الباحث القرآني

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ الآية. روى عدي بن ثابت [[هو: عَدي بن ثابت الأنصاري، الكوفي. تابعي ثقة رمي بالتشيع، توفي سنة 116 هـ. "الكاشف" للذهبي 2/ 259، "تقريب التهذيب" 2/ 16.]] أن امرأة [من الأنصار] [[ساقط من (ظ).]] جاءت إلى رسول الله [[في (ظ): (النبي).]] -ﷺ- فقالت: يا رسول الله! إني أكون في بيتي على حال لا أحب أن يراني عليها أحدٌ [[(لا): ساقطة من (ظ)، (ع).]] لا والد ولا ولد، فيأت الأب فيدخل علي، ولا يزال يدخل عليّ رجل من أهل بيتي وأنا على تلك الحال، فكيف أصنع؟ فنزلت هذه الآية [[رواه الطبري في "تفسيره" 18/ 110 - 111، والثعلبي في "الكشف والبيان" 3/ 76 أ، والواحدي في "أسباب النزول" ص 269 من طريق أشعث بن سوّار، عن عدي بن ثابت. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 171 ونسبه للفريابي والطبري. وهذه الرواية فيها علتان: الأولى: في سندها أشعث بن سوّار وهو ضعيف. الثانية: الإرسال، فإن عديّ بن ثابت تابعيّ.]]. وقوله: ﴿بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ﴾ قال ابن عباس: يعني بُيوتًا ليست لكم [[رواه ابن أبي حاتم 7/ 32 أعن سعيد بن جبير.]] ﴿حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا﴾ قال: يريد: حتى تستأذنوا [[رواه الطبري 18/ 110، وابن أبي حاتم 7/ 32 أمن طرق عن ابن عباس.]]. وهو قول عكرمة [[ذكر السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 171 عن عكرمة قال: هي في قراءة أبيّ (حتى تسلموا وتستأذنوا). وعزاه لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر.]]، ومقاتل [["تفسير مقاتل" 2/ 37 أ.]]، وقتادة [[رواه عبد الرزاق في "تفسيره" 2/ 55، والطبري 18/ 110، وابن أبي حاتم 7/ 32 أ.]]، والسدي [[لم أجد من ذكره عنه. قال العز بن عبد السلام في كتابه "الإشارة إلى الإيجاز" ص 78: ﴿تَسْتَأْنِسُوا﴾ تطلبوا الأنس بكم، أي: تطلبوا أن يأنس بكم صاحب البيت، وأنسه به بانتفاء الوحشة والكراهية، وهذا كناية لطيفة عن الاستئذان، أي: أن يستأذن الداخل، أي يطلب إذنًا من شأنه أن لا يكون معه استيحاش ربّ المنزل بالداخل .. فإنَّه إذا أذن له دلّ على أنَّه لا يكره دخوله، وإذا كره دخوله لا يأذن له، والله متولي علم ما في قلبه: فلذلك عبَّر عن الاستئذان بالاستئناس مع ما في ذلك من الإيماء إلى علة مشروعية الاستئذان. وفي ذلك من الآداب أن المرء ينبغي أن لا يكون كلًا على غيره، ولا ينبغي أن يعرّض نفسه إلى الكراهية والاستثقال، وأنه ينبعي أن يكون الزائر والمزور متوافقين متآنسين، وذلك عون على توفر الأخوّة الإسلامية. اهـ.]]. قال أبو إسحاق: معنى ﴿تَسْتَأْنِسُوا﴾ في اللغة: تستأذنوا. وكذلك هو في التفسير. والاستئذان: الاستعلام. يقول: آذنته بكذا: أعلمته، وكذلك آنست منه كذا، أي: علمت منه. ومنه قوله ﴿فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا﴾ [النساء: 6] أي: إن علمتم، فمعنى (حَتَّى [[(حتى): ليست في (ظ)، (ع).]] تَسْتَأْنِسُوا): حتى تستعلموا، أيريد أهلها أن تدخلوا أم لا؟ [["معاني القرآن" للزجاج 4/ 39.]]. وقال ابن قتيبة: الاستئناس: أن يُعلم من في الدار يقال: استأنست فما رأيت أحدًا، أي: استعلمت [[في (ظ): (استعملت).]] وتعرّفت [[في (أ): (تعرفت) سقطت الواو.]] [["غريب القرآن" لابن قتيبة ص 303.]]. وقال الفراء: الاستئناس في كلام العرب: النظر. يقال: اذهب فاستأنس هل ترى أحدًا؟ فيكون معناه: انظر من في الدار [["معاني القرآن" للفراء 2/ 249.]]. وقول النابغة: بذي الجليل [[في (ع): (الخليل)، وفي (ظ): (الخيل).]] على مستأنس وحد [[في (ع): (وحدي).]] [[هذا عجز بيت للنابغة الذبياني، وهو من معلقته، وصدره: كأنَّ رحلي، وقد زال النهار بنا وهو في "ديوانه" ص 17، "غريب القرآن" (1) لابن قتيبة ص 303، "تهذيب اللغة" للأزهري 13/ 87 (أنِسَ)، "لسان العرب" 6/ 15 (أنس). قال الخطيب التبريزي في "شرح المعلقات العشر" ص 517: "زال النهار بنا" معناه: انتصف، و"بنا" بمعنى علينا، والجليل: الثُّمام، أي بموضع فيه ثمام، والمستأنس: الناظر بعينه، ومنه "إني آنست نارًا" أي أبصرت. اهـ. و (وَحَد): بفتح الواو والحاء: الرجل المنفرد. "القاموس المحيط" 1/ 343.]]. أراد على ثرر وحشي أحسّ بما [[في (ع): (أحسن ما).]] رابه فهو يستأنس، أي: يتبصرَّ ويتلفَّت هل يرى أحدًا [[من قوله: (وقول النابغة إلى هنا) نقلاً عن "تهذيب اللغة" للأزهري 13/ 87 (أنس).]]. وعلى هذا معنى ﴿حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا﴾ حتى تنظروا وتتعرفوا هل في البيت أحد. وروى سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله: ﴿حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا﴾ قال: إنّما هو (حتى تستأذنوا) ولكنّه وَهَم من الكاتب [[رواه سعيد بن منصور 158 ب، والطبري 18/ 109 - 110، وابن أبي حاتم 7/ 32 أمن طريق سعيد بن جبير، عن ابن عباس. وذكره ابن حجر في "الفتح" 11/ 8 وعزاه لسعيد والطبري والبيهقي، وقال: بسند صحيح عن ابن عباس. اهـ. ورواه سفيان الثوري في "تفسيره" ص 224، والحاكم في "مستدركه" 2/ 396 من طريق مجاهد، عن ابن عباس. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. وهذا الأثر استشكله طائفة من العلماء منهم إسماعيل بن إسحاق القاضي في كتابه "أحكام القرآن"، ذكر ذلك عنه ابن حجر في "الفتح" 8/ 9. وقال ابن كثير في "تفسيره" 3/ 280 بعد إيراده له: وهذا غريب جدًّا عن ابن عباس. وطعن في صحة هذا الأثر جماعة من العلماء منهم ابن العربي في "أحكام القرآن" 3/ 1359، وابن عطية في "المحرر الوجيز" 10/ 479، والقرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" 12/ 214، وغيرهم، وبالغ أبو حيان فقال في "البحر" 6/ 445 - 446: ومن روى عن ابن عباس أن قوله "تستأنسوا" خطأ أو وهم من الكاتب وأنه قرأ "حتى تستأذنوا" فهو طاعن في الإسلام ملحد في الدين، وابن عباس بريء من هذا القول. اهـ. وقد بيَّن ابن حجر رحمه الله وجه هذا الأثر الذي صحّحه فقال في "الفتح" 11/ 9: وأجيب بأن ابن عباس بناها على قراءته التي تلقَّاها عن أبيّ بن كعب، وأما اتفاق الناس على قراءتها بالسين فلموافقة خط المصحف الذي وقع الاتفاق على عدم == الخروج عما يوافقه، وكانت قراءة أبيّ من الأحرف التي تركت القراءة بها .. وقال البيهقي: يحتمل أن يكون ذلك في القراءة الأولى ثم نسخت تلاوته، يعني: ولم يطلع ابن عباس على ذلك.]]. وفسر مجاهد [[رواه عن مجاهد: الطبري في "تفسيره" 18/ 111، وابن أبي حاتم 7/ 32 أ، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 172 وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي في "شعب الإيمان".]] والكلبي الاستئناس هنا بالتنحنح والتنخّم وهو نوع من الاستعلام. وقوله ﴿وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا﴾ [قال ابن عباس وجميع المفسرين. هذا على التقديم والتأخير، حتى تسلّموا على أهلها] [[ساقط من (ظ)، (ع).]] وتستأذنوا [[قال الفراء في "معاني القرآن" 2/ 249: حدثني حبّان، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس (حتى تستأنسوا) تستأذنوا، قال: هذا مقدّم ومؤخر، إنّما هو حتى تسلموا وتستأذنوا. وروى سعيد بن منصور في "تفسيره" 158 ب، والطبري في "تفسيره" 18/ 171 عن إبراهيم قال: في مصحف عبد الله (حتى تسلموا على أهلها وتستأذنوا). وذكره السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 171 وزاد نسبته لعبد بن حميد والبيهقي في "شعب الإيمان".]]. وكذا هو في مصحف عبد الله مستقيم كقوله ﴿وَاسْجُدِي وَارْكَعِي﴾ [آل عمران: 43] وقد مرّ، وقوله ﴿فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ﴾ [التغابن: 2]. والاستئذان شرع [[في (ع): (نوع).]] مشروع، فلا يجوز لأحد الدُّمور [[في (ظ)، (ع): (الدخول). والدُّمور: الدخول بغير إذن. "لسان العرب" 4/ 291 (دمر).]] في بيت غيره [[في (ظ): (بيت أحد غيره).]] لأمر الله تعالى بالاستئذان في هذه الآية. والسنة فيه أن يقول: السلام عليكم أأدخل [[في (أ): (أدخل).]] [[روى أبو داود في "سننه" كتاب: الأدب- باب: كيف الاستئذان 14/ 81، والترمذي في "جامعه" باب: التسليم قبل الاستئذان 7/ 4901 - 491 من حديث كَلَدة بن حنبل -رضي الله عنه- أن صفوان بن أميه بعثه بلبن ولبأ وضغابيس إلى النبي -ﷺ-، والنبي -ﷺ- بأعلى الوادي، قال: فدخلت عليه ولم استأذن ولم أسلم، فقال النبي -ﷺ-: "ارجع فقل: السلام عليكم أأدخل". قال الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" 2/ 481: وإسناده صحيح.]]. قال قتادة -في هذه الآية- كان يقال: الاستئذان ثلاث مرات، من لم يؤذن له فيهن فليرجع. أما الأولى فيسمع الحي، وأما الثانية فيأخذوا حذرهم، وأما الثالثة فإن شاءوا أذنوا وإن شاءوا ردّوا، ولا تقعدن [[في (أ): (ولا يفعلن)، وفي (ع): (ولا تقعد)، والمثبت من (ظ)، وابن أبي حاتم.]] على باب قوم ردّوك عن بابهم؛ فإن للناس حاجات، والله أعلم [[عند ابن أبي حاتم: أولى.]] بالعذر [[رواه ابن أبي حاتم 7/ 32 أ، ب، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 174 وزاد نسبته لعبد بن حميد والبيهقي في "شعب الإيمان".]]. وقد روى أبو موسى، عن النبي -ﷺ- قال: "الاستئذان ثلاثة، فإن أذنوا وإلَّا فارجع" [[ذكره بهذا اللفظ الثعلبي في "تفسيره" 3/ 76 ب. وقد رواه البخاري في "صحيحه" كتاب: الاستئذان- باب: التسليم والاستئذان ثلاثًا 11/ 27 ومسلم في "صحيح" كتاب: الآداب- باب: الاستئذان 3/ 1694 بلفظ "إذا استأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن له فليرجع".]]. قوله: ﴿ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ قال ابن عباس: أزكى لكم وأعظم لأجوركم. وقال مقاتل: أفضل لكم من أن تدخلوا بغير إذن [["تفسير مقاتل" 2/ 37 أ.]]. ﴿لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ أن السلام والاستئذان خيرٌ فتأخذون به. وقال ابن عباس: يريد كي تتعظوا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب