الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ ولا تَمُوتُنَّ إلا وأنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ ﴿واعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا ولا تَفَرَّقُوا﴾.
الخِطابُ بِهَذِهِ الآيَةِ يَعُمُّ جَمِيعَ المُؤْمِنِينَ، والمَقْصُودُ بِهِ وقْتَ نُزُولِها الأوسُ والخَزْرَجُ الَّذِينَ شَجَرَ بَيْنَهم بِسِعايَةِ شاسِ بْنِ قَيْسٍ ما شَجَرَ.
وتُقاةٌ: مَصْدَرٌ وزْنُهُ فُعْلَةٌ، أصْلُهُ تُقْيَةٌ، وقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ: ﴿إلا أنْ تَتَّقُوا مِنهم تُقاةً﴾ [آل عمران: ٢٨]، ويَصِحُّ أنْ تَكُونَ التُقاةُ في هَذِهِ الآيَةِ جَمْعَ فاعِلٍ وإنْ كانَ لَمْ يَتَصَرَّفْ مِنهُ فَيَكُونَ كَرُماةٍ ورامٍ، أو يَكُونَ جَمْعَ تَقِيٍّ إذْ فَعِيلٌ وفاعِلٌ بِمَنزِلَةٍ، والمَعْنى عَلى هَذا: اتَّقُوا اللهَ كَما يَحِقُّ أنْ يَكُونَ مُتَّقُوهُ المُخْتَصُّونَ بِهِ، ولِذَلِكَ أُضِيفُوا إلى ضَمِيرِ اللهِ تَعالى.
واخْتَلَفَ العُلَماءُ في قَوْلِهِ: "حَقَّ تُقاتِهِ"؛ فَقالَتْ فِرْقَةٌ: نَزَلَتِ الآيَةُ عَلى عُمُومِ لَفْظِها، وألْزَمَتِ الأُمَّةَ أنْ تَتَّقِيَ اللهَ غايَةَ التَقْوى حَتّى لا يَقَعَ إخْلالٌ في شَيْءٍ مِنَ الأشْياءِ، ثُمَّ إنَّ اللهَ نَسَخَ ذَلِكَ عَنِ الأُمَّةِ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فاتَّقُوا اللهَ ما اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن: ١٦] وبِقَوْلِهِ ﴿لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إلا وُسْعَها﴾ [البقرة: ٢٨٦] قالَ ذَلِكَ قَتادَةُ والسُدِّيُّ والرَبِيعُ بْنُ أنَسٍ وابْنُ زَيْدٍ وغَيْرُهم.
وقالَتْ جَماعَةٌ مِن أهْلِ العِلْمِ: لا نَسْخَ في شَيْءٍ مِن هَذا، وهَذِهِ الآياتِ مُتَّفِقاتٌ، فَمَعْنى هَذِهِ: اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ فِيما اسْتَطَعْتُمْ، وذَلِكَ أنَّ "حَقَّ تُقاتِهِ" هو بِحَسَبِ أوامِرِهِ ونَواهِيهِ، وقَدْ جَعَلَ تَعالى الدِينَ يُسْرًا، وهَذا هو القَوْلُ الصَحِيحُ، وألّا يَعْصِيَ ابْنُ آدَمَ جُمْلَةً لا في صَغِيرَةٍ ولا في كَبِيرَةٍ وألّا يَفْتُرَ في العِبادَةِ، أمْرٌ مُتَعَذِّرٌ في جِبِلَّةِ البَشَرِ، ولَوْ كَلَّفَ اللهُ هَذا لَكانَ تَكْلِيفَ ما لا يُطاقُ، ولَمْ يَلْتَزِمْ ذَلِكَ أحَدٌ في تَأْوِيلِ هَذِهِ (p-٣٠٥)الآيَةِ، وإنَّما عَبَّرُوا في تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ بِأنْ قالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ: "حَقَّ تُقاتِهِ": هو أنْ يُطاعَ فَلا يُعْصى، ويُشْكَرَ فَلا يُكْفَرُ، ويُذْكَرَ فَلا يُنْسى، وكَذَلِكَ عَبَّرَ الرَبِيعُ بْنُ خَيْثَمَ وقَتادَةُ والحَسَنُ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ: مَعْنى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ﴾: جاهِدُوا في اللهِ حَقَّ جِهادِهِ، ولا نَسْخَ في الآيَةِ. وقالَ طاوُوسُ في مَعْنى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ﴾: يَقُولُ تَعالى: إنْ لَمْ تَتَّقُوهُ ولَمْ تَسْتَطِيعُوا ذَلِكَ فَلا تَمُوتُنَّ إلّا وأنْتُمْ مُسْلِمُونَ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلا تَمُوتُنَّ إلا وأنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ مَعْناهُ: دُومُوا عَلى الإسْلامِ حَتّى يُوافِيَكُمُ المَوْتُ وأنْتُمْ عَلَيْهِ. هَكَذا هو وجْهُ الأمْرِ في المَعْنى، وجاءَتِ العِبارَةُ عَلى هَذا النَظْمِ الرائِقِ الوَجِيزِ، ونَظِيرُهُ ما حَكى سِيبَوَيْهِ مِن قَوْلِهِمْ: لا أرَيَنَّكَ هاهُنا، وإنَّما المُرادُ: لا تَكُنْ هُنا فَتَكُونُ رُؤْيَتِي لَكَ. و"مُسْلِمُونَ" في هَذِهِ الآيَةِ: هو المَعْنى الجامِعُ في التَصْدِيقِ والأعْمالِ، وهو الدِينُ عِنْدَ اللهِ وهو الَّذِي بُنِيَ عَلى خَمْسٍ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿واعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا﴾ مَعْناهُ تَمَنَّعُوا وتَحَصَّنُوا بِهِ، فَقَدْ يَكُونُ الِاعْتِصامُ بِالتَمَسُّكِ بِاليَدِ، وبِارْتِقاءِ القُنَنِ، وبِغَيْرِ ذَلِكَ مِمّا هو مَنَعَةٌ، ومِنهُ الأعْصَمُ في الجَبَلِ، ومِنهُ عِصْمَةُ النِكاحِ، والحَبْلُ في هَذِهِ الآيَةِ مُسْتَعارٌ، لَمّا كانَ السَبَبُ الَّذِي يُعْتَصَمُ بِهِ وصْلَةً مُمْتَدَّةً بَيْنَ العاصِمِ والمَعْصُومِ ونِسْبَةً بَيْنَهُما شَبَّهَ ذَلِكَ بِالحَبْلِ الَّذِي شَأْنُهُ أنْ يَصِلَ شَيْئًا بِشَيْءٍ، وتُسَمّى العُهُودُ والمَواثِيقُ حِبالًا، ومِنهُ قَوْلُ الأعْشى:
؎ وإذا تُجَوِّزُها حِبالُ قَبِيلَةٍ أخَذَتْ مِنَ الأدْنى إلَيْكَ حِبالَها
ومِنهُ قَوْلُ الآخَرِ:
؎ إنِّي بِحَبْلِكِ واصِلٌ حَبْلِي... ∗∗∗.....................
(p-٣٠٦)وَمِنهُ قَوْلُ اللهِ تَعالى: ﴿إلا بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ وحَبْلٍ مِنَ الناسِ﴾ [آل عمران: ١١٢].
واخْتَلَفَتْ عِبارَةُ المُفَسِّرِينَ في المُرادِ في هَذِهِ الآيَةِ بِحَبْلِ اللهِ؛ فَقالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: حَبْلُ اللهِ: الجَماعَةُ. ورَوى أنَسُ بْنُ مالِكٍ عَنِ النَبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: « "إنَّ بَنِي إسْرائِيلَ افْتَرَقُوا عَلى إحْدى وسَبْعِينَ فِرْقَةً، وإنَّ أُمَّتِي سَتَفْتَرِقُ عَلى اثْنَتَيْنِ وسَبْعِينَ فِرْقَةً كُلُّها في النارِ إلّا واحِدَةً قالَ: فَقِيلَ: يا رَسُولَ اللهِ، وما هَذِهِ الواحِدَةُ؟ قالَ: فَقَبَضَ يَدَهُ وقالَ: الجَماعَةُ، وقَرَأ: ﴿واعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا﴾.» وقالَ ابْنُ مَسْعُودٍ في خُطْبَةٍ: عَلَيْكم جَمِيعًا بِالطاعَةِ والجَماعَةِ فَإنَّها حَبْلُ اللهِ الَّذِي أمَرَ بِهِ. وقالَ قَتادَةُ رَحِمَهُ اللهُ: حَبْلُ اللهِ الَّذِي أمَرَ بِالِاعْتِصامِ بِهِ: هو القُرْآنُ. وقالَ السُدِّيُّ: حَبْلُ اللهِ: كِتابُ اللهِ، وقالَهُ أيْضًا ابْنُ مَسْعُودٍ والضَحّاكُ. ورَوى أبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ: قالَ: « "كِتابُ اللهِ هو حَبْلُ اللهِ المَمْدُودُ مِنَ السَماءِ إلى الأرْضِ".» وقالَ أبُو العالِيَةِ: حَبْلُ اللهِ في هَذِهِ الآيَةِ: هو الإخْلاصُ في التَوْحِيدِ. وقالَ ابْنُ زَيْدٍ: حَبْلُ اللهِ: هو الإسْلامُ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وقِيلَ غَيْرُ هَذا مِمّا هو كُلُّهُ قَرِيبٌ بَعْضُهُ مِن بَعْضٍ.
وقَوْلُهُ تَعالى: "جَمِيعًا" حالٌ مِنَ الضَمِيرِ في قَوْلِهِ: "اعْتَصِمُوا"، فالمَعْنى: كُونُوا في اعْتِصامِكم مُجْتَمِعِينَ،."وَلا تَفَرَّقُوا" يُرِيدُ التَفَرُّقَ الَّذِي لا يَتَأتّى مَعَهُ الِائْتِلافُ عَلى الجِهادِ وحِمايَةُ الدِينِ وكَلِمَةِ اللهِ تَعالى. وهَذا هو الِافْتِراقُ بِالفِتَنِ والِافْتِراقُ في العَقائِدِ، وأمّا الِافْتِراقُ في مَسائِلِ الفُرُوعِ والفِقْهِ فَلَيْسَ يَدْخُلُ في هَذِهِ الآيَةِ. بَلْ ذَلِكَ، هو الَّذِي قالَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ: « "خِلافُ أُمَّتِي رَحْمَةٌ"» وقَدِ اخْتَلَفَ الصَحابَةُ في الفُرُوعِ (p-٣٠٧)أشَدَّ اخْتِلافٍ، وهم يَدٌ واحِدَةٌ عَلى كُلِّ كافِرٍ.
وأمّا الفِتْنَةُ عَلى عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ فَمِنَ التَفَرُّقِ المَنهِيِّ عنهُ، أما إنَّ التَأْوِيلَ هو الَّذِي أدْخَلَ في ذَلِكَ أكْثَرَ مَن دَخَلَهُ مِنَ الصَحابَةِ رَضِيَ اللهُ عن جَمِيعِهِمْ.
***
قوله عزّ وجلّ:
﴿واذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكم إذْ كُنْتُمْ أعْداءً فَألَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكم فَأصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إخْوانًا وكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النارِ فَأنْقَذَكم مِنها كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهِ لَكم آياتِهِ لَعَلَّكم تَهْتَدُونَ﴾.
هَذِهِ الآيَةُ تَدُلُّ عَلى أنَّ الخِطابَ بِهَذِهِ الآيَةِ إنَّما هو لِلْأوسِ والخَزْرَجِ، وذَلِكَ أنَّ العَرَبَ وإنْ كانَ هَذا اللَفْظُ يَصْلُحُ في جَمِيعِها، فَإنَّها لَمْ تَكُنْ في وقْتِ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ اجْتَمَعَتْ عَلى الإسْلامِ ولا تَألَّفَتْ قُلُوبُها، وإنَّما كانَتْ في قِصَّةِ شاسِ بْنِ قَيْسٍ في صَدْرِ الهِجْرَةِ، وحِينَئِذٍ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ، فَهي في الأوسِ والخَزْرَجِ، كانَتْ بَيْنَهم عَداوَةٌ وحُرُوبٌ، مِنها يَوْمُ بُعاثٍ وغَيْرُهُ، وكانَتْ تِلْكَ الحُرُوبُ والعَداوَةُ قَدْ دامَتْ بَيْنَ الحَيَّيْنِ مِائَةً وعِشْرِينَ سَنَةً، حَتّى رَفَعَها اللهُ بِالإسْلامِ، فَجاءَ النَفَرُ السِتَّةُ مِنَ الأنْصارِ إلى مَكَّةَ حُجّاجًا، فَعَرَضَ رَسُولُ اللهِ ﷺ نَفْسَهُ عَلَيْهِمْ، وتَلا عَلَيْهِمُ القُرْآنَ كَما كانَ يَصْنَعُ مَعَ قَبائِلِ العَرَبِ، فَآمَنُوا بِهِ، وأرادَ الخُرُوجَ مَعَهم فَقالُوا: يا رَسُولَ اللهِ، إنْ قَدِمْتَ بِلادُنا عَلى ما بَيْنَنا مِنَ العَداوَةِ والحَرْبِ؛ خِفْنا أنْ لا يَتِمَّ ما نُرِيدُهُ مِنكَ، ولَكِنْ نَمْضِي نَحْنُ ونُشِيعُ أمْرَكَ ونُداخِلُ الناسَ، ومَوْعِدُنا وإيّاكَ العامُ المُقْبِلُ، فَمَضَوْا وفَعَلُوا. وجاءَتِ الأنْصارُ في العامِ التالِي، فَكانَتِ العَقَبَةُ الثانِيَةُ وكانُوا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا، فِيهِمْ خَمْسَةٌ مِنَ السِتَّةِ الأوَّلِينَ، ثُمَّ جاؤُوا مِنَ العامِ الثالِثِ فَكانَتْ بَيْعَةُ العَقَبَةِ الكُبْرى، حَضَرَها سَبْعُونَ وفِيهِمُ اثْنا عَشَرَ نَقِيبًا؛ ووَصْفُ هَذِهِ القِصَّةِ مُسْتَوْعَبٌ في سِيرَةِ ابْنِ هِشامٍ.
ويَسَّرَ اللهُ تَعالى الأنْصارَ لِلْإسْلامِ بِوَجْهَيْنِ، أحَدُهُما أنَّ بَنِي إسْرائِيلَ كانُوا مُجاوِرِينَ لَهم وكانُوا يَقُولُونَ لِمَن يَتَوَعَّدُونَهُ مِنَ العَرَبِ: يُبْعَثُ لَنا نَبِيٌّ الآنَ نَقْتُلُكم مَعَهُ قَتْلَ عادٍ وإرَمَ، فَلَمّا رَأى النَفَرُ مِنَ الأنْصارِ مُحَمَّدًا ﷺ، قالَ بَعْضُهم لِبَعْضٍ: هَذا واللهِ النَبِيُّ الَّذِي تَذْكُرُهُ بَنُو إسْرائِيلَ فَلا تُسْبَقُنَّ إلَيْهِ. والوَجْهُ الآخَرُ: الحَرْبُ الَّتِي كانَتْ ضَرَّسَتْهم (p-٣٠٨)وَأفْنَتْ سَراتَهُمْ، فَرَجَوْا أنْ يَجْمَعَ اللهُ بِهِ كَلِمَتَهم كالَّذِي كانَ، فَعَدَّدَ اللهُ تَعالى عَلَيْهِمْ نِعْمَتَهُ في تَأْلِيفِهِمْ بَعْدَ العَداوَةِ، وذَكَّرَهم بِها.
وقَوْلُهُ تَعالى: "فَأصْبَحْتُمْ" عِبارَةٌ عَنِ الاسْتِمْرارِ، وإنْ كانَتِ اللَفْظَةُ مَخْصُوصَةً بِوَقْتٍ ما. وإنَّما خُصَّتْ هَذِهِ اللَفْظَةُ بِهَذا المَعْنى مِن حَيْثُ هي مَبْدَأُ النَهارِ، وفِيها مَبْدَأُ الأعْمالِ، فالحالُ الَّتِي يُحِسُّها المَرْءُ مِن نَفْسِهِ فِيها هي حالُهُ الَّتِي يَسْتَمِرُّ عَلَيْها يَوْمَهُ في الأغْلَبِ، ومِنهُ قَوْلُ الرَبِيعِ بْنِ ضَبْعٍ:
أصْبَحْتُ لا أحْمِلُ السِلاحَ ولا أمْلِكُ رَأْسَ البَعِيرِ إنْ نَفَرا
والإخْوانُ: جَمْعُ أخٍ، ويُجْمَعُ إخْوَةً، وهَذانِ أشْهَرُ الجَمْعِ فِيهِ، عَلى أنَّ سِيبَوَيْهِ رَحِمَهُ اللهُ يَرى أنَّ إخْوَةً اسْمُ جَمْعٍ، ولَيْسَ بِبِناءِ جَمْعٍ لِأنَّ فَعَلًا لا يُجْمَعُ عَلى فِعْلَةٍ، قالَ بَعْضُ الناسِ الأخُ في الدِينِ يُجْمَعُ إخْوانًا، والأخُ في النَسَبِ يُجْمَعُ إخْوَةً: هَكَذا كَثُرَ اسْتِعْمالُهم.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وفِي كِتابِ اللهِ تَعالى: ﴿إنَّما المُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ﴾ [الحجرات: ١٠] وفِيهِ: ﴿أو بَنِي إخْوانِهِنَّ﴾ [النور: ٣١] فالصَحِيحُ أنَّهُما يُقالانِ في النَسَبِ، ويُقالانِ في الدِينِ.
والشَفا: حَرْفُ كُلِّ جِرْمٍ لَهُ مَهْوىً، كالحُفْرَةِ والبِئْرِ والجُرُفِ والسَقْفِ والجِدارِ ونَحْوِهِ، ويُضافُ في الِاسْتِعْمالِ إلى الأعْلى، كَقَوْلِهِ: "شَفا جُرُفٍ" وإلى الأسْفَلِ كَقَوْلِهِ: "شَفا حُفْرَةٍ"، ويُثَنّى شَفَوانِ. فَشَبَّهَ تَعالى كُفْرَهُمُ الَّذِي كانُوا عَلَيْهِ وحَرْبَهُمُ المُدْنِيَةَ مِنَ المَوْتِ بِالشَفا، لِأنَّهم كانُوا يَسْقُطُونَ في جَهَنَّمَ دَأْبًا فَأنْقَذَهُمُ اللهُ بِالإسْلامِ، والضَمِيرُ في "مِنها" عائِدٌ عَلى النارِ أو عَلى الحُفْرَةِ، والعَوْدُ عَلى الأقْرَبِ أحْسَنُ، وقالَ بَعْضُ (p-٣٠٩)الناسِ، حَكاهُ الطَبَرِيُّ: إنَّ الضَمِيرَ عائِدٌ عَلى الشَفا، وأنَّثَ الضَمِيرَ مِن حَيْثُ كانَ الشَفا مُضافًا إلى مُؤَنَّثٍ، فالآيَةُ كَقَوْلِ جَرِيرٍ:
؎ رَأتْ مَرَّ السِنِينَ أخَذْنَ مِنِّي كَما أخَذَ السِرارُ مِنَ الهِلالِ
إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأمْثِلَةِ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
ولَيْسَ الأمْرُ كَما ذَكَرَ، والآيَةُ لا يُحْتاجُ فِيها إلى هَذِهِ الصِناعَةِ، إلّا لَوْ لَمْ تَجِدْ مَعادًا لِلضَّمِيرِ إلّا الشَفا، وأمّا ومَعَنا لَفْظٌ مُؤَنَّثٌ يَعُودُ الضَمِيرُ عَلَيْهِ، يُعَضِّدُهُ المَعْنى المُتَكَلَّمُ فِيهِ، فَلا يُحْتاجُ إلى تِلْكَ الصِناعَةِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكم آياتِهِ﴾ إشارَةٌ إلى ما بَيَّنَ في هَذِهِ الآياتِ، أيْ: فَكَذَلِكَ يُبَيِّنُ لَكم غَيْرَها. وقَوْلُهُ: "لَعَلَّكُمْ" تَرَجٍّ في حَقِّ البَشَرِ، أيْ: مَن تَأمَّلَ مِنكُمُ الحالَ رَجا الِاهْتِداءَ.
{"ayahs_start":102,"ayahs":["یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ","وَٱعۡتَصِمُوا۟ بِحَبۡلِ ٱللَّهِ جَمِیعࣰا وَلَا تَفَرَّقُوا۟ۚ وَٱذۡكُرُوا۟ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَیۡكُمۡ إِذۡ كُنتُمۡ أَعۡدَاۤءࣰ فَأَلَّفَ بَیۡنَ قُلُوبِكُمۡ فَأَصۡبَحۡتُم بِنِعۡمَتِهِۦۤ إِخۡوَ ٰنࣰا وَكُنتُمۡ عَلَىٰ شَفَا حُفۡرَةࣲ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنۡهَاۗ كَذَ ٰلِكَ یُبَیِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ ءَایَـٰتِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ"],"ayah":"وَٱعۡتَصِمُوا۟ بِحَبۡلِ ٱللَّهِ جَمِیعࣰا وَلَا تَفَرَّقُوا۟ۚ وَٱذۡكُرُوا۟ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَیۡكُمۡ إِذۡ كُنتُمۡ أَعۡدَاۤءࣰ فَأَلَّفَ بَیۡنَ قُلُوبِكُمۡ فَأَصۡبَحۡتُم بِنِعۡمَتِهِۦۤ إِخۡوَ ٰنࣰا وَكُنتُمۡ عَلَىٰ شَفَا حُفۡرَةࣲ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنۡهَاۗ كَذَ ٰلِكَ یُبَیِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ ءَایَـٰتِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق