الباحث القرآني

ولَمّا بَدَأ بِالقَوْمَةِ مِنَ الرِّجالِ، ثَنّى بِالنِّساءِ فَقالَ: ﴿وقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ﴾ فَرَغَّبَ أيْضًا بِذِكْرِ هَذا الوَصْفِ الشَّرِيفِ ﴿يَغْضُضْنَ﴾ ولَمّا كانَ المُرادُ الغَضَّ عَنْ بَعْضِ المُبْصَراتِ وهُمُ المَحارِمُ قالَ: ﴿مِن أبْصارِهِنَّ﴾ فَلا يُتْبِعْنَها النَّظَرَ إلى مَنهِيٍّ عَنْهُ رَجُلٍ أوْ غَيْرِهِ، وأجابُوا عَنْ حَدِيثِ عائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها في النَّظَرِ إلى لَعِبِ الحَبَشَةِ في المَسْجِدِ بِاحْتِمالِ أنَّها كانَتْ دُونَ البُلُوغِ لِأنَّها قالَتْ: فاقْدُرُوا قَدْرَ الجارِيَةِ الحَدِيثَةِ السِّنِّ الحَرِيصَةِ عَلى اللَّهْوِ ﴿ويَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ﴾ عَمّا لا يَحِلُّ لَهُنَّ مِن كَشْفٍ وغَيْرِهِ. ولَمّا كانَ النِّساءُ حَبائِلَ الشَّيْطانِ، أُمِرْنَ بِزِيادَةِ السِّتْرِ بِقَوْلِهِ: (p-٢٥٩)ناهِيًا عَنِ الزِّينَةِ لِيَكُونَ النَّهْيُ عَنْ مَواقِعِها مِنَ الجَسَدِ أشَدَّ وأوْلى ﴿ولا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ﴾ أيْ كالحُلِيِّ والفاخِرِ مِنَ الثِّيابِ فَكَيْفَ بِما وراءَها ﴿إلا ما ظَهَرَ مِنها﴾ أيْ كانَ بِحَيْثُ يَظْهَرُ فَيَشُقُّ التَّحَرُّزُ في إخْفائِهِ فَبَدا مِن غَيْرِ قَصْدٍ كالسُّوارِ والخاتَمِ والكُحْلِ فَإنَّها لا بُدَّ لَها مِن مُزاوَلَةِ حاجَتِها بِيَدِها ومِن كَشْفِ وجْهِها في الشَّهادَةِ ونَحْوِها. ولَمّا كانَ أكْثَرُ الزِّينَةِ في الأعْناقِ والأيْدِي والأرْجُلِ، وكانَ دَوامُ سِتْرِ الأعْناقِ أيْسَرَ وأمْكَنَ، خَصَّها فَقالَ: ﴿ولْيَضْرِبْنَ﴾ مِنَ الضَّرْبِ، وهو وضْعُ الشَّيْءِ بِسُرْعَةٍ وتَحامُلٍ، يُقالُ: ضَرَبَ في عَمَلِهِ: أخَذَ فِيهِ، وضَرَبَ بِيَدِهِ إلى كَذا: أهْوى، وعَلى يَدِهِ: أمْسَكَ، وضَرَبَ اللَّيْلُ بِأوْراقِهِ: أقْبَلَ، والضّارِبُ: اللَّيْلُ الَّذِي ذَهَبَتْ ظُلْمَتُهُ يَمِينًا وشِمالًا ومَلَأتِ الدُّنْيا، والضّارِبُ: الطَّوِيلُ مِن كُلِّ شَيْءٍ والمُتَحَرِّكُ. ولَمّا كانَ المَقْصُودُ مِن هَذا الضَّرْبِ بَعْضَ الخِمارِ، وهو ما لاصَقَ الجَيْبَ مِنهُ، عَدّاهُ بِالباءِ فَقالَ: ﴿بِخُمُرِهِنَّ﴾ جَمْعُ خِمارٍ، وهو مَندِيلٌ يُوضَعُ عَلى الرَّأْسِ، وقالَ أبُو حَيّانِ: وهو المَقْنَعَةُ الَّتِي تُلْقِي المَرْأةُ عَلى رَأْسِها. ﴿عَلى جُيُوبِهِنَّ﴾ جَمْعُ جَيْبٍ، وهو خَرْقُ الثَّوْبِ الَّذِي (p-٢٦٠)يُحِيطُ بِالعُنُقِ، فالمَعْنى حِينَئِذٍ يَهْوَيْنَ بِها إلى ما تَحْتَ العُنُقِ ويُسْبِلْنَها مِن جَمِيعِ الجَوانِبِ ويُطَوِّلْنَها سِتْرًا لِلشَّعْرِ والصَّدْرِ وغَيْرِهِما مِمّا هُنالِكَ، وكَأنَّهُ اخْتِيرَ لَفْظُ الضَّرْبِ إشارَةً إلى قُوَّةِ القَصْدِ لِلسِّتْرِ وإشارَةً إلى العَفْوِ عَمّا قَدْ يَبْدُو عِنْدَ تَحَرُّكِ الخِمارِ عِنْدَ مُزاوَلَةِ شَيْءٍ مِنَ العَقْلِ؛ قالَ أبُو حَيّانَ: وكانَ النِّساءُ يُغَطِّينَ رُؤُوسَهُنَّ بِالأخْمِرَةِ ويُسْدِلْنَها مِن وراءِ الظُّهُورِ فَيَبْقى النَّحْرُ والعُنُقُ والأُذُنانِ لا سِتْرَ عَلَيْهِنَّ. ورَوى البُخارِيُّ في التَّفْسِيرِ «عَنْ عائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قالَتْ: يَرْحَمُ اللَّهُ نِساءَ المُهاجِراتِ الأُوَلَ لَمّا نَزَلَتْ ﴿ولْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ﴾ شَقَقْنَ مُرُوطَهُنَّ - وفي رِوايَةٍ: أخَذْنَ أُزُرَهُنَّ فَشَقَقْنَها مِن قِبَلِ الحَواشِي - فاخْتَمَرْنَ بِها»، يَعْنِي تَسْتُرْنَ ما قُدّامُ، والإزارُ هُنا المُلاءُ. ولَمّا كانَ ذِكْرُ الجَيْبِ رُبَّما أوْهَمَ خُصُوصًا في الزِّينَةِ، عَمَّ بِقَوْلِهِ: ﴿ولا يُبْدِينَ﴾ أوْ كَرَّرَهُ لِبَيانِ مَن يَحِلُّ الإبْداءُ لَهُ ومَن لا يَحِلُّ، ولِلتَّأْكِيدِ ﴿زِينَتَهُنَّ﴾ أيِ الخَفِيَّةَ في أيِّ مَوْضِعٍ كانَتْ مِن عُنُقٍ أوْ غَيْرِهِ، (p-٢٦١)وهِيَ ما عَدا الوَجْهَ والكَفَّيْنِ، وظُهُورَ القَدَمَيْنِ، بِوَضْعِ الجِلْبابِ، وهو الثَّوْبُ الَّذِي يُغَطِّي الثِّيابَ والخِمارُ قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما. ﴿إلا لِبُعُولَتِهِنَّ﴾ أيْ أزْواجِهِنَّ، فَإنَّ الزِّينَةَ لَهم جُعِلَتْ. قالَ أبُو حَيّانَ: ثُمَّ ثَنّى بِالمَحارِمِ وسَوّى بَيْنَهم في إبْداءِ الزِّينَةِ، ولَكِنْ تَخْتَلِفُ مَراتِبُهم في الحُرْمَةِ بِحَسَبِ ما في نُفُوسِ البَشَرِ فالأبُ والأخُ لَيْسَ كابْنِ الزَّوْجِ - انْتَهى. فَقالَ تَعالى: ﴿أوْ آبائِهِنَّ﴾ أيْ فَإنَّ لَهم عَلَيْهِنَّ مِنَ الشَّفَقَةِ ما يَمْنَعُ النَّظَرَ بِالشَّهْوَةِ ومِثْلُهم في هَذا المَعْنى سَواءً الأعْمامُ والأخْوالُ وكُلٌّ مِنهُما والِدٌ مَجازًا بِدَلِيلِ ﴿وإلَهَ آبائِكَ إبْراهِيمَ وإسْماعِيلَ﴾ [البقرة: ١٣٣] ﴿أوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ﴾ فَإنَّ رَحْمَتَهم لِأوْلادِهِمْ مانِعَةٌ ﴿أوْ أبْنائِهِنَّ﴾ فَإنَّ لَهُنَّ عَلَيْهِنَّ مِنَ الهَيْبَةِ ما يُبْعِدُ عَنْ ذَلِكَ ﴿أوْ أبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ﴾ فَإنَّ هَيْبَةَ آبائِهِمْ حائِلَةٌ ﴿أوْ إخْوانِهِنَّ﴾ فَإنَّ لَهم مِنَ الرَّغْبَةِ في صِيانَتِهِنَّ عَنِ العارِ ما يَحْفَظُ مِنَ الرِّيبَةِ ﴿أوْ بَنِي﴾ عَدَلَ بِهِ عَنْ جَمْعِ التَّكْسِيرِ لِئَلّا يَتَوالى أرْبَعُ مُضْمَراتٍ مِن غَيْرِ فاصِلٍ حَصِينٍ فَتَنْقُصُ عُذُوبَتُهُ ﴿إخْوانِهِنَّ أوْ بَنِي أخَواتِهِنَّ﴾ فَإنَّهم كَأبْنائِهِنَّ ﴿أوْ نِسائِهِنَّ﴾ أيِ المُسْلِماتِ، وأمّا غَيْرُ المُسَلَّماتِ فَحُكْمُهُنَّ حُكْمُ الرِّجالِ؛ (p-٢٦٢)رَوى سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ في سُنَنِهِ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنَّهُ كَتَبَ إلى عُبَيْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَنْهى عَنْ دُخُولِ الذِّمِّيّاتِ الحَمّامَ مَعَ المُسْلِماتِ، وقالَ: فَإنَّهُ لا يَحِلُّ لِامْرَأةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ أنْ يَنْظُرَ إلى عَوْرَتِها إلّا أهْلُ مِلَّتِها، وفي مُسْنَدِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ نَحْوُهُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما. ﴿أوْ ما مَلَكَتْ أيْمانُهُنَّ﴾ أيْ مِنَ الذُّكُورِ والإناثِ وإنْ كُنَّ غَيْرَ مُسْلِماتٍ لِما لَهُنَّ عَلَيْهِنَّ مِنَ الهَيْبَةِ، وحَمَلَ ابْنُ المُسَيِّبِ الآيَةَ عَلى الإماءِ فَقَطْ؛ قالَ أبُو حَيّانَ: قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وهَذا هو الصَّحِيحُ، لِأنَّ عَبْدَ المَرْأةِ بِمَنزِلَةِ الأجْنَبِيِّ مِنها خَصِيًّا كانَ أوْ فَحْلًا، وعَنْ مَيْسُونَ بِنَّةِ بِحَدْلٍ الكِلابِيَّةِ أنَّ مُعاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دَخَلَ عَلَيْها ومَعَهُ خُصِيٌّ فَتَقَنَّعَتْ مِنهُ فَقالَ: هو خِصِيٌّ، فَقالَتْ: يا مُعاوِيَةُ ! أتَرى المُثْلَةَ بِهِ تُحَلِّلُ ما حَرَّمَ اللَّهُ - انْتَهى. وقِصَّةُ مابُورَ تَرُدُّ هَذا، وقَوْلُهُ: الكِلابِيَّةُ، قالَ شَيْخُنا في تَخْرِيجِ الكَشّافِ: صَوابُهُ: الكَلْبِيَّةُ بِإسْكانِ اللّامِ. ﴿أوِ التّابِعِينَ﴾ أيَّ لِلْخِدْمَةِ أوْ غَيْرِها ﴿غَيْرِ أُولِي الإرْبَةِ﴾ أيِ الحاجَةِ إلى الِاسْتِمْتاعِ بِالنِّساءِ ﴿مِنَ الرِّجالِ﴾ كالشُّيُوخِ الفانِينَ ومَن بِهِمْ عِلَّةٌ مَنَعَتْ شَهْوَتَهُمْ، وكَذا مَن كانَ مَمْسُوحًا لِقِصَّةٍ مابُورَ ﴿أوْ﴾ مِنَ (p-٢٦٣)﴿الطِّفْلِ﴾ أيْ جِنْسِهِ، والطِّفْلُ الصَّغِيرُ ما لَمْ يَبْلُغِ الحُلُمَ أوْ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةٍ، وهو في الأصْلِ: الرَّخْصُ النّاعِمُ مِن كُلِّ شَيْءٍ، وكَأنَّهُ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأنَّهُ يَخْرُجُ مُلْتَبِسًا بِالتُّرابِ الَّذِي تَأْكُلُهُ الحامِلُ، قالَ في القامُوسِ: وطَفِلَ النَّبْتُ كَفَرِحَ وطَفُلَ بِالضَّمِّ تَطْفِيلًا: أصابَهُ التُّرابُ، والطُّفالُ، كَغُرابٍ وسَحابٍ: الطِّينُ اليابِسُ. قالَ القَزّازُ: ويُسَمِّيهِ أهْلُ نَجْدٍ الكَلامَ والعامَّةُ تَقُولُ لِجِنْسٍ مِنهُ: طِفْلٌ، ﴿الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا﴾ أيْ لَمْ يَعْلُوا بِالنَّظَرِ المَقْصُودِ لِلِاطِّلاعِ ﴿عَلى عَوْراتِ النِّساءِ﴾ لِعَدَمِ بُلُوغِ سِنِّ الشَّهْوَةِ لِذَلِكَ. ولَمّا نَهى عَنِ الإظْهارِ، نَبَّهَ عَلى أمْرٍ خَفِيٍّ مِنهُ فَقالَ: ﴿ولا يَضْرِبْنَ بِأرْجُلِهِنَّ﴾ أيْ والخَلاخِيلِ وغَيْرِها مِنَ الزِّينَةِ فِيها. ولَمّا كانَ ذَلِكَ لِمُطْلَقِ الإعْلامِ، بَناهُ لِلْمَفْعُولِ فَقالَ: ﴿لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ﴾ أيْ بِالسّاتِرِ الَّذِي أُمِرْنَ بِهِ ﴿مِن زِينَتِهِنَّ﴾ بِالصَّوْتِ النّاشِئِ مِنَ الحَرَكَةِ عِنْدَ الضَّرْبِ المَذْكُورِ، وفي مَعْنى ذَلِكَ التَّطَيُّبُ، والنَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ يُفْهِمُ النَّهْيَ عَنْ مَوْضِعِهِ مِنَ الجَسَدِ مِن بابِ الأوْلى. ولَمّا أنْهى سُبْحانَهُ ما أمَرَهُ ﷺ بِالتَّقَدُّمِ فِيهِ إلى الرِّجالِ والنِّساءِ، وكانَ مِنَ المَعْلُومِ أنَّ العَبْدَ الحَقِيرَ المَجْبُولَ عَلى الضَّعْفِ (p-٢٦٤)المُوجِبَ لِلتَّقْصِيرِ لَنْ يَقْدِرَ عَلى أنْ يُقَدِّرَ المَوْلى العَلِيَّ الكَبِيرَ حَقَّ قَدْرِهِ وإنْ أبْلَغَ في الِاجْتِهادِ وزادَ في التَّشْمِيرِ، أتْبَعَهُ التَّلَطُّفَ بِالإقْبالِ عَلَيْهِمْ في الأمْرِ بِإقْبالِهِمْ إلَيْهِ إشارَةً إلى أنَّ الأمْرَ في غايَةِ الصُّعُوبَةِ، وأنَّ الإنْسانَ لِكَوْنِهِ مَحَلَّ الزَّلَلِ والتَّقْصِيرِ - وإنِ اجْتَهَدَ - لا يَسَعُهُ إلّا إحْسانُ الرَّحِيمِ الرَّحْمَنِ، فَقالَ: ﴿وتُوبُوا إلى اللَّهِ﴾ أيِ ارْجِعُوا إلى طاعَةِ المَلِكِ الأعْلى مَهْما حَصَلَ مِنكم زَيْغٌ كَما كُنْتُمْ تَفْعَلُونَهُ في الجاهِلِيَّةِ ﴿جَمِيعًا﴾ رِجالُكم ونِساؤُكم ﴿أيُّهَ المُؤْمِنُونَ﴾ والتَّعْبِيرُ بِالوَصْفِ إشارَةً إلى عُلُوِّ مَقامِ التَّوْبَةِ بِأنَّهُ لا يَقْدِرُ عَلى مُلازَمَتِها إلّا راسِخُ القَدَمِ في الإيمانِ، عارِفٌ بِأنَّهُ وإنْ بالَغَ في الِاجْتِهادِ واقِعٌ في النُّقْصانِ، وهَذا الأمْرُ لِلْوُجُوبِ، وإذا كانَ لِلرّاسِخِينَ في الإيمانِ فَمَن دُونَهُ مِن بابِ الأوْلى ﴿لَعَلَّكم تُفْلِحُونَ﴾ أيْ لِتَكُونُوا عَلى رَجاءٍ مِنَ الفَوْزِ بِالمَطْلُوبِ الَّذِي مَضى أوَّلَ سُورَةِ المُؤْمِنُونَ تَعْلِيقُهُ بِتِلْكَ الأوْصافِ الَّتِي مِنها رِعايَةُ الأمانَةِ ولا سِيَّما في الفُرُوجِ؛ قالَ الغَزالِيُّ في كِتابِ التَّوْبَةِ مِنَ الإحْياءِ: إنَّ الإنْسانَ مِن حَيْثُ جُبِلَ عَلى النَّقْصِ لا يَخْلُو عَمّا يُوجِبُ عَلَيْهِ التَّوْبَةَ، فَإنْ خَلا في بَعْضِ الأحْوالِ عَنْ مَعْصِيَةِ الجَوارِحِ فَلا يَخْلُو عَنِ الهَمِّ بِالذُّنُوبِ بِالقَلْبِ، فَإنْ خَلا عَنْهُ فَلا يَخْلُو عَنْ وسْواسِ الشَّيْطانِ بِإيرادِ الخَواطِرِ المُتَفَرِّقَةِ المُذْهِلَةِ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، فَإنْ خَلا عَنْهُ فَلا يَخْلُو عَنْ غَفْلَةٍ (p-٢٦٥)وقُصُورٍ في العِلْمِ بِاللَّهِ وصِفاتِهِ وأفْعالِهِ، وكُلُّ ذَلِكَ نَقْصٌ، ولَهُ أسْبابٌ، وتَرْكُ أسْبابِهِ بِالتَّشاغُلِ بِأضْدادِها رُجُوعٌ عَنْ طَرِيقٍ إلى ضِدِّهِ، والمُرادُ بِالتَّوْبَةِ الرُّجُوعُ، ولا يُتَصَوَّرُ الخُلُوُّ في حَقِّ الآدَمِيِّ عَنْ هَذا النَّقْصِ، وإنَّما يَتَفاوَتُونَ في المَقادِيرِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب