الباحث القرآني

(p-٨٧)﴿إنَّما السَّبِيلُ عَلى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وهم أغْنِياءُ رَضُوا بِأنْ يَكُونُوا مَعَ الخَوالِفِ وطَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهم لا يَعْلَمُونَ﴾ ﴿يَعْتَذِرُونَ إلَيْكم إذا رَجَعْتُمْ إلَيْهِمْ قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكم قَدْ نَبَّأنا اللَّهُ مِن أخْبارِكم وسَيَرى اللَّهُ عَمَلَكم ورَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إلى عالِمِ الغَيْبِ والشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكم بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ ﴿سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكم إذا انْقَلَبْتُمْ إلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهم فَأعْرِضُوا عَنْهم إنَّهم رِجْسٌ ومَأْواهم جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [التوبة: ٩٥] ﴿يَحْلِفُونَ لَكم لِتَرْضَوْا عَنْهم فَإنْ تَرْضَوْا عَنْهم فَإنَّ اللَّهَ لا يَرْضى عَنِ القَوْمِ الفاسِقِينَ﴾ [التوبة: ٩٦] ﴿الأعْرابُ أشَدُّ كُفْرًا ونِفاقًا وأجْدَرُ ألّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أنْزَلَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ واللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: ٩٧] ﴿ومِنَ الأعْرابِ مَن يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَمًا ويَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ واللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [التوبة: ٩٨] ﴿ومِنَ الأعْرابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ ويَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللَّهِ وصَلَواتِ الرَّسُولِ ألا إنَّها قُرْبَةٌ لَهم سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ في رَحْمَتِهِ إنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة: ٩٩] ﴿والسّابِقُونَ الأوَّلُونَ مِنَ المُهاجِرِينَ والأنْصارِ والَّذِينَ اتَّبَعُوهم بِإحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم ورَضُوا عَنْهُ وأعَدَّ لَهم جَنّاتٍ تَجْرِي تَحْتَها الأنْهارُ خالِدِينَ فِيها أبَدًا ذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ﴾ [التوبة: ١٠٠] ﴿ومِمَّنْ حَوْلَكم مِنَ الأعْرابِ مُنافِقُونَ ومِن أهْلِ المَدِينَةِ مَرَدُوا عَلى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهم نَحْنُ نَعْلَمُهم سَنُعَذِّبُهم مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إلى عَذابٍ عَظِيمٍ﴾ [التوبة: ١٠١] ﴿وآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحًا وآخَرَ سَيِّئًا عَسى اللَّهُ أنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة: ١٠٢] ﴿خُذْ مِن أمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهم وتُزَكِّيهِمْ بِها وصَلِّ عَلَيْهِمْ إنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهم واللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [التوبة: ١٠٣] ﴿ألَمْ يَعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ هو يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ ويَأْخُذُ الصَّدَقاتِ وأنَّ اللَّهَ هو التَّوّابُ الرَّحِيمُ﴾ [التوبة: ١٠٤] ﴿وقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرى اللَّهُ عَمَلَكم ورَسُولُهُ والمُؤْمِنُونَ وسَتُرَدُّونَ إلى عالِمِ الغَيْبِ والشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكم بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [التوبة: ١٠٥] ﴿وآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأمْرِ اللَّهِ إمّا يُعَذِّبُهم وإمّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ واللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: ١٠٦] ﴿والَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرارًا وكُفْرًا وتَفْرِيقًا بَيْنَ المُؤْمِنِينَ وإرْصادًا لِمَن حارَبَ اللَّهَ ورَسُولَهُ مِن قَبْلُ ولَيَحْلِفُنَّ إنْ أرَدْنا إلّا الحُسْنى واللَّهُ يَشْهَدُ إنَّهم لَكاذِبُونَ﴾ [التوبة: ١٠٧] ﴿لا تَقُمْ فِيهِ أبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلى التَّقْوى مِن أوَّلِ يَوْمٍ أحَقُّ أنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أنْ يَتَطَهَّرُوا واللَّهُ يُحِبُّ المُطَّهِّرِينَ﴾ [التوبة: ١٠٨] ﴿أفَمَن أسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللَّهِ ورِضْوانٍ خَيْرٌ أمْ مَن أسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فانْهارَ بِهِ في نارِ جَهَنَّمَ واللَّهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الظّالِمِينَ﴾ [التوبة: ١٠٩] ﴿لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً في قُلُوبِهِمْ إلّا أنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهم واللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: ١١٠] ﴿إنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ المُؤْمِنِينَ أنْفُسَهم وأمْوالَهم بِأنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقاتِلُونَ في سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ ويُقْتَلُونَ وعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا في التَّوْراةِ والإنْجِيلِ والقُرْآنِ ومَن أوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وذَلِكَ هو الفَوْزُ العَظِيمُ﴾ [التوبة: ١١١] ﴿التّائِبُونَ العابِدُونَ الحامِدُونَ السّائِحُونَ الرّاكِعُونَ السّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالمَعْرُوفِ والنّاهُونَ عَنِ المُنْكَرِ والحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ﴾ [التوبة: ١١٢] ﴿ما كانَ لِلنَّبِيِّ والَّذِينَ آمَنُوا أنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ ولَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِن بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهم أنَّهم أصْحابُ الجَحِيمِ﴾ [التوبة: ١١٣] ﴿وما كانَ اسْتِغْفارُ إبْراهِيمَ لِأبِيهِ إلّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وعَدَها إيّاهُ فَلَمّا تَبَيَّنَ لَهُ أنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأ مِنهُ إنَّ إبْراهِيمَ لَأوّاهٌ حَلِيمٌ﴾ [التوبة: ١١٤] ﴿وما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إذْ هَداهم حَتّى يُبَيِّنَ لَهم ما يَتَّقُونَ إنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [التوبة: ١١٥] ﴿إنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ والأرْضِ يُحْيِي ويُمِيتُ وما لَكم مِن دُونِ اللَّهِ مِن ولِيٍّ ولا نَصِيرٍ﴾ [التوبة: ١١٦] ﴿لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلى النَّبِيِّ والمُهاجِرِينَ والأنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ في ساعَةِ العُسْرَةِ مِن بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنهم ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة: ١١٧] ﴿وعَلى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتّى إذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الأرْضُ بِما رَحُبَتْ وضاقَتْ عَلَيْهِمْ أنْفُسُهم وظَنُّوا أنْ لا مَلْجَأ مِنَ اللَّهِ إلّا إلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إنَّ اللَّهَ هو التَّوّابُ الرَّحِيمُ﴾ [التوبة: ١١٨] ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وكُونُوا مَعَ الصّادِقِينَ﴾ [التوبة: ١١٩] ﴿ما كانَ لِأهْلِ المَدِينَةِ ومَن حَوْلَهم مِنَ الأعْرابِ أنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ولا يَرْغَبُوا بِأنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأنَّهم لا يُصِيبُهم ظَمَأٌ ولا نَصَبٌ ولا مَخْمَصَةٌ في سَبِيلِ اللَّهِ ولا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الكُفّارَ ولا يَنالُونَ مِن عَدُوٍّ نَيْلًا إلّا كُتِبَ لَهم بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أجْرَ المُحْسِنِينَ﴾ [التوبة: ١٢٠] ﴿ولا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً ولا كَبِيرَةً ولا يَقْطَعُونَ وادِيًا إلّا كُتِبَ لَهم لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [التوبة: ١٢١] ”الأعْرابُ“ صِيغَةُ جَمْعٍ، وفَرْقٌ بَيْنَهُ وبَيْنَ العَرَبِ. فالعَرَبِيُّ مَن لَهُ نَسَبٌ في العَرَبِ، والأعْرابِيُّ البَدَوِيُّ مُنْتَجَعُ الغَيْثِ والكَلَأِ، كانَ مِنَ العَرَبِ أوْ مِن مَوالِيهِمْ. ولِلْفَرْقِ نُسِبَ إلَيْهِ عَلى لَفْظِهِ فَقِيلَ: الأعْرابِيُّ، وجُمِعَ الأعْرابُ عَلى الأعارِبِ جَمْعِ الجَمْعِ. ”أجْدَرُ“ أحَقُّ وأحْرى، قالَ اللَّيْثُ: جَدَرَ جَدارَةً فَهو جَدِيرٌ وأجْدَرُ، بِهِ يُؤَنَّثُ ويُثَنّى ويُجْمَعُ. قالَ الشّاعِرُ: ؎نَخِيلٌ عَلَيْها جَنَّةٌ عَبْقَرِيَّةٌ جَدِيرُونَ يَوْمًا أنْ يَنالُوا فَيَسْتَعْلُوا ”أسَّسَ“ عَلى وزْنِ فَعَّلَ مُضَعَّفُ العَيْنِ، وآسَسَ عَلى وزْنِ فاعَلَ، وضَعَ الأساسَ، وهو مَعْرُوفٌ، ويُقالُ فِيهِ: (p-٨٨)أُسٌّ. والجُرُفُ: البِئْرُ الَّتِي لَمْ تُطْوَ، وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ: الهُوَّةُ وما يَجْرُفُهُ السَّيْلُ مِنَ الأوْدِيَةِ. هارٍ: مُنْهالٌ ساقِطٌ يَتَداعى بَعْضُهُ في إثْرِ بَعْضٍ، وفِعْلُهُ هارَ يَهُورُ ويَهارُ ويَهِيرُ، فَعَيْنُ هارٍ يُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ واوًا أوْ ياءً، فَأصْلُهُ هايِرٍ أوْ هاوِرٍ فَقُلِبَتْ، وصُنِعَ بِهِ ما صُنِعَ بِقاضٍ وغازٍ، وصارَ مَنقُوصًا مِثْلَ شاكِي السِّلاحِ ولاثٍ قالَ: ؎لاثٍ بِهِ الآشاءُ والعُبْرِيُّ وقِيلَ: هارٍ مَحْذُوفُ العَيْنِ لِفَرْعٍ لَهُ فَتَجْرِي الرّاءُ بِوُجُوهِ الإعْرابِ. وحَكى الكِسائِيُّ: تَهَوَّرَ وتَهَيَّرَ. ”أوّاهٌ“ كَثِيرُ قَوْلِ أوَّهْ، وهي اسْمُ فِعْلٍ بِمَعْنى أتَوَجَّعُ، ووَزْنُهُ فَعّالٌ لِلْمُبالَغَةِ. فَقِياسُ الفِعْلِ أنْ يَكُونَ ثُلاثِيًّا، وقَدْ حَكاهُ قُطْرُبٌ، حَكى آهَ يَئُوهُ أوْهًا كَقالَ يَقُولُ قَوْلًا، ونُقِلَ عَنِ النَّحْوِيِّينَ أنَّهم أنْكَرُوا ذَلِكَ، وقالُوا: لَيْسَ مِن لَفْظِ أوَّهْ فِعْلٌ ثُلاثِيٌّ، إنَّما يُقالُ: أوَّهَ تَأْوِيها وتَأوَّهَ تَأوُّهًا. قالَ الرّاجِزُ: ؎فَأوَّهَ الدّاعِي وضَوْضَأ كَلْبُهُ وقالَ المُثَقَّبُ العَبْدِيُّ: ؎إذا ما قُمْتُ أرْحَلُها بِلَيْلٍ ∗∗∗ تَأوَّهُ آهَةَ الرَّجُلِ الحَزِينِ وفِي ”أوَّهْ“ اسْمِ الفِعْلِ لُغاتٌ ذُكِرَتْ في عِلْمِ النَّحْوِ. الظَّمَأُ: العَطَشُ الشَّدِيدُ، وهو مَصْدَرُ ظَمِئَ يَظْمَأُ فَهو ظَمْآنُ وهي ظَمْآنُ، ويُمَدُّ فَيُقالُ ظِماءٌ. الوادِي: ما انْخَفَضَ مِنَ الأصْلِ مُسْتَطِيلًا كَمَجارِي السُّيُولِ ونَحْوِها، وجَمَعَتْهُ العَرَبُ عَلى أوْدِيَةٍ ولَيْسَ بِقِياسِهِ، قالَ تَعالى: ﴿فَسالَتْ أوْدِيَةٌ بِقَدَرِها﴾ [الرعد: ١٧] وقِياسُهُ فَواعِلُ، لَكِنَّهُمُ اسْتَثْقَلُوهُ لِجَمْعِ الواوَيْنِ. قالَ النَّحّاسُ: ولا أعْرِفُ فاعِلًا وأفْعِلَةً سِواهُ، وذَكَرَ غَيْرُهُ نادٍ وأنْدِيَةً، قالَ الشّاعِرُ: ؎وفِيهِمْ مَقاماتٌ حِسانٌ وُجُوهُهُمُ ∗∗∗ وأنْدِيَةٌ يَنْتابُها القَوْلُ والفِعْلُ والنّادِي: المَجْلِسُ، وحَكى الفَرّاءُ في جَمْعِهِ أوْداءٌ، كَصاحِبٍ وأصْحابٍ، قالَ جَرِيرٌ: ؎عَرَفْتُ بِبُرْقَةِ الأوْداءِ رَسْمًا ∗∗∗ مُحِيلًا طالَ عَهْدُكَ مِن رُسُومِ وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: الوادِي كُلُّ مُنْعَرِجٍ مِن جِبالٍ وآكامٍ يَكُونُ مَنفَذًا لِلسَّيْلِ، وهو في الأصْلِ فاعِلٌ مِن ودِيَ إذا سالَ، ومِنهُ الوَدْيُ. وقَدْ شاعَ في اسْتِعْمالِ العَرَبِ بِمَعْنى الأرْضِ، تَقُولُ: لا تُصَلِّ في وادِي غَيْرِكَ. ﴿إنَّما السَّبِيلُ عَلى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وهم أغْنِياءُ رَضُوا بِأنْ يَكُونُوا مَعَ الخَوالِفِ وطَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهم لا يَعْلَمُونَ﴾: أثْبَتَ في حَقِّ المُنافِقِينَ ما نَفاهُ في حَقِّ المُحْسِنِينَ، فَدَلَّ لِأجْلِ المُقابَلَةِ أنَّ هَؤُلاءِ مُسِيئُونَ، وأيُّ إساءَةٍ أعْظَمُ مِنَ النِّفاقِ والتَّخَلُّفِ عَنِ الجِهادِ والرَّغْبَةِ بِأنْفُسِهِمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ، ولَيْسَتْ ”إنَّما“ لِلْحُصْرِ، إنَّما هي لِلْمُبالَغَةِ في التَّوْكِيدِ، والمَعْنى: إنَّما السَّبِيلُ في اللّائِمَةِ والعُقُوبَةِ والإثْمِ عَلى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ في التَّخَلُّفِ عَنِ الجِهادِ وهم قادِرُونَ عَلَيْهِ لِغِناهم، وكانَ خَبَرُ (السَّبِيلُ) ”عَلى“ وإنْ كانَ قَدْ فُصِلَ بِـ ”إلى“ كَما قالَتْ: ؎هَلْ مِن سَبِيلٍ إلى خَمْرٍ فَأشْرَبُها ∗∗∗ أمْ مِن سَبِيلٍ إلى نَصْرِ بْنِ حَجّاجِ لِأنَّ ”عَلى“ تَدُلُّ عَلى الِاسْتِعْلاءِ وقِلَّةِ مَنَعَةِ مَن دَخَلَتْ عَلَيْهِ، فَفَرْقٌ بَيْنَ: لا سَبِيلَ لِي عَلى زَيْدٍ، ولا سَبِيلَ لِي إلى زَيْدٍ. وهَذِهِ الآيَةُ في المُنافِقِينَ المُتَقَدِّمِ ذِكْرُهم: عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ، والجَدِّ بْنِ قَيْسٍ، ومُعَتِّبِ بْنِ قُشَيْرٍ، وغَيْرِهِمْ. و(رَضُوا): اسْتِئْنافٌ، كَأنَّهُ قِيلَ: ما بالُهُمُ اسْتَأْذَنُوا في القُعُودِ بِالمَدِينَةِ وهم قادِرُونَ عَلى الجِهادِ، فَقِيلَ: رَضُوا بِالدَّناءَةِ وانْتِظامِهِمْ في سِلْكِ الخَوالِفِ، وعُطِفَ (وطَبَعَ) تَنْبِيهًا عَلى أنَّ السَّبَبَ في تَخَلُّفِهِمْ رِضاهم بِالدَّناءَةِ. ﴿وطَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهم لا يَعْلَمُونَ﴾ ما يَتَرَتَّبُ عَلى الجِهادِ مِن مَنافِعَ الدِّينِ والدُّنْيا. ﴿يَعْتَذِرُونَ إلَيْكم إذا رَجَعْتُمْ إلَيْهِمْ قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكم قَدْ نَبَّأنا اللَّهُ مِن أخْبارِكم وسَيَرى اللَّهُ عَمَلَكم ورَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إلى عالِمِ الغَيْبِ والشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكم بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾: ﴿لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ﴾ عِلَّةٌ لِلنَّهْيِ عَنِ الِاعْتِذارِ، لِأنَّ غَرَضَ المُعْتَذِرِ أنْ يُصَدَّقَ فِيما يَعْتَذِرُ بِهِ، فَإذا عُلِمَ أنَّهُ مُكَذِّبٌ في اعْتِذارِهِ كُفَّ (p-٨٩)عَنْهُ. ﴿قَدْ نَبَّأنا اللَّهُ مِن أخْبارِكُمْ﴾ عِلَّةٌ لِانْتِفاءِ التَّصْدِيقِ، لِأنَّهُ تَعالى إذا أخْبَرَ الرَّسُولَ والمُؤْمِنِينَ بِما انْطَوَتْ عَلَيْهِ سَرائِرُهم مِنَ الشَّرِّ والفَسادِ، لَمْ يُمْكِنْ تَصْدِيقُهم في مَعاذِيرِهِمْ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: والإشارَةُ بِقَوْلِهِ: ﴿قَدْ نَبَّأنا اللَّهُ مِن أخْبارِكُمْ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿ما زادُوكم إلّا خَبالًا ولَأوْضَعُوا خِلالَكُمْ﴾ [التوبة: ٤٧]، ونَحْوُ هَذا. و(نَبَّأ) هُنا تَعَدَّتْ إلى مَفْعُولَيْنِ كَعَرَّفَ، نَحْوُ قَوْلِهِ: (مَن أنْبَأكَ هَذا)، والثّانِي هو (مِن أخْبارِكم)، أيْ: جُمْلَةٌ (مِن أخْبارِكم)، وعَلى رَأْيِ أبِي الحَسَنِ الأخْفَشِ تَكُونُ ”مِن“ زائِدَةً، أيْ: أخْبارَكم. وقِيلَ: نَبَّأ بِمَعْنى أعْلَمَ المُتَعَدِّيَةِ إلى ثَلاثَةٍ، والثّالِثُ مَحْذُوفٌ اخْتِصارًا لِدَلالَةِ الكَلامِ عَلَيْهِ، أيْ: مِن أخْبارِكم كَذِبًا أوْ نَحْوَهُ. (وسَيَرى اللَّهُ) تَوَعُّدٌ، أيْ: سَيَراهُ في حالِ وُجُودِهِ، فَيَقَعُ الجَزاءُ مِنهُ عَلَيْهِ إنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ وإنْ شَرًّا فَشَرٌّ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ﴿وسَيَرى اللَّهُ عَمَلَكُمْ﴾ أتُنِيبُونَ أمْ تَثْبُتُونَ عَلى الكُفْرِ، (ثُمَّ تُرَدُّونَ) إشارَةٌ إلى البَعْثِ مِنَ القُبُورِ، والتَّنَبُّؤِ بِأعْمالِهِمْ عِبارَةٌ عَنْ جَزائِهِمْ عَلَيْها. قالَ ابْنُ عِيسى: (وسَيَرى) لِجَعْلِهِ مِنَ الظُّهُورِ بِمَنزِلَةِ ما يُرى، ثُمَّ يُجازِي عَلَيْهِ. وقِيلَ: كانُوا يُظْهِرُونَ لِلرَّسُولِ عِنْدَ تَقْرِيرِهِمْ مَعاذِيرَهم حُبًّا وشَفَقَةً، فَقِيلَ: ﴿وسَيَرى اللَّهُ عَمَلَكُمْ﴾ هَلْ يَبْقَوْنَ عَلى ذَلِكَ أوْ لا يَبْقَوْنَ ؟ والغَيْبُ والشَّهادَةُ هُما جامِعانِ لِأعْمالِ العَبْدِ لا يَخْلُو مِنهُما. وفي ذَلِكَ دَلالَةٌ عَلى أنَّهُ مُطَّلِعٌ عَلى ضَمائِرِهِمْ كاطِّلاعِهِ عَلى ظَواهِرِهِمْ، لا تَفاوُتَ عِنْدَهُ في ذَلِكَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب