الباحث القرآني

(p-٤٠٣٣)القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [١٩] ﴿وكَذَلِكَ بَعَثْناهم لِيَتَساءَلُوا بَيْنَهم قالَ قائِلٌ مِنهم كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْمًا أوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالُوا رَبُّكم أعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ فابْعَثُوا أحَدَكم بِوَرِقِكم هَذِهِ إلى المَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أيُّها أزْكى طَعامًا فَلْيَأْتِكم بِرِزْقٍ مِنهُ ولْيَتَلَطَّفْ ولا يُشْعِرَنَّ بِكم أحَدًا﴾ . ﴿وكَذَلِكَ بَعَثْناهُمْ﴾ أيْ: وكَما أنَمْناهم تِلْكَ النَّوْمَةَ، بَعَثْناهم صَحِيحَةً أبْدانُهم وأشْعارُهم وأبْشارُهُمْ، لَمْ يَفْقِدُوا مِن هَيْئاتِهِمْ وأحْوالِهِمْ شَيْئًا، ادِّكارًا بِقُدْرَتِهِ عَلى الإنامَةِ والبَعْثِ جَمِيعًا. قالَ ابْنُ كَثِيرٍ: وذَلِكَ بَعْدَ ثَلاثِمِائَةِ سَنَةٍ وتِسْعِ سِنِينَ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿لِيَتَساءَلُوا بَيْنَهُمْ﴾ أيْ: لِيَسْألَ بَعْضُهم بَعْضًا ويَعْرِفُوا حالَهم وما صَنَعَ اللَّهُ بِهِمْ، فَيَعْتَبِرُوا، ويَسْتَدِلُّوا عَلى عِظَمِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعالى، ويَزْدادُوا يَقِينًا، ويَشْكُرُوا ما أنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِمْ وكُرِّمُوا بِهِ. أفادَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ. وبِهِ يَتَبَيَّنُ أنَّ البَعْثَ عِلَّةٌ لِلتَّساؤُلِ. ومَن جَعَلَ اللّامَ لِلْعاقِبَةِ، لَحَظَ أنَّ الغَرَضَ مِن فِعْلِهِ تَعالى إظْهارُ كَمالِ قُدْرَتِهِ: ﴿قالَ قائِلٌ مِنهم كَمْ لَبِثْتُمْ﴾ أيْ: رَقَدْتُمُ. اعْتِرافًا بِجَهْلِ نَفْسِهِ أوْ طَلَبًا لِلْعِلْمِ مِن غَيْرِهِ، وإنْ لَمْ يَظْهَرْ كَوْنُهُ عَلى اليَقِينِ: ﴿قالُوا لَبِثْنا يَوْمًا أوْ بَعْضَ يَوْمٍ﴾ قالَ ابْنُ كَثِيرٍ: كَأنَّهُ كانَ دُخُولُهم إلى الكَهْفِ في أوَّلِ نَهارٍ، واسْتِيقاظُهم كانَ في آخِرِ نَهارٍ. ولِهَذا قالُوا: أوْ بَعْضَ يَوْمٍ. وقالَ المَهايِمِيُّ: فَمَن نَظَرَ إلى أنَّهم دَخَلُوا غَدْوَةً وانْتَبَهُوا عَشِيَّةً، ظَنَّ أنَّهم لَبِثُوا يَوْمًا، ومَن نَظَرَ إلى أنَّهُ قَدْ بَقِيَتْ مِنَ النَّهارِ بَقِيَّةٌ، ظَنَّ أنَّهم لَبِثُوا بَعْضَ يَوْمٍ. فَهم مَعَ ما أُعْطُوا مِنَ الكَراماتِ يَتَكَلَّمُونَ بِالظَّنِّ. فالوَلِيُّ يَجُوزُ أنْ يَتَكَلَّمَ بِالظَّنِّ فِيما لَيْسَ مِنَ الأُصُولِ، ويَجُوزُ أنْ يُخْطِئَ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: جَوابٌ مَبْنِيٌّ عَلى غالِبِ الظَّنِّ. وفِيهِ دَلِيلٌ عَلى جَوازِ الِاجْتِهادِ والقَوْلِ بِالظَّنِّ الغالِبِ. وأنَّهُ لا يَكُونُ كَذِبًا. وإنْ جازَ أنْ يَكُونَ خَطَأً. ﴿قالُوا رَبُّكم أعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ﴾ إنْكارٌ عَلَيْهِمْ مِن بَعْضِهِمْ، وأنَّ اللَّهَ أعْلَمُ بِمُدَّةِ لَبْثِهِمْ. (p-٤٠٣٤)كَأنَّ هَؤُلاءِ قَدْ عَلِمُوا بِالأدِلَّةِ، أوْ بِإلْهامٍ مِنَ اللَّهِ، أنَّ المُدَّةَ مُتَطاوِلَةٌ، وأنَّ مِقْدارَها مُبْهَمٌ. فَأحالُوا تَعْيِينَها عَلى رَبِّهِمْ: ﴿فابْعَثُوا أحَدَكم بِوَرِقِكم هَذِهِ﴾ أيِ: المَأْخُوذَةِ لِلتَّزَوُّدِ. و(الوَرِقُ) الفِضَّةُ: ﴿إلى المَدِينَةِ﴾ أيِ: الَّتِي فَرَرْتُمْ عَنْها: ﴿فَلْيَنْظُرْ أيُّها أزْكى طَعامًا﴾ أيْ: أطْيَبُ ﴿فَلْيَأْتِكم بِرِزْقٍ مِنهُ ولْيَتَلَطَّفْ﴾ أيْ: في المُبايَعَةِ واخْتِيارِ الطَّعامِ. أوْ في أمْرِهِ بِالتَّخَفِّي، حَتّى لا يَشْعُرَ بِحالِكم ودِينِكُمْ: ﴿ولا يُشْعِرَنَّ بِكم أحَدًا﴾
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب