الباحث القرآني

قال الله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ﴾ [الكهف ١٩] أي: كما فعلنا بهم من هذه العناية تيسير الكهف لهم، وإنامتهم هذه المدة الطويلة بعثهم الله، أي: مثل هذا الفعل بعثناهم، فعلنا بهم فعلًا آخر. ﴿لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ﴾ كما جرت به العادة أن الناس إذا ناموا يتساءلون إذا قاموا، من الناس من يقول: ما الذي رأيته في منامك؟ ومنهم من يقول: لعل نومك لذيذ، وما أشبه ذلك. ﴿قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ﴾ كجاري العادة كم لنا نائمين؟ ﴿قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ﴾ ﴿لَبِثْنَا يَوْمًا﴾ أي: كاملًا. ﴿أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ﴾ أي: بعض اليوم؛ وذلك لأنهم دخلوا في أول النهار، وبُعثوا من النوم في آخر النهار فقالوا: لبثنا يومًا إن كان هذا هو اليوم الثاني، أو بعض يوم إن كان هذا هو اليوم الأول، وهذا مما يدل على عمق نومهم. ﴿قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ﴾ ﴿قَالُوا﴾ أي: قال بعضهم لبعض. ﴿رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ﴾ وكأنّ هؤلاء القائلين قد شعروا بأن النومة طويلة، لكن لا يستطيعون أن يحددوا، أما الأولون فحددوا بناء على إيش؟ بناء على الظاهر، وأما الآخرون فلم يحددوا بناءً على الواقع؛ لأن الإنسان يُفرّق بين النوم اليسير والنوم الكثير، ثم قال بعضهم لبعض: ﴿فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ﴾ ابعثوه بورِقكم؛ الوَرِق هو الفضة، كما جاء في الحديث: «وَفِي الرِّقَةِ رُبْعُ الْعُشْرِ» . كان معهم دراهم من الفضة ﴿ابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ﴾ تضمن هذا؛ أولًا: جواز التوكيل في الشراء؛ لقولهم: ﴿فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ﴾ والتوكيل في الشراء جائز، وفي البيع جائز أيضًا، ولا يخفى أن الرسول ﷺ وكَّل أحد أصحابه أن يشتري له أضحية، أعطاه دينارًا قال: «اشْتَرِ أُضْحِيةً»، فاشترى شاتين بالدينار، ثم باع إحداهما بدينار فرجع بشاة ودينار، فدعا له النبي ﷺ أن يبارك الله له في بيعه، فكان لا يشتري ترابًا إلا ربح فيه» . وقد أخذ العلماء من هذا الحديث أنه يجوز تصرُّف الفضولي؛ أي: يجوز للإنسان أن يتصرَّف في مال غيره إذا علم أن غيره يرضى بذلك، فهؤلاء وكَّلوا أحدهم أن يذهب إلى المدينة ويأتي بالرزق، وفي هذا أيضًا دليل على أنه لا بأس على الإنسان أن يطلب أطيب الطعام؛ لقولهم: ﴿فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا﴾. وفيه دليل أيضًا على ضعف قول الفقهاء: إنه لا يصح الوصف بالأفعل، مفهوم هذا؟ طيب الوصف بالأفعل؛ يعني معناه: لا يجوز أن تقول: أبيعه عليك بُرًّا أطيب ما يكون، قالوا: ما يجوز هذا؛ لأنه ما من طيب إلا وفوقه أطيب منه، ولكن يُقال: إن هذا يرجع إلى العرف؛ فأطيب يعني في ذلك الوقت، في ذلك المكان ﴿فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا﴾ هل من السنة ما يشهد لطلب الأزكى من الطعام؟ الجواب: نعم، وذلك «أن النبي ﷺ أقرَّ الصحابة الذين باعوا التمر الرديء بتمر جيد ليطعم النبي ﷺ منه» ، ولم ينههم عن هذا، ما قال: هذا ترفُّه، واتركوا طلب الأطيب، فالإنسان قد فَسَح الله له في أن يختار الأطيب من الطعام أو الشراب، أو المساكن، أو الثياب، أو المراكب ما دام الله أعطاه قدرة على ذلك فلا يُلام. ﴿فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ﴾ يعني يشتري ويأتيه، فجمعوا في التوكيل بين الشراء والإحضار. ﴿وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا﴾ ﴿وَلْيَتَلَطَّفْ﴾ أي: يتعامل بخفية، لئلا يُشْعَر بهم فيؤذون، وهذا يعني أنهم ظنوا أنهم لم يلبثوا إلا قليلًا. ﴿وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا﴾ أي: لا يُحضرن أحدًا بكم، ثم علَّلوا هذا الأمر بالتلطُّف والنهي عن الإشعار.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب