الباحث القرآني

﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكم حَتّى تَسْتَأْنِسُوا وتُسَلِّمُوا عَلى أهْلِها ذَلِكم خَيْرٌ لَكم لَعَلَّكم تَذَكَّرُونَ﴾ ﴿فَإنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أحَدًا فَلا تَدْخُلُوها حَتّى يُؤْذَنَ لَكم وإنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فارْجِعُوا هو أزْكى لَكم واللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ ﴿لَيْسَ عَلَيْكم جُناحٌ أنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيها مَتاعٌ لَكم واللَّهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وما تَكْتُمُونَ﴾ ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِن أبْصارِهِمْ ويَحْفَظُوا فُرُوجَهم ذَلِكَ أزْكى لَهم إنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ﴾ ﴿وقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِن أبْصارِهِنَّ ويَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ولا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلّا ما ظَهَرَ مِنها ولْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ ولا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلّا لِبُعُولَتِهِنَّ أوْ آبائِهِنَّ أوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أوْ أبْنائِهِنَّ أوْ أبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أوْ إخْوانِهِنَّ أوْ بَنِي إخْوانِهِنَّ أوْ بَنِي أخَواتِهِنَّ أوْ نِسائِهِنَّ أوْ ما مَلَكَتْ أيْمانُهُنَّ أوِ التّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ أوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ ولا يَضْرِبْنَ بِأرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وتُوبُوا إلى اللَّهِ جَمِيعًا أيُّها المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكم تُفْلِحُونَ﴾ ﴿وأنْكِحُوا الأيامى مِنكم والصّالِحِينَ مِن عِبادِكم وإمائِكم إنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ واللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [النور: ٣٢] ﴿ولْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحًا حَتّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ والَّذِينَ يَبْتَغُونَ الكِتابَ مِمّا مَلَكَتْ أيْمانُكم فَكاتِبُوهم إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وآتُوهم مِن مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكم ولا تُكْرِهُوا فَتَياتِكم عَلى البِغاءِ إنْ أرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الحَياةِ الدُّنْيا ومَن يُكْرِهُّنَّ فَإنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النور: ٣٣] ﴿ولَقَدْ أنْزَلْنا إلَيْكم آياتٍ مُبَيِّناتٍ ومَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكم ومَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ﴾ [النور: ٣٤] ﴿اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ والأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ المِصْباحُ في زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ ولا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ ولَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشاءُ ويَضْرِبُ اللَّهُ الأمْثالَ لِلنّاسِ واللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [النور: ٣٥] ﴿فِي بُيُوتٍ أذِنَ اللَّهُ أنْ تُرْفَعَ ويُذْكَرَ فِيها اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالغُدُوِّ والآصالِ﴾ [النور: ٣٦] ﴿رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ ولا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وإقامِ الصَّلاةِ وإيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ القُلُوبُ والأبْصارُ﴾ [النور: ٣٧] ﴿لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أحْسَنَ ما عَمِلُوا ويَزِيدَهم مِن فَضْلِهِ واللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ﴾ [النور: ٣٨] ﴿والَّذِينَ كَفَرُوا أعْمالُهم كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتّى إذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا ووَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفّاهُ حِسابَهُ واللَّهُ سَرِيعُ الحِسابِ﴾ [النور: ٣٩] ﴿أوْ كَظُلُماتٍ في بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِن فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إذا أخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها ومَن لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَما لَهُ مِن نُورٍ﴾ [النور: ٤٠] ﴿ألَمْ تَرَ أنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن في السَّماواتِ والأرْضِ والطَّيْرُ صافّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وتَسْبِيحَهُ واللَّهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ﴾ [النور: ٤١] ﴿ولِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ والأرْضِ وإلى اللَّهِ المَصِيرُ﴾ [النور: ٤٢] ﴿ألَمْ تَرَ أنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكامًا فَتَرى الوَدْقَ يَخْرُجُ مِن خِلالِهِ ويُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِن جِبالٍ فِيها مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشاءُ ويَصْرِفُهُ عَنْ مَن يَشاءُ يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأبْصارِ﴾ [النور: ٤٣] ﴿يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ والنَّهارَ إنَّ في ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الأبْصارِ﴾ [النور: ٤٤] ﴿واللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دابَّةٍ مِن ماءٍ فَمِنهم مَن يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ ومِنهم مَن يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ ومِنهم مَن يَمْشِي عَلى أرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ ما يَشاءُ إنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [النور: ٤٥] ﴿لَقَدْ أنْزَلْنا آياتٍ مُبَيِّناتٍ واللَّهُ يَهْدِي مَن يَشاءُ إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [النور: ٤٦] ﴿ويَقُولُونَ آمَنّا بِاللَّهِ وبِالرَّسُولِ وأطَعْنا ثُمَّ يَتَوَلّى فَرِيقٌ مِنهم مِن بَعْدِ ذَلِكَ وما أُولَئِكَ بِالمُؤْمِنِينَ﴾ [النور: ٤٧] ﴿وإذا دُعُوا إلى اللَّهِ ورَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهم إذا فَرِيقٌ مِنهم مُعْرِضُونَ﴾ [النور: ٤٨] ﴿وإنْ يَكُنْ لَهُمُ الحَقُّ يَأْتُوا إلَيْهِ مُذْعِنِينَ﴾ [النور: ٤٩] ﴿أفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أمِ ارْتابُوا أمْ يَخافُونَ أنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ورَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ﴾ [النور: ٥٠] ﴿إنَّما كانَ قَوْلَ المُؤْمِنِينَ إذا دُعُوا إلى اللَّهِ ورَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهم أنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وأطَعْنا وأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ﴾ [النور: ٥١] ﴿ومَن يُطِعِ اللَّهَ ورَسُولَهُ ويَخْشَ اللَّهَ ويَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الفائِزُونَ﴾ [النور: ٥٢] ﴿وأقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أيْمانِهِمْ لَئِنْ أمَرْتَهم لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لا تُقْسِمُوا طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ﴾ [النور: ٥٣] ﴿قُلْ أطِيعُوا اللَّهَ وأطِيعُوا الرَّسُولَ فَإنْ تَوَلَّوْا فَإنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وعَلَيْكم ما حُمِّلْتُمْ وإنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وما عَلى الرَّسُولِ إلّا البَلاغُ المُبِينُ﴾ [النور: ٥٤] ﴿وعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكم وعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهم في الأرْضِ كَما اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ولَيُمَكِّنَنَّ لَهم دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهم ولَيُبَدِّلَنَّهم مِن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ومَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الفاسِقُونَ﴾ [النور: ٥٥] ﴿وأقِيمُوا الصَّلاةَ وآتُوا الزَّكاةَ وأطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكم تُرْحَمُونَ﴾ [النور: ٥٦] ﴿لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ في الأرْضِ ومَأْواهُمُ النّارُ ولَبِئْسَ المَصِيرُ﴾ [النور: ٥٧] ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أيْمانُكم والَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الحُلُمَ مِنكم ثَلاثَ مَرّاتٍ مِن قَبْلِ صَلاةِ الفَجْرِ وحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكم مِنَ الظَّهِيرَةِ ومِن بَعْدِ صَلاةِ العِشاءِ ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكم لَيْسَ عَلَيْكم ولا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ طَوّافُونَ عَلَيْكم بَعْضُكم عَلى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآياتِ واللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [النور: ٥٨] ﴿وإذا بَلَغَ الأطْفالُ مِنكُمُ الحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَما اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكم آياتِهِ واللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [النور: ٥٩] ﴿والقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ وأنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ واللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [النور: ٦٠] ﴿لَيْسَ عَلى الأعْمى حَرَجٌ ولا عَلى الأعْرَجِ حَرَجٌ ولا عَلى المَرِيضِ حَرَجٌ ولا عَلى أنْفُسِكم أنْ تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكم أوْ بُيُوتِ آبائِكم أوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكم أوْ بُيُوتِ إخْوانِكم أوْ بُيُوتِ أخَواتِكم أوْ بُيُوتِ أعْمامِكم أوْ بُيُوتِ عَمّاتِكم أوْ بُيُوتِ أخْوالِكم أوْ بُيُوتِ خالاتِكم أوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ أوْ صَدِيقِكم لَيْسَ عَلَيْكم جُناحٌ أنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أوْ أشْتاتًا فَإذا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلى أنْفُسِكم تَحِيَّةً مِن عِنْدِ اللَّهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآياتِ لَعَلَّكم تَعْقِلُونَ﴾ [النور: ٦١] ﴿إنَّما المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ وإذا كانُوا مَعَهُ عَلى أمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتّى يَسْتَأْذِنُوهُ إنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ورَسُولِهِ فَإذا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَن شِئْتَ مِنهم واسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النور: ٦٢] ﴿لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكم كَدُعاءِ بَعْضِكم بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكم لِواذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أمْرِهِ أنْ تُصِيبَهم فِتْنَةٌ أوْ يُصِيبَهم عَذابٌ ألِيمٌ﴾ [النور: ٦٣] ﴿ألا إنَّ لِلَّهِ ما في السَّماواتِ والأرْضِ قَدْ يَعْلَمُ ما أنْتُمْ عَلَيْهِ ويَوْمَ يُرْجَعُونَ إلَيْهِ فَيُنَبِّئُهم بِما عَمِلُوا واللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [النور: ٦٤] (p-٤٤٣)غَضَّ البَصَرَ: أطْبَقَ الجَفْنَ عَلى الجَفْنِ بِحَيْثُ تَمْتَنِعُ الرُّؤْيَةُ. قالَ الشّاعِرُ: ؎فَغُضَّ الطَّرْفَ إنَّكَ مِن نُمَيْرٍ فَلا كَعْبًا بَلَغْتَ ولا كِلابًا الخُمُرُ: جَمْعُ خِمارٍ، وهو المِقْنَعَةُ الَّتِي تُلْقِي المَرْأةُ عَلى رَأْسِها، وهو جَمْعُ كَثْرَةٍ مَقِيسٌ فِيهِ، ويُجْمَعُ في القِلَّةِ عَلى أخْمِرَةٍ، وهو مَقِيسٌ فِيها أيْضًا. قالَ الشّاعِرُ: ؎وتَرى الشَّجْراءَ في رَيِّقِهِ ∗∗∗ كَرُءُوسٍ قُطِّعَتْ فِيها الخُمُرُ، الجَيْبُ: فَتْحٌ يَكُونُ في طَوْقِ القَمِيصِ يَبْدُو مِنهُ بَعْضُ الجَسَدِ. والعَوْرَةُ: ما احْتُرِزَ مِنَ الِاطِّلاعِ عَلَيْهِ، ويَغْلِبُ في سَوْأةِ الرَّجُلِ. والمَرْأةُ الأيِّمُ: قالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: كُلُّ ذَكَرٍ لا أُنْثى مَعَهُ، وكُلُّ أُنْثى لا ذَكَرَ مَعَها، ووَزْنُهُ فَعْيِلٌ كَلَيِّنٍ، ويُقالُ: آمَتْ تَئِيمُ. وقالَ الشّاعِرُ: ؎كُلُّ امْرِئٍ سَتَئِيمُ مِن ∗∗∗ هُ العِرْسُ أوْ مِنها يَئِيمْ أيْ: سَيَنْفَرِدُ فَيَصِيرُ أيِّمًا، وقِياسُ جَمْعِهِ أيائِمُ، كَسَيائِدَ في جَمْعِ سَيِّدٍ، وجَمْعُهُ عَلى فَعالى مَحْفُوظٌ لا مَقِيسٌ. البِغاءُ: الزِّنا، يُقالُ: بَغَتِ المَرْأةُ تَبْغِي بِغاءً فَهي بَغِيٌّ، وهو مُخْتَصٌّ بِزِنا النِّساءِ. المِشْكاةُ: الكُوَّةُ غَيْرُ (p-٤٤٤)النّافِذَةِ. قالَ الكَلْبِيُّ حَبَشِيٌّ مُعَرَّبٌ. الزُّجاجَةُ: جَوْهَرٌ مَصْنُوعٌ مَعْرُوفٌ، وضَمُّ الزّايِ لُغَةُ الحِجازِ، وكَسْرُها وفَتْحُها لُغَةُ قَيْسٍ. الزَّيْتُ: الدُّهْنُ المُعْتَصَرُ مِن حَبِّ شَجَرَةِ الزَّيْتُونِ. قالَ الكَرْمانِيُّ: السَّرابُ بُخارٌ يَرْتَفِعُ مِن قَعُورِ القِيعانِ فَيُكَيِّفُ، فَإذا اتَّصَلَ بِهِ ضَوْءُ الشَّمْسِ أشْبَهَ الماءَ مِن بَعِيدٍ، فَإذا دَنا مِنهُ الإنْسانُ لَمْ يَرَهُ كَما كانَ يَراهُ بَعِيدًا. وقالَ الفَرّاءُ: السَّرابُ: ما لَصِقَ بِالأرْضِ. وقِيلَ: هُوالشُّعاعُ الَّذِي يُرى نِصْفَ النَّهارِ عِنْدَ اشْتِدادِ الحَرِّ في البَرِّ، يُخَيَّلُ لِلنّاظِرِ أنَّهُ الماءُ السّارِبُ، أيِ: الجارِي. وقالَ الشّاعِرُ: ؎فَلَمّا كَفَفْنا الحَرْبَ كانَتْ عُهُودُكم ∗∗∗ كَلَمْعِ سَرابٍ في الفَلا مُتَألِّقِ وقالَ: ؎أمَرُّ الطُّولِ لَمّاعُ السَّرابِ وقِيلَ: السَّرابُ ما يُرَقْرَقُ مِنَ الهَواءِ في الهَجِيرِ في فَيافِي الأرْضِ المُنْبَسِطَةِ. اللُّجِّيُّ: الكَثِيرُ الماءِ، ولُجَّةُ البَحْرِ مُعْظَمُهُ، وكانَ لُجِّيًّا مَنسُوبٌ إلى اللُّجَّةِ. الوَدْقُ: المَطَرُ شَدِيدُهُ وضَعِيفُهُ. قالَ الشّاعِرُ: ؎فَلا مُزْنَةٌ ودَقَتْ ودْقَها ∗∗∗ ولا أرْضَ أبْقَلَ إبْقالُها وقالَ أبُو الأشْهَبِ العُقَيْلِيُّ: هو البَرْقُ. ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ: ؎أثَرْنَ عَجاجَةً وخَرَجْنَ مِنها ∗∗∗ خُرُوجَ الوَدْقِ مِن خَلَلِ السَّحابِ والوَدْقُ: مَصْدَرُ ودَقَ السَّحابُ يَدِقُ ودْقًا، ومِنهُ اسْتَوْدَقْتُ الفَرَسَ. البَرْدُ: مَعْرُوفٌ، وهو قِطَعٌ مُتَجَمِّدَةٌ يَذُوبُ مِنهُ ماءٌ بِالحَرارَةِ. السَّنا: مَقْصُورٌ مِن ذَواتِ الواوِ وهُوالضَّوْءُ. قالَ الشّاعِرُ: يُضِيءُ سَناهُ أوْ مَصابِيحُ راهِبٍ يُقالُ: سَنا يَسْنُو سَنًا، والسَّنا أيْضًا نَبْتٌ يُتَداوى بِهِ، والسَّناءُ بِالمَدِّ الرِّفْعَةُ والعُلُوُّ قالَ: وسَنَ كَسَنَقَ سَناءً وسَنًا، أذْعَنَ لِلشَّيْءِ: انْقادَ لَهُ. وقالَ الزَّجّاجُ: الإذْعانُ: الإسْراعُ مَعَ الطّاعَةِ. الحَيْفُ: المَيْلُ في الحُكْمِ، يُقالُ: حافَ في قَضِيَّتِهِ، أيْ: جارَ. اللِّواذُ: الرَّوَغانُ مِن شَيْءٍ إلى شَيْءٍ في خُفْيَةٍ. * * * ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكم حَتّى تَسْتَأْنِسُوا وتُسَلِّمُوا عَلى أهْلِها ذَلِكم خَيْرٌ لَكم لَعَلَّكم تَذَكَّرُونَ﴾ ﴿فَإنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أحَدًا فَلا تَدْخُلُوها حَتّى يُؤْذَنَ لَكم وإنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فارْجِعُوا هو أزْكى لَكم واللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ ﴿لَيْسَ عَلَيْكم جُناحٌ أنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيها مَتاعٌ لَكم واللَّهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وما تَكْتُمُونَ﴾ ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِن أبْصارِهِمْ ويَحْفَظُوا فُرُوجَهم ذَلِكَ أزْكى لَهم إنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ﴾ ﴿وقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِن أبْصارِهِنَّ ويَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ولا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلّا ما ظَهَرَ مِنها ولْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ ولا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلّا لِبُعُولَتِهِنَّ أوْ آبائِهِنَّ أوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أوْ أبْنائِهِنَّ أوْ أبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أوْ إخْوانِهِنَّ أوْ بَنِي إخْوانِهِنَّ أوْ بَنِي أخَواتِهِنَّ أوْ نِسائِهِنَّ أوْ ما مَلَكَتْ أيْمانُهُنَّ أوِ التّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ أوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ ولا يَضْرِبْنَ بِأرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وتُوبُوا إلى اللَّهِ جَمِيعًا أيُّها المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكم تُفْلِحُونَ﴾ (p-٤٤٥)«جاءَتِ امْرَأةٌ مِنَ الأنْصارِ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقالَتْ: يا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي أكُونُ في بَيْتِي عَلى حالٍ لا أُحِبُّ أنْ يَرانِي عَلَيْها أحَدٌ، فَلا يَزالُ يَدْخُلُ عَلَيَّ رَجُلٌ مِن أهْلِي، فَنَزَلَتْ: ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا﴾»، الآيَةَ. «فَقالَ أبُو بَكْرٍ بَعْدَ نُزُولِها: يا رَسُولَ اللَّهِ، أرَأيْتَ الخاناتِ والمَساكِنَ الَّتِي لَيْسَ فِيها ساكِنٌ، فَنَزَلَ: ﴿لَيْسَ عَلَيْكم جُناحٌ﴾»، الآيَةَ. ومُناسَبَةُ هَذِهِ الآيَةِ لِما قَبْلَها هو أنَّ أهْلَ الإفْكِ إنَّما وجَدُوا السَّبِيلَ إلى بُهْتانِهِمْ مِن حَيْثُ اتَّفَقَتِ الخَلْوَةُ، فَصارَتْ كَأنَّها طَرِيقٌ لِلتُّهْمَةِ، فَأوْجَبَ اللَّهُ تَعالى أنْ لا يَدْخُلَ المَرْءُ بَيْتَ غَيْرِهِ إلّا بَعْدَ الِاسْتِئْذانِ والسَّلامِ؛ لِأنَّ في الدُّخُولِ لا عَلى هَذا الوَجْهِ وُقُوعَ التُّهْمَةِ، وفي ذَلِكَ مِنَ المَضَرَّةِ ما لا خَفاءَ بِهِ. والظّاهِرُ أنَّهُ يَجُوزُ لِلْإنْسانِ أنْ يَدْخُلَ بَيْتَ نَفْسِهِ مِن غَيْرِ اسْتِئْذانٍ ولا سَلامٍ؛ لِقَوْلِهِ: ﴿غَيْرَ بُيُوتِكُمْ﴾، ويُرْوى «أنْ رَجُلًا قالَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: أأسْتَأْذِنُ عَلى أُمِّي ؟ قالَ: ”نَعَمْ“، قالَ: لَيْسَ لَها خادِمٌ غَيْرِي؛ أأسْتَأْذِنُ عَلَيْها كُلَّما دَخَلْتُ ؟ قالَ: ”أتُحِبُّ أنْ تَراها عُرْيانَةً“ قالَ الرَّجُلُ: لا»، قالَ: وغَيّا النَّهْيَ عَنِ الدُّخُولِ بِالِاسْتِئْناسِ والسَّلامِ عَلى أهْلِ تِلْكَ البُيُوتِ، والظّاهِرُ أنَّ الِاسْتِئْناسَ هو خِلافُ الِاسْتِيحاشِ؛ لِأنَّ الَّذِي يَطْرُقُ بابَ غَيْرِهِ لا يَدْرِي أيُؤْذَنُ لَهُ أمْ لا، فَهو كالمُسْتَوْحِشِ مِن جَفاءِ الحالِ إذا أُذِنَ لَهُ اسْتَأْنَسَ، فالمَعْنى حَتّى يُؤْذَنَ لَكم كَقَوْلِهِ: ﴿لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إلّا أنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ﴾ [الأحزاب: ٥٣]، وهَذا مِن بابِ الكِناياتِ والإرْدافِ؛ لِأنَّ هَذا النَّوْعَ مِنَ الِاسْتِئْناسِ يُرْدَفُ الإذْنَ فَوُضِعَ مَوْضِعَ الإذْنِ. وقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ قالَ: ﴿تَسْتَأْنِسُوا﴾ مَعْناهُ تَسْتَأْذِنُوا، ومَن رَوى عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّ قَوْلَهُ: ﴿تَسْتَأْنِسُوا﴾ خَطَأٌ أوْ وهْمٌ مِنَ الكاتِبِ، وأنَّهُ قَرَأ حَتّى تَسْتَأْذِنُوا، فَهو طاعِنٌ في الإسْلامِ مُلْحِدٌ في الدِّينِ، وابْنُ عَبّاسٍ بَرِيءٌ مِن هَذا القَوْلِ. و﴿تَسْتَأْنِسُوا﴾ (p-٤٤٦)مُتَمَكِّنَةٌ في المَعْنى بِيِّنَةُ الوَجْهِ في كَلامِ العَرَبِ. «وقَدْ قالَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ ﷺ: أسْتَأْنِسُ يا رَسُولَ اللَّهِ وعُمَرُ واقِفٌ عَلى بابِ الغُرْفَةِ،» الحَدِيثَ المَشْهُورَ. وذَلِكَ يَقْتَضِي أنَّهُ طَلَبَ الأُنْسَ بِهِ. وقِيلَ: هو مِنَ الِاسْتِئْناسِ الَّذِي هو الِاسْتِعْلامُ والِاسْتِكْشافُ، اسْتِفْعالٌ مِن أنِسَ الشَّيْءَ إذا أبْصَرَهُ ظاهِرًا مَكْشُوفًا، والمَعْنى حَتّى تَسْتَعْلِمُوا وتَسْتَكْشِفُوا الحالَ هَلْ يُرادُ دُخُولُكم أمْ لا، ومِنهُ اسْتَأْنِسْ هَلْ تَرى أحَدًا واسْتَأْنَسْتُ فَلَمْ أرَ أحَدًا، أيْ تَعَرَّفْتُ واسْتَعْلَمْتُ، ومِنهُ بَيْتُ النّابِغَةِ: ؎كَأنَّ رَحْلِي وقَدْ زالَ النَّهارُ بِنا يَوْمَ الجَلِيلِ عَلى مُسْتَأْنِسٍ وحِدِ ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مِنَ الأُنْسِ، وهو أنْ يَتَعَرَّفَ هَلْ ثَمَّ إنْسانٌ. «وعَنْ أبِي أيُّوبَ قالَ: قُلْنا: يا رَسُولَ اللَّهِ، ما الِاسْتِئْناسُ ؟ قالَ: ”يَتَكَلَّمُ الرَّجُلُ بِالتَّسْبِيحَةِ والتَّكْبِيرَةِ يَتَنَحْنَحُ يُؤْذِنُ أهْلَ البَيْتِ، والتَّسْلِيمُ أنْ يَقُولَ: السَّلامُ عَلَيْكم“» . وكانَ أهْلُ الجاهِلِيَّةِ يَقُولُ الرَّجُلُ مِنهم إذا دَخَلَ بَيْتًا غَيْرَ بَيْتِهِ: حُيِّيتُمْ صَباحًا وحُيِّيتُمْ مَساءً، ثُمَّ يَدْخُلُ، فَرُبَّما أصابَ الرَّجُلَ مَعَ امْرَأتِهِ في لِحافٍ واحِدٍ، فَصَدَّ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ وعَلَّمَ الأحْسَنَ الأكْمَلَ. وذَهَبَ الطَّبَرِيُّ في ﴿تَسْتَأْنِسُوا﴾ إلى أنَّهُ بِمَعْنى حَتّى تُؤْنِسُوا أهْلَ البَيْتِ مِن أنْفُسِكم بِالتَّنَحْنُحِ والِاسْتِئْذانِ ونَحْوِهِ، وتُؤْنِسُوا أنْفُسَكم بِأنْ تَعْلَمُوا أنْ قَدْ شُعِرَ بِكم. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وتَصْرِيفُ الفِعْلِ يَأْبى أنْ يَكُونَ مِن آنَسَ، انْتَهى. وقالَ عَطاءٌ: الِاسْتِئْذانُ واجِبٌ عَلى كُلِّ مُحْتَلِمٍ، والظّاهِرُ مُطْلَقُ الِاسْتِئْذانِ فَيَكْفِي فِيهِ المَرَّةُ الواحِدَةُ. وفي الحَدِيثِ: «الِاسْتِئْذانُ ثَلاثٌ» يَعْنِي كَمالَهُ. «فَإنْ أُذِنَ لَهُ وإلّا فَلْيَرْجِعْ، ولا يَزِيدُ عَلى ثَلاثٍ إلّا أنْ يُحَقِّقَ أنَّ مَن في البَيْتِ لَمْ يَسْمَعْ» . والظّاهِرُ تَقْدِيمُ الِاسْتِئْذانِ عَلى السَّلامِ. «وفِي حَدِيثِ أبِي داوُدَ: قُلِ السَّلامُ عَلَيْكم أأدْخُلُ ؟» والواوُ في ﴿وتُسَلِّمُوا﴾ لا تَقْتَضِي تَرْتِيبًا فَشَرَعَ النِّداءَ بِالسَّلامِ عَلى الإذْنِ لِما في السَّلامِ مِنَ التَّفاؤُلِ بِالسَّلامَةِ. (ذَلِكم) إشارَةٌ إلى المَصْدَرِ المَفْهُومِ مِن ﴿تَسْتَأْنِسُوا﴾، و(تُسَلِّمُوا) أيْ (ذَلِكم) الِاسْتِئْناسُ والتَّسْلِيمُ ﴿خَيْرٌ لَكُمْ﴾ مِن تَحِيَّةِ الجاهِلِيَّةِ. ﴿لَعَلَّكم تَذَكَّرُونَ﴾ أيْ شَرَعْنا ذَلِكَ ونَبَّهْناكم عَلى ما فِيهِ مَصْلَحَتُكم مِنَ السَّتْرِ وعَدَمِ الِاطِّلاعِ عَلى ما تَكْرَهُونَ الِاطِّلاعَ عَلَيْهِ. ﴿لَعَلَّكم تَذَكَّرُونَ﴾ اعْتِناءً بِمَصالِحِكم. ﴿فَإنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أحَدًا﴾ أيْ يَأْذَنُ لَكم فَلا تُقْدِمُوا عَلى الدُّخُولِ في مِلْكِ غَيْرِكم، ﴿حَتّى يُؤْذَنَ لَكُمْ﴾ إذْ قَدْ يَكُونُ لِرَبِّ البَيْتِ فِيهِ ما لا يُحِبُّ أنْ يُطَّلَعَ عَلَيْهِ. ﴿وإنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فارْجِعُوا﴾ وهَذا عائِدٌ إلى مَنِ اسْتَأْذَنَ في دُخُولِ بَيْتِ غَيْرِهِ فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، سَواءٌ كانَ فِيهِ مَن يَأْذَنُ أمْ لَمْ يَكُنْ، أيْ: لا تُلِحُّوا في طَلَبِ الإذْنِ ولا في الوُقُوفِ عَلى البابِ مُنْتَظِرِينَ. ﴿هُوَ أزْكى﴾ أيِ الرُّجُوعُ أطْهَرُ لَكم وأنْمى خَيْرًا؛ لِما فِيهِ مِن سَلامَةِ الصَّدْرِ والبُعْدِ عَنِ الرِّيبَةِ. ثُمَّ أخْبَرَ أنَّهُ تَعالى ﴿بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ أيْ بِما تَأْتُونَ وما تَذَرُوَنَ مِمّا خُوطِبْتُمْ بِهِ فَيُجازِيكم عَلَيْهِ، وفي ذَلِكَ تَوَعُّدٌ لِأهْلِ التَّجَسُّسِ عَلى البُيُوتِ وطَلَبِ الدُّخُولِ عَلى غَيْرِهِ والنَّظَرِ لِما لا يَحِلُّ. ﴿لَيْسَ عَلَيْكم جُناحٌ﴾ قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: اسْتَثْنى مِنَ البُيُوتِ الَّتِي يَجِبُ الِاسْتِئْذانُ عَلى داخِلِها ما لَيْسَ بِمَسْكُونٍ مِنها، نَحْوَ الفَنادِقِ - وهي الخاناتُ - والرُّبُطُ وحَوانِيتُ البَيّاعِينَ، والمَتاعُ المَنفَعَةُ كالِاسْتِكْنانِ مِنَ الحَرِّ والبَرْدِ وإيواءِ الرِّحالِ والسِّلَعِ والشِّراءِ والبَيْعِ، انْتَهى. وما ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ مِن أنَّهُ اسْتِثْناءٌ مِنَ البُيُوتِ كَما ذَكَرَ، هو مَرْوِيٌّ عَنِ ابْن عَبّاسٍ وعِكْرِمَةَ والحَسَنِ، ولا يَظْهَرُ أنَّهُ اسْتِثْناءٌ؛ لِأنَّ الآيَةَ الأُولى في البُيُوتِ المَسْكُونَةِ والمَمْلُوكَةِ؛ ولِذَلِكَ قالَ: ﴿بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ﴾، وهَذا الآيَةُ الثّانِيَةُ هي في البُيُوتِ المُباحَةِ، وقَدْ مَثَّلَ العُلَماءُ لِهَذِهِ البُيُوتِ أمْثِلَةً. فَقالَ مُحَمَّدُ ابْنُ الحَنَفِيَّةِ وقَتادَةُ ومُجاهِدٌ: هي في الفَنادِقِ الَّتِي في طُرُقِ المُسافِرِينَ. قالَ مُجاهِدٌ: لا يَسْكُنُها أحَدٌ بَلْ هي مَوْقُوفَةٌ يَأْوِي إلَيْها كُلُّ ابْنِ سَبِيلٍ. و﴿فِيها مَتاعٌ﴾ لَهم أيِ اسْتِمْتاعٌ بِمَنفَعَتِها، ومَثَّلَ عَطاءٌ بِالخِرَبِ الَّتِي تُدْخَلُ لِلتَّبَرُّزِ. وقالَ ابْنُ زَيْدٍ والشَّعْبِيُّ: هي حَوانِيتُ (p-٤٤٧)القَيْسارِيَةِ والسُّوقِ. قالَ ابْنُ الحَنَفِيَّةِ أيْضًا: هي دُورُ مَكَّةَ، وهَذا لا يَسُوغُ إلّا عَلى القَوْلِ بِأنَّ دُورَ مَكَّةَ غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ، وأنَّ النّاسَ فِيها شُرَكاءُ، وأنَّ مَكَّةَ فُتِحَتْ عَنْوَةً. ﴿واللَّهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وما تَكْتُمُونَ﴾ وعِيدٌ لِلَّذِينِ يَدْخُلُونَ البُيُوتَ غَيْرَ المَسْكُونَةِ مِن أهْلِ الرِّيَبِ. و(مِن) في ﴿مِن أبْصارِهِمْ﴾ عِنْدَ الأخْفَشِ زائِدَةٌ، أيْ يَغُضُّوا أبْصارَهم عَمّا يَحْرُمُ، وعِنْدَ غَيْرِهِ لِلتَّبْعِيضِ؛ وذَلِكَ أنَّ أوَّلَ نَظْرَةٍ لا يَمْلِكُها الإنْسانُ وإنَّما يَغُضُّ فِيما بَعْدَ ذَلِكَ، ويُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ لِعَلِيٍّ - كَرَّمَ اللَّهُ وجْهَهُ -: لا تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ؛ فَإنَّ الأُولى لَكَ ولَيْسَتْ لَكَ الثّانِيَةُ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: يَصِحُّ أنْ تَكُونَ (مِن) لِبَيانِ الجِنْسِ، ويَصِحُّ أنْ تَكُونَ لِابْتِداءِ الغايَةِ، انْتَهى. ولَمْ يَتَقَدَّمْ مُبْهَمٌ فَتَكُونَ (مِن) لِبَيانِ الجِنْسِ، عَلى أنَّ الصَّحِيحَ أنَّ ”مِن“ لَيْسَ مِن مَوْضُوعاتِها أنْ تَكُونَ لِبَيانِ الجِنْسِ. ﴿ويَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ﴾ أيْ مِنَ الزِّنا ومِنَ التَّكَشُّفِ. ودَخَلَتْ (مِن) في قَوْلِهِ: ﴿مِن أبْصارِهِمْ﴾ دُونَ الفَرْجِ؛ دَلالَةً عَلى أنَّ أمْرَ النَّظَرِ أوْسَعُ؛ ألا تَرى أنَّ الزَّوْجَةَ يَنْظُرُ زَوْجُها إلى مَحاسِنِها مِنَ الشَّعْرِ والصَّدْرِ والعَضُدِ والسّاقِ والقَدَمِ، وكَذَلِكَ الجارِيَةُ المُسْتَعْرَضَةُ، ويَنْظُرُ مِنَ الأجْنَبِيَّةِ إلى وجْهِها وكَفَّيْها، وأمّا أمْرُ الفَرْجِ فَمُضَيَّقٌ. وعَنْ أبِي العالِيَةِ وابْنِ زَيْدٍ: كُلُّ ما في القُرْآنِ مِن حِفْظِ الفَرْجِ فَهو مِنَ الزِّنا إلّا هَذا فَهو مِنَ الِاسْتِتارِ، ولا يَتَعَيَّنُ ما قالَهُ بَلْ حِفْظُ الفَرْجِ يَشْمَلُ النَّوْعَيْنِ. (ذَلِكَ) أيْ غَضُّ البَصَرِ وحِفْظُ الفَرْجِ أطْهَرُ لَهم. ﴿إنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ﴾ مِن إحالَةِ النَّظَرِ وانْكِشافِ العَوْراتِ، فَيُجازِي عَلى ذَلِكَ. وقَدَّمَ غَضَّ البَصَرِ عَلى حِفْظِ الفَرْجِ؛ لِأنَّ النَّظَرَ بَرِيدُ الزِّنا ورائِدُ الفُجُورِ، والبَلْوى فِيهِ أشَدُّ وأكْثَرُ، لا يَكادُ يُقْدَرُ عَلى الِاحْتِرازِ مِنهُ، وهو البابُ الأكْبَرُ إلى القَلْبِ وأعْمَرُ طُرُقِ الحَواسِّ إلَيْهِ، ويَكْثُرُ السُّقُوطُ مِن جِهَتِهِ. وقالَ بَعْضُ الأُدَباءِ: ؎وما الحُبُّ إلّا نَظْرَةٌ إثْرَ نَظْرَةٍ ∗∗∗ تَزِيدُ نُمُوًّا إنْ تَزِدْهُ لَجاجًا ثُمَّ ذَكَرَ تَعالى حُكْمَ المُؤْمِناتِ في تَساوِيهِنَّ مَعَ الرِّجالِ في الغَضِّ مِنَ الأبْصارِ وفي الحِفْظِ لِلْفُرُوجِ. ثُمَّ قالَ: ﴿ولا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ﴾، واسْتَثْنى ما ظَهَرَ مِنَ الزِّينَةِ، والزِّينَةُ ما تَتَزَيَّنُ بِهِ المَرْأةُ مِن حُلِيٍّ أوْ كُحْلٍ أوْ خِضابٍ، فَما كانَ ظاهِرًا مِنها كالخاتَمِ والفَتْخَةِ والكُحْلِ والخِضابِ فَلا بَأْسَ بِإبْدائِهِ لِلْأجانِبِ، وما خَفِيَ مِنها كالسُّوارِ والخَلْخالِ والدُّمْلُجِ والقِلادَةِ والإكْلِيلِ والوِشاحِ والقُرْطِ فَلا تُبْدِيهِ إلّا لِمَنِ اسْتُثْنِيَ. وذَكَرَ الزِّينَةَ دُونَ مَواضِعِها مُبالَغَةً في الأمْرِ بِالتَّصَوُّنِ والتَّسَتُّرِ؛ لِأنَّ هَذِهِ الزِّيَنَ واقِعَةٌ عَلى مَواضِعَ مِنَ الجَسَدِ لا يَحِلُّ النَّظَرُ إلَيْها لِغَيْرِ هَؤُلاءِ، وهي السّاقُ والعَضُدُ والعُنُقُ والرَّأْسُ والصَّدْرُ والآذانُ، فَنَهى عَنْ إبْداءِ الزِّيَنِ نَفْسِها؛ لِيُعْلَمَ أنَّ النَّظَرَ لا يَحِلُّ إلَيْها لِمُلابَسَتِها تِلْكَ المَواقِعَ بِدَلِيلِ النَّظَرِ إلَيْها غَيْرَ مُلابِسَةٍ لَها، وسُومِحَ في الزِّينَةِ الظّاهِرَةِ؛ لِأنَّ سَتْرَها فِيهِ حَرَجٌ، فَإنَّ المَرْأةَ لا تَجِدُ بُدًّا مِن مُزاوَلَةِ الأشْياءِ بِيَدِها ومِنَ الحاجَةِ إلى كَشْفِ وجْهِها، خُصُوصًا في الشَّهادَةِ والمُحاكَمَةِ والنِّكاحِ، وتُضْطَرُّ إلى المَشْيِ في الطُّرُقاتِ وظُهُورِ قَدَمَيْها خاصَّةً الفَقِيراتُ مِنهُنَّ وهَذا مَعْنى قَوْلِهِ: ﴿إلّا ما ظَهَرَ مِنها﴾ يَعْنِي إلّا ما جَرَتِ العادَةُ والجِبِلَّةُ عَلى ظُهُورِهِ، والأصْلُ فِيهِ الظُّهُورُ وسُومِحَ في الزِّينَةِ الخَفِيفَةِ. أُولَئِكَ المَذْكُورُونَ لِما كانُوا مُخْتَصِّينَ بِهِ مِنَ الحاجَةِ المُضْطَرَّةِ إلى مُداخَلَتِهِمْ ومُخالَطَتِهِمْ، ولِقِلَّةِ تَوَقُّعِ الفِتْنَةِ مِن جِهاتِهِمْ؛ ولِما في الطِّباعِ مِنَ النُّفْرَةِ عَنْ مُماسَّةِ القَرائِبِ، وتَحْتاجُ المَرْأةُ إلى صُحْبَتِهِمْ في الأسْفارِ لِلنُّزُولِ والرُّكُوبِ وغَيْرِ ذَلِكَ. وقالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: ﴿ما ظَهَرَ مِنها﴾ هو الثِّيابُ، ونَصَّ عَلى ذَلِكَ أحْمَدُ قالَ: الزِّينَةُ الظّاهِرَةُ الثِّيابُ، وقالَ تَعالى: ﴿خُذُوا زِينَتَكم عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ [الأعراف: ٣١] وفُسِّرَتِ الزِّينَةُ بِالثِّيابِ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: الكُحْلُ والخاتَمُ. وقالَ الحَسَنُ في جَماعَةٍ: الوَجْهُ والكَفّانِ. وقالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: الوَجْهُ والكُحْلُ والخاتَمُ والخِضابُ والسُّوارُ. وقالَ الحَسَنُ أيْضًا: الخاتَمُ والسِّوارُ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: الكُحْلُ والخاتَمُ فَقَطْ. وقالَ (p-٤٤٨)المِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ: هُما والسِّوارُ. وقالَ الحَسَنُ أيْضًا: الخاتَمُ والسِّوارُ. وقالَ ابْنُ بَحْرٍ: الزِّينَةُ تَقَعُ عَلى مَحاسِنِ الخَلْقِ الَّتِي فَعَلَها اللَّهُ وعَلى ما يُتَزَيَّنُ بِهِ مِن فَضْلِ لِباسٍ، فَنَهاهُنَّ اللَّهُ عَنْ إبْداءِ ذَلِكَ لِمَن لَيْسَ بِمَحْرَمٍ، واسْتَثْنى ما لا يُمْكِنُ إخْفاؤُهُ في بَعْضِ الأوْقاتِ كالوَجْهِ والأطْرافِ عَلى غَيْرِ التَّلَذُّذِ. وأنْكَرَ بَعْضُهم إطْلاقَ الزِّينَةِ عَلى الخِلْقَةِ، والأقْرَبُ دُخُولُهُ في الزِّينَةِ، وأيُّ زِينَةٍ أحْسَنُ مِن خَلْقِ العُضْوِ في غايَةِ الِاعْتِدالِ والحُسْنِ. وفِي قَوْلِهِ: ﴿ولْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ﴾ دَلِيلٌ عَلى أنَّ الزِّينَةَ ما يَعُمُّ الخِلْقَةَ وغَيْرَها، مَنَعَهُنَّ مِن إظْهارِ مَحاسِنِ خَلْقِهِنَّ فَأوْجَبَ سَتْرَها بِالخِمارِ. وقَدْ يُقالُ لَمّا كانَ الغالِبُ مِنَ الوَجْهِ والكَفَّيْنِ ظُهُورُها عادَةً وعِبادَةً في الصَّلاةِ والحَجِّ: حَسُنَ أنْ يَكُونَ الِاسْتِثْناءُ راجِعًا إلَيْهِما، وفي السُّنَنِ لِأبِي داوُدَ أنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - قالَ: ”«يا أسْماءُ، إنَّ المَرْأةَ إذا بَلَغَتِ المَحِيضَ لَمْ يَصْلُحْ أنْ يُرى مِنها إلّا هَذا: وأشارَ إلى وجْهِهِ وكَفَّيْهِ» . وقالَ ابْنُ خُوَيْزِ مَندادَ: إذا كانَتْ جَمِيلَةً وخِيفَ مِن وجْهِها وكَفَّيْها الفِتْنَةُ فَعَلَيْها سَتْرُ ذَلِكَ، وكانَ النِّساءُ يُغَطِّينَ رُءُوسَهُنَّ بِالأخْمِرَةِ ويُسْدِلْنَها مِن وراءِ الظَّهْرِ فَيَبْقى النَّحْرُ والعُنُقُ والأُذُنانِ لا سِتْرَ عَلَيْهِنَّ، وضَمَّنَ ﴿ولْيَضْرِبْنَ﴾ مَعْنى ولْيُلْقِينَ ولْيَضَعْنَ، فَلِذَلِكَ عَدّاهُ بِعَلى كَما تَقُولُ ضَرَبْتُ بِيَدِي عَلى الحائِطِ إذا وضَعْتَها عَلَيْهِ. وقَرَأ عَيّاشٌ عَنْ أبِي عَمْرٍو: ﴿ولِيَضْرِبْنَ﴾ بِكَسْرِ اللّامِ، وطَلْحَةُ: ﴿بِخُمْرِهِنَّ﴾ بِسُكُونِ المِيمِ، وأبُو عَمْرٍو، ونافِعٌ، وعاصِمٌ، وهِشامٌ: ﴿جُيُوبِهِنَّ﴾ بِضَمِّ الجِيمِ، وباقِي السَّبْعَةِ بِكَسْرِ الجِيمِ. وبَدَأ تَعالى بِالأزْواجِ؛ لِأنَّ اطِّلاعَهم يَقَعُ عَلى أعْظَمَ مِنَ الزِّينَةِ، ثُمَّ ثَنّى بِالمَحارِمِ وسَوّى بَيْنَهم في إبْداءِ الزِّينَةِ، ولَكِنْ تَخْتَلِفُ مَراتِبُهم في الحُرْمَةِ بِحَسَبِ ما في نُفُوسِ البَشَرِ، فالأبُ والأخُ لَيْسَ كابْنِ الزَّوْجِ فَقَدْ يُبْدى لِلْأبِ ما لا يُبْدى لِابْنِ الزَّوْجِ. ولَمْ يَذْكُرْ تَعالى هُنا العَمَّ ولا الخالَ. وقالَ الحَسَنُ: هُما كَسائِرِ المَحارِمِ في جَوازِ النَّظَرِ، قالَ: لِأنَّ الآيَةَ لَمْ يُذْكَرْ فِيها الرَّضاعُ وهو كالنَّسَبِ، وقالَ في سُورَةِ الأحْزابِ: ﴿لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ في آبائِهِنَّ﴾ [الأحزاب: ٥٥]، ولَمْ يَذْكُرْ فِيها البُعُولَةَ وذَكَرَهم هُنا، والإضافَةُ في: (نِسائِهِنَّ) إلى المُؤْمِناتِ تَقْتَضِي تَعْمِيمَ ما أُضِيفَ إلَيْهِنَّ مِنَ النِّساءِ مِن مُسْلِمَةٍ وكافِرَةٍ، كِتابِيَّةٍ ومُشْرِكَةٍ، مِنَ اللَّواتِي يَكُنَّ في صُحْبَةِ المُؤْمِناتِ وخِدْمَتِهِنَّ، وأكْثَرُ السَّلَفِ عَلى أنَّ قَوْلَهُ: ﴿أوْ نِسائِهِنَّ﴾ مَخْصُوصٌ بِمَن كانَ عَلى دِينِهِنَّ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: لَيْسَ لِلْمُسْلِمَةِ أنْ تَتَجَرَّدَ بَيْنَ نِساءِ أهْلِ الذِّمَّةِ، ولا تُبْدِيَ لِلْكافِرَةِ إلّا ما تُبْدِي لِلْأجانِبِ، إلّا أنْ تَكُونَ أمَةً لِقَوْلِهِ: ﴿أوْ ما مَلَكَتْ أيْمانُهُنَّ﴾، وكَتَبَ عُمَرُ إلى أبِي عُبَيْدَةَ أنِ امْنَعْ نِساءَ أهْلِ الذِّمَّةِ مِن دُخُولِ الحَمّامِ مَعَ المُؤْمِناتِ. والظّاهِرُ العُمُومُ في قَوْلِهِ: ﴿أوْ ما مَلَكَتْ أيْمانُهُنَّ﴾، فَيَشْمَلُ الذُّكُورَ والإناثَ، فَيَجُوزُ لِلْعَبْدِ أنْ يَنْظُرَ مِن سَيِّدَتِهِ ما يَنْظُرُ أُولَئِكَ المُسْتَثْنَوْنَ، وهو مَذْهَبُ عائِشَةَ وأُمِّ سَلَمَةَ. وعَنْ مُجاهِدٍ: كانَ أُمَّهاتُ المُؤْمِنِينَ لا يَحْتَجِبْنَ عَنْ مُكاتَبِهِنَّ ما بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ، ورُوِيَ أنَّ عائِشَةَ كانَتْ تَمْتَشِطُ وعَبْدُها يَنْظُرُ إلَيْها. وعَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ مِثْلُهُ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ. وقالَ ابْنُ مَسْعُودٍ والحَسَنُ وابْنُ المُسَيَّبِ وابْنُ سِيرِينَ: لا يَنْظُرُ العَبْدُ إلى شَعْرِ مَوْلاتِهِ، وهو قَوْلُ أبِي حَنِيفَةَ. وفي الحَدِيثِ: «لا يَحِلُّ لِامْرَأةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ أنْ تُسافِرَ سَفَرًا فَوْقَ ثَلاثٍ إلّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ» والعَبْدُ لَيْسَ بِذِي مَحْرَمٍ. وقالَ سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ: لا يَغُرَّنَّكم آيَةُ النُّورِ، فَإنَّ المُرادَ بِها الإماءُ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وهَذا هو الصَّحِيحُ؛ لِأنَّ عَبْدَ المَرْأةِ بِمَنزِلَةِ الأجْنَبِيِّ مِنها خَصِيًّا كانَ أوْ فَحْلًا. وعَنْ مَيْسُونَ بِنْتِ بَحْدَلٍ الكِلابِيَّةِ: إنَّ مُعاوِيَةَ دَخَلَ عَلَيْها ومَعَهُ خَصِيٌّ فَتَقَنَّعَتْ مِنهُ، فَقالَ: هو خَصِيٌّ فَقالَتْ: يا مُعاوِيَةُ، أتَرى المُثْلَةَ تُحَلِّلُ ما حَرَّمَ اللَّهُ. وعِنْدَ أبِي حَنِيفَةَ لا يَحِلُّ إمْساكُ الخِصْيانِ واسْتِخْدامُهم وبَيْعُهم وشِراؤُهم، ولَمْ يُنْقَلْ عَنْ أحَدٍ مِنَ السَّلَفِ إمْساكُهم. انْتَهى. والإرْبَةُ الحاجَةُ إلى الوَطْءِ؛ لِأنَّهم بُلْهٌ لا يَعْرِفُونَ شَيْئًا مِن أمْرِ النِّساءِ، ويَتَّبِعُونَ لِأنَّهم يُصِيبُونَ مِن فَضْلِ الطَّعامِ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ويَدْخُلُ في هَذِهِ (p-٤٤٩)الصِّفَةِ المَجْنُونُ والمَعْتُوهُ والمُخَنَّثُ والشَّيْخُ الفانِي والزَّمِنُ المَوْقُوذُ بِزَمانَتِهِ. وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ وأبُو بَكْرٍ بِالنَّصْبِ عَلى الحالِ أوِ الِاسْتِثْناءِ، وباقِي السَّبْعَةِ بِالجَرِّ عَلى النَّعْتِ، وعَطَفَ ﴿أوِ الطِّفْلِ﴾ عَلى ﴿مِنَ الرِّجالِ﴾، قَسَّمَ التّابِعِينَ غَيْرَ أُولِي الحاجَةِ لِلْوَطْءِ إلى قِسْمَيْنِ: رِجالٌ وأطْفالٌ، والمُفْرَدُ المَحْكِيُّ بِألْ يَكُونُ لِلْجِنْسِ فَيَعُمُّ، ولِذَلِكَ وُصِفَ بِالجَمْعِ في قَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا﴾، ومِن ذَلِكَ قَوْلُ العَرَبِ: أهْلَكَ النّاسَ الدِّينارُ الصُّفْرُ والدِّرْهَمُ البِيضُ، يُرِيدُ الدَّنانِيرَ والدَّراهِمَ، فَكَأنَّهُ قالَ: أوِ الأطْفالِ. والطِّفْلُ ما لَمْ يَبْلُغِ الحُلُمَ، وفي مُصْحَفِ حَفْصَةَ (أوِ الأطْفالِ) جَمْعًا. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وضَعَ الواحِدَ مَوْضِعَ الجَمْعِ؛ لِأنَّهُ يُفِيدُ الجِنْسَ ويُبَيِّنُ ما بَعْدَهُ أنَّهُ يُرادُ بِهِ الجَمْعُ ونَحْوُهُ ﴿يُخْرِجُكم طِفْلًا﴾ [غافر: ٦٧]، انْتَهى. ووَضْعُ المُفْرَدِ مَوْضِعَ الجَمْعِ لا يَنْقاسُ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ، وإنَّما قَوْلُهُ: (الطِّفْلِ) مِن بابِ المُفْرَدِ المُعَرَّفِ بِلامِ الجِنْسِ فَيَعُمُّ كَقَوْلِهِ: ﴿إنَّ الإنْسانَ لَفي خُسْرٍ﴾ [العصر: ٢]، ولِذَلِكَ صَحَّ الِاسْتِثْناءُ مِنهُ والتِّلاوَةُ، ﴿“ ثُمَّ يُخْرِجُكم ”﴾ [غافر: ٦٧] بِثُمَّ لا بِالواوِ. وقَوْلُهُ ونَحْوُهُ لَيْسَ نَحْوَهُ؛ لِأنَّ هَذا مُعَرَّفٌ بِلامِ الجِنْسِ و(طِفْلًا) نَكِرَةٌ، ولا يَتَعَيَّنُ حَمْلُ (طِفْلًا) هُنا عَلى الجَمْعِ الَّذِي لا يَقِيسُهُ سِيبَوَيْهِ؛ لِأنَّهُ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ المَعْنى ثُمَّ يُخْرِجُ كُلَّ واحِدٍ مِنكم، كَما قِيلَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وأعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً﴾ [يوسف: ٣١]، أيْ: لِكُلِّ واحِدَةٍ مِنهُنَّ. وكَما تَقُولُ: بَنُو فُلانٍ يُشْبِعُهم رَغِيفٌ، أيْ: يُشْبِعُ كُلَّ واحِدٍ مِنهم رَغِيفٌ. وقَوْلُهُ: ﴿لَمْ يَظْهَرُوا﴾ إمّا مِن قَوْلِهِمْ ظَهَرَ عَلى الشَّيْءِ إذا اطَّلَعَ عَلَيْهِ، أيْ: لا يَعْرِفُونَ ما العَوْرَةُ ولا يُمَيِّزُونَ بَيْنَها وبَيْنَ غَيْرِها، وإمّا مِن ظَهَرَ عَلى فُلانٍ إذا قَوِيَ عَلَيْهِ وظَهَرَ عَلى القِرْنِ أخَذَهُ. ومِنهُ ﴿فَأصْبَحُوا ظاهِرِينَ﴾ [الصف: ١٤] أيْ: غالِبِينَ قادِرِينَ عَلَيْهِ، فالمَعْنى لَمْ يَبْلُغُوا أوانَ القُدْرَةِ عَلى الوَطْءِ. وقَرَأ الجُمْهُورُ (عَوْراتِ) بِسُكُونِ الواوِ، وهي لُغَةُ أكْثَرِ العَرَبِ لا يُحَرِّكُونَ الواوَ والياءَ في نَحْوِ هَذا الجَمْعِ. ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ تَحْرِيكُ واوِ (عَوَراتِ) بِالفَتْحِ. والمَشْهُورُ في كُتُبِ النَّحْوِ أنَّ تَحْرِيكَ الواوِ والياءِ في مِثْلِ هَذا الجَمْعِ هو لُغَةُ هُذَيْلِ بْنِ مُدْرِكَةَ. ونَقَلَ ابْنُ خالَوَيْهِ في كِتابِ“ شَواذِّ القِراءاتِ " أنَّ ابْنَ أبِي إسْحاقَ والأعْمَشَ قَرَأ (عَوَراتِ) بِالفَتْحِ. قالَ: وسَمِعْنا ابْنَ مُجاهِدٍ يَقُولُ: هو لَحْنٌ وإنَّما جَعَلَهُ لَحْنًا وخَطَأً مِن قِبَلِ الرِّوايَةِ وإلّا فَلَهُ مَذْهَبٌ في العَرَبِيَّةِ بَنُو تَمِيمٍ يَقُولُونَ: رَوَضاتٌ وجُوَراتٌ وعَوَراتٌ، وسائِرُ العَرَبِ بِالإسْكانِ. وقالَ الفَرّاءُ: العَرَبُ عَلى تَخْفِيفِ ذَلِكَ إلّا هُذَيْلًا فَتُثْقِلُ ما كانَ مِن هَذا النَّوْعِ مِن ذَواتِ الياءِ والواوِ. وأنْشَدَنِي بَعْضُهم: ؎أبُو بَيَضاتٍ رائِحٌ مُتَأوِّبٌ ∗∗∗ رَفِيقٌ بِمَسْحِ المَنكِبَيْنِ سَبُوحُ ﴿ولا يَضْرِبْنَ بِأرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ﴾ كانَتِ المَرْأةُ تَضْرِبُ الأرْضَ بِرِجْلِها لِيَتَقَعْقَعَ خَلْخالُها فَيُعْلَمَ أنَّها ذاتُ خَلْخالٍ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: هو قَرْعُ الخَلْخالِ بِالإجْراءِ وتَحْرِيكُ الخَلاخِلِ عِنْدَ الرِّجالِ. وزَعَمَ حَضْرَمِيٌّ أنَّ امْرَأةً اتَّخَذَتْ خَلْخالًا مِن فِضَّةٍ، واتَّخَذَتْ جَزْعًا فَجَعَلَتْهُ في ساقِها، فَمَرَّتْ عَلى القَوْمِ فَضَرَبَتْ بِرِجْلِها الأرْضَ فَوَقَعَ الخَلْخالُ عَلى الجَزْعِ، فَصَوَّتَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ. وقالَ الزَّجّاجُ: وسَماعُ صَوْتِ ذِي الزِّينَةِ أشَدُّ تَحْرِيكًا لِلشَّهْوَةِ مِن إبْدائِها، انْتَهى. وقالَ أبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ ما مَعْناهُ أنَّهُ تَعالى نَهاهُنَّ عَنْ ذَلِكَ؛ لِأنَّ المَرْأةَ إذا مَرَّتْ عَلى الرِّجالِ قَدْ لا يُلْتَفَتُ إلَيْها ولا يُشْعَرُ بِها: وهي تَكْرَهُ أنْ لا يُنْظَرَ إلَيْها، فَإذا فَعَلْنَ ذَلِكَ نَبَّهْنَ عَلى أنْفُسِهِنَّ، وذَلِكَ بِحُبِّهِنَّ في تَعَلُّقِ الرِّجالِ بِهِنَّ، وهَذا مِن خَفايا الإعْلامِ بِحالِهِنَّ. وقالَ مَكِّيٌّ: لَيْسَ في كِتابِ اللَّهِ آيَةٌ أكْثَرُ ضَمائِرَ مِن هَذِهِ، جَمَعَتْ خَمْسَةً وعِشْرِينَ ضَمِيرًا لِلْمُؤْمِناتِ مِن مَخْفُوضٍ ومَرْفُوعٍ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وإنَّما نَهى عَنْ إظْهارِ صَوْتِ الحُلِيِّ بَعْدَ ما نَهى عَنْ إظْهارِ الحُلِيِّ، عُلِمَ بِذَلِكَ أنَّ النَّهْيَ عَنْ إظْهارِ مَواقِعِ الحُلِيِّ أبْلَغُ. ﴿وتُوبُوا إلى اللَّهِ جَمِيعًا أيُّها المُؤْمِنُونَ﴾ لَمّا سَبَقَتْ أوامِرُ مِنهُ تَعالى ومَناهٍ، وكانَ الإنْسانُ لا يَكادُ يَقْدِرُ عَلى مُراعاتِها دائِمًا، وإنْ ضَبَطَ (p-٤٥٠)نَفْسَهُ واجْتَهَدَ، فَلا بُدَّ مِن تَقْصِيرٍ أمَرَ بِالتَّوْبَةِ وبِتَرَجِّي الفَلّاحِ إذا تابُوا. وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ (تُوبُوا) مِمّا كُنْتُمْ تَفْعَلُونَهُ في الجاهِلِيَّةِ لَعَلَّكم تَسْعَدُونَ في الدُّنْيا والآخِرَةِ. وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ (أيُّهُ المُؤْمِنُونَ) و(يا أيُّهُ السّاحِرُ) يا (أيُّهُ الثَّقَلانِ) بِضَمِّ الهاءِ، ووَجْهُهُ أنَّها كانَتْ مَفْتُوحَةً لِوُقُوعِها قَبْلَ الألِفِ، فَلَمّا سَقَطَتِ الألِفُ بِالتِقاءِ السّاكِنَيْنِ اتَّبَعَتْ حَرَكَتُها حَرَكَةَ ما قَبْلَها، وضَمُّ ها الَّتِي لِلتَّنْبِيهِ بَعْدَ أيٍّ لُغَةٌ لِبَنِي مالِكٍ رَهْطِ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ، ووَقَفَ بَعْضُهم بِسُكُونِ الهاءِ؛ لِأنَّها كُتِبَتْ في المُصْحَفِ بِلا ألِفٍ بَعْدَها ووَقَفَ بَعْضُهم بِالألِفِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب