الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكم حَتّى تَسْتَأْنِسُوا﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أقاوِيلَ:
أحَدُها: حَتّى تَسْتَأْذِنُوا.
واخْتَلَفَ مَن قالَ بِهَذا التَّأْوِيلِ فَقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: أخْطَأ الكاتِبُ فِيهِ فَكَتَبَ تَسْتَأْنِسُوا وكانَ يَقْرَأُ: حَتّى تَسْتَأْذِنُوا.
وَقالَ غَيْرُهُ: لِأنَّ (p-٨٦)الِاسْتِئْذانَ مُؤْنِسٌ فَعَبَّرَ عَنْهُ بِالِاسْتِئْناسِ، ولَيْسَ فِيهِ خَطَأٌ مِن كاتِبٍ ولا قارِئٍ.
الثّانِي: مَعْناهُ حَتّى تُؤْنِسُوا أهْلَ البَيْتِ بِالتَّنَحْنُحِ فَيَعْلَمُوا بِقُدُومِكم عَلَيْهِمْ، قالَهُ مُجاهِدٌ.
الثّالِثُ: أنْ تَسْتَأْنِسُوا يَعْنِي أنْ تَعْلَمُوا فِيها أحَدًا اسْتَأْذِنُوهُ فَتُسَلِّمُوا عَلَيْهِ ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَإنْ آنَسْتُمْ مِنهم رُشْدًا﴾ [النِّساءِ: ٦] أيْ عَلِمْتُمْ، قالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ.
وَقالَ ابْنُ الأعْرابِيِّ الِاسْتِئْناسُ الِاسْتِثْمارُ، والإيناسُ اليَقِينُ.
والإذْنُ يَكُونُ بِالقَوْلِ والإشارَةِ.
فَإنْ جاهَرَ فَسُؤالٌ، فَقَدْ رَوى قَتادَةُ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «رَسُولُ الرَّجُلِ إذْنُهُ فَإنِ اسْتَأذَنَ ثَلاثًا ولَمْ يُؤْذَنْ لَهُ ولّى فَلَمْ يُراجِعْ في الِاسْتِئْذانِ» رَوى الحَسَنُ البَصْرِيُّ «أنَّ [أبا مُوسى] الأشْعَرِيَّ اسْتَأْذَنَ عَلى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ثَلاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَرَجَعَ فَأرْسَلَ إلَيْهِ عُمَرُ فَقالَ: ما رَدَّكَ؟ فَقالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (مَنِ اسْتَأذَنَ ثَلاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَلْيَرْجِعْ) فَقالَ عُمَرُ: لِتَجِيئَنِي عَلى بَيِّنَةٍ أوْ لِأجْعَلُنَّكَ نَكالًا فَأتى طَلْحَةُ فَشَهِدَ لَهُ» قالَ الحَسَنُ: الأُولى إذْنٌ، والثّانِيَةُ مُؤامَرَةٌ، والثّالِثَةُ: عَزْمَةٌ، إنْ شاءُوا أذِنُوا وإنْ شاءُوا رَدُّوا.
وَلا يَسْتَأْذِنُ وهو مُسْتَقْبِلٌ البابَ إنْ كانَ مَفْتُوحًا، وإنْ أُذِنَ لِأوَّلِ القَوْمِ فَقَدْ أُذِنَ (p-٨٧)لِآخِرِهِمْ، ولا يَقْعُدُوا عَلى البابِ بَعْدَ الرَّدِّ فَإنَّ لِلنّاسِ حاجاتٍ.
﴿وَتُسَلِّمُوا عَلى أهْلِها﴾ والسَّلامُ نَدْبٌ والِاسْتِئْذانُ حَتْمٌ.
وَفي السَّلامِ قَوْلانِ:
أحَدُهُما: أنَّهُ مَسْنُونٌ بَعْدَ الإذْنِ عَلى ما تَضَمَّنَتْهُ الآيَةُ مِن تَقْدِيمِ الإذْنِ عَلَيْهِ.
الثّانِي: مَسْنُونٌ قَبْلَ الإذْنِ وإنْ تَأخَّرَ في التِّلاوَةِ فَهو مُقَدَّمٌ في الحُكْمِ وتَقْدِيرُ الكَلامِ حَتّى تُسَلِّمُوا وتَسْتَأْذِنُوا لِما رَوى مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ «أنَّ رَجُلًا اسْتَأْذَنَ عَلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقالَ: أأدْخُلُ؟ فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ لِرَجُلٍ عِنْدَهُ: (قُمْ فَعَلِّمْ هَذا كَيْفَ يَسْتَأْذِنُ فَإنَّهُ لَمْ يُحْسِنْ) فَسَمِعَها الرَّجُلُ فَسَلَّمَ واسْتَأْذَنَ» .
وَأوْلى مِن إطْلاقِ هَذَيْنَ القَوْلَيْنِ أنْ يَنْظُرَ فَإنْ وقَعَتِ العَيْنُ عَلى العَيْنِ قَبْلَ الإذْنِ فالأوْلى تَقْدِيمُ السَّلامِ، وإنْ لَمْ تَقَعِ العَيْنُ عَلى العَيْنِ قَبْلَ الإذْنِ فالأوْلى تَقْدِيمُ الِاسْتِئْذانِ عَلى السَّلامِ.
فَأمّا الِاسْتِئْذانُ عَلى مَنازِلِ الأهْلِ فَإنْ كانُوا غَيْرَ ذِي مَحارِمَ لَزِمَ الِاسْتِئْذانُ عَلَيْهِمْ كالأجانِبِ، وإنْ كانُوا ذَوِي مَحارِمَ وكانَ المَنزِلُ مُشْتَرَكًا هو فِيهِ وهم ساكِنُونَ لَزِمَ في دُخُولِهِ إنْذارُهم إمّا بِوَطْءٍ.
أوْ نَحْنَحَةٍ مُفْهِمَةٍ إلّا الزَّوْجَةَ فَلا يَلْزَمُ ذَلِكَ في حَقِّها بِحالٍ لِارْتِفاعِ العَوْرَةِ بَيْنَهُما.
وَإنْ لَمْ يَكُنِ المَنزِلُ مُشْتَرَكًا فَفي الِاسْتِئْذانِ عَلَيْهِمْ وجْهانِ:
أحَدُهُما: أنَّها النَّحْنَحَةُ والحَرَكَةُ.
الثّانِي: القَوْلُ كالأجانِبِ.
وَرى صَفْوانُ عَنْ عَطاءِ بْنِ يَسارٍ «أنَّ رَجُلًا قالَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: (أسْتَأْذِنُ عَلى أُمِّي ؟) فَقالَ: (نَعَمْ) فَقالَ: إنِّي أخْدُمُها فَقالَ: (اسْتَأْذِنْ عَلَيْها) فَعاوَدَهُ ثَلاثًا: فَقالَ: (أتُحِبُّ أنْ تَراها عُرْيانَةً) قالَ: لا قالَ: (فاسْتَأْذِنْ عَلَيْها) .»
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَإنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أحَدًا﴾ يَعْنِي يَأْذَنُ لَكم.
(p-٨٨)﴿فَلا تَدْخُلُوها حَتّى يُؤْذَنَ لَكُمْ﴾ ولا يَجُوزُ التَّطَلُّعُ إلى المَنزِلِ لِيَرى مَن فِيهِ فَيَسْتَأْذِنَهُ إذا كانَ البابُ مُغْلَقًا لِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: « (إنَّما جُعِلَ الِاسْتِئْذانُ لِأجْلِ البَصَرِ»، إلّا أنْ يَكُونَ مَفْتُوحًا فَيَجُوزُ إذا كانَ خارِجًا أنْ يَنْظُرَ لِأنَّ صاحِبَهُ بِالفَتْحِ قَدْ أباحَ النَّظَرَ).
﴿وَإنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فارْجِعُوا هو أزْكى لَكُمْ﴾ وهُنا يَنْظُرُ فَإنْ كانَ بَعْدَ الدُّخُولِ عَنْ إذْنٍ لَزِمَ الِانْصِرافُ وحَرُمَ اللُّبْثُ، وإنْ كانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَهو رَدُّ الإذْنِ ومُنِعَ مِنَ الدُّخُولِ.
وَلا يُلْزِمُهُ الِانْصِرافُ عَنْ مَوْقِفِهِ مِنَ الطَّرِيقِ إلّا أنْ يَكُونَ فَناءُ البابِ المانِعَ فَيَكْفِي عَنْهُ، قالَ قَتادَةُ: لا تَقْعُدْ عَلى بابِ قَوْمٍ رَدُّوكَ فَإنَّ لِلنّاسِ حاجاتٍ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَيْسَ عَلَيْكم جُناحٌ أنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ﴾ فِيها خَمْسَةُ أقاوِيلَ:
أحَدُها: أنَّها الخاناتُ المُشْتَرَكَةُ ذَواتُ البُيُوتِ المَسْكُونَةِ، قالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الحَنَفِيَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
الثّانِي: أنَّها حَوانِيتُ التُّجّارِ، قالَهُ الشَّعْبِيُّ.
الثّالِثُ: أنَّها مُنازِلُ الأسْفارِ ومُناخاتُ الرِّجالِ الَّتِي يَرْتَفِقُ بِها مارَّةُ الطَّرِيقِ في أسْفارِهِمْ، قالَهُ مُجاهِدٌ.
الرّابِعُ: أنَّها الخَراباتُ العاطِلاتُ، قالَهُ قَتادَةُ.
الخامِسُ: أنَّها بُيُوتُ مَكَّةَ، ويُشْبِهُ أنْ يَكُونَ قَوْلَ مالِكٍ.
﴿فِيها مَتاعٌ لَكُمْ﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أقاوِيلَ:
أحَدُها: أنَّها عُرُوضُ الأمْوالِ الَّتِي هي مَتاعُ التُّجّارِ، قالَهُ مُجاهِدٌ.
الثّانِي: أنَّها الخَلاءُ والبَوْلُ سُمِّيَ مَتاعًا لِأنَّهُ إمْتاعٌ لَهُمْ، قالَهُ عَطاءٌ.
الثّالِثُ: أنَّهُ المَنافِعُ كُلُّها، قالَهُ قَتادَةُ، فَلا يَلْزَمُ الِاسْتِئْذانُ في هَذِهِ المَنازِلِ (p-٨٩)كُلِّها.
قالَ الشَّعْبِيُّ: حَوانِيتُ التُّجّارِ إذْنُهم أنَّهم جاءُوا بِبُيُوتِهِمْ فَجَعَلُوها فِيها وقالُوا لِلنّاسِ: هَلُمَّ.
{"ayahs_start":27,"ayahs":["یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَدۡخُلُوا۟ بُیُوتًا غَیۡرَ بُیُوتِكُمۡ حَتَّىٰ تَسۡتَأۡنِسُوا۟ وَتُسَلِّمُوا۟ عَلَىٰۤ أَهۡلِهَاۚ ذَ ٰلِكُمۡ خَیۡرࣱ لَّكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ","فَإِن لَّمۡ تَجِدُوا۟ فِیهَاۤ أَحَدࣰا فَلَا تَدۡخُلُوهَا حَتَّىٰ یُؤۡذَنَ لَكُمۡۖ وَإِن قِیلَ لَكُمُ ٱرۡجِعُوا۟ فَٱرۡجِعُوا۟ۖ هُوَ أَزۡكَىٰ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ عَلِیمࣱ","لَّیۡسَ عَلَیۡكُمۡ جُنَاحٌ أَن تَدۡخُلُوا۟ بُیُوتًا غَیۡرَ مَسۡكُونَةࣲ فِیهَا مَتَـٰعࣱ لَّكُمۡۚ وَٱللَّهُ یَعۡلَمُ مَا تُبۡدُونَ وَمَا تَكۡتُمُونَ"],"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَدۡخُلُوا۟ بُیُوتًا غَیۡرَ بُیُوتِكُمۡ حَتَّىٰ تَسۡتَأۡنِسُوا۟ وَتُسَلِّمُوا۟ عَلَىٰۤ أَهۡلِهَاۚ ذَ ٰلِكُمۡ خَیۡرࣱ لَّكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق