الباحث القرآني
قال تعالى: ﴿وقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِن أبْصارِهِنَّ ويَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ولا يُبْدِينَ زَينَتَهُنَّ إلاَّ ما ظَهَرَ مِنها ولْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ ولا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أوْ آبائِهِنَّ أوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أوْ أبْنائِهِنَّ أوْ أبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أوْ إخْوانِهِنَّ أوْ بَنِي إخْوانِهِنَّ أوْ بَنِي أخَواتِهِنَّ أوْ نِسائِهِنَّ أوْ ما مَلَكَتْ أيْمانُهُنَّ أوِ التّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ أوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ ولا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ﴾ [النور: ٣١].
أمَرَ اللهُ المؤمناتِ بغضِّ البصرِ، وقدَّمَ غضَّ البصرِ على حِفْظِ الفَرْجِ، لأنّ إطلاقَ البصرِ طريقٌ يَنتهي بإضاعةِ الفَرْجِ، فقدَّمَ اللهُ حِفْظَ الوسيلةِ لتُحفَظَ الغايةُ، ثمَّ نَهى اللهُ نساءَ المؤمِنينَ عن إبداءِ الزِّينةِ، وثَمَّةَ تلازُمٌ بينَ إطلاقِ البصرِ وبينَ الزِّينةِ، وذلك أنّه لا تُكثِرُ التزيُّنَ للرِّجالِ الأجانبِ إلاَّ مَن أطلَقَتْ بصَرَها فيهم، فتشوَّفَتْ إليهم ببَصَرِها، فَزيَّنَتْ بدَنَها ولِبْسَها، ولو لم تُطلِقْ بصَرَها لم يكنْ في القلبِ داعٍ للتزيُّنِ لهم، ومَن حَفِظَتْ بصَرَها، حَفِظَتْ فَرْجَها، ولم يقعْ في قلبِها جذبُ الرجالِ إليها في الزينةِ، لأنّ القلبَ خالٍ منهم، ولهذا قدَّمَ اللهُ حِفْظَ البصرِ على حِفْظِ الفَرْجِ والنهيِ عن الزينةِ، لأنّ البصرَ حبلٌ يَجذِبُ القلوبَ ويحرِّكُها إلى التزيُّنِ لإغراءِ الرِّجالِ وإغوائِهم والوقوعِ في الحرامِ.
وشَدَّدَ اللهُ على الرَّجُلِ في غضِّ البصرِ، وشَدَّدَ على المرأةِ في الحِجابِ، حتى يُقلِّلَ ما بينَهما مِن تجاذُبٍ ومَيْلٍ، ولا يعني هذا أنّه يجوزُ للرجلِ إبداءُ مَفاتِنِه، ولا أنّه يجوزُ للمرأةِ إطلاقُ بَصَرِها فتُفتَنَ، ولكنَّ الوحيَ يشُدُّ الحبالَ المُرتَخِيَةَ في النفوسِ أشَدَّ مِن الحبالِ الثابتةِ فيها، وأقرَبُ الناسِ إلى السقوطِ يُجذَبُ أشَدَّ مِن البعيدِ عنها، حتى تكتمِلَ فِطْرةُ العَفافِ وتَصِحَّ، فإذا لم يَغُضَّ الرجلُ بَصَرَهُ، فإنّ المرأةَ تَدْفَعُ فِتنتَهُ بحجابِها، وإنْ لم تتحجَّبِ المرأةُ، فالرجلُ يدفعُ فِتنتَها بغضِّ بصرِه، ولهذا ربَطَ اللهُ بينَ غضِّ البصرِ وبينَ الزِّنى، لأنّه سببٌ له، فقال للرِّجالِ: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِن أبْصارِهِمْ ويَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ﴾ [النور: ٣٠]، وقال للنِّساءِ: ﴿وقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِن أبْصارِهِنَّ ويَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ﴾، ولكنَّه زادَ في النساءِ: ﴿ولا يُبْدِينَ زَينَتَهُنَّ﴾.
ولا يختلِفُ العلماءُ على أنّ نظرَ المرأةِ إلى ما يَفتِنُها مِن الرجالِ محرَّمٌ، سواءٌ كان نظرًا إلى أبْشارِهم أو شخوصِهم، وأمّا نظَرُ المرأةِ إلى ما يجوزُ للرجلِ إبداؤُهُ مِن غيرِ فتنةٍ فيه، فقد وقَعَ في ذلك نزاعٌ بينَ الفقهاءِ:
فمِن العلماءِ: مَن أخَذَ بعمومِ النهيِ في الآيةِ، ولأنّ الغالِبَ أنّ نظرَ المرأةِ إلى الرجلِ أنّه فِتْنةٌ آجِلةٌ أو عاجِلةٌ، فمَن أطلَقَتْ بصرَها، انتهى بها إلى الافتتانِ، وهذا الصحيحُ مِن مذهبِ الشافعيِّ وأحمدَ، وعلى هذا جمهورُ الصحابةِ والتابعِين.
واللهُ قد أمَرَ النساءَ بمِثلِ ما أمَرَ به الرجالَ، ولم يفرِّقْ بينَهم، بل زاد النساءَ عدمَ إبداءِ الزينةِ.
وذهَب قومٌ: إلى جوازِ نظرِ المرأةِ إلى الرجلِ بغيرِ شَهْوةٍ، وذلك لأنّ النبيَّ ﷺ أذِنَ لعائشةَ نَظَرَها إلى الحبشةِ وهم يَلْعَبونَ في المسجدِ، وظاهرُهُ: أنّ عائشةَ تنظُرُ إلى لَعِبِهِمْ، لا إلى وجوهِهم، ولم تكنْ قريبةً منهم، فلم تكنْ تخُصُّ واحدًا منهم بل ترى حَرَكةَ الجماعةِ، ولم تكنْ أمامَ وجوهِهم بحيثُ تأخُذُ حُكْمَ المُتقابلَيْنِ، ولم يكنِ النبيُّ ﷺ يَأذَنُ لنسائِهِ بمحادَثَةِ الرجالِ وجهًا لوجهٍ، فتنظُرُ إليهم كما ينظُرُ الرجلُ إلى جليسِه.
وغالبًا ما تُطلِقُ المرأةُ أو الرجُلُ البصرَ ولا يَجِدانِ الفتنةَ مِن النظرةِ الأُولى، ثمَّ ما يزالُ الشيطانُ يُسوِّلُ لهم الجوازَ، لانعدامِ العِلَّةِ الداعيةِ للنهيِ، حتى تتولَّدَ الفِتْنةُ مع تَكْرارِهِ، فيُوقِعَهُمُ الشيطانُ في شِراكِه، فله خطواتٌ تَبدأُ بالمُباحِ وتَنتهي بالحرامِ الذي لا ينفكُّ منه صاحبُهُ.
وقولُه تعالى: ﴿ولا يُبْدِينَ زَينَتَهُنَّ إلاَّ ما ظَهَرَ مِنها ولْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ ولا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أوْ آبائِهِنَّ﴾:
نَهى اللهُ المرأةَ عن إبداءِ زينتِها عندَ الرجالِ الأجانبِ، وهذه الآيةُ دالَّةٌ بصريحِ الخِطابِ على سَتْرِ الزينةِ حتى لا تَفتِنَ الرجالَ، ولم يأمُرِ اللهُ الرجالَ بعدمِ إبداءِ الزينةِ، لأنّ المرأةَ فُطِرَتْ على التزيُّنِ أكثَرَ مِن الرجلِ، وتميلُ إليه فِطْرةً، وتتنوَّعُ فيه، وتستكثِرُ منه، وتنشأُ عليه، كما قال تعالى عنها: ﴿أوَمَن يُنَشَّأُ فِي الحِلْيَةِ وهُوَ فِي الخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ ﴾ [الزخرف: ١٨]، ولأنّ زينةَ المرأةِ تَجذِبُ الرجلَ أشَدَّ مِن جذبِ زينةِ الرجلِ للمرأةِ، ولأنّ الرجلَ أجسَرُ على إطلاقِ البصرِ مِن المرأةِ.
وقولُه تعالى: ﴿ولْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ﴾: الخِمارُ: اسمُ مصدرٍ، خَمَّرَ يُخمِّرُ تخميرًا، يعني: غطّى، ومنه سُمِّيَ الخَمْرُ خمْرًا، لأنّه يُغطِّي العقلَ، والخِمارُ: لِباسٌ تَلبَسُهُ وتشُدُّهُ المرأةُ في أعلاها على الرأسِ وما دونَه، ويُسمّى النَّصِيفَ، ويُستعملُ الخِمارُ لتغطيةِ ثلاثةِ مواضعَ وشَدِّها، وكلُّ واحدٍ منها يُضرَبُ عليه بالخمارِ:
الأولُ: الرأسُ، لظاهرِ الآيةِ، فالرأسُ مُرتكَزُ الخِمارِ وقاعدتُهُ، وفي بعضِ الأحاديثِ تُسمّى عمامةُ الرَّجُلِ خِمارًا، جاء ذلك مِن حديثِ المُغِيرةِ[[أخرجه أحمد (٤ /٢٥٤).]] وثَوْبانَ[[أخرجه أحمد (٥ /٢٨١).]] وبلالٍ[[أخرجه مسلم (٢٧٥).]] وسَلْمانَ[[أخرجه أحمد (٥ /٤٣٩)، وابن ماجه (٥٦٣).]]، وكانتْ أمُّ سلمةَ تمسحُ على خمارِها[[أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (٢٢٣).]]، يعني: بدلَ شَعَرِ رأسِها، وصحَّ عن نافعٍ مَوْلى ابنِ عمرَ، قال: «رأيتُ صفيَّةَ بنتَ أبي عُبَيْدٍ توضَّأَتْ وأنا غلامٌ، فإذا أرادتْ أنْ تَمْسَحَ رأسَها، سلَخَتِ الخِمارَ»[[أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (٥١)، وابن أبي شيبة في «مصنفه» (٢٤٢).]].
وصحَّ نحوُهُ عن ابنِ المسيَّبِ[[أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (٥٠).]] والنخَعيِّ[[أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (٢٥١).]].
وصحَّ عن عطاءِ بنِ أبي رباحٍ في المرأةِ إذا أرادتْ أن تَمْسَحَ رأسَها، قال: «تُدخِلُ يدَيْها تحتَ الخِمارِ، فتَمْسَحُ مُقدَّمَ رأسِها يُجزِئُ عنها»[[أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (٢٤٦).]].
وصحَّ عن ابنِ سيرينَ: «أنّه كَرِهَ أن تُصلِّيَ المرأةُ وأُذُنُها خارجةٌ مِن الخِمارِ»[[أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (٥٠٥١).]].
الثـاني: الصَّدْرُ، لظاهرِ قولِهِ: ﴿عَلى جُيُوبِهِنَّ﴾، لأنّ الجيوبَ هي ما على الصدورِ مِن الثيابِ، والضَّرْبُ يأتي مِن أعلى ويَنْزِلُ على جَيْبِ المرأةِ، وهو صَدْرُها، فالجيوبُ هي الصدورُ، ولذا جاء في الحديثِ نَهْيُ النبيِّ ﷺ عن شَقِّ الجيوبِ[[أخرجه البخاري (١٢٩٤)، ومسلم (١٠٣).]]، نهيًا للمرأةِ أن تشُقَّ جَيْبَها عندَ المصيبةِ.
الثالثُ: الوجهُ، فإنّ الخِمارَ قماشٌ طويلٌ ممتدٌّ مشدودٌ تُنزِلُهُ المرأةُ مِن قاعدتِه، وهي الرأسُ، على ما شاءتْ، ومنه الوجهُ، وصحَّ عن هشامٍ، عن حفصةَ بنتِ سِيرِينَ أمِّ الهُذَيْلِ، قالتْ: «تُخمَّرُ المرأةُ الميِّتةُ كما تُخمَّرُ الحيَّةُ، وتُدَرَّعُ مِن الخِمارِ قَدْرَ ذِراعٍ تُسْدِلُهُ على وجْهِها»[[أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (٦٢٢٠).]].
وقال الفَرَزْدَقُ:
نِساءٌ بِالمَضايِقِ ما يُوارِي
مَخازِيَهُنَّ مُنْتَقِبُ الخِمارِ
وكذلك: فإنّ الخِمارَ يُسمّى نَصِيفًا عندَ العربِ، وفي لغةِ الشرعِ، ولذا جاء في «الصحيحِ»، مِن حديثِ أنسٍ مرفوعًا: (لَوْ أنَّ امْرَأَةً مِن نِساءِ أهْلِ الجَنَّةِ اطَّلَعَتْ إلى الأَرْضِ، لَأَضاءَتْ ما بَيْنَهُما، ولَمَلَأَتْ ما بَيْنَهُما رِيحًا، ولَنَصِيفُها ـ يَعْنِي: الخِمارَ ـ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيا وما فِيها) [[أخرجه البخاري (٦٥٦٨).]]، وقد جاء في «المسنَدِ»، مِن حديثِ أبي هريرةَ تفسيرُ الخِمارِ بالنَّصِيفِ صريحًا مِن قولِ أبي هريرةَ[[أخرجه أحمد (٢ /٤٨٣).]].
والنَّصِيفُ ـ وهو الخِمارُ ـ تُطلِقُه العربُ على ما يُغطّى به الوجهُ، وقد قال:
سَقَطَ النَّصِيفُ ولَمْ تُرِدْ إسْقاطَهُ
فَتَناوَلَتْهُ واتَّقَتْنا بِاليَدِ
ويُستعمَلُ الخِمارُ لهذه الثلاثةِ أو بعضِها، ولكنَّ أصلَ استعمالِ النساءِ للخِمارِ: أنّ له محيطًا ووسطًا، يَبْدَأُ مِن الرأسِ ويُحيطُ به، ويَنزِلُ تَبَعًا على الكَتِفَيْنِ والوجهِ والصدرِ، كما قال ابنُ خُزَيْمَةَ في «الصحيحِ»: «الخِمارُ الذي تستُرُ به وجهَها، بل تُسدِلُ الثوبَ مِن فوقِ رأسِها على وجهِها»[[«صحيح ابن خزيمة» (٢ /١٢٧٦).]].
وإنْ كشَفَتِ المرأةُ خِمارَها عن وجْهِها لمَحْرَمِها، بَقِيَ مُحيطًا بوجهِها، وقد جاء في حديثِ مُسلمِ بنِ أبي حُرَّةَ، قال: «لمّا حُصِرَ ابنُ الزُّبَيْرِ، دخَلَ على أُمِّهِ أسماءَ بنتِ أبي بكرٍ، فقَبَّلَها وقبَّلَ ما بينَ الخِمارِ إلى الوَجْهِ فوقَ الجبهةِ»، رواهُ الحاكمُ[[أخرجه الحاكم في «المستدرك» (٤ /٥٢٥).]].
والأصلُ: أنّ الخِمارَ لا يَبقى على الرأسِ، بل يكونُ منه على ما دونَهُ، ففي «صحيحِ البخاريِّ»: «أنّ عائشةَ كانَتْ تذكُرُ نَذْرَها ـ الذي نذَرَتْهُ ألاَّ تُكلِّمَ عبدَ اللهِ بنَ الزُّبيرِ ـ فتَبْكِي حتى تَبُلَّ دُمُوعُها خِمارَها»[[أخرجه البخاري (٦٠٧٣).]].
قال أبو نُعَيْمٍ الأصبهانيُّ: «الجِلْبابُ فوقَ الخِمارِ ودونَ الرِّداءِ تَستوثِقُ المرأةُ صدرَها ورأسَها»[[«المسند المستخرج على صحيح مسلم» (٢ /٤٧٤).]].
والغالبُ: أنّ المرأةَ عندَ تغطيتِها لوجهِها تأخُذُ الخِمارَ مِن أسفلِهِ الذي على صدرِها وتَرفَعُهُ على وجهِها، وبالنسبةِ للجلبابِ تُدْنِيهِ مِن فوقِ رأسِها وتُسدِلُهُ أو تَضرِبُ به على وجهِها، ويصحُّ العكسُ، خاصَّةً إن كان الخِمارُ واسعًا، سدَلَتْ منه شيئًا مِن رأسِها على وجهِها.
أنواعُ زِينَةِ المَرْأةِ:
وللمرأةِ زينةٌ في بَدَنِها خُلِقَتْ عليها، ولها زينةٌ مُكتسَبةٌ تضَعُها:
فأمّا زينتُها التي خُلِقَتْ عليها: فوَجْهُها وشَعَرُها، ولَوْنُها وصُورةُ خِلْقَتِها.
وأمّا الزينةُ المكتسَبةُ: فهي ما تَلبَسُهُ مِن حُلِيٍّ وثيابٍ، وما تضعُهُ مِن لونٍ، كحِنّاءٍ وأصباغٍ على وجهِها ويدَيْها وشَعْرِها.
واللهُ ذكَرَ في الآيةِ الزينةَ، وجعَلَها إجمالًا على نوعَيْنِ:
الأُولى: الزينةُ الباطنةُ التي لا تَظهَرُ لأحدٍ، وهذا في قولِه: ﴿ولا يُبْدِينَ زَينَتَهُنَّ﴾، ثمَّ أتْبَعَها بالاستثناءِ.
الثانيةُ: الزينةُ الظاهرةُ، التي تَظهَرُ لمَن خَصَّهُمُ اللهُ بها، بقولِه: ﴿ولا يُبْدِينَ زَينَتَهُنَّ إلاَّ ما ظَهَرَ مِنها﴾، وبعضُ الناظرِينَ لتفسيرِ السلفِ لقولِه: ﴿إلاَّ ما ظَهَرَ مِنها﴾ يَحمِلُ تفسيرَهُمْ أنّهم يُظهِرُونَهُ للأجانبِ غيرِ المَحارِمِ، فيَنْقُلُونَ عن جماعةٍ مِن الصحابةِ والتابعينَ قولَهُمْ في ﴿إلاَّ ما ظَهَرَ مِنها﴾ أنّه (الكَفُّ والوجهُ)، كما رُوِيَ عن ابنِ عبّاسٍ وابنِ عمرَ والضحّاكِ[[«تفسير ابن أبي حاتم» (٨ /٢٥٧٤).]]، أو (الكُحْلُ والخِضابُ والخاتَمُ)، كما رُوِيَ عن ابنِ عبّاسٍ[[«تفسير البغوي» (٦ /٣٤).]] ومجاهدٍ[[«تفسير الطبري» (١٧ /٢٦٠)، و«تفسير ابن أبي حاتم» (٨ /٢٥٧٤).]] وابنِ جُبَيْرٍ[[أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (١٧٠١٥).]]، أو (الكُحْلُ والخاتَمُ)، كما رُوِيَ عن أنسٍ[[«الدر المنثور» (١١ /٢٣).]]، أو (الخِضابُ والكُحْلُ)، كما رُوِيَ عن عطاءٍ[[أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (١٧٠١٢).]]، أو (الكُحْلُ)، كما رُوِيَ عن الشعبيِّ وقتادةَ، أو (الوجهُ والثيابُ)، كما رُوِيَ عن الحسنِ وقتادةَ أيضًا[[«تفسير الطبري» (١٧ /٢٦١).]]، أو (الوجهُ وثُغْرةُ النَّحْرِ)، كما جاء عن عِكْرِمةَ[[أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (١٧٠٢١).]]، أو (الكُحْلُ والثيابُ)، كما جاء عن الشَّعْبيِّ[[أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (١٧٠٠٧).]]، وهذا أصحُّ ما جاء عن الصحابةِ والتابعينَ مِن تفسيرِ آيةِ الزينةِ.
والأظهَرُ أنّ كلامَ هؤلاء السلفِ إنّما هو في الزِّينةِ الظاهِرةِ للمَحارِمِ مِن النَّسَبِ والرَّضاعِ، والصحابةُ والتابعونَ كانوا على قَدْرٍ شديدٍ مِن العفافِ والسترِ، حتى إنّهم قلَّما يُسْأَلُونَ عمّا تُبْدِيهِ الحُرَّةُ للرجلِ الأجنبيِّ.
ويوضِّحُ أنّ مرادَ الصحابةِ والتابعينَ كشفُ الزينةِ الظاهرةِ للمَحارِمِ لا الأجانبِ: نصوصُهُمُ الأُخرى ونصوصُ غيرِهم الصريحةُ في ذلك، التي لا تتفِقُ وتجتمِعُ إلاَّ على هذا المعنى، وذلك مِن أربعةِ وجوهٍ:
الوجهُ الأولُ: أنّ جميعَ مَن صَحَّ عنه تفسيرُ الزينةِ الظاهِرةِ في آيةِ النورِ: ﴿إلاَّ ما ظَهَرَ مِنها﴾، قد صحَّ عنه ما يَحمِلُ تفسيرَهُ على تخصيصِهِ للمَحارِمِ صريحًا في موضعٍ آخَرَ:
أمّا عبدُ اللهِ بنُ عبّاسٍ: فصحَّ عنه أنّه قال: «الزينةُ الظاهرةُ: الوجهُ وكُحْلُ العَيْنِ وخِضابُ الكفِّ والخاتَمُ، فهذا تُظهِرُهُ في بيتِها لمَن دخَلَ عليها» ـ ثمَّ قال صريحًا ـ: «﴿ولا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أوْ آبائِهِنَّ أوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أوْ أبْنائِهِنَّ أوْ أبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أوْ إخْوانِهِنَّ أوْ بَنِي إخْوانِهِنَّ أوْ بَنِي أخَواتِهِنَّ أوْ نِسائِهِنَّ أوْ ما مَلَكَتْ أيْمانُهُنَّ أوِ التّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ﴾، والزينةُ التي تُبدِيها لهؤلاءِ الناسِ قُرْطاها وقِلادَتُها وسِواراها، فأمّا خَلْخالُها ومِعْضَدَتُها ونَحْرُها وشَعَرُها، فلا تُبديهِ إلاَّ لزوجِها».
أخرَجَهُ البيهقيُّ، عن عليٍّ، عن ابنِ عبّاسٍ، وهو صحيحٌ[[أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (٧ /٩٤).]].
وصحَّ عن ابنِ عبّاسٍ أيضًا لمّا ذكَرَ المَحارِمَ: «الزِّينةُ التي تُبدِيها لهؤلاءِ: قُرْطاها وقِلادتُها وسِواراها، وأمّا خَلْخالاها ومِعْضَداها ونحرُها وشعرُها، فإنّها لا تُبديهِ إلاَّ لزوجِها»، أخرَجَهُ ابنُ جريرٍ، عن عليٍّ، عن ابنِ عبّاسٍ[[«تفسير الطبري» (١٧ /٢٦٤).]].
وعلى هذا اتَّسَقَ جميعُ تفسيرِ ابنِ عبّاسٍ وأقوالِهِ في كلِّ أبوابِ الفقهِ، كالحجِّ وآيةِ الأحزابِ، وفي آيةِ القواعدِ (العجائزِ): ﴿فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ﴾ [النور: ٦٠] قال: (الجلابيبُ)[[«تفسير الطبري» (١٧ /٣٦٠)، و«تفسير ابن أبي حاتم» (٨/٢٦٤١).]]، وهي التي على الشابَّةِ، كما صَحَّ عن ابنِ عبّاسٍ قولُهُ: «أمَرَ اللهُ نساءَ المؤمِنينَ إذا خرَجْنَ مِن بيوتِهنَّ في حاجةٍ أنْ يُغَطِّينَ وجوهَهُنَّ مِن فوقِ رؤوسِهنَّ بالجلابيبِ، ويُبدِينَ عينًا واحدةً»[[«تفسير الطبري» (١٩ /١٨١)، و«تفسير ابن أبي حاتم» (١٠ /٣١٥٤).]]، وصحَّ عنه أيضًا قولُه: «تُدْلِي الجلبابَ على وجْهِها»[[«معرفة السنن والآثار» للبيهقي (٤ /٩)، و«مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود» (ص١٥٤) مسألة (٧٣٢).]].
وجميعُ أصحابِ ابنِ عبّاسٍ الذين رُوِيَ عنهم ما يُشابِهُ قولَهُ ـ لم يكونوا يُسألونَ عن غيرِ المَحارِمِ، والسؤالُ عنهم غيرُ واردٍ، لوضوحِهِ وجلائِه، وقد كانوا على نوعٍ مِن العفافِ والسَّتْرِ شديدٍ، فيُطلِقونَ إطلاقاتٍ لا يَفهَمُها مَن تأثَّرَ بواقعِ السُّفُورِ والتعرِّي، حتى أصبَحَتْ مِن النساءِ مَن تَلبَسُ عندَ الأجانبِ ما لا تَلبَسُهُ نساءُ السلفِ عندَ أبيها وأخيها وابنِها، ومَن جمَعَ أقوالَ أُولئِكَ السلفِ المفسِّرينَ للزِّينةِ مِن أبوابِ السَّتْرِ والعَوْراتِ، ظهَر له مرادُهم جليًّا:
فأمّا سعيدُ بنُ جُبيرٍ: فصحَّ عنه أنّ تخفيفَ اللهِ عن القواعدِ (العجوزِ) هو وضعُ (الجلابيبِ) فقطْ، قال سعيدُ بنُ جُبَيْرٍ: لا تَتبرَّجْنَ بوضعِ الجلبابِ أن يُرى ما عليها مِن الزينةِ[[«تفسير ابن أبي حاتم» (٨ /٢٦٤٢).]]، والجلابيبُ هي ما يستُرُ الوجوهَ على ما يأتي بيانُهُ في آيةِ القواعدِ: ﴿والقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ﴾ [النور: ٦٠]، وآيةِ الأحزابِ: ﴿يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ﴾ [٥٩]، فإنْ كانتْ هذه هي الرُّخْصةَ عندَ سعيدِ بنِ جُبَيْرٍ للعجوزِ، فهي ليستْ رخصةً للشابَّةِ، وقد أجمَعَ العلماءُ أنّه لا يَحِلُّ للعجوزِ إظهارُ شَعَرِها، حَكى الإجماعَ ابنُ حَزْمٍ[[«المحلّى» (١٠ /٣٢).]] والجَصّاصُ[[«أحكام القرآن» للجصاص (٥ /١٩٦).]].
وأمّا عطاءُ بنُ أبي رباحٍ: فقد صحَّ عنه تفضيلُهُ سَتْرَ الشعرِ عن المَحارمِ، فقد قال في الرجُلِ يَرى مِن النساءِ ما يحرُمُ عليه نكاحُهُ: «رؤوسُهُنَّ إنْ سُتِرَتْ أحَبُّ إليَّ، وإنْ رأى فلا بأسَ»، أخرَجَهُ ابنُ أبي شيبةَ، عن عبدِ الملكِ، عن عطاءٍ[[أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (١٧٢٧٩).]]، وهو صحيحٌ.
ثمَّ إنّه قد صحَّ عن عطاءٍ ما صحَّ عن سعيدِ بنِ جُبَيْرٍ في العجوزِ أنّه تضعُ جلبابَها، والجلبابُ ما على الوجهِ.
وأمّا مجاهِدُ بنُ جَبْرٍ: فصحَّ عنه أنّه لا يَرى وضعَ الخِمارِ عندَ المرأةِ الكافِرةِ، فكيف يُحمَلُ قولُه في الزينةِ الظاهرةِ: (الخاتَمُ والكحلُ) أنّها للرجالِ الأجانبِ مشرِكِينَ ومسلِمينَ؟! فقد روى ليثٌ، عن مجاهدٍ، قال: «لا تضعُ المسلِمةُ خمارَها عندَ مشرِكةٍ ولا تُقبِّلُها، لأنّ اللهَ تعالى يقولُ: ﴿أوْ نِسائِهِنَّ﴾، فليس مِن نسائِهنَّ»، رواهُ البيهقيُّ عنه[[أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (٧ /٩٥).]]، وروايةُ ليثٍ عن مجاهدٍ كتابٌ ونُسْخةٌ، ذكَرَهُ ابنُ حِبّانَ.
وقد صحَّ عن مجاهدٍ كما صحَّ عن سعيدِ بنِ جُبَيْرٍ وعطاءٍ في العجوزِ، وأنّ اللهَ رخَّصَ لها بوضعِ جلبابِها[[«تفسير الطبري» (١٧ /٣٦٣)، و«تفسير ابن أبي حاتم» (٨ /٢٦٤٠).]]، وهذه خصيصةُ العجوزِ عندَه عن الشابَّةِ.
وأمّا قولُ عامرٍ الشَّعْبيِّ: (الكحلُ والثيابُ)، وقولُ عِكْرِمةَ مَولى ابنِ عبّاسٍ: (الوجهُ وثُغْرةُ النَّحْرِ): فقد صحَّ عنهما أنّهما كانا يَنْهَيانِ أن تضَعَ المرأةُ خِمارَها عندَ عمِّها وخالِها، خلافًا لجمهورِ العلماءِ، فكيف يُحمَلُ قولُهما في ﴿ولا يُبْدِينَ زَينَتَهُنَّ إلاَّ ما ظَهَرَ مِنها﴾: أنّ المرأةَ تُبدِي وجهَها وكفَّيْها وكُحْلَها للأجانبِ الأبعدِينَ، وهما يُشدِّدانِ في المحارمِ غيرِ المذكورِينَ في الآيةِ؟! فقد روى داودُ، عن الشَّعْبيِّ وعِكْرِمةَ في قولِه: ﴿ولا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أوْ آبائِهِنَّ أوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ﴾ حتى فرَغ منها، قالا: «لم يُذكَرِ العمُّ والخالُ، لأنّهما يَنعَتانِ لأبنائِهما، وقالا: لا تضعُ خِمارَها عندَ العمِّ والخالِ»، أخرَجَهُ ابنُ أبي شيبةَ[[أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (١٧٢٩٣).]] وابنُ جريرٍ[[«تفسير الطبري» (١٩ /١٧٣).]] وابنُ المُنذِرِ[[«تفسير ابن كثير» (٦ /٤٧).]].
ويعضُدُ هذا: ما رواهُ جابرٌ، عن عامرٍ: «أنّه كَرِهَ أن ينظُرَ إلى شَعَرِ كلِّ ذي مَحْرَمٍ»، أخرَجَهُ ابنُ أبي شيبةَ[[أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (١٧٢٨٢).]].
ثمَّ إنّه قد صحَّ عن الشَّعْبيِّ[[«تفسير الطبري» (١٧ /٣٦٣).]] ما صحَّ عن ابنِ جُبَيْرٍ وعطاءٍ ومجاهدٍ في العجوزِ.
وأمّا الحسَنُ البصريُّ: فإنّه لا يَرى أن يَرى الأخُ أختَهُ بلا خمارٍ على رأسِها، فقد صحَّ عن هشامٍ، عن الحسنِ، في المرأةِ تَضَعُ خِمارَها عندَ أخيها؟ قال: «واللهِ، ما لها ذاك»، أخرَجَهُ ابنُ أبي شيبةَ[[أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (١٧٢٨١).]]، وهو صحيحٌ، وهذا دليلٌ أنّه يَقصِدُ المحارِمَ، وما كانوا يُسألونَ عن غيرِ المَحارمِ، ولا يَقصِدونَ غيرَهم، لشِدَّةِ ورعِهم.
وقد صحَّ عن الحسنِ البصريِّ مِثْلُ ما صحَّ عن ابنِ جُبَيْرٍ وعطاءٍ ومجاهِدٍ والشَّعْبيِّ في العجوزِ، وأنّ اللهَ خصَّها بوضعِ الجلبابِ[[«تفسير ابن أبي حاتم» (٨ /٢٦٤١).]].
وأمّا الضحّاكُ: فيدُلُّ على أنّه يتكلَّمُ عن المَحارِمِ، ما رواهُ مزاحمٌ عنه أنّه قال: «لو دخَلْتُ على أمِّي، لقلتُ: غطِّي رأسَكِ»، أخرَجَهُ ابنُ أبي شيبةَ[[أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (١٧٢٨١).]].
وأمّا قتادةُ: فصَحَّ عنه ما صَحَّ عن ابنِ جُبَيْرٍ وعطاءٍ ومجاهدٍ والشعبيِّ والحسنِ في العجوزِ[[«تفسير ابن أبي حاتم» (٨ /٢٦٤١).]].
وعلى هذا المعنى لم يخرُجْ واحدٌ مِن أصحابِ ابنِ عبّاسٍ وغيرِهم مِن التابعِين، فقد روى عِكْرِمةُ وأبو صالحٍ: أنّ الزينةَ الظاهِرةَ (الدِّرْعُ)[[أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (١٧٠٠٥).]]، والدِّرْعُ: ثَوْبُ البيتِ لا ثوبُ الخروجِ، كما هو معروفٌ، لأنّ الدرعَ يَظهَرُ معه الشَّعرُ والنَّحْرُ، وهو محرَّمٌ بالإجماعِ.
وصحَّ عن طاوُسٍ: «ما كان أكْرَهَ إليه مِن أن يَرى عَوْرةً مِن ذاتِ مَحرَمٍ، قال: وكان يَكْرَهُ أن تَسلَخَ خِمارَها عندَه»، رواهُ عبدُ الرزاقِ، عن ابنِ طاوسٍ، عن أبيهِ[[أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (١٢٨٣١).]]، وهو صحيحٌ.
وأمّا عبدُ اللهِ بنُ عمرَ: فإنّه قد صحَّ عنه أنّه جعَلَ ما استثناهُ اللهُ للعجوزِ أن تَكشِفَهُ هو جِلْبابَها[[«تفسير ابن أبي حاتم» (٨ /٢٦٤٠، و٢٦٤١).]]، ويتفقُ العلماءُ أنْ لا خصيصةَ للعجوزِ في ذلك، فبَقِيَ جلبابُ الوجوهِ على الشابَّةِ، ولا يليقُ بفقهِ الصحابةِ ولا بعقولِهم وفَهْمِهم ضربُ أقوالِهم في البابِ البيِّنِ الواضحِ، كحجابِ المرأةِ ولِباسِها.
وعلى هذا بوَّبَ البيهقيُّ في «سُنَنِه»، فقد ترجَمَ على تفسيرِ ابنِ عبّاسٍ لقولِه تعالى: ﴿ولا يُبْدِينَ زَينَتَهُنَّ إلاَّ ما ظَهَرَ مِنها﴾، فقال: «بابُ ما تُبدِي المرأةُ مِن زينتِها للمذكورينَ في الآيةِ مِن مَحارِمِها»، ثمَّ أورَدَ قولَ ابنِ عبّاسٍ الذي فيه: والزينةُ الظاهِرةُ: الوجهُ وكُحْلُ العَيْنِ وخِضابُ الكفِّ والخاتَمُ، فهذا تُظهِرُهُ في بيتِها لمَن دخَلَ عليها[[«السنن الكبرى» للبيهقي (٧ /٩٤).]].
ونَصَّ على هذا ابنُ عبدِ البَرِّ، فجعَلَ كشفَ الزِّينةِ وإظهارَها للمَحارِمِ لا للأجانبِ، فقال: «إنّ ذَوي المَحارِمِ مِن النَّسَبِ والرَّضاعِ لا يُحتجَبُ منهم ولا يُستتَرُ عنهم إلاَّ العَوْراتُ، والمرأةُ فيما عَدا وجهَها وكفَّيْها عَوْرةٌ»[[«التمهيد» (٨ /٢٣٦).]].
ومَن نظَرَ إلى تفسيرِ بقيَّةِ الصحابةِ في ذلك، وجَدَ أنّه يتطابَقُ مع هذا المعنى ويُوافِقُهُ، كما صحَّ عن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ، أنّ الزِّينةَ الظاهِرةَ (الثيابُ)[[«تفسير الطبري» (١٧ /٢٥٦)، و«تفسير ابن أبي حاتم» (٨ /٢٥٧٣).]]، وعلى هذا جميعُ أصحابِهِ وغيرُهم مِن العراقيِّينَ، كأبي الأحوصِ والنخَعيِّ والحسنِ وابنِ سيرينَ وغيرِهم، وقال به مجاهِدٌ[[«تفسير ابن أبي حاتم» (٨ /٢٥٧٤).]]، ومرادُهُ بالثيابِ التي تكونُ تحتَ الجِلْبابِ ممّا على الثيابِ الداخليَّةِ مِن زخرفةٍ وزينةٍ، فالجلبابُ يستُرُ زينةَ الملابسِ الداخليَّةِ، فلِلْمَحارِمِ رؤيةُ ذلك، لأنّ الزينةَ تكونُ بالثيابِ، كما في قولِه تعالى: ﴿خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ [الأعراف: ٣١]، يعني: زِينةَ ثيابِكم، وبهذا فسَّر أبو إسحاقَ السَّبِيعيُّ قولَ ابنِ مسعودٍ، فقد تلا هذه الآيةَ: ﴿خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ لمّا روى تفسيرَ ابنِ مسعودٍ عن أبي الأَحْوَصِ عنه[[«تفسير الطبري» (١٧ /٢٥٧).]].
الوجهُ الثاني: أنّ فِقْهَ السلفِ في غيرِ التفسيرِ في بقيَّةِ أبوابِ السَّتْرِ والنظرِ دالٌّ على هذا المعنى، فقد صحَّ عن ابنِ شهابٍ الزُّهْريِّ قولُهُ: «لا بأسَ أن ينظُرَ الرجلُ إلى قُصَّةِ المرأةِ مِن تحتِ الخِمارِ إذا كان ذا مَحْرَمٍ، فأمّا أن تَسلَخَ خِمارَها عندَهُ، فلا»[[أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (١٢٨٢٩).]].
وعن الزُّهْريِّ أيضًا في المرأةِ تَسلَخُ خِمارَها عندَ ذي مَحْرَمٍ، قال: «أمّا أنْ يرى الشيءَ مِن دونِ الخِمارِ، فلا بأسَ، وأمّا أن تَسلَخَ الخِمارَ، فلا»، أخرَجَهُ عبدُ الرزاقِ، عن مَعمَرٍ، عنه[[أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (١٢٨٣٠).]]، وهو صحيحٌ.
ومَن جمَعَ أقوالَ السلفِ في جميعِ الأبوابِ، ونظَرَ فيها في سياقٍ واحدٍ، أدرَكَ حَجْمَ ورَعِهم وتحفُّظِ نسائِهم، وأدرَكَ أنّهم يَدُورُونَ في دائرةٍ أُخرى مِن العِفَّةِ والاحتياطِ على غيرِ ما يَحمِلُهُ كثيرٌ مِن الكتّابِ عنهم، فإنّهم لا يُرِيدونَ مِن معنى الزينةِ التي تتعلَّقُ بالوجهِ وما حولَهُ للأجانبِ الأبعدِين، وهم لا يختلِفونَ في جوازِ كشفِ المرأةِ لوجهِها للأقرَبِينَ، ولا يخوضونَ في ذلك، وإنّما يذكُرونَ الوجهَ اختصارًا لإجازةِ زينتِهِ تَبَعًا مِن الكُحْلِ والقُرْطِ والخِضابِ، ويذكُرونَ اليدَ اختصارًا ليدخُلَ فيها زينتُها مِن الخاتَمِ والخِضابِ والسِّوارِ، ولا يَعْنُونَ الوجهَ بذاتِه، ومَن نظَر في مجموعِ تفسيرِهم، أدرَكَ ذلك يقينًا.
الوجهُ الثالثُ: أنّ اللهَ رخَّصَ للقواعدِ أنْ يَضَعْنَ ثيابَهُنَّ، فقال: ﴿والقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللاَّتِي لا يَرْجُونَ نِكاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ وأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ واللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [النور: ٦٠]، وقد اتَّفَقَ المفسِّرونَ مِن الصحابةِ والتابعينَ: أنّ الثيابَ التي رخَّصَ اللهُ بها للعجوزِ هي (الجلابيبُ)، جاء ذلك بسندٍ صحيحٍ عن ابنِ عبّاسٍ وابنِ مسعودٍ وابنِ عمرَ والشَّعْبيِّ وابنِ جُبَيْرٍ والحسنِ ومجاهِدٍ وعطاءٍ وعِكْرِمةَ وقتادةَ وغيرِهم، وهؤلاءِ كلُّهم لهم تفسيرٌ للزِّينةِ، كما تقدَّمَ أنها: «الزينة الظاهرة»، واتفَقوا هنا على أنّ ما تَختَصُّ به العجوزُ عن الشابَّةِ رفعُ الجلبابِ فقطْ، والجلابيبُ هي ما تَختصُّ بسَتْرِ الوجهِ مِن بَشَرةِ الجسمِ، وتكونُ فوقَ بقيَّةِ الثيابِ ثوبًا على ثوبٍ، فالجلبابُ فوقَ الخِمارِ، ويدُلُّ على أنّ الجلابِيبَ ما كانتْ تستُرُ الوجوهَ للشابَّةِ جُمْلةٌ مِن تفسيرِ أفصحِ الناسِ وأقرَبِهم إلى الوحيِ، وهم الصحابةُ والتابعونَ:
منهـا: قولُ عائشةَ: «تُسدِلُ المرأةُ جِلْبابَها مِن فوقِ رَأْسِها على وجْهِها»، أخرَجَهُ سعيدُ بنُ منصورٍ بسندٍ صحيحٍ[[«فتح الباري» لابن حجر (٣ /٤٠٦).]]، وقولُها في «الصحيحَيْنِ»: «فَخَمَّرْتُ وجْهِي بِجِلْبابِي»[[أخرجه البخاري (٤١٤١)، ومسلم (٢٧٧٠).]].
ومنها: قولُ ابنِ عبّاسٍ: «تُدْلي الجِلْبابَ على وجهِها»، أخرَجَهُ أبو داودَ في «المسائلِ» بسندٍ صحيحٍ[[سبق تخريجه.]]، وقولُه: «أمَرَ اللهُ نساءَ المؤمِنينَ إذا خَرَجْنَ مِن بُيُوتِهِنَّ في حاجةٍ أنْ يُغَطِّينَ وجوهَهُنَّ مِن فوقِ رؤوسِهِنَّ بالجلابيبِ، ويُبدِينَ عينًا واحدةً»، رواهُ ابنُ جريرٍ بسندٍ صحيحٍ[[سبق تخريجه.]].
ومنهـا: ما رواهُ عاصمٌ الأحولُ، قال: كنّا ندخُلُ على حَفْصةَ بنتِ سيرينَ، وقد جعَلَتِ الجلبابَ هكذا، وتَنَقَّبَتْ به، فنقولُ لها: رَحِمَكِ اللهُ! قال اللهُ تعالى: ﴿والقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللاَّتِي لا يَرْجُونَ نِكاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ﴾ [النور: ٦٠]، وهو الجلبابُ؟ قال: فتقولُ لنا: أيُّ شيءٍ بعدَ ذلك؟ فنقولُ: ﴿وأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ﴾ [النور: ٦٠]، فتقولُ: هو إثباتُ الجِلْبابِ[[أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (٧ /٩٣).]].
وإذا اتَّفَقَ الصحابةُ على أنّ رُخْصةَ النساءِ العجائزِ وضعُ الجلابيبِ، وكشفُ الوجهِ مِن غيرِ زينةٍ، فماذا يُحِلُّونَ للمرأةِ الشابَّةِ أمامَ الأجانبِ؟!
وقد حكى الإجماعَ غيرُ واحدٍ مِن العلماءِ على أنّه لا يجوزُ للعجوزِ أنْ تَكشِفَ شَعَرَها للأجانبِ مهما بلَغَ سِنُّها، حكى الإجماعَ ابنُ حَزْمٍ[[«المحلّى» (١٠ /٣٢).]]، والجَصّاصُ[[«أحكام القرآن» للجصاص (٥ /١٩٦).]]، وغيرُهما، فشَعَرُ العجوزِ عورةٌ للأجانبِ كشَعَرِ الشابَّةِ بلا خلافٍ.
وإذا كان تفسيرُ ابنِ عمرَ وابنِ عبّاسٍ وابنِ جُبَيْرٍ وعِكْرِمةَ والحسنِ والشَّعْبيِّ والضَّحّاكِ ومجاهدٍ وقتادةَ لآيةِ: ﴿ولا يُبْدِينَ زَينَتَهُنَّ إلاَّ ما ظَهَرَ مِنها﴾: أنّها الوجهُ والكَفّانِ ويُرادُ بها للأجانبِ، فما الفائدةُ مِن نزولِ آيةِ القواعدِ، والترخيصِ لها بالجلبابِ؟!
الوجهُ الرابعُ: أنّ اللهَ نَهى عن إظهارِ الزينةِ بقولِه: ﴿ولا يُبْدِينَ زَينَتَهُنَّ﴾، ثمَّ استثنى فقال: ﴿إلاَّ ما ظَهَرَ مِنها﴾، ثمَّ أرادَ أنْ يُبيِّنَ المَعْنِيِّينَ بالإظهارِ مُفصِّلًا لمَراتبِهم بحسَبِ قُرْبِهم، فقال: ﴿ولا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أوْ آبائِهِنَّ أوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أوْ أبْنائِهِنَّ أوْ أبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أوْ إخْوانِهِنَّ أوْ بَنِي إخْوانِهِنَّ أوْ بَنِي أخَواتِهِنَّ أوْ نِسائِهِنَّ﴾ الآيةَ، وقد يَستشكِلُ البعضُ ذِكْرَ الزوجِ مع أنّه لا يُستثنى دونَهُ شيءٌ، وإنّما ذُكِرَ مع غيرِهِ مِن المَحارمِ مِن بابِ حصرِ المعنيِّينَ، حتى لا يُظَنَّ أنّ الخِطابَ للأَبْعَدِينَ، وليس المرادُ أنّ الزِّينةَ له كالزِّينةِ لغيرِه، ولذا بدَأَ به للخَصُوصِيَّةِ، فالمفسِّرونَ يَعلَمونَ اختلافَ مَراتبِ المذكورينَ، روى ابنُ وهبٍ، عن ابنِ زيدٍ، قال: «والزوجُ له فضلٌ، والآباءُ مِن وراءِ الرجُلِ لهم فضلٌ، قال: والآخَرونَ يتفاضَلونَ، قال: وهذا كلُّه يَجمَعُهُ ما ظهَرَ مِن الزينةِ»، أخرَجَهُ ابنُ جريرٍ[[«تفسير الطبري» (١٩ /١٧٤).]].
فقولُ عبدِ الرحمنِ بنِ زيدِ بنِ أسلَمَ: «وهذا كلُّه يَجمَعُهُ ما ظهَرَ مِن الزينةِ»، يعني: أنّ المذكُورِينَ هم المَحارِمُ، وهم المعنيُّونَ بقولِه قبلَ ذلك: ﴿ولا يُبْدِينَ زَينَتَهُنَّ إلاَّ ما ظَهَرَ مِنها﴾، وليس الأجانِبَ، فذُكِرُوا للبيانِ والإيضاحِ، والزوجُ له فضلٌ على الجميعِ وخَصُوصِيَّةٌ، كما قاله ابنُ زيدٍ.
التدرُّجُ في فَرْضِ الحِجابِ:
يذهبُ بعضُ المفسِّرينَ: أنّ الحِجابَ لم يُفرَضْ جُمْلةً واحدةً، وإنّما جاء متدرِّجًا، فأوَّلُ ما نزَلَ وذُكِرَ فيه عمومُ المؤمناتِ: آياتُ النورِ، ثمَّ آياتُ سورةِ الأحزابِ، ومِن هؤلاء ابنُ جريرٍ الطَّبَرِيُّ وأبو بكرٍ الجَصّاصُ وابنُ تيميَّةَ وغيرُهم، وهؤلاء يتَّفقونَ مع غيرِهم في الغايةِ والنهايةِ التي استقَرَّ عليها الحُكْمُ، وإنِ اختلَفوا مع غيرِهم في المراحلِ.
وكثيرٌ ممَّن ينظُرُ في كتُبِ المفسِّرينَ فينظُرُ في سورةِ النورِ فيَراهُم ينقُلونَ كلامَ السلفِ في الزينةِ الظاهرةِ بإجمالٍ، ثمَّ يُعلِّقُ أولئك الأئمَّةُ في سورةِ النورِ ويَنُصُّونَ على جوازِ كشفِ المرأةِ لوجهِها وكفَّيْها، ولو نظَروا في كلامِهم في سورةِ الأحزابِ، لَوَجَدوا أنّهم يَمنَعونَ، وليس هذا اضطرابًا ولا قولَيْنِ، فالمؤلِّفُ واحدٌ، والكِتابُ واحدٌ، وإنّما لأنّهم يرَوْنَ تقدُّمَ آيةِ الحِجابِ مِن سورةِ النورِ على آيةِ الحِجابِ مِن سورةِ الأحزابِ، فيُفسِّرونَ كلَّ موضعٍ بحسَبِ ما فهِمُوهُ في موضعِهِ، ومَن جَهِلَ المتقدِّمَ والمتأخِّرَ مِن السُّوَرِ عندَ الأئمَّةِ، لم يَفهَمْ مَقاصدَ القرآنِ وأحكامَهُ عندَ المفسِّرينَ:
قال ابنُ جريرٍ الطبريُّ في سورةِ الأحزابِ: «لا يَتَشَبَّهْنَ بالإماءِ في لِباسِهِنَّ إذا هُنَّ خَرَجْنَ مِن بيوتِهنَّ لحاجتِهنَّ، فكشَفْنَ شُعُورَهنَّ ووُجُوهَهنَّ، ولكنْ لِيُدْنِينَ عليهنَّ مِن جلابيبِهنَّ»[[«تفسير الطبري» (١٩ /١٨١).]]، وذكَرَ تفسيرَ السلفِ لتغطيةِ الوجهِ بالجلابيبِ، وهكذا فسَّر آيةَ القواعدِ في سورةِ الأحزابِ.
وقولُهُ هنا في سورةِ النورِ بأنّ المرأةَ تُبدِي وجهَها يَحكي المرحلةَ الأُولى مِن فَرْضِ الحِجابِ، وآيةُ الأحزابِ بعدَها.
وابنُ جريرٍ إمامٌ بصيرٌ ينقُلُ أقوالَ السلفِ في الموضعِ ويُبيِّنُه، ولو كانتِ الآيةُ في حُكْمٍ سابقٍ، ثمَّ تَبِعَتْهُ آياتٌ تَزِيدُ عليه في الحُكْمِ، فيذكُرُ عندَ كلِّ آياتٍ حُكْمَها، وهذا له نظائرُ كثيرةٌ في «تفسيرِه».
وهكذا الإمامُ الجصّاصُ ذكَرَ معنى ما ذكَرَهُ ابنُ جريرٍ في آيةِ النورِ، لأنّها سابِقةٌ، ثمَّ في آيةِ الأحزابِ المتأخِّرةِ قال: «في هذه الآيةِ دَلالةٌ على أنّ المرأةَ الشابَّةَ مأمورةٌ بسَتْرِ وجهِها عن الأجنبيِّينَ، وإظهارِ السَّتْرِ والعفافِ عندَ الخروجِ»[[«أحكام القرآن» للجصاص (٥ /٢٤٥).]].
وهكذا كثيرٌ مِن المفسِّرينَ، يُفسِّرونَ آيةَ النورِ على حالٍ سابقةٍ، كما جاء عن ابنِ جريرٍ، ثمَّ يَنُصُّونَ صراحةً على منعِ المرأةِ مِن كشفِ وجهِها عندَ آيةِ الأحزابِ، ومِن هؤلاء المفسِّرينَ: أبو الليثِ نَصْرٌ السَّمَرْقَنْديُّ الحَنَفيُّ في «تفسيرِه»[[«تفسير السمرقندي» (٣ /٧٠).]]، وأبو عبدِ اللهِ بنُ أبي زَمَنِينَ[[«تفسير القرآن العزيز» (٣ /٤١٢).]]، والثعلبيُّ[[«تفسير الثعلبي» (٨ /٦٤).]]، والكِيا الهرّاسيُّ[[«أحكام القرآن» للكيا الهراسي (٤ /٣٥٠).]]، والزمخشريُّ[[«تفسير الزمخشري» (٣ /٥٦٩).]]، والعِزُّ بنُ عبدِ السلامِ[[«تفسير العز بن عبد السلام» (٢ /٥٩٠).]]، والبيضاويُّ[[«تفسير البيضاوي» (٤ /٢٣٨).]]، والنَّسَفِيُّ[[«تفسير النسفي» (٣ /٤٥).]]، وابنُ جُزَيٍّ[[«تفسير ابن جزي» (٢ /١٥٩).]]، والسُّيُوطيُّ[[«تفسير الجلالين» (ص٥٦٠).]]، والبِقاعيُّ[[«نظم الدرر» (٦ /١٣٥).]]، وأبو السعودِ[[«تفسير أبي السعود» (٧ /١١٥).]] وغيرُهم.
وكثيرٌ ممَّن ينقُلُ أقوالَهُمُ السابقةَ في إبداءِ الزينةِ الظاهرةِ يُهمِلُ أقوالَهُمُ المُحْكمةَ في سورةِ الأحزابِ، التي نزَلَتْ بعدَ ذلك.
وسواءٌ قيل: إنّ الحِجابَ نزَل متدرِّجًا أم نزَلَ مرةً واحدةً وتنوَّعتْ نصوصُ القرآنِ في الخِطابِ، فالغايةُ واحدةٌ، وهو ما ظهَرَ في جميعِ الآياتِ وتجلّى صريحًا في سورةِ الأحزابِ.
ومَن لم يَعرِفْ أزمِنةَ نزولِ آياتِ الحجابِ، ولم يَجمَعْ أقوالَ الصحابةِ في آياتِ الحجابِ والسَّتْرِ بعضَها إلى بعضٍ، ولم يَنظُرْ في مذاهبِهم فيما تعلَّقَ ببابِ لِباسِ المرأةِ وسترِها وحجابِها ـ أشكَلَ عليه ذلك، وضرَبَ بعضَها ببعضٍ على ما تقدَّمَ بيانُه، فآياتُ الحجابِ في سورةِ النورِ والأحزابِ لم تَنزِلْ دَفْعةً واحدةً، وأقوالُ الصحابةِ في التفسيرِ تتنوَّعُ حسَبَ الحالاتِ والمواضعِ، ولا تتعارَضُ، ومِن بابِ أولى أقوالُ الصحابيِّ في المسألةِ الواحدةِ، كما تقدَّم، وقد بَسَطْنا أحكامَ لباسِ المرأةِ وحِجابِها في كتابِ «الحجاب في الشَّرْعِ والفِطرة، بين الدليل، والقولِ الدَّخِيل».
{"ayah":"وَقُل لِّلۡمُؤۡمِنَـٰتِ یَغۡضُضۡنَ مِنۡ أَبۡصَـٰرِهِنَّ وَیَحۡفَظۡنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا یُبۡدِینَ زِینَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنۡهَاۖ وَلۡیَضۡرِبۡنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُیُوبِهِنَّۖ وَلَا یُبۡدِینَ زِینَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوۡ ءَابَاۤىِٕهِنَّ أَوۡ ءَابَاۤءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوۡ أَبۡنَاۤىِٕهِنَّ أَوۡ أَبۡنَاۤءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوۡ إِخۡوَ ٰنِهِنَّ أَوۡ بَنِیۤ إِخۡوَ ٰنِهِنَّ أَوۡ بَنِیۤ أَخَوَ ٰتِهِنَّ أَوۡ نِسَاۤىِٕهِنَّ أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَیۡمَـٰنُهُنَّ أَوِ ٱلتَّـٰبِعِینَ غَیۡرِ أُو۟لِی ٱلۡإِرۡبَةِ مِنَ ٱلرِّجَالِ أَوِ ٱلطِّفۡلِ ٱلَّذِینَ لَمۡ یَظۡهَرُوا۟ عَلَىٰ عَوۡرَ ٰتِ ٱلنِّسَاۤءِۖ وَلَا یَضۡرِبۡنَ بِأَرۡجُلِهِنَّ لِیُعۡلَمَ مَا یُخۡفِینَ مِن زِینَتِهِنَّۚ وَتُوبُوۤا۟ إِلَى ٱللَّهِ جَمِیعًا أَیُّهَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق