الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿إنَّما السَبِيلُ عَلى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وهم أغْنِياءُ رَضُوا بِأنْ يَكُونُوا مَعَ الخَوالِفِ وطَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهم لا يَعْلَمُونَ﴾ ﴿يَعْتَذِرُونَ إلَيْكم إذا رَجَعْتُمْ إلَيْهِمْ قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكم قَدْ نَبَّأنا اللهُ مِن أخْبارِكم وسَيَرى اللهُ عَمَلَكم ورَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إلى عالِمِ الغَيْبِ والشَهادَةِ فَيُنَبِّئُكم بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾
قَوْلُهُ في هَذِهِ الآيَةِ "إنَّما" لَيْسَ بِحَصْرٍ، وإنَّما هي لِلْمُبالَغَةِ فِيما يُرِيدُ تَقْرِيرَهُ عَلى نَحْوِ قَوْلِكَ: "إنَّما الشُجاعُ عنتَرَةُ"، ويَقْضِي بِذَلِكَ أنّا نَجِدُ "السَبِيلَ" في الشَرْعِ عَلى غَيْرِ (p-٣٨٦)هَذِهِ الفِرْقَةِ "مَوْجُودًا"، والسَبِيلُ قَدْ تُوصَلُ بِـ "عَلى" وبِـ"إلى" فَتَقُولُ: لا سَبِيلَ عَلى فُلانٍ، ولا سَبِيلَ إلى فُلانٍ، غَيْرَ أنَّ وُصُولَها بِـ "عَلى" يَقْتَضِي أحْيانًا ضَعْفَ المُتَوَصَّلِ إلَيْهِ وقِلَّةَ مَنَعَتِهِ، فَلِذَلِكَ حَسُنَتْ في هَذِهِ الآيَةِ، ولَيْسَ ذَلِكَ في "إلى"، ألا تَرى أنَّكَ تَقُولُ: "فُلانٌ لا سَبِيلَ لَهُ إلى الأمْرِ ولا إلى طاعَةِ اللهِ"، ولا يَحْسُنُ في شَبْهِ هَذا "عَلى"، والسَبِيلُ -فِي هَذِهِ الآيَةِ- سَبِيلُ المُعاقَبَةِ، وهَذِهِ الآيَةُ نَزَلَتْ في المُنافِقِينَ المُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُمْ: عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ، والجَدُّ بْنُ قَيْسٍ، ومَعْتَبُ، وغَيْرُهُمْ، وقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُ تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَعْتَذِرُونَ إلَيْكُمْ﴾ الآيَةُ، هَذِهِ المُخاطَبَةُ لِلنَّبِيِّ ﷺ، واشْتَرَكَ مَعَهُ المُسْلِمُونَ في بَعْضٍ لِأنَّ المُنافِقِينَ كانُوا يَعْتَذِرُونَ أيْضًا إلى المُؤْمِنِينَ، ولِأنَّ أنْباءَ اللهِ أيْضًا تَحْصُلُ لِلْمُؤْمِنِينَ. وقَوْلُهُ: ﴿رَجَعْتُمْ﴾ يُرِيدُ: مِن غَزْوَةِ تَبُوكَ. وقَوْلُهُ: ﴿لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ﴾ مَعْناهُ: لَنْ نُصَدِّقَكُمْ، ولَكِنْ لَفْظَةُ "نُؤْمِنُ" تَتَّصِلُ بِلامٍ أحْيانًا كَما تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ: ( يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ )، و"نَبَّأ" -فِي هَذِهِ الآيَةِ- قِيلَ: هي بِمَعْنى عَرَّفَ لا تَحْتاجُ إلى أكْثَرَ مِن مَفْعُولَيْنِ، فالضَمِيرُ مَفْعُولٌ أوَّلُ، وقَوْلُهُ: ﴿مِن أخْبارِكُمْ﴾ مَفْعُولٌ ثانٍ عَلى مَذْهَبِ أبِي الحَسَنِ في زِيادَةِ "مِن" في الواجِبِ، فالتَقْدِيرُ: قَدْ نَبَّأْنا اللهُ أخْبارَكُمْ، وهو عَلى مَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ نَعْتٌ لِمَحْذُوفٍ هو المَفْعُولُ الثانِي تَقْدِيرُهُ: قَدْ نَبَّأْنا اللهُ جَلِيَّةً مِن أخْبارِكُمْ، وقِيلَ: "نَبَّأ" بِمَعْنى أعْلَمَ يَحْتاجُ إلى ثَلاثَةِ مَفاعِيلَ، فالضَمِيرُ واحِدٌ، و﴿مِن أخْبارِكُمْ﴾ ثانٍ حَسَبَ ما تَقَدَّمَ مِنَ القَوْلَيْنِ، والثالِثُ مَحْذُوفٌ يَدُلُّ الكَلامُ عَلى تَقْدِيرِهِ: قَدْ نَبَّأْنا اللهُ مِن أخْبارِكم كَذِبًا أو نَحْوَهُ، وحَذْفُ هَذا المَفْعُولِ مَعَ الدَلالَةِ عَلَيْهِ جائِزٌ بِخِلافِ الِاقْتِصارِ، وذَلِكَ أنَّ الِاقْتِصارَ إنَّما يَجُوزُ إمّا عَلى المَفْعُولِ الأوَّلِ ويَسْقُطُ الِاثْنانِ إذْ هُما الِابْتِداءُ والخَبَرُ، وإمّا عَلى الِاثْنَيْنِ (p-٣٨٧)الأخِيرَيْنِ ويَسْقُطُ الأوَّلُ، وإمّا أنْ يَقْتَصِرَ عَلى المَفْعُولَيْنِ الأوَّلَيْنِ ويُسْقِطَ الثالِثَ دُونَ دَلالَةٍ عَلَيْهِ فَذَلِكَ لا يَجُوزُ، ويَجُوزُ حَذْفُهُ مَعَ الدَلالَةِ عَلَيْهِ.
والإشارَةُ بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿قَدْ نَبَّأنا اللهُ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿ما زادُوكم إلا خَبالا ولأوضَعُوا خِلالَكم يَبْغُونَكُمُ الفِتْنَةَ﴾ [التوبة: ٤٧] ونَحْوِ هَذا. وقَوْلُهُ: ﴿وَسَيَرى اللهُ﴾ تَوَعُّدُ مَعْناهُ: وسَيَراهُ في حالِ وُجُودِهِ ويَقَعُ الجَزاءُ مِنهُ عَلَيْهِ إنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ وإنْ شَرًّا فَشَرٌّ. وقَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ تُرَدُّونَ إلى عالِمِ الغَيْبِ﴾ يُرِيدُ البَعْثَ مِنَ القُبُورِ، والغَيْبُ والشَهادَةُ يَعُمّانِ جَمِيعَ الأشْياءِ، وقَوْلُهُ: ﴿فَيُنَبِّئُكُمْ﴾ مَعْناهُ: التَخْوِيفُ مِمَّنْ لا تَخْفى عَلَيْهِ خافِيَةٌ.
{"ayahs_start":93,"ayahs":["۞ إِنَّمَا ٱلسَّبِیلُ عَلَى ٱلَّذِینَ یَسۡتَـٔۡذِنُونَكَ وَهُمۡ أَغۡنِیَاۤءُۚ رَضُوا۟ بِأَن یَكُونُوا۟ مَعَ ٱلۡخَوَالِفِ وَطَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ فَهُمۡ لَا یَعۡلَمُونَ","یَعۡتَذِرُونَ إِلَیۡكُمۡ إِذَا رَجَعۡتُمۡ إِلَیۡهِمۡۚ قُل لَّا تَعۡتَذِرُوا۟ لَن نُّؤۡمِنَ لَكُمۡ قَدۡ نَبَّأَنَا ٱللَّهُ مِنۡ أَخۡبَارِكُمۡۚ وَسَیَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمۡ وَرَسُولُهُۥ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَـٰلِمِ ٱلۡغَیۡبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِ فَیُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ"],"ayah":"یَعۡتَذِرُونَ إِلَیۡكُمۡ إِذَا رَجَعۡتُمۡ إِلَیۡهِمۡۚ قُل لَّا تَعۡتَذِرُوا۟ لَن نُّؤۡمِنَ لَكُمۡ قَدۡ نَبَّأَنَا ٱللَّهُ مِنۡ أَخۡبَارِكُمۡۚ وَسَیَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمۡ وَرَسُولُهُۥ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَـٰلِمِ ٱلۡغَیۡبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِ فَیُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق