الباحث القرآني
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا﴾ [النور: ٢٧] (فيقول الواحد: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، أَأَدْخُلُ؟»[[أخرجه أبو داود (٥١٧٧) وأحمد (٢٣١٢٧) من حديث رجل من بني عامر.]]، كما ورد في حديث ﴿ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ من الدخول بغير استئذان، ﴿لَعَلَّكُمْ تَذَّكَّرُونَ﴾ -بإدغام التاء الثانية في الذال- خيريته فتعملون به).
هذه من الآداب التي هي في الحقيقة حماية للأعراض، تجد هذه السورة غالبها في هذا الأمر في العفة وما يتعلق بها من حماية الأعراض وغير ذلك. من جملة هذا الأدب الذي أدبنا الله به عندما نريد أن ندخل بيوتًا غير بيوتنا، يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ﴾، ذكرنا فيما سبق أن تصدير الحكم بالنداء يدل على أهميته؛ لأن المقصود بالنداء أيش؟ تنبيه المخاطب، إذا قلت: يا فلان، لا شك أنه ينتبه، الآن لو رأيت واحدًا منكم غافلًا ولّا ينعس ولّا شيء، قلت: يا فلان، ينتبه ولّا لا؟ ينتبه، فالنداء يراد به تنبيه المخاطب. وتصدير الحكم أمرًا أو نهيًا، أو الخبر أيضًا تصديره بالنداء يدل على أهميته، وأنه ينبغي للإنسان أن يتيقظ ويتفطن له.
ثم نداء المؤمنين باسم الإيمان: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ ويش يدل عليه؟
* طالب: (...).
* الشيخ: يدل على أن هذا العمل من الإيمان، وأن مخالفته مما ينقص الإيمان، مفهوم؟ ويراد به أيضًا الإغراء، يعني توجيه الخطاب أو النداء بوصف الإيمان يراد به الإغراء على التزام الحكم، الإغراء يعني الحث البالغ على التزام الحكم، مثلما لو أقول: يا رجل، افعل كذا، أيش معناه؟ الحث والإغراء؛ لأن مقتضى رجولتك أن تفعل كذا. يا مؤمن افعل كذا، معناه الإغراء؛ لأن مقتضى إيمانك أن تفعل كذا أو تترك كذا.
فصار إذن الغرض من توجيه النداء إلى المؤمنين بوصف الإيمان ويش الغرض منه؟ الحث والإغراء على التزام هذا الحكم.
كأنما يقال: إن كنت مؤمنًا فلا تفعل كذا، إن كان نهيًا، أو فافعل كذا، إن كان أمرًا.
ويدل ذلك أيضًا -يعني توجيهه بوصف الإيمان غير مسألة الغرض- يدل على أن ما ذكر من مقتضيات الإيمان وأن خلافه مما ينقص الإيمان.
نشوف الآن الحكم الذي أرشد الله إليه: ﴿لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا﴾.
﴿لَا﴾: ناهية، والنهي هنا للتحريم؛ لأنه هو الأصل في النهي.
وقوله: ﴿بُيُوتًا﴾ هذا عام. ما هي صيغة العموم فيه؟
* طالب: نكرة في سياق النهي.
* الشيخ: أنه نكرة في سياق النهي، والنكرة في سياق النهي تفيد العموم؛ يعني: لا تدخلوا أي بيت غير بيوتكم التي تملكونها إلا بعد أمرين: ﴿حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا﴾.
فسر المؤلف ﴿تَسْتَأْنِسُوا﴾ بـ(تستأذنوا).
وتفسيرها بالاستئذان هذا تفسير ببعض أفرادها؛ لأن الاستئناس أعم من الاستئذان، قد يستأنس الإنسان ولا يكون في قلبه وحشة من دخول هذا البيت وإن لم يستأذن، وحينئذ ما يبقى عنده إلا السلام، مثلما لو دعاك إنسان إلى بيته بعد صلاة الظهر، فلما جئت وجدت الباب مفتوحًا، ويش يبقى عليك الآن؟
* طالب: تسلم.
* الشيخ: يبقى عليك أن تسلم؛ لأن حقيقة الأمر أن الاسئتذان هنا لا محل له، والسبب أن الرجل قد دعاك، وعيّن الوقت، وجئت ووجدت الباب مفتوحًا، هذا معناه إذْن، ولهذا قال الله تعالى: ﴿حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا﴾ يعني: حتى لا يكون بكم وحشة من الاستئناس، والأنس أيش ضده؟ الوحشة. ولهذا يقال: إنسي ووحشي، الصيد الوحشي والصيد الإنسي، ويقال: حمار وحشي وحمار أهلي، وأحيانًا يقال: إنسي.
على كل حال الاستئناس أعم من الاستئذان، فتفسيرها بالاستئذان من باب تفسير الشيء ببعض أفراده ليكون ذلك كالمثال.
وبهذا نعرف أن هذه القراءة السبعية أصح من القراءة التي وردت عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: ﴿حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا﴾ .
ونود أيضًا أن في هذا الحديث الذي روي عن ابن عباس أنه قال: ﴿حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا﴾ قال: وإن كلمة ﴿حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا﴾ خطأ من الكاتب. هذه في الحقيقة لا تصح عن ابن عباس، وإن كانت ذكرت في نفس الحديث لا تصح، والسبب أنه ما يمكن أن الكاتب يخطئ في حرف من كلام الله ثم تتلقاه الأمة بالقبول؛ لأنه لو فُرض هذا الشيء لاقتضى أن الله لم يحفظ هذا الذكر، والله سبحانه وتعالى يقول: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر ٩]، كيف يكون خطأ من الكاتب تتلقاه الأمة بالقبول وتقرأ به في صلاتها وتعلمه صغارها؟! هذا شيء لا يمكن.
ولهذا مثل هذا الحديث إذا ورد يمكن إعلاله وإن كان صحيح السند؛ لأن من جملة ما يدل على ضعف الحديث أن يكون مخالفًا لما عُلم بالضرورة من الشرع، فإذا عُلم بالضرورة من الشرع أن هذا الحديث لا يصح يجب أن نحكم ببطلانه، لماذا؟ لأنه ما يمكن لفرد أو لرواة أن يأتوا بما يخالف المعلوم بالضرورة من دين الإسلام.
على كل حال نعود إلى مسألتنا نقول: ﴿حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا﴾ أعم أيش؟ من (حتى تستأذنوا)، وتفسير المؤلف وغيره ذلك بالاستئذان من باب تفسير الشيء ببعض أفراده للتمثيل به فقط.
وأحيانًا يفسر العلماء الآية بفرد من أفرادها تمثيلًا، كما قال بعضهم في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ﴾ [فاطر ٣٢] قال: الظالم لنفسه: الباخل بالزكاة، ﴿وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ﴾ الباذل للزكاة الواجبة، ﴿وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ﴾: الباذل للصدقة بعد الزكاة، هذا ويش نجعله؟
* طالب: مثال.
* الشيخ: نجعله تفسيرًا بالمثال، تفسيرًا بالمثال فقط، لا على أن الآية إنما يراد بها ما ذكر، بل هذا من باب التفسير بالمثال.
* طالب: قراءة سبعية؟
* الشيخ: لا، ما هي بسبعية؛ السبعية: ﴿تَسْتَأْنِسُوا﴾ فقط.
وقوله ﴿تُسَلّمُواْ على أَهْلِهَا﴾: بدأ الله بالاستئذان قبل السلام، وهذا هو الترتيب الطبيعي، هذا الترتيب الطبيعي؛ لأنك تستأذن، فإذا أذن لك علمت أن في البيت أحدًا، حينئذ تسلم، يعني فتقرع الباب مثلًا تقول: يا فلان، إذا خاطبك تسلم عليه.
فالآية الآن مرتبة على الترتيب الطبيعي؛ استئذان أولًا، ثم السلام ثانيًا، قبل أن يتكلم الإنسان، قبل أن يتكلم بأي شيء.
وقول المؤلف: (فيقول الواحد: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، أَأَدْخُلُ؟» كما ورد في حديث). هذا الحديث الذي ورد يُحمل على ما إذا كان المستأذن عالمًا بأن صاحبه موجود، حينئذ يسلم عليه ويقول: أأدخل؟ أما إذا كان لا يعلم فيقدم الاستئذان أولًا، ثم إذا علم أن فيه أحدًا سلم.
ولهذا اختلف العلماء في هذه المسألة؛ هل تستأذن أولًا، أو تسلم أولًا، على قولين: منهم من يرى تقديم الاستئذان على السلام؛ لظاهر الآية: ﴿حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا﴾.
ومنهم من يرى أن السلام قبل الاستئذان؛ لأحاديث وردت في ذلك، تسلم أول، ثم قل: أأدخل؟
ومنهم من فصَّل فقال: إذا علم أن صاحب البيت فيه فإنه يسلم أولًا، ثم يستأذن، وإذا لم يعلم فإنه يستأذن أولًا ثم يسلم.
وهذا القول أصح، أرجح الأقوال الثلاثة هذا التفصيل؛ لأن به جمعًا بين الآية والأحاديث الواردة، ولأنه موافق تمامًا للنظر، فإن النظر يقتضي هكذا، إذا علمت أحدًا تسلم، وإلا فكيف تقول: السلام عليكم وأنت ما تدري لعل ما فيه إلا الجدران، لكن إذا علمت أن فيه أحدًا لكونه دعاك مثلًا أو سمعت صوتًا أو رأيت شخصًا فحينئذ تسلم ثم تقول: أأدخل؟
وقوله تعالى: ﴿ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ﴾: ﴿ذَلِكُمْ﴾: الخطاب لمن؟ للمؤمنين.
﴿خَيْرٌ لَكُمْ﴾: سنبحث الآن الخيرية التي تترتب على الاستئذان قبل الدخول، وقبل أن نتكلم عن هذا نتكلم عن مسألة نحوية أخطأ فيها القارئ فقال: (ذلك خير لكم)، الكاف للخطاب، كذا ولّا لا؟ و(ذا) اسم إشارة. اسم الإشارة يكون على حسب المشار إليه، والخطاب يكون على حسب المخاطب، فهمتم؟
أما القاعدة الأولى: أن اسم الإشارة يكون على حسب المشار إليه، فهذه قاعدة مضطردة ولا يمكن انخرامها.
وأما كون الكاف على حسب المخاطب فهذه على الأشهر والأكثر، أن الكاف بحسب المخاطب، فإذا كنت تشير إلى فرد مذكر تخاطب جماعة ذكور ويش تقول؟ فرد مذكر، تخاطب جماعة ذكور، ماذا تقول؟ ذلكم. (ذا) المشار إليه واحد مذكر، ذلكم، إذا كنت تشير إلى امرأة تخاطب جماعة ذكور؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، تشير إلى امرأة تخاطب جماعة ذكور.
* طالب: (تلكم).
* الشيخ: (تلكم)، لكن يجوز في كاف الخطاب هذه لغة ثانية، وهي أن تبقى مفردة مفتوحة للمذكر، مكسورة للمؤنث، فإذا كنت تخاطب مذكرا جماعة أو غير جماعة تقول: ذلكَ. إذا كنت تخاطب مؤنثًا جماعة وغير جماعة تقول: ذلكِ.
وفي لغة ثالثة لزوم الفتح دائمًا، يعني تجعل للمذكر المخاطب دائمًا. هذه ثلاث لغات أشهرها الأولى، ثم الثانية، ثم الثالثة.
﴿خَيْرٌ لَكُمْ﴾: ما هي الخيرية في كوننا نستأذن ثم نسلم عندما نريد بيوتًا غير بيوتنا، إذا أردنا بيوتًا غير بيوتنا، هل تعرفون شيئًا من الخير في هذا؟
* طالب: فيه من الخير أولًا عدم كشف المحارم من وجوهنا.
* الشيخ: نعم هذه هنا خيرية؛ أنك إذا استأذنت ما تكشف محارم صاحب هذا البيت؛ لأنك لو دخلت وهو (...) قد يكونون على حالة ما يرغبون أن أحدًا ينظر إليهم فيها، هذه واحدة. الثاني؟
* طالب: إظهار شعائر الإيمان مثال الاستئذان (...).
* الشيخ: إي نعم، لكن هذا بعد أن نعرف الخير الذي فيه يكون (...) لينا، هذه يمكن تمشي على رجل، يوجد معه (...). نعم.
* طالب: قد يكون صاحب البيت نائمًا مثلًا (...) فإذا استأذنت..
* الشيخ: يعني إحراج صاحب البيت؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: فإذا استأذنت زال هذا الإحراج، هذه هي الأولى ولّا غيرها؟
* طالب: لا، غيرها (...) ولكن صاحب البيت (...)، فإذن نستأذن (...).
* الشيخ: غير كشف المحارم، طيب صحيح ألا يقع صاحب البيت في إحراج؛ لأن هناك (...) فتحت الباب ودخلت مهما كان صاحب البيت في شغل، على كل حال يتلقى عنه، فربما يكون مشغولًا بشغل تحرجه إذا دخلت عليه.
* طالب: (...).
* الشيخ: من أيش؟
* طالب: تهيئ غرفة البيت.
* الشيخ: تهيئ من؟
* الطالب: استقبال الضيف.
* الشيخ: تهيئ صاحب البيت؟
* الطالب: نعم.
* الشيخ: نعم؛ لأنه أقرب إلى تهيئه واستعداده، حتى لا يظن الداخل أنه قد أهانه؛ لأنه لما يدخل بدون استئذان ولا يجد الشيء مقابلًا به، يقول: هذا أهانني ولا أكرمني، إلى آخره.
وفيه أيضًا: براءة الإنسان من التهمة، وهذه من أهم شيء؛ أن الداخل يبرأ بذلك من التهمة؛ لأنه إذا دخل على بيت بدون استئذان ربما يتهَم بهذا الشيء، بشيء لا ينبغي، فإذا استأذن فقد دخل على بصيرة، فمن أهم ما فيه من الخير: أن الداخل يبرأ من التهمة، في حالة ما يجعل هذا سارقًا، ولّا هذا يريد فاحشة، ولّا ما أشبه ذلك؛ لأنه كما هو معلوم الآن لو مثلًا واحد دخل بيتك على طول بدون أن يستأذن تتهمه ولّا لا؟
* طلبة: نتهمه.
* الشيخ: تتهمه بأنه يسرق، ولّا بيفعل فاحشة، ولّا بيقتل مثلًا.
ولهذا من أهم ما يكون من الخير في هذه المسألة: أن الإنسان يبرأ من التهمة.
وفي التسليم أيضًا ﴿تُسَلّمُواْ﴾ فيه أيضًا (...) السنة لكن فيه: تأمين أهل البيت، مع الدعاء لهم بالسلامة.
أما تأمين أهل البيت: فإنك لو قلت: السلام عليكم، فكونك تدعو لهم بالسلام، هذا من باب أولى وأحرى أن يعرفوا أنك لن يحصل منك ضرر، أنك لا يمكن أن يحصل منك ضرر؛ لأنك ما دام تسأل الله لهم السلام فكيف عاد أنك تتعدى عليهم؟
ولهذا قال العلماء: إن الرجل إذا سلم على كافر يعتبر ذلك تأمينًا له؛ لأنه يقول: السلام عليك، خلاص الآن سلمت أنا منك، ففي السلام أيضًا زيادة على ما سبق من الخير، وهو تأمين أهل البيت من شر هذا الداخل، وهو زائد على مسألة إبرائه من التهمة.
ثم فيه أيضًا: الإحسان إليهم بالسلام عليهم.
وفيه أيضًا: أنك كسبت أجرًا؛ لأن الإنسان إذا قال لأخيه المسلم: السلام عليك، كم يجيء من حسنة؟
* طالب: عشر.
* الشيخ: عشر حسنات، يجيئه عشر حسنات.
سبحان الله! يعني الواحد منا -الله يتوب علينا- لو قال: لك عشرة قروش إذا قلت: السلام عليكم، هل نفرط في السلام ولّا لا؟ أبدًا.
لو يقال هالصعاليك اللي ما يسلمون ولا يردون السلام بعد القيام، لو يقال لهم: ترى لكم كل مرة عشرة قروش، نعم، لا أقل عشرة هللة، يمكن ما يدَعون السلام أبدًا، غير ما عشر حسنات يمكن تضاعف إلى سبعمئة ضعف، هذه في الحقيقة يزهد الناس بها، ما ندري عاد هل هذا جهل منهم أو تهاون؟
على كل حال فيها أيضًا هذا من الخير، أنك تدعو لإخوانك الذين سلمت عليهم، فتكون بذلك محسنًا إليهم، وأيضًا أنت محسن إلى نفسك؛ لأنك جلبت لها عشر حسنات.
قوله تعالى: ﴿وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا﴾ بعد قوله: ﴿بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ﴾، إذا قلنا: ﴿بُيُوتًا﴾ هذه عامة، ﴿وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا﴾ يقتضي أيضًا العموم.
لو كان أهلها كفارًا هل تسلم عليهم أو لا تسلم؟ ظاهر الآية تسلم، لكن هل هذا الظاهر يُخَص بقول النبي ﷺ: «لَا تَبْدَؤُوا الْيَهُودَ وَلَا النَّصَارَى بِالسَّلَامِ»[[أخرجه مسلم (٢١٦٧ / ١٣) من حديث أبي هريرة.]]؟ أو نقول: ذاك في الملاقاة، وهذا في الاستئذان؛ لأنك أنت اللي جاي إلى بيته؟
* طالب: في الملاقاة.
* الشيخ: أنا (...) عندي إن نظرنا إلى أن الآية عامة، والعام يجوز أن يخصَّص، قلنا: صحيح هذا يجوز أنه يخصص، أن نقول: إذا كان يهوديًّا أو نصرانيًّا وتستأذن عليه لا تقول: السلام عليكم. وإذا نظرنا إلى أن النهي عن (...).
* * *
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. تقدم أن الله سبحانه وتعالى بشرعه وقدره جعل الخبيثات للخبيثين والخبيثين للخبيثات، وأن كل شيء يأوي إلى ما يشاكله، فالطيب للطيب والخبيث للخبيث، وأن هذه القاعدة العامة يستفاد منها:
براءة عائشة رضي الله عنها مما رميت به. ووجه ذلك أن عائشة رضي الله عنها تحت أطيب الطيبين من الخلق، وهو النبي ﷺ، ولا يليق بحكمة الله وشرعه أن تكون خبيثة.
وتقدم أيضًا: أن الطيب إذا رماه أحد بخبث فإن الله تعالى يبرئه ﴿أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ﴾، يبرئه بأسباب شرعية وأسباب قدرية، وهذا من عناية الله سبحانه وتعالى بأهل الطيب؛ أن الله لا بد أن يدافع عنهم شرعًا وقدرًا.
فمثلًا: نجد أن الله تعالى برأ الطيبين من قول أهل الخبث شرعًا بما أوجبه من حد القذف؛ فإن هذا -حد القذف- لا شك أنه تبرئة لمن؟ للمقذوف، تبرئة للمقذوف وقد قال الله تعالى: ﴿فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾ [النور ١٣].
ونجد أيضًا أن الله تعالى يبرئ الطيب قدرًا، يعني يقدر من الأسباب الكونية ما يتبين به براءته.
ومنه صاحب جريج الذي تكلم بالمهد، فإن الله تعالى برأ جريجًا مما رمي به، شو به؟ قدرًا؛ حيث تكلم هذا الطفل في المهد وقال: أبي فلان الراعي.
«كان جريج عابدًا من بني إسرائيل، فنادته أمه ذات يوم فلم يجبها؛ لأنه يصلي، فغضبت عليه وقالت: اللهم لا تمته حتى تريه وجوه المومسات، فقدر الله سبحانه وتعالى عليه ما قدر، حتى رمته امرأة بأنه أصابها، وأن هذا الجنين أو هذا الحمل الذي وضعته منه، فقال: هاتوا الحمل، فجاءوا به، فقال: من أبوك يا (...) قال: أبي فلان الراعي، فبرأ الله بذلك جريجًا»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٤٣٦)، ومسلم (٢٥٥٠ / ٧) من حديث أبي هريرة. ]]؛ بسبب قدري ولّا شرعي؟
* طالب: قدري.
* الشيخ: بسبب قدري.
على كل حال، ﴿أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُون﴾ نقول: شرعًا وقدرًا؛ أما شرعًا فبحد القذف، وأما قدرًا فبما يوفره الله سبحانه وتعالى من الأمور الكونية التي يظهر فيها براءة هذا الطيب، واضح أو لا؟ وسبق لنا أيضًا أن الله سبحانه وتعالى نهى المؤمنين أن يدخلوا بيوتًا غير بيوتهم إلا بعد أمرين، هما؟
* طالب: أولًا الاستئناس.
* الشيخ: نعم.
* طالب: الشيء الثاني: السلام على أهلها.
* الشيخ: الاستئناس والسلام على أهلها، وأيهما يقدم؟ الاستئناس أولًا، ثم السلام ثانيًا على كل حال ولّا فيه تفصيل، ما هو التفصيل؟
* طالب: (...).
* الشيخ: هو لا بد من الاستئذان، لا بد من قرع الباب، لكن هل يسلم أولًا أو يستأذن أولًا؟
* طالب: يستأذن أولًا.
* الشيخ: يستأذن أولًا، مطلقًا. نعم.
* طالب: على ثلاثة أقوال.
* الشيخ: فيها ثلاثة أقوال، ورجحنا؟
* طالب: الأخير.
* الشيخ: ما علمتنا حتى نعرف الأخير، ويش اللي رجحنا؟
* طالب: (...).
* الشيخ: التفصيل.
* طالب: (...).
* الشيخ: نعم، للأحاديث الواردة في ذلك. والثالث؟
* طالب: (...).
* الشيخ: يعني إذا رأى أحدًا، أو سمع قولًا في البيت، فيسلم أولًا ثم يستأذن، وإلا فيستأذن أولًا، يكون التفصيل هذا هو الراجح؛ لأنه يدل عليه النظر أيضًا.
هذه الآية ﴿وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا﴾ على عمومها ولّا فيها تخصيص؟
* طالب: فيها تخصيص.
* الشيخ: ما هو؟
* طالب: لو كان (...) فلا يسلم.
* الشيخ: فلا يسلم عليه، يستأذن عليه بدون سلام. طيب الدليل العام؟
* طالب: قوله ﷺ: «لَا تَبْدَؤُوا الْيَهُودَ بِالسَّلَامِ».
* الشيخ: «لَا تَبْدَؤُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى بِالسَّلَامِ»، وهذا عام، كذا؟ صحيح.
هذه الآية مخصوصة بمن كان من أهل السلام، وأما من لم يكن من أهل السلام فإنه يُستأنس عليه ولا يُستأذن عليه.
فيه قراءة تروى عن ابن عباس بدل ﴿تَسْتَأْنِسُوا﴾ أيش؟
* طالب: (...).
* الشيخ: ﴿تستأذنوا﴾ بدل ﴿تَسْتَأْنِسُوا﴾.
أيهما، طبعًا أيهما أرجح، ولّا ذيك شاذة ما هي سبعية.
* طالب: (...) لأنها عامة.
* الشيخ: لأنها عامة.
* طالب: (...).
* الشيخ: صحيح؛ لأن الاستئناس أعم من الاستئذان، فتكون هذه أرجح وأولى، على (...) شاذة ما يقرأ بها.
وأما ما روي عن ابن عباس أنه قال: أخطأ فيها الكاتب؛ فهذا كذب، لا يمكن أن يصح عن ابن عباس؛ لأن هذه قراءة سبعية أجمع عليها المسلمون، وهل يمكن أن يجمع المسلمون على خطأ في كلام الله؟ لا يمكن أبدًا ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ﴾ [فصلت ٤٢].
ثم إننا نقول: هل وسيلة القرآن هي الكتابة فقط ولّا الكتابة والنطق؟
* طالب: الكتابة والنطق.
* الشيخ: الكتابة والنطق، لا سيما في الصدر الأول، فالنطق أكثر، تلقي القرآن بالنطق لا سيما في الصدر الأول أكثر من تلقيه بالكتابة، وبهذا يتبين أن هذا الأثر عن ابن عباس باطل، وإنما نبهنا عليه ولم يكن موجودًا عندنا؛ لئلا تغتروا به.
قوله تعالى: ﴿ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ الخيرية هنا بين لنا منها شيئًا.
* طالب: (...).
* الشيخ: إي نعم.
* طالب: التفسير الثاني (...) البيت.
* الشيخ: طمأنينة صاحب البيت.
* طالب: ثم الدعاء له.
* الشيخ: والدعاء له بالسلام.
* طالب: وكسب الأجر.
* الشيخ: وكسب الأجر من هذا السلام.
* طالب: دفع التهمة عن..
* الشيخ: دفع التهمة عن الداخل، نعم. هذه أربع؟ نعم.
* طالب: حفظ العورات.
* الشيخ: حفظ العورات، هذه خمس.
* طالب: إعداد المكان..
* الشيخ: إي هي، نعم، يعني استعداد صاحب البيت للضيف، تهيئته، حتى لا يدخل عليه وهو في حالة تحرجه.
* طالب: عدم الإحراج.
* الشيخ: إي عدم الإحراج، نعم.
* طالب: (...).
* الشيخ: ذكرناها، هذه مما علمناه، ومالم نعلمه يمكن أكثر من هذا، المهم أنه خير لنا، وقبل ذلك، يعني هذا الخير الذي علمنا أن الشارع أمر بذلك من أجله، لكن بعد أن يأمر الشارع بالشيء تكون الخيرية فيه هي امتثال أمر الشرع، لكن هذه بعد أن يأمر به الشرع، بعد أن يأمر الشرع بشيء أو ينهى عن شيء تكون الخيرية التي لا نعارض فيها شو هو؟ امتثال الشرع؛ فعل للأمر، وترك للنهي، فهذا خير ما يوجد في الأحكام الشرعية هي امتثال أمر الله واجتناب نهيه الذي من أجله خُلق الخلق ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات ٥٦].
وقوله: ﴿لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾.
هذه منفصلة عما قبلها، يعني ما ينبغي أنك تقرأ تقول: ﴿ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾، ﴿لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾: (لعل) إذا جاءت في كلام الله فهي للتعليل، يعني أننا أمرناكم بذلك وبيناه لكم، وبينا أنه خير، لماذا؟ لأجل أن تذَكّروا.
يقول المؤلف: (بإدغام التاء الثانية في الذال، خيريته فتعملون به).
قوله ﴿تَذَكَّرُونَ﴾: أصله: (تتذكرون).
ويقول: إنها (بإدغام التاء الثانية في الذال)، فالقراءة على كلام المؤلف: ﴿تَذَّكَّرُون﴾ بتشديد الذال ﴿تَذَّكَّرُون﴾ ، وأصلها (تتذكرون) فأدغمت التاء الثانية في الذال فصارت: ﴿تَذَّكَّرُون﴾ .
ومعنى ﴿تَذَّكَّرُون﴾ يعني تتعظون؛ لأن التذكر اتعاظ الإنسان، وكون الأمر يقع منه على بال لا يغفل عنه ولا يسهو عنه.
وقول المؤلف: (خيريته فتعملون به) يفيد أن مفعول ﴿تَذَكَّرُونَ﴾ محذوف تقديره خيريته، على أن الحقيقة أن هذا الفعل لا يظهر لي أنه متعدٍّ، بل الظاهر أنه لازم؛ يقال: تذكر، أي اتعظ، فالظاهر أنه لازم، والمعنى: تتعظون.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَدۡخُلُوا۟ بُیُوتًا غَیۡرَ بُیُوتِكُمۡ حَتَّىٰ تَسۡتَأۡنِسُوا۟ وَتُسَلِّمُوا۟ عَلَىٰۤ أَهۡلِهَاۚ ذَ ٰلِكُمۡ خَیۡرࣱ لَّكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق