابًا غير الثياب التي تلبسها في بيتها.
* طالب: الشيء المستثنى في هذه الآية؟
* الشيخ: مما ذكر في هذه الآية (...) الجمال من الزينة الخفية، لكن ما جرت عادة النساء المؤمنات (...) أن تُظهِر هذا، فكل ثياب تجمُّل ومنها الحلي مثلًا (...) قلادة المرأة هذه كلها ما تظهر.
على أي حال الناس الآن في الحقيقة تطبيق الأمور الشرعية عندهم صعب جدًّا؛ لأنها تكون أيضًا واردة علينا، وهي موجودة الآن بكثرة في بيوت الناس مع زوجة الأخ وما أشبه ذلك، زوجة العم، مشكلة التحرز صعب.
* طالب: قوله: (...) ﴿وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ﴾ بمعنى ماذا؟ (...) ﴿لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ﴾ هذه من ناحية، ومن ناحية أخرى (...)؟
* الشيخ: إي نعم، القلادة ما تُبدى إلا لمن ذكر اللهُ.
* الطالب: إلا لهؤلاء.
* الشيخ: إلا لهؤلاء، ما تُبدى إلا لهؤلاء.
* طالب: زوج البنت الآية نقرؤها ولا نجد فيها زوج البنت؟
* الشيخ: زوج بنتها؟
* الطالب: إي نعم.
* الشيخ: زوج البنت؛ يعني قصْدك أم البنت هذه هل يدخل زوجها في الآية؟
* الطالب: إي نعم.
* الشيخ: ما يدخل في الآية، هذا ما هو موجود في الآية؛ لأن هذا في الحقيقة بَعْلُ بناتهن، ما داخل في الآية، إلا (...) قياس الطرد ما معناه؟ أنه يقترب في معناه من ﴿أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ﴾ في قياس الطرد هذا، فإذا كان ابن زوجها يجوز فزوج بنتها مثله، ولكن هذا لا يمكن أن نقيسه؛ لأننا لو فتحنا باب القياس لقلنا أيضًا العم والخال يجوز إبداء الزينة له؛ لأنه مثل ابن الأخ وابن الأخت.
* طالب: (...).
* الشيخ: الحكمة من هذا والله أعلم مشقة التحرز منه؛ لأنه لا يمكن أن تتحرز من خادمها وملك يمينها، ومع ذلك هو ليس بمحرم؛ يعني لو أراد أن يسافر بها ما يسافر إلا بمحرم لها، لكن يجوز إبداء الزينة الخفية له؛ لأن هذا أمر لا يمكن التحرز منه.
* طالب: (...).
* الشيخ: قد يقع إي نعم، لكن بس هذا أصلها الأخ، لو وقع منه لأنها تصير عمته، وكذلك (...) ابن الأخ أيضًا لو وقع منه تكون هي عمَّةَ عمِّهِ، هذا السبب؛ يعني ما من أحد من الأقارب أبناؤه يجوز التزوج به إلَّا العم والخال، يعني كل مَن ذُكِر فإن فروعهم لا يمكن أن يتزوجوا بهم.
* طالب: (...).
* الشيخ: لا ربما أنه ما يقول لأجنبي؛ لأن الأجنبي ما في شك أن قرابته أهم عليه من الأجنبي (...) يبدي الزينة (...) تتجمل، وعليها لباس كذا، وعليها لباس كذا، ما راح يبديها لهم، لكن كونه يبدي من بنت أخته لابنه هذا يمكن أن يكون؛ لأن (...) قلبه ميزان واحد، فربما يبدي له، وهذا التعليل (...) في الحقيقة ما هو بظاهر (...)؛ لأن هذا قد يكون أمرًا نادرًا، إلا أنهم التمسوا هذا الشيء، والعلة الوحيدة أن الله لم يستثنه، فإذا لم يستثنه والمسألة ما هي مبنية على المحرمية؛ بدليل أن فيهم مَن ليسوا محارم دل على أن هذه مسألة مستقلة، فمن استثناهم الله استثنيناه، ومن لم يستثنهم الله لم نستثنه.
* طالب: (...).
* الشيخ: لا هذا وهم، لكن هذا وهم، الزينة التي خلقها الله عندما (...) إنما كون المرأة تيجي مثلًا يمكن يقع تيجي تقول: زوجي والله مراة فلان عليها اللباس الفلاني، والمرأة الفلانية عليها لباس كذا، هذا يمكن يقع، لكن هذا شيء لا يمكن التحرز منه، نقول: لا (...) ولا حريم.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: إذا بدا له حاجة لا يجوز.
* الطالب: (...).
* الشيخ: يمكن أنه حصل.
* الطالب: (...).
* الشيخ: (...) يقتصر على ما أجازه أهل العلم، أهل العلم لا يجيزون إلا الوجه والكفين فقط، اللي يبيحون هذا الشيء، وإحنا قلنا: إنهم يبيحون الوجه والكفين فقط.
* الطالب: (...).
* الشيخ: الرأس والرقبة والرجلين إلى الركب.
* طالب: (...).
* الشيخ: ما نقدر نحكم على الله ونقول: أراد كذا، نقول مثلًا: هذه الآية ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا﴾ لكذا وكذا، هذا نص عام استُثْنِيَ منه هذا.
* طالب: قول الرسول ﷺ: «يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٦٤٥)، ومسلم (١٤٤٧ / ١٣) من حديث عبد الله بن عباس.]] (...)؟
* الشيخ: المحرمية نعم، والمحرمية إبداء الوجه واليدين وما أشبه ذلك، هذا ثابت بالنص؛ ولهذا النبي ﷺ قال لزوجاته: «انْظُرْنَ مَنْ إِخْوَانُكُنَّ، فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنَ الْمَجَاعَةِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٦٤٧) ومسلم (١٤٥٥ / ٣٢) من حديث عائشة.]]. وأباح لإخوانهن من الرضاع أباح لهم أن يدخلوا على زوجاته مع وجوب الحجاب، فمسألة النظر إلى الوجه والكفين وما أشبه ذلك غير مسألة إبداء الزينة، هذه مسألة مستقلة عن هذه.
* طالب: (...).
* الشيخ: هذا فيه نظر؛ لأن هذا في الحجاب، في الأحزاب مسألة الحجاب، ومسألة الزينة لأنا قلنا: إن سورة النور كلها لحفظ الفروج وللتزكية والتطهير، ما لها علاقة بمسألة الحجاب وما يتعلق به؛ يعني حتى إن المرأة لا تبدي الزينة للعم والخال خوفًا من أن يحصل ما..
* طالب: (...)؟
* الشيخ: اقرأ الآية: ﴿إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ﴾.
* الطالب: (...).
* الشيخ: (...) البعل الربيبة؛ ﴿آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ﴾.
* الطالب: (...).
* الشيخ: يعني أبو زوجها فهي زوجة ابنه، تصور هذه المسائل قد يكون فيها خفاء على الناس، الربيبة يعتبر الزوج بعل أمها ولَّا لا؟ فهل يدخل في الآية ولَّا ما يدخل؟ أيش تقولون؟ هذا الذي سأل عنه. الربيبة يعني معناه أنها ستبدي الزينة لبعل أمها، أليس كذلك؟ هل يدخل في الآية ولَّا لا؟
* طالب: ما يدخل.
* الشيخ: ما يدخل إلَّا على سبيل الطرد؛ ﴿آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ﴾ مثل هذا على سبيل الطرد، وإلا فلا.
* الطالب: (...).
* الشيخ: ما يخالف، إحنا قلنا: التحرز منه يشق، تبدي وجهها ورجليها ونحو ذلك، ولكن لا تيجي له متجملة.
* طالب: (...).
* الشيخ: إي نعم؛ لأن القاعدة عندنا أن مسألة المحرمية فروع الزوجة وإن نزلوا، هؤلاء محارم للزوج. فروع الزوج وإن نزلوا محارم للزوجة؛ يعني الربيب مثلًا (...) البنات وبنات البنات إلى آخره، ثم تصير زوجته جدتهن.
* طالب: (...).
* الشيخ: الربيب ولد الزوجة (...).
* طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين (...).
* الشيخ: نحن قرأنا هذا، قرأنا الباب كله. باب الذكر في الركوع والسجود.
* الطالب: باب الذكر في الركوع والسجود:
عن حذيفة قال: صليت مع رسول الله ﷺ وكان يقول في ركوعه: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ». وفي سجوده: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى». وما مرت به آية رحمة إلا وقف عندها، ولا آية عذاب إلا تعوذ منها[[أخرجه مسلم (٧٧٢ / ٢٠٣) وأبو داود واللفظ له (٨٧١) والترمذي (٢٦٢) والنسائي في المجتبى (١٠٠٨) وابن ماجه (٨٨٨) وأحمد (٢٣٢٤٠) من حديث حذيفة بن اليمان.]]. رواه الخمسة وصححه الترمذي.
وعن عقبة بن عامر قال: لما نزلت: ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ﴾ قال لنا رسول الله ﷺ[[أخرجه أبو داود (٨٦٩) وابن ماجه (٨٨٧).]] : (...).
* * *
* الشيخ: تقدم أن الله سبحانه وتعالى أمر النساء ألَّا يبدين زينتهن، واستثنى استثناءين؛ الأول؟
* طالب: الأول: استثناء من الزينة.
* الشيخ: استثناء من الزينة، إيه؟
* طالب: الثاني: استثناء من الإبداء.
* الشيخ: استثناء مَن تُبدَى له الزينة. الاستثناء الأول ما هي الزينة في الاستثناء الأول؟
* طالب: ﴿إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾.
* الشيخ: ما ظهر منها. وما المراد بما ظهر منها؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: وعلى رأي المؤلف؟
* الطالب: الوجه والكفان.
* الشيخ: الوجه والكفان، إي نعم، والأصح الأول وهو ثابت عن ابن مسعود رضي الله عنه، وكما أشرنا إليه فيما سبق بالنسبة للزينة أنها ما وردت في القرآن إلا فيما يتزين به الإنسان، لا فيما زيَّنه الله به.
الزينة الثانية استثني منها؟
* طالب: (...).
* الشيخ: استثنى منها مَن تُبدَى لهم الزينة؛ وهم البعولة وما عُطِف عليهم. هل الزينتان مختلفتان في الآية أو إنهما زينة واحدة؟
* طالب: مختلفتان.
* الشيخ: مختلفتان. كيف ذلك؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: وهذه تُبدَى؟
* الطالب: لكل أحد.
* الشيخ: لكل أحد؛ لأن بُدُوَّها ضروري لا يمكن التحرز منه. والثانية؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: الخفية التي لا تبدى إلا لهؤلاء. اللي مضى مِن هؤلاء كم؟
* طالب: (...).
* الشيخ: إلا لبعولتهن أو آبائهن أو أبنائهن نعم. وأيش اللي تكلمنا عليه بالأمس؟ كم؟
* طالب: ﴿لَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ﴾.
* الشيخ: بس بس عشرة، اللي تكلمنا عليهم عشرة.
يقول الله عز وجل: ﴿أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ﴾.
(وخرج بنسائهن الكافرات، فلا يجوز للمسلمات الكشف لهن، وشمل ﴿مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ﴾ العبيد)
قوله: (خرج... وشمل) (خرج بنسائهن الكافرات):
بناء على أن الإضافة نوعية لا جنسية، وأن المراد بـ ﴿نِسَائِهِنَّ﴾ أي المسلمات. وأما على القول الثاني: أن المراد بالنساء أنه من باب إضافة الجنس إلى جنسه؛ يعني الذين من جنسكم وهُم النساء، فلا تخرج الكافرات، بل يشمل الكافرات والمسلمات.
وقد ذكروا أن الصحابة رضي الله عنهم لما فتحوا الأمصار كان فيها قوابل من الكافرات، قوابل الولد من النساء، فأقرهن الصحابة على ذلك، وهذا مما يدل على أن المراد بـ ﴿نِسَائِهِنَّ﴾: النساء دون المسلمات ليس بقيد المسلمات، نعم إن خيف منها ضرر هذا شيء ثانٍ، وخوف الضرر حتى في المسلمات.
قوله: (وشمل ما ملكت أيمانهن العبيد)
أي ﴿مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ﴾ شمل العبيد، كيف شمل العبيد؟ وهل يراد به غير العبيد؟ الجواب: نعم يراد به على القول بأن نساءَهن المسلمات مثل ما ملكت أيمانهن ولو من الكافرات، فيجوز إبداء الزينة لهن؛ يعني أنه ليس خاصًّا بالنساء المملوكات، بل يشمل حتى العبيد حتى الذكور يعني، فهمتم الآن ولَّا لا؟ يعني لو قال قائل: المؤلف كيف يقول: شملت ﴿مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ﴾ العبيد؟ وهل هناك أحد غير العبيد؟ وأيش الجواب؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: الجواب نعم، على القول بأن المراد بـ ﴿نِسَائِهِنَّ﴾ المسلمات، فإن ﴿مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ﴾ يشمل الأمة الكافرة، يجوز إبداء الزينة لها وإن لم تكن من نسائهن؛ لأنها مملوكة.
أما إذا قلنا بنسائهن جميع النساء فإن قوله: ﴿مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ﴾ يختص بالذكور فقط؛ لأن النساء معروفات من قوله: ﴿أَوْ نِسَائِهِنَّ﴾. لكن المؤلف رحمه الله اضطر أن يقول ذلك لهذا السبب، على أن من أهل العلم من قصر قوله: ﴿أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ﴾ على النساء الكافرات فقط، وقال: إن العبيد لا يجوز للمرأة لسيدته إبداء الزينة له، وإنما المراد بما ملكت أيمانهن لأجل أن تدخل الأمَة المملوكة إذا كانت كافرة؛ لأنها خرجت بنسائهن ودخلت في ما ملكت أيمانهن.
لكن الصحيح أن نساءَهن كما أشرنا إليه سابقًا المراد به الجنس، وأن جميع النساء من مسلمات وكافرات يجوز إبداء الزينة لهن إلا إذا خشي المحذور، فهذا لو مسلمة كما نهى النبي ﷺ المرأة «أَنْ تَنْعَتَ الْمَرْأَةَ لِزَوْجِهَا حَتَّى كَأَنَّهُ يُشَاهِدُهَا»[[أخرجه البخاري (٥٢٤٠) من حديث عبد الله بن مسعود.]]، يعني تقول له مثلًا: فلانة كذا وكذا وكذا، وتصفها حتى كأنه يشاهدها؛ لأن الرسول ﷺ نهى المرأة أن تنعت المرأة لزوجها على هذا الوجه، فإذا خشي المحذور هذا شيء ثانٍ، لكن هذه الأشياء بدون محذور.
قال: (﴿أَوِ التَّابِعِينَ﴾ في فضول الطعام ﴿غَيْرِ﴾ بالجر صفة والنصب استثناء):
﴿غيرَ﴾ و﴿غَيْرِ﴾.
(﴿أُولِي الْإِرْبَةِ﴾ أصحاب الحاجة إلى النساء).
(أصحاب): تفسير لـ ﴿أُولِي﴾. و﴿الْإِرْبَةِ﴾: الحاجة إلى النساء.
(﴿مِنَ الرِّجَالِ﴾ بأن لم ينتشر ذَكَرُه).
﴿أَوِ التَّابِعِينَ﴾ التابعين يقول المؤلف: (في فضول الطعام).
التابعين المراد بهم الخدم وشبههم الذين يتبعون أهل البيت، هذا المراد بالتابعين. ﴿أَوِ التَّابِعِينَ﴾ أيضًا الذين يأتون إلى الناس ليأكلوا من فضول طعامهم وإن لم يكونوا خدمًا لهم، فهو شامل لهؤلاء وهؤلاء، فالتابع هو الذي يتبع أهل البيت إما لكونه خادمًا عندهم، وإما لكونه يتلقى فضول الطعام منهم. لكن التابعين يجوز إبداء الزينة لهم بشرط؛ ألَّا يكون لهم إربة يعني: حاجة في النساء.
وقول المؤلف: (بأن لم ينتشر ذَكَر كُلٍّ) ، ما هو العلامة؟ ليس العلامة ألَّا ينتشر ذكره، بل العلامة ألَّا يُعرف منه ميل إلى النساء؛ لأن من الناس من يميل إلى النساء وإن كان ذكره لا ينتشر، ما هو لازم، فالعلامة ألَّا يوجد منه ميل إلى النساء إطلاقًا لا عند قيام ذَكَره ولا عند عدم قيامه.
فالكلام على أنه لا يشتهي النساء ولا يميل إليهن، هذا كالمرأة، لمشقة التحرز منه أباح الله سبحانه وتعالى للنساء أن يبدين زينتهن له، فصار التابع أيش معناه؟ الذي يتبع أهل البيت لتلقي فضول طعامهم إما لكونه خادمًا فيهم أو غير خادم.
لكن اشترط الله سبحانه وتعالى في التابع أيش؟ ألَّا يكون له إربة في النساء، وأيش معنى إربة؟ يعني حاجة. وهل العلامة ما ذكره المؤلف؟ لا ليس ما ذكره المؤلف هي العلامة، بل العلامة أن يُعلم أنه لا يميل إلى النساء ولا يرغب فيهن، والغالب أنه لا يقوم ذكره لكنه ليس بلازم، قد يكون الإنسان ممن يميل إلى النساء ويحبهن ويألفهن لكن لا يقوم ذَكَره.
لذلك الصحيح في هذه المسألة أننا نعلم عدم حاجته بعدم ميله إلى النساء. «ولهذا كان في بيوتِ آلِ النبيِّ ﷺ رجلٌ مُخَنَّثٌ -يعني من غير أولي الإربة- ما كان يعلمون به، حتى إنه في يوم من الأيام قال لرجل من محارم إحدى زوجات النبي عليه الصلاة والسلام: إذا فَتَحْتُمُ الطائفَ فعليكم بِابنةِ غيلانَ -غَيْلان الثقفيّ- فَإِنَّها تُقْبِلُ بأربعٍ وتُدْبِرُ بِثَمَانٍ»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٣٢٤) ومسلم (٢٨١٠ / ٣٢) من حديث أم سلمة.]].
كان الأول لا يحسون منه شيئًا، لكن هذا الذي يصف المرأة هذا الوصف أيش يدل عليه؟ يدل على أنه يميل إلى النساء، فمنعه النبي ﷺ من الدخول على أهل بيته؛ لأنه تبين أنه يميل إلى النساء، فإذا وُجِد أن هذا التابع يصف النساء ويذكر جمالهن وما أشبه ذلك عُلِم أنه صاحب حاجة، وأما مسألة قيام الذكر ما هو العلامة.
عندكم: (ذَكَر كُلٍّ)؟ طيب شوفوا الحاشية وأيش تقول هذه؟
* طلبة: (...).
* الشيخ: ما عندكم حاشية؟
* طالب: (...).
* الشيخ: نعم.. ما هي موجودة (...)؟
* طالب: (...).
* الشيخ: من الرجال؟ وأيش بعده؟
* الطالب: من الرجال ﴿أَوِ الطِّفْلِ﴾.
* الشيخ: إي عجيب؛ (بأن لم ينتشر ذَكَر كلٍّ). لو قال: ذَكَره. صار ما فيه إشكال، لكن (ذكر كلٍّ) يقتضي فيه عددًا.
قال: (﴿أَوِ الطِّفْلِ﴾ بمعنى الأطفال ﴿الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا﴾ أي يطلعوا ﴿عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ﴾ للجماع، فيجوز أن يُبدَى لهم ما عدا ما بين السرة والركبة)
﴿أَوِ الطِّفْلِ﴾: الطفل؛ يقول المؤلف: (بمعنى الأطفال) فهي اسم جنس بمعنى الأطفال، الدليل على أنها بمعنى الأطفال قوله: ﴿الَّذِينَ﴾ حيث وصفها بالجمع، ولا يوصف المفرد بالجمع، لكن فيه دليلًا على أن اسم الجنس إذا حلي بـ(أل) يكون للعموم ولو كان مفردًا، اسم الجنس المحلى بـ(أل) يكون للعموم ولو كان مفردًا.
وقوله: ﴿أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا﴾ يظهروا بمعنى: (يطلعوا ﴿عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ﴾ للجماع).
والمعنى أنهم لا يعرفون ما يتعلق بالعورات. فقوله ﴿لَمْ يَظْهَرُوا﴾ أي: لم يطلعوا بحيث لا يدرون ماذا يُفْعَل بالعورات، هذا المراد، ما هو المراد بالاطلاع بالعين؛ لأن الاطلاع بالعين هذا يكون في الأطفال وغيرهم، لكن المراد بالاطلاع أنهم لا يدرون ماذا يُصنع بالعورات ولا يَرِد لهم على بال. هؤلاء الأطفال يجوز أن تبدى لهم الزينة.
وقول المؤلف: (يُظهر لهم ما بين السرة والركبة) بناء على أن المراد بالزينة هنا ما زين الله به المرأة، لا أنها اللباس.
﴿وَلَا يَضْرِبْنَ﴾ كم صار عندنا الآن؟ اثنا عشر؟ صاروا اثني عشر:
﴿إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ﴾، اثنا عشر صنفًا.
هؤلاء هم الذين تبدى لهم الزينة الخفية، ومن عداهم لا تبدى لهم، هذا هو ظاهر الآية؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا﴾ والاستثناء هذا مفرغ يقتضي أن مَن سوى هؤلاء لا يجوز إبداء الزينة لهم، لكن بعض العلماء أَلحق بهم بَقِية المحارم من مصاهرة أو نسب أو رضاع؛ لأن فيه أشياء؛ فيه من النسب مَن لم يذكر؛ من المحارم من النسب من لم يذكر، مثل:
* طلبة: الأعمام.
* الشيخ: الأعمام والأخوال، وفيه أيضًا من المصاهرة من لم يُذكر؛ لأنه قال: ﴿أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ﴾ معناه تكون زوجة ابن، ﴿أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ﴾ تكون زوجة أب؛ يعني أن زوجة الأب تبدي لأبناء زوجها الزينة، وزوجة الابن تبدي لآباء زوجها الزينة، كذا ولَّا لا؟ زوج البنت يجوز ولّا ما يجوز؟ زوج البنت ما ذكر، وهو من المصاهرة، فبعض العلماء يقول: إنه يلحق بمن ذكر.
وعندنا أيضًا الرضاع كله بجميع أقسامه ما ذُكِر، أَلحقه بعض العلماء مُدَّعين أن ذكر البعض يدل على البقية، وأن العرب في كلامهم أحيانًا يقتصرون على ذكر البعض تنبيهًا على البقية، لكن هذا ليس بجيد، وجه ذلك أن ذِكر البعض الذي يراد به إلحاق البَقية يُكتفى منه بذكر واحد، ويكون هذا الواحد على سبيل التمثيل، أما أن يُذكر عدد من جنس ويُحذف الباقي وبطريق الحصر فهذا غير مُسلَّم.
لكن يبقى عندنا النظر في مسألة إبداء الزينة التي زينها الله به؛ يعني الوجه واليدين وما أشبه ذلك، فهذا له دليل غير هذه الآية، فنقول: هذه الآية في زينة اللباس وشِبهِه، ويجب إبقاؤها على ما ذكره الله سبحانه تعالى. وأما مسألة إبداء الوجه والكفين والساق والرقبة وما أشبه ذلك فهذا يؤخذ من أدلة أخرى.
هذه الآية هؤلاء الاثنا عشر هل هم على حد سواء فيما يبدى من الزينة أو ليسوا على حد سواء؟ ليسوا على حد سواء بلا شك؛ ولهذا بدأ الله بالزوج؛ لأنه أعلى من تُبدى له الزينة بمطلقها، والباقون يمكن أن يقال على الترتيب، ويمكن ألَّا يقال على الترتيب، بل ينظر إلى ما جرت به العادة؛ لأن حقيقة الأمر أن مثلًا الأخ إذا كان عند أخته دائمًا في البيت ليست مثل ما إذا لم يكن لا يأتيها إلا نادرًا، أي الحالين أشد تحشمًا بالنسبة لها إذا كان لا يأتي إلا نادرًا؟ فهي تستحي منه وتحتشم أكثر من ما إذا كان دائمًا عندها.
فينبغي لمثل هذه الأشياء يقال: تقييمهم، أما الزوج فهو على كل حال في القمة، وأما البقية فعلى حسب ما يدعو إليه العرف والعادة بالنسبة لإبداء الزينة كاملة أو متوسطة أو أدنى ما يقال: إنه زينة.
المسألة الثانية: ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ﴾ هل يجب على المرأة أن تحتجب عن الرجل؟ يعني هل يحرم عليها أن تنظر إلى الرجل أو لا يحرم؟ يعني إذا قلنا: إن المراد بالزينة هنا ما زين الله به المرأة أو ما زين الله به الرجل فهل يجب عليها أن تغض الطرف عن الرجل أو لا يجب؟
* طلبة: (...).
* الشيخ: ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ﴾ هذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم:
منهم من قال: إنه لا يجوز للمرأة أن تنظر إلى الرجل كما لا يجوز للرجل أن ينظر إلى المرأة؛ لأن الآية واحدة: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾ ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ﴾. وأيدوا قولهم هذا «بحديث أم سلمة والمرأة الأخرى التي لما دَخَل ابنُ أُمِّ مكتومٍ قال النبيُّ ﷺ: «احْتَجِبَا مِنْهُ». قالتا: يا رسولَ اللهِ، إنهُ رَجُلٌ أَعْمَى. فقالَ: «أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا؟!»[[أخرجه أبو داود (٤١١٢) والترمذي (٢٧٧٨) من حديث أم سلمة.]].
فلما أوردا عليه أنه أعمى قال: «أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا»، وأمرهما بالاحتجاب. لكن هذا الحديث لا يصح عند أهل العلم؛ لأنه من رواية نبهان مولى أبي سلمة وهو مجهول، ولذلك ضعفه الإمام أحمد رحمه الله، ثم إنه لا يمكن هذا الحديث؛ ولذلك الصحيح أنه يجوز للمرأة أن تنظر إلى الرجل إذا لم يكن هناك فتنة أو شهوة، ويدل على ذلك أحاديث صحيحة صريحة منها:
«حديث عائشة رضي الله عنها حينما كانت تطِّلعُ إلى الحبشةِ وهُم يلعبونَ في المسجدِ، والنبيُّ ﷺ يستُرُها وهي تنظرُ إليهمْ»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٥٤) ومسلم (٨٩٢ / ١٨) من حديث عائشة.]] حتى إنها هي التي تركت هذا الشيء. وهذا دليل واضح على جواز نظر المرأة إلى الرجل.
كذلك أيضًا: «قولُ النبيِّ عليه الصلاةُ والسلامُ لفاطمةَ بنتِ قيسٍ: «اعْتَدِّي فِي بَيْتِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ؛ فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى، تَضَعِينَ ثِيَابَكِ عِنْدَهُ»[[أخرجه مسلم (١٤٨٠ / ٣٦) من حديث فاطمة بنت قيس.]]. هذا أيضًا صريح واضح في أن المرأة يجوز أن تنظر إلى الرجل.
وأيضًا قال فقهاؤنا رحمهم الله: لو كان يحرم على المرأة أن تنظر إلى الرجل لوجب على الرجال الحجاب، لوجب على الرجال أن يحتجبوا، مثل ما إن المرأة تحتجب عن الرجل لئلا ينظر إليها فنقول أيضًا: الرجل يحتجب عن المرأة لئلا تنظر إليه؛ لأنه ما يتم الواجب إلا بهذا أليس كذلك؟ لأنه إذا صار الرجل مكشوفًا فإن المرأة لا بد تشوفه، ضروري تشوف، ما يمكن تعدم رؤيتها له إلا إذا احتجب مثل ما هي تحتجب.
ولا قائل من أهل العلم أنه يجب على الرجل أن يحتجب عن المرأة، ولهذا الصحيح في هذه المسألة مذهب الإمام أحمد أنه يجوز للمرأة أن تنظر إلى الرجل، ولكن كل هذه المسائل، هذه وغيرها بشرط أيش؟
* طلبة: أَمن الفتنة.
* الشيخ: بشرط أمن الفتنة، أمَّا إذا كان هناك فتنة فإنها لا يجوز أن تنظر ولا إلى صورة الرجل حتى صورة الرجل التي تكون في بطاقة أو تكون مثلًا تظهر في التليفزيون لا يجوز أن تنظر إليها إذا كان يُخْشَى من الفتنة، وكذلك بالنسبة للرجل أيضًا. وهذه مسألة لعلنا نبحثها بحثًا مستقلًّا، وهي: هل يجوز للرجل أن ينظر إلى صورة المرأة الأجنبية منه أو لا يجوز؟ أيش رأيكم؟
* طالب: (...).
* الشيخ: إي نعم، يعني متى جاز النظر إلى وجهها جاز النظر إلى صورتها، كذا؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: يعني تقول متى جاز..
وأمرهما بالاحتجاب، لكن هذا الحديث لا يصح عند أهل العلم؛ لأنه من رواية نبهان مولى أبي سلمة، وهو مجهول؛ ولذلك ضعّفه الإمام أحمد رحمه الله؛ ولذلك الصحيح أنه يجوز للمرأة أن تنظر إلى الرجل إذا لم يكن هناك فتنة أو شهوة، ويدل على ذلك أحاديث صحيحة صريحة منها حديث عائشة رضي الله عنها «حينما كانت تطّلع إلى الحبشة، وهم يلعبون في المسجد والنبي ﷺ يسترها وهي تنظر إليهم حتى إنها هي التي تركت هذا الشيء»[[متفق عليه؛ البخاري (٩٥٠)، ومسلم (٨٩٢ / ١٧) من حديث عائشة. ]].
وهذا دليل واضح على جواز نظر المرأة إلى الرجل، كذلك أيضًا قول النبي عليه الصلاة والسلام لفاطمة بنت قيس: «اعْتَدِّي فِي بَيْتِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ؛ فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى تَضَعِينَ ثِيَابَكِ عِنْدَهُ»[[أخرجه مسلم (١٤٨٠ / ٣٦) من حديث فاطمة بنت قيس. ]] هذا أيضًا صريح واضح في أن المرأة يجوز أن تنظر إلى الرجل.
وأيضًا قال فقهاؤنا -رحمهم الله-: لو كان يحرم على المرأة أن تنظر إلى الرجل لوجب على الرجال أن يحتجبوا مثل ما أن المرأة تحتجب عن الرجل لئلا ينظر إليها.
فنقول: أيضًا الرجل يحتجب عن المرأة لئلا تنظر إليه؛ لأنه ما يتم الواجب إلا بهذا، أليس كذلك؟
لأن إذا صار الرجل مكشوفًا فالمرأة لا بد بتشوف، ضروري تشوف، ما يمكن تعدم رؤيتها له إلا إذا احتجب مثل ما أن هي تحتجب، ولا قائل من أهل العلم: أنه يجب على الرجل أن يحتجب عن المرأة.
ولهذا الصحيح في هذه المسألة مذهب الإمام أحمد؛ أنه يجوز للمرأة أن تنظر إلى الرجل، ولكن كل هذه المسائل هذه وغيره كل ما قلنا: يجوز بشرط أيش؟ بشرط أمن الفتنة، أما إذا كان هناك فتنة، فإنه لا يجوز أن تنظر، ولا إلى صورة الرجل حتى صورة الرجل اللي تكون في بطاقة، أو تكون مثلًا تظهر في التليفزيون لا يجوز أن تنظر إليها إذا كان يخشى منه الفتنة، وكذلك بالنسبة للرجل أيضًا.
وهذه مسألة لعلنا نبحثها بحثًا مستقلًّا، وهي هل يجوز للرجل أن ينظر إلى صورة المرأة الأجنبية منه أو لا يجوز؟ وأيش رأيكم؟
* طالب: (...).
* الشيخ: يعني متى جاز النظر إلى وجهها بغير صورة جاز النظر إلى صورتها، كذا؟
* طالب: (...) حكم النظر إلى الصورة؟
* الشيخ: يعني تقول: متى جاز النظر إلى المرأة لكونه محرمًا أو خاطبًا جاز النظر إلى صورتها؟
* طالب: نعم، حُكم الصور؟
* الشيخ: لا، دعنا من مسألة التصوير، هذا شيء ثانٍ، ومتى مُنع مُنع من النظر، هذا رأي، ورأيكم أنتم؟
* طالب: (...).
* الشيخ: يعني تقول أنت: إنه يجوز النظر إلى صورة المرأة مطلقًا؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: لأنها لا تساوي النظر إلى المرأة.
* طالب: أو تساوي النظر..
* الشيخ: يعني لا تساويه، هذان رأيان.
* طالب: منع النظر (...).
* الشيخ: يعني أن تكون هذه الصورة ليست هي المرأة، والنهي إنما ورد عن المرأة فقط، لو حصل فتنة مثل ما يفعل بعض الناس -والعياذ بالله- أنا أذكر مرة، أذكر لكم أن فيه مجلة تسمى النهضة كويتية، لكنها نهضة إلى الشر، هذه المجلة وضعت مسابقة لملكة الجمال، وصورت حسب ما تصورت، أجمل من جاءها من النساء طبعًا مثل هذا في ظني أن كثيرًا من الناس الذين ليس عندهم خوف من الله، يقتنون هذه، يقتنون صور الجمال، يتمتع بها في النظر، أو لأي غرض آخر، فهذا لا شك في تحريمه.
فنقول: إذن النظر إلى الصورة لا يساوي النظر إلى الحقيقة، وليس هو الذي ورد به النهي، ولكن متى تضمن ذلك فتنة، بكونه يتعلق بها، أو يقتنيها، فإن ذلك يكون حرامًا، وإلا فلا يظهر التحريم. بالنسبة للنظر إليها في التليفزيون؟
* طالب: (...).
* الشيخ: هو في الحقيقة، الفرق بين الأول أنها تتحرك، والثاني أنها في الغالب إنه صار ملون التليفزيون يحكي حالها أكثر، وكذلك الصوت، وكذلك التغنّج والتمايل والرقص وما أشبه ذلك، لكن إذا قدرنا أنها امرأة عادية طبيعية تذيع مثلًا، هل يحرم النظر إليها أو لا يحرم؟
* طالب: مثل اللي في الشارع.
* الشيخ: مثل اللي في الشارع، إذن يحرم النظر إليها.
* طالب: (...).
* الشيخ: والله أنا عندي أن النفس ما تتعلق بها، ولو رأتها في التليفزيون مثل ما تتعلق بها لو رأتها حقيقة، أنا عندي فرق بين أنه ينظر امرأة في التليفزيون، أو ينظر امرأة صورة حقيقة، أنا في ظني أن بينهما فرقًا، وهي في الحقيقة بعض الناس يقول: إن الصورة في التليفزيون أشد من الصورة في البطاقة؛ لأنها تحكي الحركة والصوت، فيكون الفتنة بها أعظم، ولكن عندي أيضًا أن هذه تمتاز على الصورة في البطاقة مثل ما قال: تمتاز بأنها تتحرك، ولها صوت وهذا أدعى للفتنة، لكنها تختلف عنها بأنها لا تثبت، والصورة اللي في البطاقة تثبت، والإنسان يمكن يخلي عنده الصورة بالبطاقة كل ما اشتهى أن يتمتع بالنظر إليها ذهب إليها ونظر، لكن هذه ما يتمكن؛ لأنها قد فاتت وأغلق التليفزيون وراحت عنه.
* طالب: (...) غض البصر عن المرأة (...)؟
* الشيخ: إي، هذه هي إحنا نقول: لا نساويها، أنا في ظني..
* طالب: لماذا يا شيخ؟
* الشيخ: لماذا؟ لأنه ما يساوي.
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، ما يمكن يتعلق الإنسان قلبه بهذه الصورة مثل ما يتعلق بالنظر نحن لا نسمي..
* طالب: (...) النبي ﷺ منع (...).
* الشيخ: معلوم الوصف مهما بلغ لا يمكن أن يكون مثل الصورة، ما فيه شك، الصورة أشد حكاية للحقيقة، لكن في كلامنا إذا لم يكن هناك فتنة ولا ضرر، ووصف نساء المسلمين للكفار هذا ضرر عظيم، ولذلك ما عندنا شك أن الصورة صارت تُبتذل، وتخلي صورة بنت فلان مثلًا بأيدي الفساق أن هذه من المحرم اللي لا شك فيه.
ولهذا نرى أنه من أعظم الخطر ما يفعل الآن بالعرائس، تصوير النساء حتى ولو اللي يصور نساء؛ لأن هذه الصور تبقى في أيدي النساء، ومن يأمن النساء أنها تعطيها فلانًا، ولَّا فلانًا، ولَّا ولدها، ولَّا زوجها، لكنكم ربما تحتجون عليه بالحديث الذي أوردته، وهو نهي النبي ﷺ المرأة أن تنعت المرأة لزوجها كأنما يشاهدها، فإذا كان الرسول نهى أن تنعت المرأة للرجل، فهذه مثله.
الصورة يمكن أشد، هذا هو الذي يمكن أن يقال: إن الصورة تدخل فيه؛ لأن النعت -في الحقيقة- ذكر الأوصاف، لا يحكي المرأة كما تحكيه الصورة، فإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام «نَهَى أن الْمَرْأَة تُباشِرُ المرْأَةَ، وتَنْعَتها لزَوْجِهَا كأنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا»[[أخرجه البخاري (٥٢٤٠) من حديث عبد الله بن مسعود.]] فهذا مثله، ولكن ما الظاهر لي أنا؛ لأن في الحقيقة حكاية الصفة بالنسبة للإغراء أشد، لا سيما إذا كان الرسول يقول: «تَنْعَتُهَا لِزَوْجِهَا»، إن كان هذه الكلمة لزوجها، أنها قيد ليس لبيان الغالب؛ لأن كونها تنعتها لزوجها هذا يفضي إلى مفسدة:
أولًا: قد يظن الزوج أن زوجته تكرهه، وتنعت هالمرأة لأجل يتزوج.
الشيء الثاني: أنه ربما إذا نعتتها لزوجها، أنه هو زوجها يتعلق قلبه بهذه المرأة المنعوتة، ويكون ذلك سببًا لفراق هذه الزوجة.
يعني قد يقال: كون الرسول ﷺ يقول: «تَنْعَتُهَا لِزَوْجِهَا»، أن هذا ليس لبيان الواقع، وأن الغالب أن المرأة ما تصف النساء إلا لو فرطت في زوجها.
قد يقال: إنه ليس لبيان الغالب، ولكن لما يترتب عليه من المفاسد حيث يظن الزوج أن هذه المرأة لا تريده، ولذلك تصف له النساء لعله يتعلق بهن، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى: أنه ربما أن الزوج نفسه إذا وصفت له زوجته هذه المرأة يتعلق قلبه بها، ويرغب عن زوجته التي معه، ويتحول إلى الجديدة.
على كل حال أنا ما أستطيع أني أجزم، أنا أخبركم عن رأيي بعد هذه المناقشة؛ لأني ما أستطيع أني أجزم بتحريم النظر إلى المرأة في التليفزيون أو في الصورة، إذا لم يكن في ذلك محظور، فإن كان في ذلك محظور فلا شك أنه لا يجوز.
* طالب: (...).
* الشيخ: هذه صحيحة؛ لأن مثل هذا يختلف باعتبار إثارة الفتنة: إما بعيد المنال قد لا تتعلق به نفس الإنسان لا سيما الإنسان العاقل؛ لأنه كيف يطمع الإنسان بما لا يمكن أن ينال، بخلاف الأشياء اللي يمكن؛ ولهذا -والله أعلم- أُبيح للمحارم أن يكشفن وجوههن للمحرم؛ لأن نفسه ما يمكن تتعلق بهن أبدًا إلا إنسان -والعياذ بالله- قد قُلِب، وأما الرجال الأجانب فلا، يعني هذه من الحكمة أنه ما يمكن إنسان تتعلق نفسه بأحد من محارمه، ولهذا أُبيح لهن الكشف، لكن هذا الذي قلت يؤيد (...) على خوف الفتنة على الفتنة، أو خوفها.
وأما إذا كان الإنسان طبيعيًّا، ولا يهتز قلبه، ولا مشاعره بهذا الذي يشاهد، فالتحريم وتأثيم الناس به أمر فيه إشكال.
وتعرفون الآن الصور صور النساء منتشرة كبعض الأقمشة، أظن فيها صور نساء، يُلصق عليها بطاقة صورة امرأة، وكذلك أيضًا بعض..
* طالب: (...).
* الشيخ: في الصحف أيضًا، هذه مشكلة؛ يعني تأثيم الناس بشيء ما يتحققه الإنسان أمر صعب؛ أولًا: إنه ما يجوز للإنسان يأثِّم الناس إلا بشيء يغلب على ظنّه أو يقطع به، فأما شيء يشك فيه، فلا ينبغي أن يؤثّم الناس به، ولا شك أن التحرز من هذا أولى، ولكن المسألة ما هي مسألة التحرز (...) الأولوية مسألة التحريم، هل نقول: حرام عليك تنظر، ولَّا ليس حرامًا؟
أما إذا كان الإنسان يجوز أن ينظر إلى المرأة نفسها، فهذا واضح من أنه يجوز أن ينظر إلى صورتها مثل ما قال الأخ؛ في مسألة الخاطب لو أن رجلًا أراد أن يخطب امرأة، وقال بدل من أنه يروح مثلًا لما إذا كان هناك فيه صورة لها، ورّوني صورتها، فهذا لا بأس به وإن كانت الصورة بالحقيقة ما تحكي الواقع تمامًا كما هو مشاهَد، الآن تشاهدون صورًا لشخص واحد، أحيانًا تيجي صورته مشوهة، وأحيانًا تيجي صورته أحسن من الواقعية أيضًا، وأحيانًا تأتي الصورة أحسن من الواقع، وأحيانًا تكون الصورة مطابقة للواقع، الحقيقة أن الصور هذه ما بتحكي الواقع تمامًا.
* طالب: (...).
* الشيخ: خوف الفتنة.
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، إنما هذا هو المناط؛ يعني هذا هو السبب سدًّا لهذه الذريعة.
* طالب: (...).
* الشيخ: نعم، هو هذا؛ ولذلك يجوز في بعض الأحيان إذا كانت المصلحة أكثر.
* طالب: هذا مو مطّرد.
* الشيخ: لا، مطّرد، هذا مطّرد، كل شيء حُرّم تحريم الوسائل فإنه تبيحه المصلحة ما بالضرورة؛ لأن المحرم لذاته ما تبيحه إلا الضرورة، والمحرم تحريم الوسائل تبيحه المصلحة، فمثلًا: عندكم تحريم ربا الفضل محرم تحريم وسائل، وتبيحة الحاجة كمسألة العرايا، هذه المسألة مسألة النظر مُحرّم تحريم الوسائل كما قاله أهل العلم، ولذلك تبيحه المصلحة والحاجة، مثل: نظر الطبيب للمريضة، ونظر الخاطب للمخطوبة، ونظر الشاهد للمشهود عليها، ونظر المعامل حتى المعامل يجوز أن ينظر لمن تعامله مثل: امرأة جرت العادة تبيع وتشتري من على الدكان يجوز أنك تقول: اكشفي وجهك، يمكن يجي غيرك (...)، لو شكيت أشوف وجهك مرة ثانية، يجوز هذا نص العلماء على جواز هذه المسألة؛ لأن هذا ليس من باب تحريم الذات، محرم تحريم الوسائل، ويدلك على أن هذا محرم تحريم الوسائل، بالنسبة للمحارم لماذا جاز أن المرأة تكشف لمحرمها؟ لأن هذه الذريعة شبه منعدمة.
ولذلك لو قُدّر أن فيه محرمًا -والعياذ بالله- مقلوبًا، وأنه ينظر إلى محارمه نظر الأجنبيات وجب منعه منهن.
ولا تستغربوا أن ينظر أحد من الرجال إلى محارمه، نظرة الأجنبيات، لا تستغربوا ذلك فأنا قد سُئلت هذه الأيام عن رجل له أخت من الأب صغيرة لها سبع أو ثمان سنين. تقول المرأة السائلة -الله أعلم- أنها صادقة ولَّا لا؟
تقول: إنه -والعياذ بالله- أخوها من أبيها ذهب بها إلى بيته، وفجر بها. والعياذ بالله.
يعني هذا ما هو الغريب أن بعض الناس يكون طباعها طباع كلاب، ينزو على أمه ولا يبالي!
فالحاصل أننا نقول: إن تحريم النظر أصله ليس تحريمًا لذاته؛ لأن المحرم هو الزنا والفاحشة، لكن النهي عن قربان الزنا، لأجل ألا نتوسل، أو ألا يكون لنا وسيلة إليه، فتحريم النظر من أجل هذا من باب تحريم الوسائل.
* * *
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، تقدم أن الله سبحانه وتعالى أمر النساء ألا يبدين زينتهن، واستثنى استثناءين؛ الأول؟
* طالب: (...).
* الشيخ: استثناء من الزينة؟
* طالب: الثاني: من تبدى له.
* الشيخ: استثناء من تبدى له الزينة، تمام، الاستثناء الأول ما هي الزينة التي استثنيت أولًا؟
* طالب: ﴿إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ [النور ٣١]؟
* الشيخ: ﴿مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ تمام، وما المراد بـ﴿مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾؟
* طالب: المراد منها الجلباب، (...).
* الشيخ: وعلى رأي المؤلف؟
* الطالب: رأي المؤلف الوجه والكفان.
* الشيخ: الوجه والكفان، إي نعم، والأصح الأول كما هو ثابت عن ابن مسعود رضي الله عنه، وكما أشرنا إليه فيما سبق بالنسبة للزينة أنها ما وردت في القرآن إلا فيما يتزين به الإنسان لا فيما زينه الله به. طيب الزينة الثانية استثنى منها؟
* طالب: (...).
* الشيخ: استُثني منها من تبدي لهم الزينة وهم البعولة وما عطف عليها، طيب هل الزينتان مختلفتان في الآية أو هما زينة واحدة؟
* طالب: مختلفتان.
* الشيخ: مختلفتان، تمام، كيف ذلك؟
* طالب: الأولى (...).
* الشيخ: نعم، وهذه تبدى لكل أحد؛ لأن بدوّها ضروري لا يمكن التحرّز منه، والثانية؟
* طالب: الثانية (...).
* الشيخ: الخفية التي لا تبدى إلا لهؤلاء. اللي مضى من هؤلاء كم؟ ﴿إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ﴾؟
* طالب: (...).
* الشيخ: ﴿أَوْ آبَائِهِنَّ﴾ ﴿أو أَبْنَائِهِنَّ﴾ نعم، أيش بعد؟ أيش اللي تكلمنا عليها أمس؟ كم؟
* طالب: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أو آبَائِهِنَّ أو آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أو أَبْنَائِهِنَّ أو أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أو إِخْوَانِهِنَّ أو بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أو بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أو نِسَائِهِنَّ أو مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ﴾ [النور ٣١].
* الشيخ: عشرة، اللي تكلمنا عليه عشرة.
يقول الله عز وجل: ﴿أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أولِي الْإِرْبَةِ﴾.
(وخرج بنسائهن الكافرات، فلا يجوز للمسلمات الكشف لهن، وشمل ما ملكت أيمانهن العبيد).
قوله: (خرج) (وشمل)، (خرج بنسائهن الكافرات) بناء على أن الإضافة نوعية لا جنسية.
وأن المراد (بنسائهن) أي: المسلمات.
وأما على القول الثاني: أن المراد بالنساء أنه من باب إضافة الجنس إلى جنسه.
يعني: الذين من جنسكم، وهم النساء، فلا تخرج الكافرات بل يشمل الكافرات والمسلمات.
وقد ذكروا أن الصحابة رضي الله عنهم لما فتحوا الأمصار كان فيها قوابل من الكافرات، قوابل يولدن النساء، فأقرهن الصحابة على ذلك.
وهذا مما يدل على أن المراد بنسائهن: النساء دون المسلمات ليس بقيد المسلمات، نعم، إن خِيف منها ضرر هذا شيء ثانٍ، وخوف الضرر حتى في المسلمات.
(وشمل ما ملكت أيمانهن العبيدَ) ﴿أو مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ﴾ شمل العبيد كيف شمل العبيد؟ وهل يراد به غير العبيد؟
الجواب: نعم، يُراد به على القول بأن نساءهن المسلمات مثل ما ملكت أيمانهن ولو من الكافرات، فيجوز إبداء الزينة لهن؛ يعني أنه ليس خاصًّا بالنساء المملوكات، بل يشمل حتى العبيد حتى الذكور يعني، فهمتم الآن ولَّا لا؟
يعني لو قال قائل: المؤلف كيف يقول: (وشمل ما ملكت أيمانهن العبيد)، وهل هناك أحد غير العبيد؟ ويش الجواب؟
الجواب: نعم، على القول بأن المراد بـ﴿نِسَائِهِنَّ﴾ المسلمات، فإن ﴿مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ﴾ يشمل الأمة الكافرة يجوز إبداء الزينة لها، وإن لم تكن من نسائهن؛ لأنها مملوكة.
أما إذا قلنا بـ﴿نِسَائِهِنَّ﴾ جميع النساء، فإن قوله: ﴿مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ﴾ يختص بمن؟
بالذكور فقط؛ لأن النساء معروفات من قوله: ﴿أو نِسَائِهِنَّ﴾، لكن المؤلف -رحمه الله- اضطر أن يقول ذلك لهذا السبب على أن من أهل العلم من قصر قوله: ﴿أو مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ﴾ على النساء الكافرات فقط، وقال: إن العبد لا يجوز لسيدته إبداء الزينة له، وإنما المراد بـ﴿مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ﴾ لأجل أن تدخل الأمة المملوكة إذا كانت كافرة؛ لأنها خرجت بنسائهن ودخلت في ما ملكت أيمانهن، لكن الصحيح أن نساءهن كما أشرنا إليه سابقًا المراد به الجنس، وأن جميع النساء من مسلمات وكافرات يجوز إبداء الزينة لهن إلا إذا خُشي المحظور، فهذا لو مسلمة كما نهي النبي ﷺ المرأة: «أن تَنْعَت الْمَرْأَة لِزَوْجِهَا حَتَّى كَأَنَّهُ يُشَاهِدُهَا»[[أخرجه البخاري (٥٢٤٠) من حديث عبد الله بن مسعود.]]. يعني تقول له مثلًا: فلانة كذا وكذا وكذا، وتصفها له حتى كأنه يشاهدها؛ لأن الرسول ﷺ نهى المرأة أن تنعت المرأة لزوجها على هذا الوجه، فإذا خُشي المحظور هذا شيء ثانٍ، لكن هذه الأشياء بدون محظور.
قال: (﴿أَوِ التَّابِعِينَ﴾ في فضول الطعام ﴿غَيْرِ﴾ بالجر صفة والنصب استثناء) غيرَ وغيرِ.
(﴿أُولِي الْإِرْبَةِ﴾ أصحاب الحاجة إلى النساء).
أصحاب تفسير لـ﴿أُولِي﴾، و﴿الْإِرْبَةِ﴾ الحاجة إلى النساء.
(﴿مِنَ الرِّجَالِ﴾ بأن لم ينتشر ذكر كل).
﴿أَوِ التَّابِعِينَ﴾ ﴿التَّابِعِينَ﴾ يقول المؤلف: (في فضول الطعام).
﴿التَّابِعِينَ﴾ المراد بهم: الخدم وشبههم الذين يتبعون أهل البيت، هذا المراد بالتابعين.
أو ﴿التَّابِعِينَ﴾ أيضًا: الذين يأتون إلى الناس ليأكلوا من فضول طعامهم، وإن لم يكونوا خدمًا لهم، فهو شامل لهؤلاء وهؤلاء، فالتابع هو الذي يتبع أهل البيت؛ إما لكونه خادمًا عندهم، وإما لكونه يتلقى فضول الطعام منهم.
لكن التابعين يجوز إبداء الزينة لهم شرط ألا يكون لهم إربة؛ يعني حاجة في النساء.
وقول المؤلف: (بأن لم ينتشر ذكر كل) ما هو هذا العلامة، ليس العلامة ألا ينتشر ذكره، بل العلامة ألا يعرف منه ميل إلى النساء؛ لأن من الناس من يميل إلى النساء وإن كان ذكره لا ينتشر، ما هو لازم؛ فالعلامة ألا يوجد منه ميل إلى النساء إطلاقًا، لا عند قيام ذكره، ولا عند عدم قيامه.
فالكلام على أنه لا يشتهي النساء، ولا يميل إليهن هذا كالمرأة لمشقة التحرز منه أباح الله سبحانه وتعالى للنساء أن يبدين زينتهن له فصار التابع أيش معناه؟
الذي يتبع أهل البيت كذا؟ لتلقي فضول طعامهم، إما لكونه خادمًا فيهم، أو غير خادم، لكن اشترط الله سبحانه وتعالى في التابع أيش؟ ألا يكون له إربة في النساء، أيش معنى إربة؟ يعني حاجة، وهل العلامة ما ذكره المؤلف؟
لا، ليس ما ذكره المؤلف هو العلامة، بل العلامة أن يُعلم أنه لا يميل إلى النساء، ولا يرغب فيهن، والغالب أنه ما يقوم ذكره، لكنه ليس بلازم، قد يكون الإنسان ممن يميل إلى النساء، ويحبهم، ويألفهم، لكن لا يقوم ذَكره؛ لذلك الصحيح في هذه المسألة أننا نعلم عدم حاجته بعدم ميله إلى النساء.
ولهذا كان في بيوت آل النبي ﷺ رجل مُخنَّث -يعني من غير أُولي الإربة- ما كانوا يعلمون به حتى إنه في يوم من الأيام قال لرجل من محارم إحدى زوجات النبي عليه الصلاة والسلام: إذا فتحتم الطائف فعليكم بابنة غيلان -غيلان الثقفي- فإنها تُقبل بأربع وتُدبر بثمانٍ. هم بالأول لا يحسون منه شيئًا، لكن هذا الذي يصف المرأة هذا الوصف أيش يدل عليه؟
يدل على أنه يميل إلى النساء، فمنعه النبي ﷺ من الدخول على أهل بيته[[متفق عليه؛ البخاري (٤٣٢٤)، ومسلم (٢١٨٠ / ٣٢) من حديث أم سلمة.]]؛ لأنه تبين أنه يميل إلى النساء، فإذا وُجد أن هذا التابع يصف النساء، ويذكر جمالهن، وما أشبه ذلك عُلِم أنه صاحب حاجة، وأما مسألة قيام الذكر، وهذا ما هو العلامة، عندكم (ذكر كل) شوفوا الحاشية ويش يقول؟
(كل) هذه، ما عندك حاشية في الجلالين؟
* طالب: (...).
* الشيخ: ما لقيتها؟
* طالب: (...) ما هي موجودة.
* الشيخ: ما هي موجودة؟ ما هي موجودة بالكتاب يعني.
* طالب: (...).
* الشيخ: من الرجال ويش بعده؟
* طالب: (...).
* الشيخ: إي، عجيب؛ لأن لم ينتشر (ذكر كل)، لو قال: ذكره صار ما فيه إشكال، لكن (ذكر كل) يقتضي فيه عددًا. (كل) موجودة عندكم في كل النسخ؟
* طالب: (...).
* الشيخ: (...) ما ذكر (ذكر كل).
* طالب: (...).
* الشيخ: خلِّ الحاشية نفس الأصل.
* طالب: (...).
* الشيخ: الظاهر أن (...) ما دام اتفقت النسخ.
قال: (﴿أو الطِّفْلِ﴾ بمعنى الأطفال ﴿الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا﴾ أي: يطلعوا ﴿عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ﴾ للجماع فيجوز أن يُبدَى لهم ما عدا ما بين السُّرّة والرُّكبة).
﴿أو الطِّفْلِ﴾ يقول المؤلف: (بمعنى الأطفال)، فهي اسم جنس بمعنى الأطفال، الدليل أنها بمعنى الأطفال.
قوله: (﴿الَّذِينَ﴾ ) حيث وصفها بالجمع، ولا يوصف المفرد بالجمع، لكن فيه دليل على أن اسم الجنس إذا حُلِّي بـ(أل) يكون للعموم، ولو كان مفردًا.
وقوله ﴿أو الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا﴾.
(﴿يَظْهَرُوا﴾ بمعنى يطلعوا على عورات النساء للجماع).
والمعنى: أنهم لا يعرفون ما يتعلق بالعورات، فقوله: ﴿لَمْ يَظْهَرُوا﴾ أي: لم يطلعوا بحيث لا يدرون ماذا يُفعل بالعورات، هذا المراد، ما هو المراد الاطلاع بالعين؛ لأن الاطلاع بالعين هذا يكون في الأطفال وغيرهم، لكن المراد: الاطلاع أنهم لا يدرون ماذا يُصنع بالعورات، ولا يرد لهم على بال، هؤلاء الأطفال، يجوز أن تُبدى لهم الزينة. وقول المؤلف: (يُظهر لهم ما بين السُّرّة والركبة) بناء على أن المراد بالزينة هنا ما زيّن الله به المرأة، لا أنها اللباس. ﴿وَلْيَضْرِبْنَ﴾ كم صار عندنا الآن؟ صار اثني عشر.
﴿إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أو آبَائِهِنَّ أو آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أو أَبْنَائِهِنَّ أو أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أو إِخْوَانِهِنَّ أو بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أو بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أو نِسَائِهِنَّ أو مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أو التَّابِعِينَ غَيْرِ أولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أو الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ﴾ اثنا عشر صنفًا، هؤلاء هم الذين تُبدى لهم الزينة الخفية، ومن عداهم لا تُبدى لهم، هذا هو ظاهر الآية؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا﴾ والاستثناء هذا مفرَّغ، يقتضي أن من سوى هؤلاء لا يجوز إبداء الزينة لهم.
لكن بعض العلماء ألحق بهم بقية المحارم من مصاهرة، أو نسب، أو رضاع؛ لأن فيه أشياء فيه من النسب من المحارم من لم يُذكر، مثل: الأعمام والأخوال، وفيه أيضًا من المصاهرة من لم يُذكر؛ لأنه قال: ﴿آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ﴾ معناه تكون زوجة ابن أو ﴿أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ﴾ تكون زوجة أب أو لا؟ يعني أن زوجة الأب تُبدي لأبناء زوجها الزينة، وزوجة الابن تُبدي لآباء زوجها الزينة كذا ولَّا لا؟
طيب زوج البنت يجوز، ولَّا ما يجوز؟ زوج البنت ما ذُكر، وهو من المصاهرة؛ فبعض العلماء يقول: إنه يُلحق بمن ذُكر.
عندنا أيضًا: الرضاع كله بجميع أقسامه ما ذُكر، ألحقه بعض العلماء مدعين أن ذِكر البعض يدل على البقية، وأن العرب في كلامهم أحيانًا يقتصرون على ذكر البعض، تنبيهًا على البقية، لكن هذا ليس بجيد، وجه ذلك أن ذِكْر البعض الذي يُراد به إلحاق البقية يُكتفى منه بذكر واحد، ويكون هذا الواحد على سبيل التمثيل.
أما أن يُذكر عدد من جنس، ويُحذف الباقي، وبطريق الحصر، فهذا غير مُسلَّم، لكن يبقى عندنا النظر في مسألة إبداء الزينة التي زينها الله به؛ يعني الوجه واليدين وما أشبه ذلك، فهذا له دليل غير هذه الآية.
فنقول: هذه الآية في زينة اللباس وشبهه، ويجب إبقاؤها على ما ذكره الله سبحانه وتعالى.
وأما مسألة: إبداء الوجه، والكفين، والساق، والرقبة، وما أشبه ذلك، فهذا يؤخذ من أدلة أخرى.
هذه الآية، هؤلاء الاثنا عشر، هل هم على حد سواء فيما يُبدى من الزينة، أو ليسوا على حد سواء؟
ليسوا على حد سواء بلا شك، ولهذا بدأ الله بالزوج؛ لأنه أعلى من تُبدى له الزينة بمطلقها، والباقين يمكن أن يُقال: على الترتيب، ويمكن ألا يقال: على الترتيب، بل ينظر إلى ما جرت به العادة؛ لأن حقيقة الأمر أنه مثلًا: الأخ إذا كان عند أخته دائمًا في البيت ليست مثل ما إذا لم يكن يأتيها إلا نادرًا، أي الحالين أشد تحشمًا بالنسبة لها؟
إذا كان ما يأتي إلا نادرًا، فهي تستحي منه، وتحتشم أكثر مما إذا كان دائمًا عندها، فينبغي لمثل هذه الأشياء يقال: بترتيبهم، أما الزوج فهو على كل حال في القمة.
* * *
الخفِيّة إلا لمن ذُكروا في الآية، وصلنا عددهم أمس أو في الدرس السابق كم؟ لاثني عشر صنفًا، ومن عداهم لا يجوز إبداء الزينة الخفية لهم.
قال بعد ذلك سبحانه وتعالى: ﴿وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ﴾ ﴿وَلَا يَضْرِبْنَ﴾ الضمير يعود على من؟
على المؤمنات ﴿بِأَرْجُلِهِنَّ﴾ ضرب برجله معروف؛ يعني حرَّكها على الأرض بقوة.
(﴿لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ﴾ من خلخال يتقعقع)؛ يعني: يصوّت القعقعة: الصوت؛ لأن المرأة إذا صار عليها خلخال، وقد ستره السراويل وهو ما يبين للناس، لكن بعض النساء للفتنة -والعياذ بالله- تضرب برجلها حتى يُسمع الخلخال؛ أي أن عليها خلخالًا، فنهى الله سبحانه وتعالى المؤمنات أن يفعلن ذلك؛ أن يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن.
و(اللام) في قوله: ﴿لِيُعْلَمَ﴾ هل هي للتعليل، أو للعاقبة؟
يختلف المعنى إذا قلت: إنها للتعليل صار النهي مُنصبًّا على ما إذا ما قصدت ذلك؛ أي: ضربت برجلها لأجل أن يُعلم، وعليه فلو ضربت برجلها على حشرة مثلًا على عقرب، أو ما أشبه ذلك وسُمع الخلخال فإنه لا حرج عليها في ذلك؛ لأنها لم تقصد أن يُعلم ما تُخفي من زينتها.
وإذا جعلنا (اللام) للعاقبة؛ يعني لا تضرب برجلها، فإن عاقبة هذا الضرب أن يعلم ما تخفي من زينتها صار النهي عن الضرب بالرجل مطلقًا سواء أرادت ذلك أم لم ترده.
لا شك أننا إذا نظرنا إلى المحظور من هذا الضرب، وهو علم ما أخفي من الزينة فإن هذا المحظور لا فرق بين أن تكون المرأة قاصدة له أم غير قاصدة.
هذا المحظور سيحصل إذا ضربت حتى صوّت الخلخال سواء كانت قاصدة لهذا الأمر أم لم تقصد.
وعلى هذا فيرجح أن تكون (اللام) للعاقبة ذلك؛ لأن المحظور سيقع.
وإذا نظرنا إلى أن المرأة إذا لم ترد هذا الشيء، فقد قال النبي ﷺ: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ»[[متفق عليه؛ البخاري (١)، ومسلم (١٩٠٧ / ١٥٥) من حديث عمر بن الخطاب.]]، وهي ضربت برجلها لا لهذا الغرض، فلا تكون آثمة به.
رجّحنا أن تكون (اللام) للتعليل، ولكن الأول أولى؛ أن يقال: إنه ما يجوز الضرب بالرجل، ولو لغير هذا القصد، وذلك لأنه ينتج أن يعلم ما تخفي من زينتها.
و(اللام) للتعليل وردت كثيرًا في القرآن كقوله تعالى: ﴿وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا﴾ [البقرة ٢٣١]، وقوله تعالى: ﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا﴾ [القصص ٨]، هم ما التقطوه لذلك، وإنما التقطوه ليكون قرة عين لهم، لكن العاقبة صارت هكذا.
فعلى كل حال الذي يظهر أن ترجيح كون (اللام) للعاقبة أولى وذلك؛ لأن المفسدة والفتنة حاصلة سواء أرادت أم لم تُرد.
إذا كان لا يجوز لها أن تضرب بالرجل خوفًا من ظهور صوت الخلخال، فما بالك بمن تُظهر الخلخال نفسه، وتظهر الأسورة في اليدين، وتُظهر القلادة على العنق، يكون هذا مثله ولّا أولى؟
* طلبة: أشد.
* الشيخ: أشد، إي نعم، أشد وأولى في النهي والتحريم؛ ولذلك عمل النساء الآن لا شك أنه محرّم، وأننا في الحقيقة نحن وهم معرّضون لذلك؛ كيف مثلًا نرى هذه النساء تنتهك ما نهى الله عنه سبحانه وتعالى علنًا، ولا نجد أحدًا ينهاها، ويقول: هذا حرام؟!
هي في ظني أنها تتقصد إظهار اليد ليرى ما عليها من الحلي، ولذلك تجدها أحيانًا ما تظهر إلا اليد التي فيها الحلي، وهذا أيضًا من العمل المشين الذي تستعمله النساء، كونها تملأ إحدى اليدين بالحلي، وتجعل اليد الأخرى فاضية هذا أيضًا من الخطأ؛ لأن الظاهر أنه من جنس الذي يمشي بنعل واحدة، «وقد نهى النبي ﷺ أن يمشِيَ الرَّجُلُ بِنَعْلٍ وَاحِدَةٍ»[[متفق عليه؛ البخاري (٥٨٥٦)، ومسلم (٢٠٩٧ / ٦٨) من حديث أبي هريرة. ]] لما في ذلك من عدم العدل بين الرجلين، والعدل مأمور به كونها مثلًا بتملأ يدًا من الحلي، ويد فاضية فهذا في النفس منه شيء.
فنقول: الأوْلى أن تلبس الحلي على حد سواء في اليدين، اللهم إلا إذا كانت إحدى اليدين فيها ساعة، وأرادت أن تنقص من الأسورة بقدر ما تأخذه الساعة من المساحة، فهذا ربما يقال: إنه عدل، ولا فيه شيء.
لكن كونك تملأ هذه اليد من الحلي والثانية بيضاء، أو ما فيها إلا ساعة، أو فيها سير أيضًا، ففي النفس من هذا شيء.
على كل حال نحن إذا كان الله -سبحانه وتعالى- نهى أن تضرب المرأة برجلها، خوفًا من أن يُعلم ما تُخفي من الخلخال لظهور صوته، فما ذكرناه مما عليه النساء اليوم أشد وأعظم، ولهذا لا يجوز للنساء أن تفعل ذلك حتى عند القائلين بأن الوجه والكف ليس بعورة، يرون أن الذراع عورة، وأنه لا يجوز للمرأة أن تبدي ذراعها المحلَّى بالأسورة، لكن مشكلة الأمر.
﴿وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ﴾. (مما وقع لكم من النظر الممنوع منه ومن غيره ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ تنجون في ذلك بقبول التوبة منه).
﴿تُوبُوا إِلَى اللَّهِ﴾ هذا أمر من الله سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين موجَّه لكل الناس، توبوا أيها المؤمنون، وإنما وُجّه الخطاب للجميع؛ لأن هذه المنكرات إذا أُظهرت عم بلاؤها الجميع، ولهذا وجَّه الله الخطاب للجميع، توبوا إلى الله جميعًا، ثم تأمل تأكيد هذا الأمر بقوله: ﴿جَمِيعًا﴾، وقوله: ﴿أَيُّهَ﴾ النداء، وقوله ﴿الْمُؤْمِنُونَ﴾ كل هذه مُغرِيات توجب إغراء الإنسان، أو هي لإغراء الإنسان على التوبة؛ أن تكون التوبة جماعية، ما يكفي أن يتوب واحد، والباقي يعلن فسقه ومخالفته.
ثانيًا: ﴿أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ النداء ويش يدل عليه؟
سبق لنا أهميته، ولهذا وُجّه الخطاب بالنداء لبيان الاعتناء به، وأيضًا وصف المؤمنين دليل على أن الإيمان يقضي بتوبة المؤمن، وأنه ما يهمل، ولا يغفل عن الذنوب، وأن عدم التوبة أيش؟ نقص في الإيمان، ما هي التوبة؟
التوبة: هي الرجوع، الرجوع منين؟ من المعصية إلى الطاعة، من معصية الله إلى طاعته؛ وهي نوعان:
توبة مطلقة، يستحق التائب بها أن يُوصف بأنه من التوابين الذين يحبهم الله، وهي التوبة من جميع المعاصي بحيث يقلع الإنسان عن كل معصية يعملها قولية كانت أو فعلية، أو عقيدة، هذه قلنا فيها: التوبة المطلقة التي يستحق فاعلها الثناء، وأن يكون من التوابين الذين يحبهم الله عز وجل.
والثاني: توبة مقيدة من ذنب معين، فهذه لصاحبها من الثناء ما يستحقه، والصحيح أن التوبة هذه توبة مقبولة.
فإذا تاب الإنسان من ذنب، وهو مُصرّ على غيره، فتوبته منه على القول الراجح صحيحة ومقبولة؛ لأن الإيمان يتبعض والأعمال تتبعض، والله سبحانه وتعالى حكم عدل، لا يظلم ولا يغدر.
فهذا الرجل الذي تاب من ذنب وهو مُصِرّ على غيره، الصحيح أنه تقبل توبته، وأنه لا مانع من ذلك، لكن لا يستحق ما سبق من كونه تائبًا على وجه الإطلاق، ومن التوابين الذين يستحقون الثناء المطلق؛ فله من الثناء بحسب ما حصل له من التوبة.
طيب هذا الأمر: ﴿تُوبُوا إِلَى اللَّهِ﴾ يتوجَّه إلى أي القسمين: المقيد ولَّا العام؟
* الطلبة: العام.
* الشيخ: العام المطلق؛ يعني توبة مطلقة عامة من جميع الذنوب لأجل أن يحصل الفلاح، و(لعل) ويش المراد بها ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾؟ للتعليل؛ أي: أن التوبة سبب للفلاح، والفلاح -في الحقيقة- ليس كلمة هينة، الفلاح مثل الفوز هو عبارة عن النجاة من المرهوب، وحصول المطلوب ﴿فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ﴾ [آل عمران ١٨٥] ﴿زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ﴾ هذا نجاة من المرهوب ﴿وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ﴾ حصول المطلوب، والفلاح أيضًا هنا ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ ما قيّده الله في الدنيا ولا في الآخرة دل ذلك على أن الفلاح بالتوبة يكون في الدنيا وفي الآخرة، وهو كذلك؛ فإن التائب يحصل له الفلاح في الدنيا وفي الآخرة.
* يستفاد من هذه الجملة: وجوب التوبة؛ لقوله: ﴿تُوبُوا إِلَى اللَّهِ﴾. ولا حاجة بنا إلى ذكر شروط التوبة؛ لأنها سبقت عدة مرات، وأنها كم من شرط؟ خمسة شروط، شروط التوبة خمسة.
* ففيه دليل: على وجوب التوبة.
* ودليل أيضًا: على محبة الله له؛ لأنه أمر بها في هذه العناية: ﴿جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ﴾، وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال: «الَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ بِرَاحِلَتِهِ» -وذكر أنها- «عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، وَأَنَّهُ أَضَلَّهَا فِي أَرْضٍ فَلَاةٍ، وَطَلَبَهَا فَلَمْ يَجِدْهَا، فَنَامَ فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ يَنْتَظِرُ الْمَوْتَ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا بِخِطَامِ نَاقَتِهِ مُتَعَلِّقًا بِالشَّجَرَةِ، فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا، وَقَالَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ، أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٦٣٠٩)، ومسلم (٢٧٤٧ / ٧) والسياق له، من حديث أنس بن مالك.]].
إذ هذا الفرح -في الحقيقة- نحن الآن نقوله، لكن هل نحن نتصوره؟ ما نتصوره؛ يعني مهما بلغت مخيلتنا من القوة وإدراك الأمور الغائبة ما يمكن نتصور حقيقته.
الآن نتخيل أنه فرح عظيم؛ لأنه عبارة عن فرح بالحياة بعد الموت، لكن عندما يقع للإنسان هذا الشيء يجد أنه لا نظير له، ولا يمكن يوجد له نظير، فالله سبحانه وتعالى مع كمال غناه عنّا، وكمال حاجتنا وفقرنا إليه يفرح بتوبة عبده المؤمن أشد من هذا الرجل براحلته، ولهذا أمر الله تعالى بالتوبة مع العناية بها بهذه الوجوه الثلاثة.
(...) التوبة محبة الله تعالى لها كرم الله تعالى وفضله، منين نأخذ الكرم والفضل؟
من محبته للتوبة؛ يعني كونه يحب أن يتوب الناس حتى لا يعاقبهم ويش يدل عليه؟
على كرمه وفضله، وأن رحمته سبقت غضبه، بخلاف من لا رحمة عنده، مثلًا افرض مدرس ولا ملك أمر بشيء أو نهى عن شيء، قد يكون بعض الآمرين أو الناهين يحب من الناس المخالفة لأجل أن يعاقبهم، فيظهر بذلك سيطرته عليهم، هذا يحب المخالفين علشان يعرفون أنه مثلًا (...) وللسلطة وللسيطرة، والله جل وعلا مع كمال هذا الأمر له كمال السلطان مع ذلك يحب من عباده أن يتوبوا حتى لا يعاقبهم.
* وبهذا نستدل على كمال رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده وفضله وإحسانه.
* وفيه دليل: على أن التوبة من مقتضيات الإيمان، منين نأخذه؟
من قوله: ﴿أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ﴾، فالصحيح الإيمان لا بد أن يحمل صاحبه على التوبة، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٤٧٥)، ومسلم (٥٧ / ١٠٠) من حديث أبي هريرة.]]. متى ينتفي عنه الإيمان؟
حين يزني، ما يمكن إنسان مؤمن حقيقة إلا ويترك ما حرَّم الله عليه، ويفعل ما أوجب الله عليه.
واعلم أنه إذا وقعت منك معصية، فإن ذلك ضروري من لازم نقص إيمانك ما يمكن يقع منك معصية إلا ملازم لنقص الإيمان. ولهذا كان مذهب أهل السنة والجماعة -رحمهم الله- أن الإيمان يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، هذا مذهب أهل السنة والجماعة، ونحن منهم إن شاء الله.
فعلى كل حال أقول: إن التوبة من مقتضيات الإيمان، وأن من فرط بها فهو دليل على نقص إيمانه، وإذا كان المفرّط بالتوبة يستدل بعمله هذا على نقص الإيمان، فالفاعل للمعصية اللي يباشر المعصية من باب أوْلى، ولهذا أشرنا إلى الحديث الذي قال فيه النبي ﷺ: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٤٧٥)، ومسلم (٥٧ / ١٠٠) من حديث أبي هريرة.]].
* طالب: (...).
* الشيخ: التمام هنا؛ لأن الظاهر أنه لا يخلو من الإيمان مرة وإلا كان كافرًا.
* طالب: (...).
* الشيخ: من أين أُخذت؟ ذكرناها، من أين أخذت يا جماعة؟
* طالب: (...).
* الشيخ: من أمره بها أولًا، والله ما يأمر إلا بشيء يحبه، لا يأمر شرعًا إلا بما يحب، ومن عنايته بها بهذه التأكيدات ﴿جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ﴾.
* وفيه دليل على أن: من لم يتب -قلنا: التوبة من مقتضيات الإيمان-فهو ناقص الإيمان، وعلى حسب معصيته يكون نقص إيمانه.
* وفيه أيضًا فائدة سادسة: أن التوبة سبب للفلاح؛ لقوله: ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ والفلاح ما هو؟
النجاة من المرهوب وحصول المطلوب.
* وفيه أيضًا الفائدة السابعة: إثبات الأسباب؛ حيث جعل الله التوبة سببًا للفلاح، ففيه رد على من أنكروا الأسباب، وقالوا: إن الأسباب مجرد علامات لا موجبات، وهذا مين مذهبه؟
مذهب الأشعرية، يرون أن الأسباب علامات، لا موجبات حتى إنهم يقولون: الرجل إذا كسر الزجاجة، ما انكسرت بكسره، وإنما انكسرت عند كسره، والنار إذا أحرقت ما تُحرق ما احترق بسببها، وإنما احترق عندها لا بها، فالإنسان إذا أكل حتى شبع، ما شبع بالأكل شبع عند الأكل لا به، أعتقد لو حطوا عنده (...) من الطعام وما أكل يشبع ولَّا لا؟ ما يشبع.
على كل حال، هذا قول باطل ما له إطلاقًا محل من الصحة، وحتى العقل ينكره، لكن أقول: هذه الآية وكثير من الآيات يثبت الأسباب، ويدل على أن الأسباب مؤثرة في مسبباتها.
ألا يقول قائل: إذا جعلتم الأسباب مؤثرة في مسبباتها ألستم أثبتم مع الله خالقًا وموجدًا مثلًا؟
لا، ما أثبتنا موجدًا؛ لأننا لا نقول: إن الأسباب تستقل بتأثيرها، بل الأسباب إنما كانت أسبابًا بإرادة الله سبحانه وتعالى.
ولهذا أحيانًا يوجد السبب تامًّا، ولا يؤثر لوجود مانع معلوم أو غير معلوم.
إنما هذا لا يمكن أن يقول قائل: إنكم إذا أثبتم الأسباب أثبتم مع الله شريكًا في الإيجاد والتكوين؟
نقول: لا، الذي جعل هذا السبب سببًا مقتضيًا لمسبّبه هو الله عز وجل، ولهذا نرى كثيرًا ما تتخلف المسبّبات مع وجود الأسباب التامة مما يدل على أن قدرة الله عز وجل فوق كل شيء، وأن هذه الأسباب ليست مستقلة، لكن لا يمكن أن ننكر أمرًا أثبته الشرع وأثبته الواقع من أن الأسباب تؤثِّر في مسبباتها ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.
* طالب: هذا السبب قبل المسبب.
* الشيخ: هذا السبب قبل المسبّب مثِّل لي به؟ وهل يمكن يوجد مسبّب إلا بوجود سبب؟
* طالب: (...).
* الشيخ: ما يخالف، ما فيه شيء، هذا عبارة عن حمية، والحمية ثبتت في الشرع.
* طالب: في قوله: ﴿وَلَا يَضْرِبْنَ﴾؟
* الشيخ: إي نعم، النهي للتحريم، ولهذا قال: ﴿تُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ﴾.
* طالب: (...).
* الشيخ: إذا جعلنا (اللام) للتعليل يمكن؛ لأنك إذا جعلتها للتعليل فهي معناها القصد؛ لا تفعل كذا لكذا.
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، الشيء إذا حُرِّم ولم تذكر العلة مثلًا فهذا يُؤخذ على ظاهره، ولا يمكن لو قال واحد يبغى أكل الميتة لا لقصد أكل الميتة، نقول: ما ينفع هذا، الله ما قال: حرمت عليكم الميتة لقصدكم إياها، لكن إذا علل الحكم يصير يبنى على النية.
في هذه الآية الحقيقة أن (اللام) تحتمل التعليل، ويرشح هذا «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ»[[متفق عليه؛ البخاري (١)، ومسلم (١٩٠٧ / ١٥٥) من حديث عمر بن الخطاب. ]]. لكن قلنا: إن المفسدة ستحدث سواء ضربت بهذه العلة أو لغيرها.
{"ayah":"وَقُل لِّلۡمُؤۡمِنَـٰتِ یَغۡضُضۡنَ مِنۡ أَبۡصَـٰرِهِنَّ وَیَحۡفَظۡنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا یُبۡدِینَ زِینَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنۡهَاۖ وَلۡیَضۡرِبۡنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُیُوبِهِنَّۖ وَلَا یُبۡدِینَ زِینَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوۡ ءَابَاۤىِٕهِنَّ أَوۡ ءَابَاۤءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوۡ أَبۡنَاۤىِٕهِنَّ أَوۡ أَبۡنَاۤءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوۡ إِخۡوَ ٰنِهِنَّ أَوۡ بَنِیۤ إِخۡوَ ٰنِهِنَّ أَوۡ بَنِیۤ أَخَوَ ٰتِهِنَّ أَوۡ نِسَاۤىِٕهِنَّ أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَیۡمَـٰنُهُنَّ أَوِ ٱلتَّـٰبِعِینَ غَیۡرِ أُو۟لِی ٱلۡإِرۡبَةِ مِنَ ٱلرِّجَالِ أَوِ ٱلطِّفۡلِ ٱلَّذِینَ لَمۡ یَظۡهَرُوا۟ عَلَىٰ عَوۡرَ ٰتِ ٱلنِّسَاۤءِۖ وَلَا یَضۡرِبۡنَ بِأَرۡجُلِهِنَّ لِیُعۡلَمَ مَا یُخۡفِینَ مِن زِینَتِهِنَّۚ وَتُوبُوۤا۟ إِلَى ٱللَّهِ جَمِیعًا أَیُّهَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق